جلسة 19 من يناير سنة 2014
الطعنان رقما 31133 و 31521 لسنة 54 القضائية (عليا)
(الدائرة السابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبو زيد شلال نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد محمد مجاهد راشد، وجمال إبراهيم إبراهيم خضير، وحسن محمود سعداوي محمد، ود. مجدي صالح يوسف الجارحي نواب رئيس مجلس الدولة
---------------
دعوى:
الحكم في الدعوى- التنازل عن الحكم- التنازل عن الحكم جائز؛ فالخصومة ملك للخصوم، وحجية الحكم نسبية، وتنفيذ الحكم يعتمد أساسا على إرادة الخصم الذي صدر لمصلحته الحكم، فإذا ما قرر التنازل عنه فإن هذا أمر مشروع، ويفقد الحكم فاعليته- يترتب على التنازل عن الحكم انقضاء الخصومة التي صدر فيها، كما يمتنع على المتنازل عن الحكم تجديد المطالبة بالحق الذي رفعت به الدعوى- القاعدة العامة هي نهائية التنازل في القانون الإداري، وعدم جواز العدول (الرجوع) عن التنازل، مادام قد تم صحيحا، فمتى قام المدعي بالتنازل عن حكم صادر لمصلحته بتسوية حالته أو بإلغاء قرار إداري، وكانت الجهة الإدارية قد أخذت في اعتبارها هذا التنازل وعاملته على أساسه، فإنه لا يجوز للمحكوم له بعد ذلك أن يتنصل منه على أي وجه من الوجوه، مادام قد صدر صحيحا- التنازل عن الحكم أو شيء منه ينشئ دفعا بعدم قبول الدعوى التي يعاد رفعها عن الموضوع نفسه، وهو دفع من النظام العام، تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها- تطبيق: التنازل الموثق بمكتب التوثيق هو تنازل قانوني رسمي تتوفر فيه جميع الشروط القانونية اللازمة للأخذ به، والاعتداد بما تضمنه، وإعمال مقتضاه قانونا.
- المادة (145) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
----------------
الوقائع
- في يوم الأربعاء الموافق 25/6/2008 أودع وكيل الطاعن في الطعن الأول قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد بجدولها برقم 31133 لسنة 54 القضائية (عليا)، وذلك طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 32850 لسنة 57ق بجلسة 30/4/2008، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحة المدعي في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق عن محكمة القضاء الإداري، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وإلزام المدعي والجهة الإدارية المصروفات مناصفة.
وطلب الطاعن -للأسباب التي أوراها بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه فيما تضمنه من القضاء برفض ما عدا ذلك من طلبات، والقضاء مجددا بأحقيته في طلباته التي رفضها الحكم المطعون فيه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.
- وفي يوم الأحد الموافق 29/6/2008 أودع وكيل الطاعن (بصفته) في الطعن الثاني قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد بجدولها برقم 31521 لسنة 54 القضائية عليا، وذلك طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة المشار إليه.
وطلب الطاعن (بصفته) -للأسباب التي أوردها بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه فيما قضى به من إلغاء القرار السلبي بامتناع الجهاز عن تنفيذ الحكم رقم 4583 لسنة 49ق، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وجرى إعلان تقريري الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيه الحكم بالنسبة للطعن رقم 31133 لسنة 54ق.عليا، بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا:
(أولا) بإلغاء القرارات المطعون فيها أرقام 265 لسنة 1997 و1228 لسنة 1990 و1528 لسنة 1993 و1814 لسنة 1996و598 لسنة 2003، فيما تضمنته هذه القرارات من تخطي الطاعن في الترقية إلى وظيفة مراجع مساعد، ومراجع، ومراجع أول، ومراقب من الفئة الثانية، وتخطيه في الندب لوظيفة رئيس شعبة ومراقب حسابات (أ) من الفئة الأولى.
(ثانيا) إلزام جهة الإدارة المطعون ضدها أن تؤدي إلى الطاعن التعويض المناسب الذي تقدره عدالة المحكمة جبرا للأضرار التي لحقت به على النحو المبين بالأسباب، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
وبالنسبة للطعن رقم 31521 لسنة 54ق.عليا: قبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، مع إلزام الطاعن والمطعون ضده المصروفات مناصفة.
وتدوول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة السابعة) على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 1/7/2012 قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى الدائرة السابقة موضوع لنظرهما بجلسة 11/11/2012، حيث تدوول نظرهما أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 26/9/2013، قررت المحكمة حجز الطعنين للحكم بجلسة 27/10/2013، ثم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة، وبهذه الجلسة صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطاعن في الطعن الأول يهدف من طعنه إلى الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه فيما قضى به من رفض ما عدا ذلك من طلبات، والقضاء مجددا بأحقيته في طلباته التي رفضها الحكم الطعين، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.
وحيث إن الطاعن (بصفته) في الطعن الثاني يهدف من طعنه إلى الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه فيما قضى به من إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحة المدعي في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق عن محكمة القضاء الإداري، مع ما يترتب على ذلك من آثار، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وحيث إن الطعنين الماثلين قد استوفيا جميع أوضاعهما المقررة قانونا، فمن ثم يكونان مقبولين شكلا.
وحيث إن عناصر النزاع الماثل تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن المدعي (الطاعن في الطعن الأول والمطعون ضده في الطعن الثاني)، أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بتاريخ 25/9/2003، طالبا الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع: (أولا) إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري الصادر لمصلحته في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق، و(ثانيا) إلغاء قرارات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أرقام: 265 لسنة 1987 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية لوظيفة مراجع مساعد اعتبارا من 19/4/1987، و1228 لسنة 1990 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية لوظيفة مراجع اعتبارا من 1/6/1990، و1528 لسنة 1993 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مراجع أول اعتبارا من 30/6/1993، و1814 لسنة 1996 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مراقب من الفئة الثانية بمجموعة الوظائف الفنية الرقابية بالإدارة المركزية اعتبارا من 1/7/1996، مع ما يترتب على ذلك من آثار، والقرار رقم 598 لسنة 2003 فيما تضمنه من تخطيه في الندب لوظيفة رئيس شعبة ومراقب حسابات (أ) من الفئة الأولى اعتبارا من 25/5/2003، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الجهة الإدارية التعويض المناسب لما أصابه من أضرار، وإلزامها المصروفات.
وقال المدعي شرحا للدعوى إنه حصل على ليسانس الحقوق عام 1983، وبتاريخ 16/3/1985 عين بوظيفة مراجع تحت التمرين بالجهاز المركزي للمحاسبات، وتمت تسوية حالته الوظيفية بضم ثلاثة أرباع مدة عمله بمهنة المحاماة، حيث أرجعت أقدميته في وظيفة مراجع تحت التمرين إلى 13/5/1984، ويشغل حاليا وظيفة مراقب، وسبق له إقامة الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق أمام محكمة القضاء الإداري لإعادة تسوية حالته الوظيفية بحساب كل مدة خدمته بالمحاماة من تاريخ قيده وحتى تاريخ تعيينه، وبجلسة 22/4/1996 صدر الحكم في تلك الدعوى، حيث أجابته المحكمة إلى طلباته وقضت له بها، وطعن الجهاز على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 4782 لسنة 42ق.ع، وقد تقدم بتاريخ 19/6/1996 بتظلم من القرارات محل الدعوى الماثلة، ثم تنازل عن التظلم المشار إليه، كما تنازل عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته نتيجة إكراهه من قبل الجهاز المدعى عليه، وذلك بتاريخ 26/6/1996.
وأضاف المدعي أن المحكمة الإدارية العليا حكمت بإجماع الآراء في الطعن رقم 4782 لسنة 42ق.عليا بجلسة 10/3/2003 بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، فتقدم على إثر ذلك بتاريخ 9/4/2003 بتظلم إلى رئيس الجهاز يلتمس فيه تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري السابق صدوره لمصلحته، كما تقدم بالتماسين مؤرخين في 27/4/2003 و3/5/2003، أوضح فيهما الآثار التي يلتمس ترتيبها كأثر لتنفيذ الحكم الصادر لمصلحته، وقد فوجئ بصدور القرار رقم 598 لسنة 2003 بندب جميع شاغلي وظيفة مراقب إلى وظيفة رئيس شعبة، دون أن يشمله، فتظلم منه بتاريخ 14/6/2003، ثم لجأ إلى لجنة التوفيق في المنازعات بتاريخ 15/7/2003، وبتاريخ 20/9/2003 وردت للجهاز المدعى عليه فتوى إدارة الفتوى لرئاسة الجمهورية التي انتهت إلى وجوب تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتحصن القرارات موضوع التظلم لفوات مواعيد الطعن عليها، وإزاء عدم تنفيذ الجهاز المدعى عليه للحكم المشار إليه فقد أصيب بأضرار مادية وأدبية يستحق عنها تعويضا ماديا مناسبا، واختتم المدعي دعواه بطلباته المذكورة آنفا.
وبجلسة 30/4/2008 أصدرت المحكمة المذكورة حكمها في الدعوى بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحة المدعي في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق عن محكمة القضاء الإداري، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وإلزام المدعي والجهة الإدارية المصروفات مناصفة.
وشيدت المحكمة قضاءها المذكور -بعد استعراضها لنص المادة (52) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972- تأسيسا على أن نظام القضاء الإداري يقوم طبقا لقانون مجلس الدولة على أن الأحكام الصادرة عن محاكم مجلس الدولة تكون حائزة حجية الأمر المقضي به من تاريخ صدورها حتى لو طعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا، ما لم تأمر دائرة فحص الطعون بوقف تنفيذ الحكم، فتوقف حجيته، وأن الثابت من الأوراق أن الجهاز المركزي للمحاسبات قد قام بالطعن على الحكم الصادر لمصلحة المدعي أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 4782 لسنة 42ق.عليا، وقدمت الجهة الإدارية التنازل السابق تقديمه من المدعي عن ذلك الحكم الصادر لمصلحته إلى المحكمة الإدارية العليا عند نظرها الطعن المشار إليه، وقضت المحكمة رغم ذلك برفض طعن الجهة الإدارية المشار إليه على ذلك الحكم، وهو ما يعد سببا صحيحا للحكم بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحة المدعي عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق.
وبالنسبة لطلب المدعي إلغاء القرارات أرقام 265/1997 و1228 لسنة 1990 و1528 لسنة 1993 و1814 لسنة 1996 و598 لسنة 2003 فيما تضمنته من تخطيه على النحو المشار إليه سلفا، فبعد استعراضها لنص المادة (24) من قانون مجلس الدولة، قضت المحكمة بقبول الدعوى بشأنها شكلا، تأسيسا على أن المركز القانوني للمدعي لم يستقر إلا بتاريخ صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بجلسة 10/3/2003 برفض طعن الجهة الإدارية على الحكم الصادر لمصلحته المشار إليه، وأنه تظلم بتاريخ 9/4/2003 لتنفيذ الحكم، وما يترتب على ذلك من آثار، منها إلغاء قرارات تخطيه في الترقية، ولجأ إلى لجنة التوفيق في المنازعات بالطلب رقم 606 لسنة 2003 بتاريخ 15/7/2003، والتي أصدرت توصيتها بحفظ الطلب بتاريخ 22/10/2003 بعد أن أقام دعواه بتاريخ 25/9/2003، ومن ثم تكون مقبولة شكلا.
وبالنسبة لموضوع الدعوى فبعد استعراضها لأحكام المواد أرقام (1) و(6) و(14) و(15) من لائحة العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات، قالت المحكمة إنه لما كان المدعي يطالب بإلغاء القرارات المشار إليها، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك استنادا إلى صدور حكم محكمة القضاء الإداري بأحقيته في حساب مدة خبرته العملية بمهنة المحاماة كاملة، وكانت هذه المدة طبقا لقرار رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 230 لسنة 1986، ولما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا، لا تعد مدة خدمة فعلية بالمعنى الذي عناه القرار المشار إليه والقضاء، فمن ثم يكون طلب المدعي إلغاء القرارات المشار إليها لا أساس له من القانون، وهو ما يتعين معه القضاء برفض هذا الطلب.
وأردفت المحكمة أنه عن طلب التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالمدعي نتيجة عدم تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق فإن التنازل السابق للمدعي عن تنفيذ الحكم المشار إليه ساهم في الخطأ، وأصبحت الجهة الإدارية بعده في حل من تنفيذه، إلى أن عاد وطالب مرة أخرى بتنفيذه في عام 2003، كما أن الأوراق قد خلت مما يفيد وقوع أي ضرر على المدعي من جراء ذلك، مما يتعين معه القضاء برفض هذا الطلب.
وخلصت المحكمة إلى حكمها المشار إليه.
- ولم يرتض المدعي (الطاعن الأول والمطعون ضده في الطعن الثاني) بهذا الحكم، فطعن عليه بالطعن رقم 31133 لسنة 54ق.عليا، وذلك فيما قضى به من رفض ما عدا ذلك من طلبات، وذلك تأسيسا على أسباب حاصلها الآتي:
(أولا) بالنسبة لرفض طلب إلغاء قرارات الترقية المطعون عليها: نعى المدعي على الحكم الطعين مخالفته للقانون على سند من القول بأن لائحة العاملين بالجهاز قد قررت الحق في الطعن على القرارات التي تمت بعد العمل باللائحة في 27/7/1982 استنادا إلى الأقدميات المرتبة على حساب مدد الخبرة السابقة باعتبارها مدد خدمة فعلية بالجهاز، وهو ما يقتضي إلغاء هذا الشق من الحكم المطعون فيه.
وأضاف الطاعن أن الحكم الطعين قد شابه الخطأ في تطبيق القانون وتفسيره ومخالفة مبدأ المشروعية، وذلك لأن المستفاد من لائحة العاملين بالجهاز أن مدد الخبرة السابقة تحسب للعاملين بالجهاز طبقا للقواعد المعمول بها بشأن العاملين المدنيين بالدولة، وتعد مدد الخبرة العملية السابقة التي تم حسابها مدد خدمة فعلية ضمن المدد البينية والكلية بالجهاز، وأن القول بأن قرار رئيس الجهاز رقم 230 لسنة 1986 يستبعد مدد الخبرة السابقة من مدد الخبرة الفعلية هو قول يخالف الدستور ويخالف مبدأ المشروعية، ويخالف لائحة العاملين بالجهاز التي لها قوة القانون، فضلا عن مخالفته لمبادئ وأحكام المحكمة الإدارية العليا وفتاوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وذلك على النحو المبين تفصيلا بصحيفة التقرير بالطعن، وهو ما يقتضي إلغاء هذا الشق من الحكم المطعون فيه.
(ثانيا) بالنسبة لرفض طلب منح الطاعن علاوة خبرة وعلاوة دورية في 1/7/1985: قال الطاعن إنه طلب ذلك في صحيفة دعواه، إلا أن الحكم الطعين لم يناقش هذا الطلب، سواء بالإيجاب أو الرفض، رغم أنه يستحق ذلك طبقا للائحة العاملين بالجهاز بعد حساب مدة خبرته العملية كاملة بمهنة المحاماة، ومن ثم يكون الحكم الطعين قد خالف حكم القانون، مما يقتضي القضاء بإلغائه في هذا الشق.
(ثالثا) بالنسبة لرفض طلب التعويض: نعى المدعي (الطاعن) على الحكم الطعين عدم صحة ما استند إليه من أن تنازله عن الحكم الصادر لمصلحته كان صادرا عن إرادة حرة؛ لأن التنازل المشار إليه لم يكن كذلك، بل كان وليد إكراه، ومن ثم فهو لم يساهم في خطأ جهة الإدارة، كما أن ركن الضرر قد تحقق نتيجة تصرف المطعون ضده، حيث تمثلت الأضرار الأدبية في عدم تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته، وعدم تعديل أقدميته، وعدم ترقيته مثل زملائه، وتمثلت الأضرار المادية في حرمانه من مزايا مالية كثيرة، مثل عدم تدرج مرتبه مثل زملائه، وعدم منحه علاوة الخبرة، وعدم منحه علاوات الترقية في مواعيدها مثل زملائه، وكذا العلاوات الدورية، وهو ما يقتضي إلغاء هذا الشق من الحكم.
وخلص الطاعن مما تقدم إلى طلب الحكم له بطلباته المبينة آنفا.
- ولم يرتض المدعى عليه (المطعون ضده في الطعن الأول والطاعن بصفته في الطعن الثاني) هذا الحكم فيما قضى به من إلغاء قرار الجهاز السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم رقم 4583 لسنة 49ق الصادر لمصلحة المطعون ضده، فطعن عليه بالطعن رقم 31521 لسنة 54ق.عليا، تأسيسا على أن الحكم المطعون عليه -في هذا الشق من قضائه- قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وذلك على سند من القول بأنه طبقا لقانون المرافعات فإن النزول عن الحكم يستتبع النزول عن الحق الثابت به، وذلك بما يؤدي إلى زوال هذا الحق وانقضائه، ومن ثم امتناع المطالبة به مستقبلا، والثابت من الأوراق أن المطعون ضده قد تنازل عن حقه في تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق في تنازل موثق بالشهر العقاري، وهو ما أقر به الحكم الطعين في حيثياته، ولا يغير منه ما زعمه المطعون ضده من أن هذا التنازل صدر عنه نتيجة إكراه؛ لأنه لا يزيد عن كونه قولا مرسلا لا دليل عليه، ولا يغير من حقيقة الأمر شيئا، فضلا عن أنه لا يقبل أن يأتي بعد سبع سنوات ويزعم وجود هذا الإكراه، فهو زعم غير مقبول، سواء من الناحية القانونية أو المنطقية، ومن ثم وإذ تجاهل الحكم الطعين كل ذلك فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون وجاء مشوبا بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، خاصة أن المحكمة الإدارية العليا لم تتعرض للتنازل المشار إليه من قريب أو بعيد بمناسبة تصديها للطعن الذي تمت إقامته على الحكم المشار إليه وحكمت برفضه موضوعا. وخلص الطاعن (بصفته) إلى طلب الحكم له بطلباته المبينة آنفا.
وحيث إنه من المسلم به في القانون الخاص أن التنازل عن الحكم جائز، فالخصومة ملك للخصوم، وأن حجية الحكم نسبية، وتنفيذ الحكم يعتمد أساسا على إرادة الخصم الذي صدر لمصلحته الحكم، فإذا ما قرر التنازل عنه فإن ذلك أمر مشروع تماما، مما يفقد الحكم فاعليته.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة وكذا إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة قد جريا على مشروعية التنازل عن الأحكام الصادرة في دعاوى التسوية، إذ إنه ليس هناك ما يمنع من تطبيق قواعد قانون المرافعات التي تجيز تنازل الخصم عن الحكم الصادر لمصلحته، وأن هذا المبدأ يطبق على الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري في دعاوى التسوية؛ لأن التنازل هنا يرد على حق شخصي.
وحيث إن المادة (145) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن "النزول عن الحكم يستتبع النزول عن الحق الثابت به".
ومؤدى هذا النص أن تنازل الخصم عن الحكم الصادر له يترتب عليه انقضاء الخصومة التي صدر فيها، كما يمتنع على المتنازل عن الحكم تجديد المطالبة بالحق الذي رفعت به الدعوى؛ لأن الحكم كقاعدة عامة من شأنه أن يبين حقوق الخصوم التي كانت لهم قبل رفع الدعوى.
وحيث إن القاعدة العامة هي نهائية التنازل في القانون الإداري، وعدم جواز العدول (الرجوع) عن التنازل مادام قد تم صحيحا، فمتى قام المدعي بالتنازل عن حكم صادر لمصلحته بتسوية حالته، أو بإلغاء قرار إداري بتخطيه في الترقية، وأخذت الجهة الإدارية في اعتبارها هذا التنازل وعاملته على أساسه، فإنه لا يجوز للمدعي بعد ذلك أن يتنصل منه على أي وجه من الوجوه، مادام قد صدر صحيحا، والتنازل عن الحكم -أو شيء منه- ينشئ دفعا بعدم قبول الدعوى التي يعاد رفعها عن الموضوع نفسه، والدفع في هذه الحالة بعدم القبول لسبق التنازل عن الحكم هو من النظام العام، فتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق (حافظة مستندات الجهة الإدارية المقدمة أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 3/3/2010) أن المدعي (الطاعن في الطعن الأول والمطعون ضده في الطعن الثاني) قد أقر في إقرار موثق بالشهر العقاري بتاريخ 26/6/1996 بالتنازل عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق. بجلسة 22/4/1996، وكذا التنازل عن التظلم المقدم منه بتاريخ 19/6/1996 برقم 44 لسنة 1996 المتضمن مطالبته بتدرجه الوظيفي بناء على ذلك الحكم، وهو تنازل قانوني رسمي توفرت فيه جميع الشروط القانونية اللازمة للأخذ به والاعتداد بما تضمنه وإعمال مقتضاه قانونا، ومن ثم فإن هذا التنازل يستتبع –حتما- وطبقا لمقتضى نص المادة (145) من قانون المرافعات المشار إليها تنازل المدعي عن الحق الثابت له بموجب هذا الحكم، بما مؤداه انقضاء الخصومة التي صدر فيها، وكذا يمتنع عليه (المدعي المتنازل عن هذا الحكم) تجديد المطالبة بالحق الذي ثبت له بمقتضى ذلك الحكم، وما ترتب عليه من آثار ناشئة عنه أو مرتبطة به بحكم اللزوم الحتمي.
ولا ينال من ذلك ولا يغيره ما أورده المدعي في صحيفة دعواه من أن التنازل المشار إليه تم تحت إكراه، لأنه لا يزيد عن كونه مجرد قول مرسل خلت الأوراق من دليل يظاهره بأي شكل من الأشكال، كما لا ينال منه أو يغيره ما أورده الطاعن من أن التنازل المشار إليه قدم أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا أثناء نظرها للطعن الذي أقامته الجهة الإدارية على الحكم الصادر لمصلحته (المشار إليه)؛ لأن هذا القول مردود بأن المحكمة الإدارية العليا لم تتعرض للتنازل المشار إليه بحكم صريح، بل إنها لم تشر إلى هذا التنازل ولم تتناوله بأية إشارة من قريب أو بعيد، وليس معنى صدور حكمها في الطعن برفضه -والحال هذه- أنها أهدرت هذا التنازل بأي شكل من الأشكال، خاصة أن القاعدة العامة هي نهائية التنازل في القانون الإداري، وعدم جواز العدول عنه أو الرجوع فيه، مادام قد تم صحيحا.
وحيث إن المدعي (الطاعن في الطعن الأول والمطعون ضده في الطعن الثاني) قد أقام دعواه المطعون على الحكم الصادر فيها بالطعنين الماثلين، طالبا الحكم بقبولها شكلا وبإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري الصادر لمصلحته في الدعوى رقم 4583 لسنة 49 القضائية، وإلغاء قرارات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المشار إليها، والمرتبطة جميعها بالحكم الصادر لمصلحته المشار إليه، والمترتبة عليه والتي تعد تنفيذا له وإعمالا لمقتضاه، وهو الحكم الذي سبق له التنازل عنه بتاريخ 26/6/1996 تنازلا قانونيا سليما موثقا في الشهر العقاري؛ فمن ثم تكون هذه الدعوى غير مقبولة؛ لسابقة التنازل عن الحقوق المطالب بها بهذه الدعوى بمقتضى تنازله عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته في الدعوى رقم 4583 لسنة 49ق وعن التظلم المقدم منه بهذا الصدد على النحو المبين آنفا، وهو ما يتعين معه القضاء بعدم قبول تلك الدعوى؛ لسابقة التنازل عن الحقوق المطالب بها، وهو ما تقضي به المحكمة.
وحيث إن الحكم المطعون عليه قد خالف هذا النظر، فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون، جديرا بالقضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وهو ما تقضي به المحكمة، مع القضاء مجددا بعدم قبول الدعوى لسابقة التنازل عن الحقوق المطالب بها على النحو المبين بالأسباب.
وحيث إنه لما كان ذلك، وترتيبا عليه يضحى الطعن الأول رقم 31133 لسنة 54 القضائية (عليا) غير قائم على سند صحيح من الواقع والقانون، جديرا بالقضاء برفضه، وهو ما تقضي به المحكمة، ويضحى معه الطعن الثاني رقم 31521 لسنة 54 القضائية (عليا) قائما على أسبابه الصحيحة من الواقع والقانون، جديرا بالقضاء بقبوله موضوعا، وهو ما تقضي به المحكمة.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، وفي الموضوع برفض الطعن رقم 31133 لسنة 54 القضائية (عليا)، وقبول الطعن رقم 31521 لسنة 54ق.عليا موضوعا، وبإلغاء الحكم المطعون عليه، والقضاء مجددا بعدم قبول الدعوى لسابقة التنازل عن الحقوق المطالب بها، على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الطاعن في الطعن الأول المصروفات عن درجتي التقاضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق