الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 19 أبريل 2021

دستورية حظر وقف القضاة لتنفيذ العقوبة المقضي بها في جرائم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية

الدعوى رقم 64 لسنة 41 ق "دستورية" جلسة 6 / 3 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من مارس سنة 2021م، الموافق الثاني والعشرين من رجب سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عمــــاد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 64 لسنة 41 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة جنايات القاهرة - الدائرة التاسعة - بحكمها الصادر بجلسة 9/1/2019، ملف الدعوى رقم 4041 لسنة 2017 جنايات الدرب الأحمر، المقيدة برقم 3264 لسنة 2017 كلى جنوب القاهرة.


المقامة من

النيابة العامة

ضــد

كريم حسين محمد صالح


الإجـراءات
بتاريخ الحادي عشر من سبتمبر سنة 2019، ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة، ملف الدعوى رقم 4041 لسنة 2017 جنايات الدرب الأحمر، المقيدة برقم 3264 لسنة 2017 كلى جنوب القاهرة، بعد أن قضت محكمة جنايات القاهرة – الدائرة التاسعة - بجلسة 9/1/2019، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا؛ للفصل في دستورية الفقرة الخامسة من المادة الثانية من القانون رقم 102 لسنة 1985 بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد أسندت إلى كريم حسين محمد صالح، في الدعوى رقم 4041 لسنة 2017 جنايات الدرب الأحمر، المقيدة برقم 3264 لسنة 2017 كلى جنوب القاهرة، قيامه بتداول مطبوعات "المصحف الشريف" بدون ترخيص من الجهة المختصة "مجمع البحوث الإسلامية"، وقدمته للمحاكمة الجنائية، بطلب عقابه بالفقرة الأولى من المادة (1)، و الفقرتين الأولى والخامسة من المادة (2) من القانون رقم 102 لسنة 1985 بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية. وذلك على سند من أن قسم مباحث المصنفات الفنية، قام بضبط عدد يقارب ثلاثة آلاف نسخة من المصحف الشريف، لدى المكتبة المملوكة للمتهم ، مطبوعة على أوراق ملونة، بالمخالفة لقرار مجمع البحوث الإسلامية الصادر بتاريخ 31/12/2015 ، بحظر تلوين النص القرآني ذاته، واقتصار التلوين على أرقام الآيات، والأجزاء، والهامش فقط. وأفاد تقرير مجمع البحوث الإسلامية بأن نسخ المصاحف المضبوطة غير مرخص بتداولها لانتهاء مدة التصاريح المدونة عليها، ولا يجوز الطباعة بموجبها. وبجلسة 11/1/2018، قضت المحكمة غيابيًّا، بمعاقبة المتهم بالسجن مدة خمس سنوات، وتغريمه عشرة آلاف جنيه. وإثر تقدم المتهم للمحاكمة، أعيدت إجراءات نظر الدعوى، وإذ تراءى للمحكمة شبهة عدم دستورية الفقرة الخامسة من المادة الثانية من القانون رقم 102 لسنة 1985 المشار إليه، فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ أى من العقوبات الواردة في تلك المادة، فقد أحالت أوراق الدعوى إلى هذه المحكمة، للفصل في دستورية ذلك النص.

وحيث إن نصى الفقرتين الأولى والخامسة من المادة (2) من القانون رقم 102 لسنة 1985 بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية، يجريان على النحو الآتي :

- الفقرة الأولى: يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، كل من قام بطبع أو نشر أو توزيع أو عرض أو تداول المطبوعـــــات أو تداول التسجيلات المشار إليها في المادة السابقة بدون ترخيص أو بالمخالفة لشروطه ولو تم الطبع أو التسجيل في الخارج.

- الفقرة الخامسة: ولا يجوز الحكم بوقف تنفيذ أي من هذه العقوبات.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، لخلو حكم الإحالة من النصوص الدستورية المدعى مخالفتها، فإنه مردود: بأن من المقرر – في قضـاء هذه المحكمـة - أن ما نصت عليه المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا، من أن القرار الصادر من محكمة الموضوع بإحالة مسألة دستورية بذاتها إلى هذه المحكمة للفصل في مطابقة النصوص القانونية التي تثيرها للدستور، أو خروجها عليه، وكذلك صحيفة الدعوى التي يرفعها إليها خصم للفصل في بطلان النصوص المطعون عليها أو صحتها، يتعين أن يتضمنا " بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفة "، إنما يتغيا ألا يكون هذا القرار، أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها؛ ضمانًـا لتحديدها تحديدًا كافيًا يبلور مضمونهـا ونطاقهــــا، فلا تثير – بماهيتهــــا أو مداها - خفاء يحول دون إعداد ذوى الشأن جميعًا - ومن بينهم الحكومة - لدفاعهم بأوجهه المختلفة خلال المواعيد التي حددتها المادة (37) من قانون المحكمة الدستورية العليا، بل يكون بيانها لازمًا لمباشرة هيئة المفوضين – بعد انقضاء هذه المواعيد – لمهامها في شأن تحضير جوانبها، ثم إبدائها رأيًا محايدًا يكشف عن حكم الدستور والقانون بشأنها. ولما كان التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها – ومن خلال الربط المنطقي للوقائع المؤدية إليها- يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه حكم الإحالة أو الطاعن– حقًا من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة (30) المشار إليها، يكون لغوًا. لما كان ذلك، وكان حكم الإحالة قد أبان بجلاء موضع المخالفة للدستور – حسب ما ارتآه- مشيرًا إلى أن النص المحال من شأنه أن يقيد سلطة المحكمة في تفريد العقوبة، بما يُعد تدخلاً في أعمال اختص بها الدستور السلطة القضائية دون غيرها، ويمس استقلالها، فإنه يكون قد كشف عن موضع العوار الدستوري، ويضحى واضح الدلالة في بيان النصوص الدستورية المدعى بمخالفتها، وهى نصوص المواد (92، 94، 96، 184، 186) من الدستور القائـم، وأوجـه المخالفة، كما ارتأتها محكمة الموضوع، ويبرأ – من ثم - من قالة التجهيل بنصوص الدستور المدعى مخالفتها، الأمر الذى يكون معه هذا الدفع في غير محله، خليقًا برفضه.

وحيث إن المصلحة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان الثابت بأوراق الدعوى الموضوعية أن الاتهام المسند للمتهم في الدعوى الجنائية، ارتكابه جريمة تداول المصحف الشريف دون ترخيص من الجهة المختصة "مجمع البحوث الإسلامية"، وكان النص المحال قد شرع لهذه الجريمة عقوبتي السجن والغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، وحظر على المحكمة التي تنظر الدعوى الجنائية عن هذه الجريمة، وكذلك سائر الجرائم المؤثمة بنص تلك المادة، عند قضائها بالإدانة، إعمال الرخصة المخولة لها بموجب نصى المادتين (55، 56) من قانون العقوبات، المتعلقة بأحكام وقف تنفيذ العقوبة، ومن ثم فإن نطاق الدعوى المعروضة والمصلحة فيها يتحددان، بما تضمنه نص الفقرة الخامسة من المادة (2) من القانون رقم 102 لسنة 1985 المشار إليه، من حظر وقف تنفيذ أي من العقوبات المقررة لصور الجريمة الواردة في الفقرة الأولى من هذه المادة، لما للقضاء في دستورية هذا النص – في حدود نطاقه المتقدم - من أثر ينعكس على سلطة محكمة الموضوع – إذا انتهت إلى إدانة المتهم - في وقف تنفيذ العقوبة التي تقضى بها في الدعوى الجنائية.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على الفقرة الخامسة من المادة (2) من القانون المشار إليه، فيما نصت عليه من أنه "لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ أي من هذه العقوبات"، الانتقاص من صلاحيات المحكمة في تفريد العقوبة، وهو ما يمثل افتئاتًا على استقلالها وحريتها في تقدير العقوبة، مما يوقع هذا النص في حومة مخالفة أحكام المواد (92، 94، 96، 184، 186) من الدستور.

وحيث إنه من المقرر أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلاً ثابتًا كضمان ضد التحكم، فلا يؤثم القاضي أفعالاً ينتقيها، ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره، إشباعًا لنزوة أو انفلاتًا عن الحق والعدل. وصار التأثيم بالتالي عائدًا إلى المشرع، إذ يقرر للجرائم التي يحدثها، عقوباتها التي تناسبها. ويفسر هذا المبدأ؛ بأن القيم الجوهرية التي يصدر القانون الجنائي لحمايتها، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التي انتخبها المواطنون لتمثيلهم، وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضيها أن تكون بيدها سلطة التقرير في شأن تحديد الأفعال التي يجوز تأثيمها وعقوباتها، لضمان مشروعيتها.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن العدالة - في غاياتها – لا تنفصل علاقاتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلاً لأهدافها، فإذا ما زاغ المشرع ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان منهيًّا للتوافق في مجال تنفيذه، ومسقطًا كل قيمة لوجوده، ومستوجبًا تغييره أو إلغاءه، ذلك أن العدالة الجنائية في جوهر ملامحها، هي التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا. وذلك منظورًا إليه في ضوء الموازنة بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة، تبلغ في شدتها حدًّا، تفتقر معه إلى الصلة العضوية بجسامة فعله وظروف ارتكابه للجريمة، بحيث يظل التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا تجوز معاملة المتهمين بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه: أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وتقرير استثناء من هذا الأصل- أيًّا كانت الأغراض التي يتوخاها – مؤداه: أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض، ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاضٍ سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، في الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها. وأن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها، دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا فجًّا منافيًا لقيم الحق والعدل.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر- كذلك- على أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد، عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة، أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقـاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمــة ما يبعث على الاعتقـاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتسـاند القاضي إليها- بحسب ظروف كل دعوى- لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة.

وحيث إن العقوبات التي رصدها المشرع بمقتضى المادة الثانية من القانون رقم 102 لسنة 1985 بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية، لكل من قام بطبع أو نشر أو توزيع أو عرض أو تداول المصحف الشريف والأحاديث النبوية، بدون ترخيص بذلك من مجمع البحوث الإسلامية، هي عقوبتا السجن والغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه ، وهى عقوبات تتناسب مع خطورة وفداحة الإثم المجرم، على نحو ما أفصحت عنه الأعمال التحضيرية للقانون المار بيانه، إذ إنه حال إعداد مشروع هذا القانون، رُصِدَت عقوبتا الحبس، والغرامة التي لا تجاوز ثلاثة ألاف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، لكل من قام بطبع أو نشر أو توزيع أو عرض للتداول المصحف الشريف أو الأحاديث النبوية بدون ترخيص بذلك من مجمع البحوث الإسلامية. إلا أن اللجنة المشتركة من لجنتي الشئون الدينية والاجتماعية والأوقاف والشئون الدستورية، والتشريعية بمجلس الشعب، ارتأت تعديل النص المقترح، بتشديد العقوبة، لتكون السجن وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه. واستندت في ذلك، إلى ضرورة تشديد عقوبة الخروج على شروط ترخيص طبع وتداول المصحف الشريف والأحاديث النبوية، حتى يتحقق الردع لكل من يخالف هذه الشروط . وكان رائد اللجنة في هذا التشديد، أنه إذا كانت جريمة التزوير في أوراق رسمية مقررًا لها عقوبة الجناية، فمن باب أولى، يجب أن يكون فعل التحريف في المصحف الشريف، وهو كلام الله، وفى أحاديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) جناية يعاقب عليها بالسجن. وللعلة ذاتها، أضافت اللجنة إلى عجز الفقرة الأولى من تلك المادة عبارة "ولو تم الطبع في الخارج"، حتى لا تكون هناك وسيلة للإفلات من العقاب، مع النص على مضاعفة العقوبة في حالة العود، وعدم جواز وقف تنفيذ العقوبة، ومصادرة المطبوعات وتسليمها للأزهر الشريف، للتصرف فيها، وفقًا للقواعد التي يحددها شيخ الأزهر.

وحيث إن تشديد العقاب على النحو السالف ذكره، لا يمنع المحكمة من إنزال عقوبة السجن بالقدر الذي يتناسب مع جرم كل متهم، في الحدود الواردة بنص المادة (16) من قانون العقوبات، التي تتراوح من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة، وتقدير عقوبة الغرامة، بين حدين، يبلغ أدناهما ثلاثة آلاف جنيه، ويبلغ أقصاهما عشرة آلاف جنيه. وفضلاً عن ذلك فإن عقوبتي السجن والغرامة المشار إليهما، وإن كانتا من العقوبات غير التخييرية، فإن المشرع لم يسلب سلطة المحكمة في استعمال الرأفة مع المتهم إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك، إعمالاً لنص المادة (17) من قانون العقوبات، التي تخولها النزول بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.

وحيث إن الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها، باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها. فمن ثم يتعين لاتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاءً لمصلحة عامة لها اعتبارها، وبين الوسائل التي انتهجها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تكون مدخلاً لها.

ولما كان وقف تنفيذ العقوبات، الذى يُعد أحد الأدوات التشريعية التي يتساند إليها القاضي- بحسب ظروف كل دعوى - لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، يجد مجاله الطبيعي في مواد الجنايات والجنح التي يحكم فيها بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة، إذا رأت المحكمة من الظـروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون، على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، ومن ثم فلا ينسحب نظام وقف التنفيذ إلى الجرائم التي يحكم فيها بعقوبة السجن، طبقًا للقواعد العامة.

وحيث إن الأصل في وقف تنفيذ العقوبة أنه أحد أدوات تفريدها، التي يملكها القاضي في العقوبات قصيرة المدة، إلا أن حرمانه منها مشروط بأن يكون في أحوال استثنائية محددة، يقدرها المشرع لعلة مبررة اقتضتها مصلحة عامة جوهرية، ويخضع في تقديره لها، لرقابة المحكمة الدستورية العليا، سبرًا لمبرراته، وتقييمًا لمسوغاته، بحيث لا يطلقه المشرع دون ضابط، أو يقرره دون مقتض، بل بوصفه الوسيلة التي لا غنى عنها لبلوغ الأهداف والغايات التي رصدها، وسعى إلى تحقيقها من تأثيم الفعـل وتحديد العقوبة المناسبة له، منظورًا في كل ذلك، إلى أن مشروعية حظر استخدام هذه الوسيلة من الوجهة الدستورية، رهن بتناسب ذلك مع تلك الغايات والأهداف، وارتباطه بها ارتباطًا منطقيًا وعقليًا، ليكون مدخلًا لها، وكافلًا تحقيقها.

وحيث إن القرآن الكريم هو تنزيل رب العالمين على قلب رسوله الكريم، فهو كلام الله العظيم، المتعبد بتلاوته، وهو خالد خلود الذات الإلهية، إذ إنه صفة فيها، لا تنفصم عنها. لذلك توعد الله سبحانه وتعالى كل من يجترىء على جلال كلام ذاته الإلهية، بزيادة أو نقصان أو تعديل أو تبديل، بالوعيد الشديد، إذ يقول جل في علاه " فَوَيۡلٌ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيۡلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ " (سورة البقرة: الآية 79). ولقداسة هذا الكلام، وحتى لا يتدخل أى إنسان في كلام الله، وهو من ذاته العلية، أورد الله حظرًا ووعيدًا شديدًا، حتى على رسوله الكريم أن يحرف في كلامه العظيم، إذ قال عن رسوله الكريم " وَلَو تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ * لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ * " (سورة الحاقة: الآيات 44 – 47 ).

وحيث كان ما تقدم، وكان رائد المشرع في حظر الحكم بوقف تنفيذ أي من العقوبات المقررة للجريمة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة (2) من القانون رقم 102 لسنة 1985، آنف الذكر، الحفاظ على كتاب الله، لقدسيته الكبيرة، عماد الدين الإسلامي – دين الدولة - والمصدر الأساسي لمبادئ الشريعة الإسلامية، والذي تستقى منه تشريعات الدولة، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بكيانها. وكان المشرع في سبيل تحقيق تلك المصلحة الحاجية، قد وسد لمجمع البحوث الإسلامية - وهو أحد مؤسسات الأزهر الشريف التليدة - القيام بمهمة الترخيص بطباعة المصحف الشريف، وكذا الترخيص بعدد ما يطرح منه للتداول خلال فترة زمنية يحددها، بعد مراجعته لكافة السور والآيات القرآنية التي اشتمل عليها، وذلك حفاظًا عليه، ورقابة على صحة وسلامة ما يطرح منه للتداول، لتعهد الله عز وجل بحفظه. " إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " . وعلى ذلك، فإن الترخيص الصادر من مجمع البحوث الإسلامية بتداول نسخ المصحف الشريف على النحو المتقدم، بمثابة شهادة لصحة وسلامة ما ورد فيه، ويلتزم كل من يطرح للتداول نسخًا منه، أن يتيقن ابتداءً من صدور هذا الترخيص، وإلا تعرض للعقوبة المرصودة بالنص التشريعي المحال، ويكون الجرم أعظم إذا كان تاجرًا، ولذا أورد النص التشريعي المحال حدودًا دنيا وقصوى للعقوبة المرصودة لكل من يرتكب هذه الجريمة، تاركًا للمحكمة أن توقع من بينها ما يناســب كل حالة، ذلك أن الاستهانة في الحصول على الترخيـص اللازم لطبع ونشر وتوزيع وتداول المصحـف الشريـف، أو التيقن من صـدور هذا الترخيص، أمر جلل، يتعين مؤاخذة فاعله على نحو يردعه، ويحول دون مجاراة غيره في ارتكاب الإثم ذاته، تقديرًا بأن من يتعمد هذا الفعل، على جسامته، لتعلقه بآيات المولى عز وجل، إنما يستهين بثوابت الدين الإسلامي، التي يُعد الذود عنها، ورعايتها، وكفالتها، مصلحة عامة جوهرية لها اعتبارها، والتعدي عليها يمثل جرمًا يجب أن يواجه بالردع الكافي، وهو أمر لا يتحقـق من خلال نظام وقف التنفيذ، الذي يعمد إلى الاكتفاء بالتهديد بتنفيذ العقوبـة الموقوفـة، إذا ما عاد الجاني إلى الإجـرام مرة أخرى. وكان تحقيـق الغايات والأهـداف المتقدمة، هو الدافع لإيراد قيد حظر وقف تنفيذ العقوبة المقضي بها، باعتباره الوسيلة التي سعى المشرع بتقريرها إلى بلوغها. وقد ابتنى هذا الاستثناء على مبررات موضوعية تسوغـه من الوجهة الدستوريــة، لتناسـبه مع تلك الأغراض المشروعة، بما يكفل تحقيقها، ويرتبط بها برابطة عقلية ومنطقية، الأمر الذى يكون معـه النص المحـال - في النطاق المحدد سلفًا - إذ منع المحكمة الجنائية من إعمال سلطتها في وقف تنفيذ العقوبة الواردة فيـه، مع بقاء سلطتها في استعمال باقي أدوات التفريد العقابي الأخـرى، على نحــو ما سلف بيانه، يكون قد قام على استثناء مبرر، تدعمه مصلحة جوهرية مشروعة تسوغه، وواقعًا في دائرة السلطة التقديرية للمشرع، التي التزم في شأنهـا الضوابـط الدستورية، فـلا يكـون - تبعًا لذلك - قد أخل بمبدأ الفصـل بين السلطات، ولا باستقلال السلطة القضائية، أو تَضَمَن تدخلًا في شئون العدالة أو القضاء، الذى حظره الدستور، الأمر الذى يبرأ به هذا النص من مظنة مخالفة نصوص المواد (92 94، 96، 184، 186) من الدستور.
وحيث إن النص المحال لا يخالف أي حكم آخر في الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق