الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 سبتمبر 2018

الطعن 8643 لسنة 59 ق جلسة 31 / 10 / 1994 مكتب فني 45 ق 142 ص 907

برئاسة السيد المستشار / مقبل شاكر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين /مجدي منتصر وحسن حمزه ومصطفى كامل ومحمد عبد العزيز محمد نواب رئيس المحكمة.
----------
- 1  محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير صحة التبليغ من كذبه وتوافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب . موضوعي . مثال لتسبيب سائغ على توافر أركان تلك الجريمة .
من المقرر في دعوى البلاغ الكاذب أن تقدير صحة التبليغ من كذبة وتوافر القصد الجنائي أمر متروك لمحكمة الموضوع ولها مطلق الحرية في تكوين اقتناعها من الوقائع المعروضة عليها لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد استمدت ثبوت الجريمة في حق الطاعن من أنه أسند إلى المطعون ضده اعتدائه بالضرب على ..... باستخدام عصا وإتلاف أجزاء من سيارته وقد أدى ذلك إلى فقد مبلغ نقدى كان بتلك السيارة في حين ثبت للمحكمة عدم صدق ذلك الادعاء من أن أقوال الطاعن والمجنى عليه في واقعة الضرب تناقضت مع الدليل الفني المستمد من التقرير الطبي الموقع على ثانيهما وأنه بمناظرته بمحضر جمع الاستدلالات تبين عدم وجود إصابات ظاهرية به، وكان إلى أن الشرطي الذى أستشهد به الطاعن قد نفى رواية هذا الأخير وبلاغة ضد المطعون ضده إلا بعد مرور ثلاثة أيام ليمنعه من ضبط سيارته مستقبلا وإلى ما أظهرته معاينه النيابة العامة من أن التلفيات التي وجدت بسيارة الطاعن قديمة، وخلص الحكم المطعون فيه من ذلك إلى أن الطاعن لم يراع في بلاغة الحيطة وانه امتد به إلى مبلغ الكذب فأبلغ بتلك الواقعة رغم عمله بأنها مكذوبة للأضرار بالمطعون ضده، فإنه بذلك يكون قد أورد تدليلا سائغا لقضائه تتوافر به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها، مما يضحى معه نعيه بالقصور في التسبيب في هذا الشأن في غير محله.
- 2  اختصاص " اختصاص القضاء العسكري". قانون " تطبيق القانون وسريانه".
خضوع ضباط وأفراد هيئة الشرطة لقانون الأحكام العسكرية مقصور على الجرائم النظامية البحتة . أساس ذلك .
لما كانت المادة 99 من القانون رقم 109 لسنه 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه "يخضع الضابط بالنسبة إلى الإعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية، كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضابط الصف والجنود ورجال الحفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم، وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة "فقد دلت بذلك، وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص - أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب وليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية، وأن الجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحته بما فيها جزاء الحبس أو السجن وفقا لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عنه في الفقرة 11 من المادة 81 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة والفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضباط الصف وجنود الدرجة الأولى، وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين، ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه"..... وتوقيع المحاكم العسكرية متى أنعقد لها الاختصاص في الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية، فلها اختصاص تأديبي إلى مالها من اختصاص جنائي ....." ذلك أن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنه 1966 المعدل بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة، وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكور والتي لا لبس فيها ولا غموض بل هو ما يؤكده نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدينة نظامية بوزارة الداخلية، وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها " احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الواردة في المادة 1 من القانون رقم 61 لسنه 1964 من أن الشرطة هيئة مدينه نظامية، وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدينة فهي جهاز من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحته، وإنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة، وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعية تحت قيادته".
- 3  قانون " إصدار القانون . التفويض التشريعي".
التفويض التشريعي المخول لوزير الداخلية بموجب المادة 99 من القانون 109 لسنة 1971 . حصره في تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في ذلك القانون وإصدارة القرارات المنظمة إنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة . قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بإنشاء اختصاصات غير تلك المنصوص عليها بقانون هيئة الشرطة . خروج على التفويض التشريعي .
لما كانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية لوزير الداخلية - بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور، كما ناطت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة - فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة، ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون وغذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنه 1977 بتاريخ 24 من أبريل سنه 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري متضمنا في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع القضاء العسكري " النيابة العسكرية " اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 25 لسنه 1966 وكذلك اختصاص المحكمة العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقا للقانون - فإن يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقا بجرائم القانون العام.
- 4  قانون " إصدار القانون . التفويض التشريعي". قرارات وزارية
صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي . رهينة بعدم وجود تضاد بينة وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروط . وجوب تطبيق نص القانون عند التعارض بينه وبين نص وارد في لائحة أو قرار . خروج القرار الوزاري عن حدود التفويض المرسوم له في القانون . أثره .
من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه، وانه عند التعارض بين نصيبين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية، فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلا للائحة - ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذى يعد خروجا عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أى أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة، كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما أستثنى بنص خاص عملا بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنه 1972، ويستوى في ذلك أن تكون الجريمة معاقبا عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص.
- 5 اختصاص " الاختصاص الولائي". قانون " إلغاء القانون".
عدم إلغاء التشريع إلا بتشريع لاحق أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع . أفراد هيئة الشرطة . لم يصدر قانون لاحق باستثنائهم من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام .
من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ، وإذ كان الثابت أن قانون لاحقا لم يصدر استثنى أفراد هيئه الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام .
- 6  مسئولية " مسئولية إدارية". محكمة عسكرية . دعوى " دعوى تأديبية".
محاكمة الطاعن أمام المحكمة العسكرية عن إحدى جرائم القانون العام . لا تعدو أن تكون دعوى تأديبية . أساس ذلك . متى تسقط الدعوى التأديبية . المادة 77 من القانون 109 لسنة 1971 .
إن محاكمة الطاعن أمام المحكمة العسكرية لا تعدو أن تكون دعوى تأديبية ويؤيد هذا النظر صريح عبارات المادة 55 من قانون هيئة الشرطة - التي يسري حكمها على أفراد هيئة الشرطة، ومن بينهم الطاعن، عملا بنص المادة 77 من ذات القانون - والتي جرى نصها على أن " تسقط الدعوى التأديبية بمضي سنة من تاريخ علم رئيس المصلحة أو من له توقيع المخالفة أو بمضي ثلاث سنوات من تاريخ ارتكابها أي المدنيين أقرب .... ومع ذلك فإذا كون الفعل جريمة جنائية فلا تسقط الدعوى إلا بسقوط الدعوى الجنائية " .
- 7 عقوبة "الجمع بين عقوبتين". مسئولية " مسئولية إدارية".
القانون التأديبي مستقل عن قانون العقوبات . أساس ذلك . الفعل الواحد قد ينشأ عنه خطأ يستوجب مسئولية فاعله تأديبياً وجنائياً في ذات الوقت . مجازاة الموظف بصفة إدارية أو توقيع عقوبة تأديبية عليه عن فعل وقع منه .لا يحول دون محاكمته جنائياً عن كل جريمة قد تتكون من هذا الفعل .علة ذلك . القضاء في إحدى الدعويين التأديبية أو الجنائية . لا يجوز قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للأخرى . الحكم بعقاب الطاعن وهو أحد أفراد هيئة الشرطة عن جريمة البلاغ الكاذب رغم سبق توقيع جزاء إداري عليه من المحكمة العسكرية للشرطة عن ذات الفعل . صحيح . إغفال الحكم الرد على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لسبق الحكم على الطاعن في قضية عسكرية عن ذات الفعل لا يعيبه . علة ذلك .
الأصل أنه وإن كان القانون التأديبي مستقلا عن قانون العقوبات لاختلاف ذاتية كل منهما وتغاير مجال تطبيقه ، فإن الفعل الواحد قد ينشأ عنه خطأ تأديبي يستوجب المساءلة التأديبية، وفعل جنائي مؤثم قانونا في الوقت نفسه، والبلاغ الكاذب باعتباره إخلالا بواجبات الوظيفة العامة ومخالفة لأحكام قانون العقوبات يجمع بين الخطأ التأديبي والجريمة وحينئذ تتعاون قوى الدولة بجهازيها الإداري القضائي لمكافحة تلك الجريمة لا يستقل أحدهما بالاختصاص دون الأخر، وهو المستفاد من جماع نصوص قانون هيئة الشرطة وخاصة المواد 54، 55، 64 منه مما يفصح عن إمكان الخطأ التأديبي مبلغ الجريمة، وبالتالي فإنه لا تثريب على النيابة العامة إذا إقامة الدعوى الجنائية قبل المتهم لمحاكمته عما أسند إليه من فعل يكون في نفس الوقت مخالفة إدارية قبل المتهم، إذا لا تنافر إطلاقا بين المسئول الإدارية والمسئولية الجنائية، فكل يجرى في فكل يجرى في فلكه وله جهة اختصاصه غير مقيد بالأخرى كما تقديم القول، ومن ثم فإن مجازاة الموظف بصفة إدارية أو توقيع عقوبة عليه من مجلس التأديب عن فعل وقع منه لا يحول أيهما دون محاكمته أمام المحاكم الجنائية بمقتضى القانون العام عن كل جريمة قد تتكون من هذا الفعل، وذلك لاختلاف الدعويين التأديبية والجنائية في الموضوع وفى السبب وفى الخصوم، مما لا يمكن معه أن يحوز القضاء في إحداهما قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للأخرى وإذن فالحكم بعقاب الطاعن وهو أحد أفراد هيئة الشرطة عن جريمة البلاغ الكاذب رغم سبق توقيع جزاء إدارى عليه من المحكمة العسكرية للشرطة عن هذا الفعل نفسه لا مخالفة فيه للقانون، وكان الحكم المطعون فيه قد اتبع هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا.
-------------
الوقائع
أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح ههيا ضد الطاعن بوصف أنه: أبلغ كذباً مع سوء القصد ضده بأمر يستوجب عقابه علي النحو المبين بصحيفة الدعوى. وطلب عقابه بالمادتين 171، 305 من قانون العقوبات مع إلزامه بأن يؤدي إليه مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بتغريم المتهم مبلغ خمسين جنيهاً وإلزامه بأن يؤدي للمدعى بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً علي سبيل التعويض المؤقت استأنف ومحكمة الزقازيق الابتدائية - بهيئة استئنافية- قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ....... إلخ.

-----------
المحكمة
حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها, وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة سرد مضمونها وفحواها ومؤداها في بيان كاف جلي واضح, وهي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك, وكان من المقرر في دعوى البلاغ الكاذب أن تقدير صحة التبليغ من كذبه وتوافر القصد الجنائي أمر متروك لمحكمة الموضوع ولها مطلق الحرية في تكوين اقتناعها من الوقائع المعروضة عليها. لما كان ذلك, وكانت المحكمة قد استمدت ثبوت الجريمة في حق الطاعن من أنه أسند إلى المطعون ضده اعتدائه بالضرب على ....... باستخدام عصا وإتلاف أجزاء من سيارته وقد أدى ذلك إلى فقد مبلغ نقدي كان بتلك السيارة في حين ثبت للمحكمة عدم صدق ذلك الادعاء من أن أقوال الطاعن والمجني عليه في واقعة الضرب تناقضت مع الدليل الفني المستمد من التقرير الطبي الموقع على ثانيهما وأنه بمناظرته بمحضر جمع الاستدلالات تبين عدم وجود إصابات ظاهرية به, وكذا إلى أن الشرطي الذي استشهد به الطاعن قد نفى رواية هذا الأخير وبلاغه وإلى أن الأوراق خلت من ثمة شاهد يؤيد أقوال الطاعن الذي لم يقدم بلاغه ضد المطعون ضده إلا بعد مرور ثلاثة أيام ليمنعه من ضبط سيارته مستقبلاً وإلى ما أظهرته معاينة النيابة العامة من أن التلفيات التي وجدت بسيارة الطاعن قديمة, وخلص الحكم المطعون فيه من ذلك إلى أن الطاعن لم يراع في بلاغه الحيطة وأنه امتد به إلى مبلغ الكذب فأبلغ بتلك الواقعة رغم علمه بأنها مكذوبة للإضرار بالمطعون ضده, فغنه بذلك يكون قد أورد تدليلاً سائغاً لقضائه تتوافر به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها, مما يضحي معه نعيه بالقصور في التسبيب في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك, وكانت المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه ((يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية, كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم, وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية. ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه, كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة)). فقد دلت بذلك, وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص - أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب وليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية, وأن الجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة بما فيها جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عليه في الفقرة 11 من المادة 81* التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة والفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضباط الصف وجنود الدرجة الأولى, وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين, ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه ((.......... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص في الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية, فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي .........)) ذلك أن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة, وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكور والتي لا لبس فيها ولا غموض بل هو ما يؤكده نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية, وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها ((احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الوارد في المادة 1 من القانون رقم 61 لسنة 1964من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية, وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليست جهازاً عسكرياً, إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة, وإنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة, وخاصة واجب المرءوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته)). وإذن فمتى كان ذلك, وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور, كما ناطت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة - فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة, ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون. وإذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من أبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري متضمناً في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا, كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع القضاء العسكري ((النيابة العسكرية)) اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 25 لسنة 1966 وكذلك اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون - فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه, وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية, فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة - ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة, كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972, ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص. وإذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع, وإذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام, فإن محاكمة الطاعن أمام المحكمة العسكرية لا تعدو أن تكون دعوى تأديبية ويؤيد هذا النظر صريح عبارات المادة 55 من قانون هيئة الشرطة - التي يسري حكمها على أفراد هيئة الشرطة, ومن بينهم الطاعن, عملاً بنص المادة 77 من ذات القانون - والتي جرى نصها على أن ((تسقط الدعوى التأديبية بمضي سنة من تاريخ علم رئيس المصلحة أو من له توقيع الجزاء بوقوع المخالفة أو بمضي ثلاث سنوات من تاريخ ارتكابها أي المدتين أقرب .......... ومع ذلك فإذا كون الفعل جريمة جنائية فلا تسقط الدعوى إلا بسقوط الدعوى الجنائية)) وإذ كان الأصل أنه وإن كان القانون التأديبي مستقلاً عن قانون العقوبات لاختلاف ذاتية كل منهما وتغاير مجال تطبيقه, فإن الفعل الواحد قد ينشأ عنه خطأ تأديبي يستوجب المساءلة التأديبية, وفعل جنائي مؤثم قانوناً في الوقت نفسه, والبلاغ الكاذب باعتباره إخلالاً بواجبات الوظيفة العامة ومخالفة لأحكام قانون العقوبات يجمع بين الخطأ التأديبي والجريمة. وحينئذ تتعاون قوى الدولة بجهازيها الإداري والقضائي لمكافحة تلك الجريمة لا يستقل أحدهما بالاختصاص دون الآخر, وهو المستفاد من جماع نصوص قانون هيئة الشرطة وخاصة المواد 54, 55, 64 منه مما يفصح عن إمكان بلوغ الخطأ التأديبي مبلغ الجريمة, وبالتالي فإنه لا تثريب على النيابة العامة إذا أقامت الدعوى الجنائية قبل المتهم لمحاكمته عما أسند إليه من فعل يكون في نفس الوقت مخالفة إدارية قبل المتهم, إذ لا تنافر إطلاقاً بين المسئولية الإدارية والمسئولية الجنائية, فكل يجري في فلكه وله جهة اختصاصه غير مقيد بالأخرى كما تقدم القول, ومن ثم فإن مجازاة الموظف بصفة إدارية أو توقيع عقوبة عليه من مجلس التأديب عن فعل وقع منه لا يحول أيهما دون محاكمته أمام المحاكم الجنائية بمقتضى القانون العام عن كل جريمة قد تتكون من هذا الفعل, وذلك لاختلاف الدعويين التأديبية والجنائية في الموضوع وفي السبب وفي الخصوم, مما لا يمكن معه أن يحوز القضاء في إحداهما قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للأخرى. وإذن فالحكم بعقاب الطاعن وهو أحد أفراد هيئة الشرطة عن جريمة البلاغ الكاذب رغم سبق توقيع جزاء إداري عليه من المحكمة العسكرية للشرطة عن هذا الفعل نفسه لا مخالفة فيه للقانون, وكان الحكم المطعون فيه قد اتبع هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً, ومن ثم فإن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لسبق الحكم على الطاعن في القضية رقم ........ لسنة .......... عسكرية مركزية (للشرطة) عن ذات الفعل لا يعدو أن يكون دفعاً قانونياً ظاهر البطلان لا على المحكمة إن هي أغفلته ولم ترد عليه. لما كان ما تقدم, فإن الطعن يكون قد أفصح عن عدم قبوله موضوعاً مع مصادرة الكفالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق