الدعوى رقم 109 لسنة 18 ق "دستورية" جلسة 6 / 3 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من مارس سنة 2021م، الموافق الثاني والعشرين من رجب سنة 1442 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 109 لسنة 18 قضائية "دستورية".
المقامة من
أمجد وهيب إسكندر
ضــــــد
1– رئيس الجمهوريــة
2- رئيس مجلس الـوزراء
3- وزير الماليــة، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب على المبيعات
4- وزيـــر العــــــدل
5- النائـــب العــام
الإجــراءات
بتاريخ الثامن من أكتوبر سنة 1996، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (44 بند 10 و46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانـون رقم 11 لسنة 1991.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة قدمت المدعى، بصفته المدير المالي لإحدى شركات السياحة، إلى المحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 1940 لسنة 1994 جنح الغردقة، طالبة عقابه بالمواد(16، 41/1، 43، 44/1) من قانون الضريبة العامة على المبيعـات الصـادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، بوصف أنه في غضون عام 1993، بدائرة قسم الغردقة، تأخر عن تقديم إقرار ضريبة المبيعات وأداء الضريبة في المدة المحددة، على النحو المبين بالأوراق. تدوولت الدعوى بالجلسات، وبجلسة 24/7/1996، دفع المدعى بعدم دستورية المادتين (44، 46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه، لمخالفتهما المواد (2، 4، 34، 38، 40، 41، 66، 67، 68، 69، 165) من دستور 1971. وبالجلسة ذاتها، قررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 16/10/1996، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أنه " يُعد تهربًـا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة ما يأتي:
1 - عدم التقدم للمصلحة للتسجيل في المواعيد المحددة..................
10- انقضاء ثلاثين يومًا على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة دون الإقرار عنها وسدادها".
وتنص المادة (46) من ذلك القانون على أنه " في حالة وقوع أى فعل من أفعال التهرب من الضريبة من أحد الأشخاص المعنوية يكون المسئول عنه الشريك المسئول أو المديـر أو عضو مجلس الإدارة المنتدب أو رئيس مجلس الإدارة ممن يتولون الإدارة الفعلية بحسب الأحوال".
وحيث إن أحد أوجه النعي التي ساقها المدعى طعنًا على نص المادة (44) السالف بيانه إخلاله بالعدالة الضريبية في شأن العقوبات المقررة على ارتكاب جريمة التهرب من أداء الضريبة العامة على المبيعات. ولما كان النص المشار إليه لم يتضمن تلك العقوبات، وإنما أحال في شأنها إلى المادة (43) السابقة عليه. إذ كان ذلك، وكانت المادة (43) من ذلك القانون – قبل تعديلها بالقانون رقم 91 لسنة 1996 – ليست محلاً للدفع بعدم الدستورية، أو موضعًا لتصريح محكمة الموضوع بالطعن عليها، الأمر الذى يغدو معه نعى المدعى على العقوبات الجنائية البحتة، وتلك التي تجمع بين الجزاء والتعويض، المنصوص عليها في مادة العقوبات المشار إليها، بمثابة دعوى دستورية مباشرة طعنًا على ذلك النص، أقيمت بغير الطريق الذى حدده المشرع في البند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، متعينًا القضاء بعدم قبولها في حدود أوجه النص الفائت بيانه.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة بالنسبة للمادة (46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وذلك بحكمهـا الصادر بجلسة 3/2/2018، برفض الدعوى رقم 61 لسنة 21 قضائية "دستورية"، المقامة طعنًا على دستوريته، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددهــا رقم 6 مكرر (ب) بتاريخ 12/2/2018. ومن ثم فقد أصبح قضاؤها المشار إليه ملزمًا للكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، وتكون له حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أى جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها على هذه المحكمة من جديد لمراجعتها، وذلك نزولاً على مقتضى نص المادة (195) من الدستور القائم، ونصى المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الأمر الذى يكون معه القضاء بعدم قبول الدعوى، بالنسبة لنص المادة (46) السالف البيان، متعينًا.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد تدخلها في هذه الخصومة، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي.
وحيث إن رحى النزاع الموضوعي تدور حول ما نسبته النيابة العامة إلى المدعى، من تأخر المنشأة التي يعمل مديرًا ماليًّا لها، عن تقديم إقرار الضريبة العامة على المبيعات وسدادها، والتي استحقت عن شهري يوليو وأغسطس سنة 1993، وذلك لمدة جاوزت ثلاثين يومًا تالية لانتهاء المواعيد المقررة قانونًا. بما يعتبر معه انقضاء تلك المدة إحدى صور التهرب من الضريبة. ومن ثم، فإن الفصل في دستورية صدر نص المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، في مجال سريانه على البند رقم (10) من المادة ذاتها، الذى قصر المدعى مناعيه الدستورية عليه، يرتب انعكاسًا أكيدًا ومباشرًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على ذلك النص، في حدود هذا النطاق وحده، دون غيره من بنود تلك المادة، وعلى الأخص بندها رقم (1)، الذى وإن ورد في قيد النيابة العامة للاتهام المسند للمدعى، إلا أن وصفها قد خلا من تطبيق له على وقائع الدعوى الموضوعية، كما لم تمتد إليه مناعي المدعى في الدعوى الدستورية.
ولا ينال من توافر المصلحة في النطاق الذى تحددت به الدعوى المعروضة صدور القانون رقم 91 لسنة 1996 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، مستبدلاً بنص البند (10) من المادة (44) السالف بيانها، النص الآتي: " انقضاء ستين يومًا على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة دون الإقرار عنها وسدادها"، بالنظر إلى أن المهلة المقررة بالنص الأخير، مضافًا إليها مدة شهرين تاليين لانتهاء شهر المحاسبة، وفقًا لنص المادة الأولى من قرار وزير المالية رقم 190 لسنة 1991 – المنشور في الوقائع المصرية بالعدد 140 (تابع) بتاريخ 20 يونيو 1991 - ليس في إعمالها تغيير للمركز القانوني للمدعى في الدعوى الموضوعية، في شأن اتهامه بالتهرب من سداد الضريبة المستحقة خلال شهر يوليو سنة 1993، إذ يظل المدعى – وإن طُبق عليه النص المستبدل – مواجهًا بتهمة التهرب الضريبي عن الشهر الفائت ذكره، طالما أن أداء الضريبة تم في التاسع من شهر ديسمبر سنة 1993.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص الجنائي المطعون فيه، متى كان أصلح للمتهم، لا يحول دون النظر والفصل في دستوريته من ِقبَلِ من طُبّقَ عليهم ذلك النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالي توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن عليه. متى كان ذلك، وكانت المادة الثانية من مواد إصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة الصادر بالقانون رقم 67 لسنة 2016 نصت على أنه " يلغى قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991...... ". ونص ذلك القانون في المادة (67) منه على عقوبة السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجـاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين لمرتكب الاتهام المسند إلى المدعى في الدعوى الموضوعية، المنصوص عليه، بحصر أحكامه، بمقتضى نص المادة (68 بند 7) من قانون الضريبة على القيمة المضافة، بما لازمه عدم اعتبار ذلك القانون، قانونًا أصلح للمدعى، بعدما شدد عقوبة الفعل المسند إليه.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إهدار مبدأ أصل البراءة، والمساس باستقلال القضاء، بالمخالفة لنصوص المواد (4، 38، 65، 67، 68، 69، 86، 165، 166) من دستور 1971.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حمايتها للدستور، إنما ينصرف إلى الدستور القائم، إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعى، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذي صدر النص المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، ما دام هذا النص قد عُمِل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استُبدل نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه، قد استُبدل نص آخر به منذ تاريخ العمل بالقانون رقم 91 لسنة 1996، ومن ثم يتعين الاحتكام في شأن دستورية النص المطعون فيه، إلى دستور سنة 1971، الذى صدر النص المشار إليه وتم العمل بأحكامه إلى أن تم استبداله، خلال مدة سريان ذلك الدستور.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائي على أوجه السلوك التي تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التى ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعي ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.
وحيث إن النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات، يأتي على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها.
وحيث إن افتراض البراءة - على ما جرى به قضاء هـــذه المحكمة - يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتمًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتتكون من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفترض في الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، التي تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل هاتان الولايتان أو تتماسان، بل يتعين دومًا مراعاة الحدود التي فصل بها الدستور بينهما، فلا تباشر السلطة التشريعية غير اختصاصاتها التي بينتها المادة (86) من دستور 1971، ومن بينها سلطة إقرار التشريعات، ولا تتولى السلطة القضائية - من خلال محاكمها على اختلاف أنواعها ودرجاتها – إلا ولاية الفصل في المنازعات والخصومات التي أثبتتها لها المادة (165) من ذلك الدستور. كما استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن التجريم ليس عملاً قضائيًّا، وإنما هو عمل تشريعي أصيل، يتولاه المشرع، طبقًا لنص المادة (86) من دستور 1971، فيحدد ملاءمته، ونطاقه، ملتزمًا الضوابط الدستورية السالف ذكرها، ويبين – على نحو جلى، لا غموض فيه – النموذج القانوني، الذى يلتبس الفعل المادي، والركن المعنوي لهذا النموذج، وكافة شرائط هذا النموذج ومتطلباته، ثم يحدد العقوبة المقررة لذلك النموذج، وذلك كله إعمالاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، المنصوص عليه في المادة (66) من ذلك الدستور، التي تقضى بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون.
وحيث إن الضريبة – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها إسهامًا من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة، وأن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضمونًا وإطارًا للنظام الضريبي في البلاد إنما يقتضى بالضرورة أن يقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم، وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نائيًا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها.
وحيث إنه عن النعي بخروج النص المطعون فيه على مبدأ أصل البراءة، فإنه مردود؛ بأن ذلك النص لم يتخذ من تحقق الركن المادي للجريمة التي انتظمها البند رقم (10) منه، قرينة قانونية غير قابلة لإثبات عكسها، تقوم بها – وحدها – مسئولية جنائية مفترضة لمن يخالف الالتزام الوارد فيه، أو يهدر أصل براءة المخالف، بحسبان ذلك النص قد أقام فعل التهرب على انقضاء المدة التي حددها ذلك القانون، دون تقديم الإقرار وسداد الضريبة المستحقة، ولم يحل بين محكمة الموضوع – في ضوء التزامها المنصوص عليه في المادة (304) من قانون الإجراءات الجنائية – وبين التحقق بصورة يقينية من وقوع ركني جريمة التهرب الضريبي، ولم يصادر حق المتهم بالجرم المذكور في أن يدفع نسبته إليه بكافة أوجه الدفاع التي تواجه أدلة الاتهام التي ساقتها ضده النيابة العامة، سواء ما يتعلق منها بعناصر الركن المادي للجريمة، أو ما يتصل منها بالقصد الجنائي، الأمر الذى يكون معه النص المطعون فيه قد التزم حدود الشرعية الدستورية للنص الجنائي، وانضبط بقواعدها المقررة في شأن عدم افتراض المسئولية الجنائية بقرينة تحكمية تزحزح أصل البراءة.
وحيث إنه عن النعي بإخلال النص المطعون فيه باستقلال القضاء، فإنه مردود؛ بأن السلطة التشريعية - التي تختص وحدها بالتجريم - هي التي حددت نموذج الجريمة التي انتظمها ذلك النص، ملتزمة بالضوابط الدستورية للنص الجنائي من حيث صياغته بصــورة جلية ومحددة، لا لبس فيها ولا غموض، وجاءت عبارة هذا النص متضمنة الركن المادي للجريمة، وقوامه انقضاء ثلاثين يومًا على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة - التي أبانتها الفقرة الأولى من المادة (16) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وقرار وزير المالية رقم 190 لسنة 1991 السالف بيانه - دون الإقرار عنها وسدادها. كما أوجب النص توافر قصد عمدى يقارن الركن المادي، جوهره: العلم بعناصر هذا الركن، وإرادة تحقيق النتيجة المترتبة عليه، ممثلة في الإفلات من سداد الضريبة المستحقة على النشاط الخاضع لها. وفي المقابل، لم يتضمن النص المطعون فيه إلزام بالقضاء في الدعوى الجنائية المقامة عن الفعل الذي انتظمه ذلك النص على وجه محدد، إذ يناط بقاضي الموضوع وحده التحقق من توافر ركني الجريمة، فيحكم بالبراءة إن تخلف أحدهما، وبالإدانة متى تحقق كلاهما، ويستقل بتحديد العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى، دون أن يتسلط المشرع عليه – بحال – في تطبيقه لنموذج نص التجريم أو نص العقاب. ومن ثم، فإن قالة إهدار النص المطعون فيه لمبدأ استقلال القضاء، تكون فاقدة لسندها.
وحيث إن النص المطعون فيه، ترتيبًا على ما تقدم، لا يكون قد خالف أي من المواد (38، 65، 67، 69، 86، 165، 166) من دستور 1971، أو أي من أحكامه الأخرى، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق