جلسة 24 من مارس سنة 2014
برئاسة السيد القاضي/ علي محمد علي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ نبيل أحمد صادق، د. حسن البدراوي، حسام هشام صادق وإيهاب الميداني نواب رئيس المحكمة.
-----------------
(73)
الطعنان 18507 ، 15808 لسنة 80 القضائية
(1 ، 2) بنوك. موطن "موطن الأعمال".
(1) مباشرة الشخص الطبيعي أو الاعتباري المصري أو الأجنبي نشاطا تجاريا أو حرفة في مصر. أثره. اعتبار مكان مزاولته النشاط موطنا له بالنسبة لهذا النشاط ولو كان موطنه الأصلي في الخارج. المواد 13/ 5 مرافعات، 41، 53/ 2 مدني.
(2) عدم وجود فرع أو وكيل لبنك أجنبي في مصر. أثره. عدم جواز ممارسته لأي نشاط مصرفي أو تجاري. وجود مكتب تمثيل له في مصر. لا أثر له.
(3 - 6) اختصاص "الاختصاص القضائي الدولي".
(3) الخضوع الاختياري للقضاء الوطني. ماهيته. اتفاق الخصوم صراحة أو ضمنا على قبول ولاية القضاء المصري لنظر النزاع حال كونه غير خاضع في الأصل لاختصاصه. م32 مرافعات.
(4) الاتفاق السالب لاختصاص المحاكم الوطنية. ماهيته. اتفاق الأطراف على الخضوع اختياريا لقضاء دولة أجنبية رغم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر النزاع. سكوت المشرع عن النص على أثر ذلك الاتفاق. عدم اعتباره رفضا له.
(5) مبدأ قبول التخلي عن اختصاص المحاكم المصرية في الدعاوى الداخلة في اختصاصها. سبق إقراره في التشريعات المصرية. مثال. جواز الاتفاق على إجراء التحكيم في مصر أو خارجها وعدم خضوع الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار يقع في الخارج لاختصاص القضاء المصري. علة ذلك.
(6) قبول تخلي القضاء المصري عن اختصاصه لصالح قضاء دولة أخرى بناء على اتفاق الأطراف. شرطه.
(7) حكم "تسبيب الأحكام: ما لا يعيب تسبيب الأحكام: القصور في الأسباب القانونية والتقريرات القانونية الخاطئة".
اشتمال أسباب الحكم على تقريرات قانونية خاطئة. لا أثر له. لمحكمة النقض تصحيح هذا الخطأ دون أن تنقض الحكم. "مثال: بشأن اعتبار أحد الخصوم خصما غير حقيقي في الدعوى رغم أنه وجهت إليه فيها طلبات موضوعية".
(8) اختصاص "الاختصاص القضائي الدولي".
الإحالة إلى المحكمة المختصة. اقتصارها على المنازعات الداخلية المرددة بين جهات القضاء دون الاختصاص القضائي الدولي.
----------------
1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن النص في المادة 41 من القانون المدني على أن "المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة يعتبر موطنا بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة، والنص في المادة 53/ 2 من ذات القانون على أن الشركات التي يكون مركز إدارتها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في مصر يعتبر مركز إدارتها بالنسبة إلى القانون الداخلي "أي موطنها" هو المكان الذي توجد به الإدارة المحلية"، والنص في المادة 13/ 5 من قانون المرافعات على أنه "فيما يتعلق بالشركات الأجنبية التي لها فرع أو وكيل بجمهورية مصر العربية تسلم الإعلانات الخاصة بها إلى هذا الفرع أو الوكيل"، مفاده أن المشرع قصر الدعاوى التي تقام على الشركات الأجنبية التي تزاول نشاطا في مصر على ما تقوم به تلك الشركات من نشاط تجاري أو حرفي في مصر واعتبار إدارتها المحلية موطنا لها.
2 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه تأسيسا على أن البنك المطعون ضده ليس له فرع أو وكيل بمصر وأنه لا تجوز له ممارسة أي نشاط مصرفي أو تجاري بمصر بما في ذلك نشاط الوكلاء التجاريين وأعمال الوساطة المالية وفقا لكتاب البنك المركزي المؤرخ 22/ 8/ 2006 وأن مكتب التمثيل الموجود بمصر لا يعد عنوانا له، وكان ذلك كافيا لإقامة قضاء الحكم المطعون فيه فإن النعي عليه بما سلف يكون على غير أساس.
3 - إن النص في المادة 32 من قانون المرافعات على أن "تختص محاكم الجمهورية بالفصل في الدعوى ولو لم تكن داخلة في اختصاصها طبقا للمواد السابقة إذا قبل الخصم ولايتها صراحة أو ضمنا" مفاده أن المشرع أضاف لحالات ضوابط اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعاوى، ضابطا آخر هو "ضابط إرادة الخصوم" ذلك عندما يتفقون صراحة أو ضمنا على قبول ولاية القضاء المصري لنظر النزاع حال أن النزاع غير خاضع في الأصل لاختصاص محاكمها وفقا للضوابط الواردة على سبيل الحصر في المواد من 28 وحتى 31 من القانون السالف، وهو المعروف "بالخضوع الاختياري للقضاء الوطني".
4 - إن المشرع لم يواجه أثر الاتفاق السالب للاختصاص عندما يتفق الأطراف على الخضوع اختياريا لقضاء دولة أجنبية رغم اختصاص المحاكم الوطنية بالنزاع، وهو ما يؤدي إلى تخلي هذه المحاكم عن نظر الدعوى، إلا أن هذا السكوت لا يمكن اعتباره رفضا من المشرع وتمسكه باختصاص المحاكم الوطنية.
5 - إن المشرع المصري سبق وأن أخذ بمبدأ قبول التخلي عن اختصاص محاكمه - للدعاوى التي تدخل في اختصاصها وفقا لضوابط الاختصاص المنصوص عليها بقانون المرافعات - في حالة اتفاق الأطراف على التحكيم سواء في مصر أو خارجها والتي يتعين معه أن تقضي المحكمة بعدم قبول الدعوى لسابقة الاتفاق على التحكيم، بالإضافة إلى أن المشرع استثنى في المادتين 28 و29 من قانون المرافعات الحالي الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار يقع في الخارج من الخضوع لاختصاصه ولو أقيمت الدعوى على المصري أو الأجنبي لاعتبارات تتعلق بمبدأ الملائمة.
6 - إن قبول القضاء الوطني التخلي عن اختصاصه لصالح قضاء دولة أخرى بناء على اتفاق الأطراف وفق ما سلف يفترض أن يتصف النزاع بالصفة الدولية وأن يكون تخلي المحاكم المصرية عن اختصاصها لا يمس بالسيادة المصرية أو النظام العام في مصر، فضلا عن ضرورة وجود رابطة جدية بين النزاع المطروح ودولة المحكمة التي اتفق على الخضوع لولايتها وأن يقر القانون الأجنبي سلامة الاتفاق المانح للاختصاص تلافيا لتنازع الاختصاص إيجابا أو سلبا، وأن تقدير توافر الضوابط سالفة الذكر مما يدخل في تقدير محكمة الموضوع الخاضع لرقابة محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن كلا الطاعنين والبنك المطعون ضده سبق أن اتفقوا على خضوع الاتفاقات المبرمة بينهم موضوع النزاع لاختصاص محكمة جيرسي - جزيرة ... - وقوانينها "وهي مسألة ليست محل خلاف بين أطرافه"، وكان الثابت من مطالعة الحكم الصادر من المحكمة العليا بنيويورك وترجمته الرسمية المقدم من الطاعن في الطعن رقم 15808 لسنة 80 ق أن كلا الطاعنين في الطعنين سبق أن أقاما دعوى ضد البنك المطعون ضده عن ذات الاتفاقات موضوع النزاع أمام المحكمة العليا بولاية نيويورك الأمريكية في غضون عام 1999 وقضى فيها بتاريخ الأول من أغسطس سنة 2000 بعدم اختصاص المحكمة واختصاص محكمة جيرسي - جزيرة ... - بنظر النزاع، كما أن الثابت من الأوراق أن الطاعن سالف الذكر اتفق مع البنك المطعون ضده عن نفسه وبصفته وكيلا عن شقيقته الطاعنة في الطعن الأول أن يقوم البنك بسحب مبالغ من حسابهما لدى بنك .... بدولة سويسرا بناء على تلك الاتفاقات مقابل تسهيلات تتيح لهما التعامل والمتاجرة في العملات الأجنبية من خلال فرع البنك بجيرسي - جزيرة ... - وغرفتي البنك التجارية بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ودولة سنغافورة، بما يتصف معه النزاع بالصبغة الدولية لكون البنك المطعون ضده أجنبيا - أمريكي - وأن التعاملات جميعها تمت من خلال البنك بجزيرة جيرسي وفرعيه بولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ودولة سنغافورة خارج الإقليم المصري فضلا عن انتفاء الرابطة الجدية الوثيقة بين النزاع والإقليم المصري بما لا يهدد سيادته وارتباطه جديا بدولة المحكمة التي اتفق على الخضوع لولايتها - جزيرة .... - باعتبارها المحكمة الأكثر ملاءمة لنظر النزاع وتفعيلا لمبدأ قوة نفاذ الأحكام، لا سيما أن القضاء الأمريكي في الحكم الصادر من المحكمة العليا بولاية نيويورك أقر اختصاص محكمة جزيرة ... بنظر النزاع ونفاذ قوانينها في مواجهة تلك الاتفاقات والتعاملات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قضى بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعويين الأصلية والفرعية لسبق اتفاق كلا الطاعنين والبنك المطعون ضده على خضوع الاتفاقات المبرمة بينهم محل المنازعة للاختصاص القضائي وقوانين جزيرة ...، فضلا عن أن البنك المطعون ضده لا يمارس نشاطا مصرفيا بمصر وفق كتاب البنك المركزي المشار إليه سلفا، وإذ خلص الحكم المطعون فيه لهذه النتيجة الصحيحة، فإنه لا يعيبه ما وقع في أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة ما دامت لا تنال أو تؤثر في سلامة النتيجة التي انتهى إليها.
7 - إذ خلص الحكم المطعون فيه إلى النتيجة الصحيحة، فإنه لا يعيبه ما وقع في أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة ما دامت لا تنال أو تؤثر في سلامة النتيجة التي انتهى إليها، إذ لمحكمة النقض تصحيح ما وقع فيه من خطأ دون أن تنقضه وذلك لاعتبار الحكم المطعون فيه المطعون ضده الأول في الطعن رقم 15807 لسنة 80 ق - الطاعن في الطعن الثاني - خصما غير حقيقي في الدعوى حال كونه خصما وجهت إليه طلبات موضوعية في الدعوى.
8 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن مؤدى نص المادة 110 من قانون المرافعات أن الإحالة تكون في الاختصاص الداخلي أي المنازعات المرددة بين جهات القضاء على اختلاف درجاتها وأنواعها، فإذا تعلق الأمر باختصاص دولي فلا تتم الإحالة.
------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة في الطعن رقم 15807 لسنة 80 ق أقامت على المطعون ضده الأول - الطاعن في الطعن رقم 15808 لسنة 80 ق - والبنك المطعون ضده الثاني الدعوى التي قيدت فيما بعد برقم... لسنة 1 استئناف القاهرة الاقتصادية بطلب إلزامهما بالتضامن أن يؤديا لها المبالغ المبينة بالصحيفة قيمة صافي أرباحها عن العمليات المصرفية الخاصة بها شاملة المبالغ التي تقاضاها البنك المطعون ضده الثاني دون وجه حق والتعويضات والفوائد المستحقة عن تلك المبالغ، على سند من أنها أنابت شقيقها المطعون ضده الأول في التوقيع على التسهيلات الممنوحة لها من المطعون ضده الثاني والتي تتيح التعامل بنظام الاستحقاق الآجل في العملات الأجنبية المتماثلة بمبلغ مائتي مليون دولار أمريكيا، وقد فوض المطعون ضده الأول المطعون ضده الثاني في سحب مبالغ من حسابها ببنك ...... وسداد مبالغ مالية على قوة الاتفاق المبرم بينهما، وإزاء خلاف بينها وشقيقها أنهى البنك المطعون ضده الثاني التعاقد، وأعاد للمطعون ضده الأول مبلغ مليون وستمائة ألف دولار مما حدا بها لإقامة الدعوى، وجه المطعون ضده الأول في الطعن رقم 15807 لسنة 80 ق دعوى ضمان ضد الطاعنة والمطعون ضده الثاني بطلب إلزام الأخير بما عسى أن يقضي به عليه في الدعوى الأصلية، كما وجه دعوى فرعية بطلب الحكم بأن يؤدي له المبالغ المبينة بصحيفة دعواه الفرعية. بتاريخ 11 من يوليو سنة 2010 قضت المحكمة بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى الأصلية ودعوى الضمان الفرعية، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 15807 لسنة 80 ق، كما طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 15808 لسنة 80 ق "وأرفق بطعنه صورة من الحكم الصادر في الدعوى المقامة منه والمطعون ضدها الأولى ضد البنك المطعون ضده الثاني أمام المحكمة العليا بنيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية وترجمته الرسمية"، وأودعت النيابة مذكرة في كل من الطعنين أبدت فيهما الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على دائرة فحص الطعون أصدرت قرارها بأنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره، وفيها ضمت المحكمة الطعن الثاني إلى الأول، والتزمت النيابة رأيها.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الطعنين أقيم كل منهما على سببين ينعى كلا الطاعنين بالسبب الأول من طعنه على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ قضى بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر النزاع لعدم وجود فرع أو وكيل للبنك المطعون ضده في مصر في حين أن الأخير أعلن قانونا أمام مكتب تمثيله بمصر وهو ما يعد موطنا له وقد تحققت الغاية من الإجراء بمثول وكيله بالجلسات، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 41 من القانون المدني على أن "المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة يعتبر موطنا بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة، والنص في المادة 53/ 2 من ذات القانون على أن الشركات التي يكون مركز إدارتها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في مصر يعتبر مركز إدارتها بالنسبة إلى القانون الداخلي "أي موطنها" هو المكان الذي توجد به الإدارة المحلية"، والنص في المادة 13/ 5 من قانون المرافعات على أنه "فيما يتعلق بالشركات الأجنبية التي لها فرع أو وكيل بجمهورية مصر العربية تسلم الإعلانات الخاصة بها إلى هذا الفرع أو الوكيل"، مفاده أن المشرع قصر الدعاوى التي تقام على الشركات الأجنبية التي تزاول نشاطا في مصر على ما تقوم به تلك الشركات من نشاط تجاري أو حرفي في مصر واعتبار إدارتها المحلية موطنا لها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون قد أقام قضاءه تأسيسا على أن البنك المطعون ضده ليس له فرع أو وكيل بمصر وأنه لا يجوز له ممارسة أي نشاط مصرفي أو تجاري بمصر بما في ذلك نشاط الوكلاء التجاريين وأعمال الوساطة المالية وفقا لكتاب البنك المركزي المؤرخ 22/ 8/ 2006، وأن مكتب التمثيل الموجود بمصر لا يعد عنوانا له، وكان ذلك كافيا لإقامة قضاء الحكم المطعون فيه، فإن النعي عليه بما سلف يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني في كلا الطعنين على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ قضى بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر النزاع حال كون كلا الطاعنين خصمين حقيقيين في النزاع إذ وجهت إليهما طلبات جدية في كل من الدعوى الأصلية والفرعية والطلب العارض، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في أساسه غير سديد، ذلك أن النص في المادة 32 من قانون المرافعات على أن "تختص محاكم الجمهورية بالفصل في الدعوى ولو لم تكن داخلة في اختصاصها طبقا للمواد السابقة إذا قبل الخصم ولايتها صراحة أو ضمنا" مفاده أن المشرع أضاف لحالات ضوابط اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعاوى، ضابطا آخر هو "ضابط إرادة الخصوم" ذلك عندما يتفقون صراحة أو ضمنا على قبول ولاية القضاء المصري لنظر النزاع حال أن النزاع غير خاضع في الأصل لاختصاص محاكمها وفقا للضوابط الواردة على سبيل الحصر في المواد من 28 وحتى 31 من القانون السالف، وهو المعروف "بالخضوع الاختياري للقضاء الوطني"، إلا أن المشرع لم يواجه أثر الاتفاق السالب للاختصاص عندما يتفق الأطراف على الخضوع اختياريا لقضاء دولة أجنبية رغم اختصاص المحاكم الوطنية بالنزاع، وهو ما يؤدي إلى تخلي هذه المحاكم عن نظر الدعوى، إلا أن هذا السكوت لا يمكن اعتباره رفضا من المشرع وتمسكه باختصاص المحاكم الوطنية، ذلك أن المشرع المصري سبق وأن أخذ بمبدأ قبول التخلي عن اختصاص محاكمه - للدعاوى التي تدخل في اختصاصها وفقا لضوابط الاختصاص المنصوص عليها بقانون المرافعات - في حالة اتفاق الأطراف على التحكيم سواء في مصر أو خارجها والتي يتعين معه أن تقضي المحكمة بعدم قبول الدعوى لسابقة الاتفاق على التحكيم، بالإضافة إلى أن المشرع استثنى في المادتين 28 و29 من قانون المرافعات الحالي الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار يقع في الخارج من الخضوع لاختصاصه ولو أقيمت الدعوى على المصري أو الأجنبي لاعتبارات تتعلق بمبدأ الملائمة، إلا أن قبول القضاء الوطني التخلي عن اختصاصه لصالح قضاء دولة أخرى بناء على اتفاق الأطراف وفق ما سلف يفترض أن يتصف النزاع بالصفة الدولية وأن يكون تخلي المحاكم المصرية عن اختصاصها لا يمس بالسيادة المصرية أو النظام العام في مصر، فضلا عن ضرورة وجود رابطة جدية بين النزاع المطروح ودولة المحكمة التي اتفق على الخضوع لولايتها وأن يقر القانون الأجنبي سلامة الاتفاق المانح للاختصاص تلافيا لتنازع الاختصاص إيجابا أو سلبا، وأن تقدير توفر الضوابط سالفة الذكر مما يدخل في تقدير محكمة الموضوع الخاضع لرقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن كلا الطاعنين والبنك المطعون ضده سبق أن اتفقوا على خضوع الاتفاقات المبرمة بينهم موضوع النزاع لاختصاص محكمة جيرسي - جزيرة ... - وقوانينها "وهي مسألة ليست محل خلاف بين أطرافه"، وكان الثابت من مطالعة الحكم الصادر من المحكمة العليا بنيويورك وترجمته الرسمية المقدم من الطاعن في الطعن رقم 15808 لسنة 80 ق أن كلا الطاعنين في الطعنين سبق أن أقاما دعوى ضد البنك المطعون ضده عن ذات الاتفاقات موضوع النزاع أمام المحكمة العليا بولاية نيويورك الأمريكية في غضون عام 1999 وقضى فيها بتاريخ الأول من أغسطس سنة 2000 بعدم اختصاص المحكمة واختصاص محكمة جيرسي - جزيرة ... - بنظر النزاع، كما أن الثابت من الأوراق أن الطاعن سالف الذكر اتفق مع البنك المطعون ضده عن نفسه وبصفته وكيلا عن شقيقته الطاعنة في الطعن الأول أن يقوم البنك بسحب مبالغ من حسابهما لدى بنك .... بدولة سويسرا بناء على تلك الاتفاقات مقابل تسهيلات تتيح لهما التعامل والمتاجرة في العملات الأجنبية من خلال فرع البنك بجيرسي - جزيرة ... - وغرفتي البنك التجارية بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ودولة سنغافورة، بما يتصف معه النزاع بالصبغة الدولية لكون البنك المطعون ضده أجنبيا - أمريكي - وأن التعاملات جميعها تمت من خلال البنك بجزيرة .... وفرعيه بولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ودولة سنغافورة خارج الإقليم المصري فضلا عن انتفاء الرابطة الجدية الوثيقة بين النزاع والإقليم المصري بما لا يهدد سيادته وارتباطه جديا بدولة المحكمة التي اتفق على الخضوع لولايتها - جزيرة ... - باعتبارها المحكمة الأكثر ملاءمة لنظر النزاع وتفعيلا لمبدأ قوة نفاذ الأحكام، لا سيما أن القضاء الأمريكي في الحكم الصادر من المحكمة العليا بولاية نيويورك أقر اختصاص محكمة جزيرة ... بنظر النزاع ونفاذ قوانينها في مواجهة تلك الاتفاقات والتعاملات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قضى بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعويين الأصلية والفرعية لسبق اتفاق كلا الطاعنين والبنك المطعون ضده على خضوع الاتفاقات المبرمة بينهم محل المنازعة للاختصاص القضائي وقوانين جزيرة ....، فضلا عن أن البنك المطعون ضده لا يمارس نشاطا مصرفيا بمصر وفق كتاب البنك المركزي المشار إليه سلفا، وإذ خلص الحكم المطعون فيه لهذه النتيجة الصحيحة، فإنه لا يعيبه ما وقع في أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة ما دامت لا تنال أو تؤثر في سلامة النتيجة التي انتهى إليها، إذ لمحكمة النقض تصحيح ما وقع فيه من خطأ دون أن تنقضه من اعتبار المطعون ضده الأول في الطعن رقم 15807 لسنة 80 ق - الطاعن في الطعن الثاني - خصما غير حقيقي في الدعوى حال كونه خصما وجهت إليه طلبات موضوعية في الدعوى، كما أنه لا ينال من ذلك ما أورده الطاعن في الطعن رقم 15808 لسنة 80 ق بمذكرة دفاعه المودعة رفق طعنه بخطأ الحكم في تطبيق القانون بعدم إحالة الدعوى لجهة القضاء المختصة، إذ إنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نص المادة 110 من قانون المرافعات أن الإحالة تكون في الاختصاص الداخلي أي المنازعات المرددة بين جهات القضاء على اختلاف درجاتها وأنواعها، فإذا تعلق الأمر باختصاص دولي فلا تتم الإحالة، الأمر الذي يضحى النعي على الحكم المطعون بما سلف على غير أساس.
ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق