جلسة 18 من ديسمبر سنة 1995
برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن حمزة وحامد عبد الله ومصطفى كامل نواب رئيس المحكمة وجاب الله محمد جاب الله.
-----------------
(195)
الطعن رقم 290 لسنة 64 القضائية
(1) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر الدفاع الشرعي".
تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي. ما دام استدلال الحكم سليماً.
(2) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد. حد ذلك؟
(3) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي".
عدم اشتراط حصول اعتداء على النفس أو المال لقيام حالة الدفاع الشرعي. كفاية صدور فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي.
لا يلزم أن يكون الفعل المتخوف منه خطراً حقيقياً في ذاته. كفاية أن يعتقد المتهم ذلك. ما دام لهذا التخوف أسباب معقولة.
(4) إثبات "بوجه عام". أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته. مناطه: الحالة النفسية التي تخالط المتمسك به. مجرد حضور المتهم إلى مكان الحادث حاملاً سلاحاً. لا يدل بذاته على أنه كان منتوياً الاعتداء لا الدفاع.
إسقاط الحكم الوقائع الثابتة بالأوراق التي ترشح لقيام حالة الدفاع الشرعي وعدم تعرضه لدلالتها بغير مسخ أو تحريف ويقسطها حقها إيراداً ورداً. قصور.
(5) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
وجوب أن يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤدياً إلى ما رتبه عليه من نتائج دون تعسف في الاستنتاج ولا تنافر في حكم العقل.
الأحكام الجنائية. يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال.
(6) ارتباط. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر الارتباط بين الجرائم". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون". محكمة النقض "سلطتها".
تقدير توافر شروط الارتباط بين الجرائم أو عدم توافرها. موضوعي. ما دام سائغاً.
كون الواقعة كما أثبتها الحكم تخالف ما انتهى إليه من عدم قيام الارتباط. خطأ قانوني. يوجب تدخل محكمة النقض وتطبيق القانون على وجهه الصحيح.
مثال.
(7) نقض أسباب الطعن. تصدرها". محكمة النقض "سلطتها". محكمة الإعادة "سلطتها".
القصور له الصدارة على أوجه الطعن المتعلقة بمخالفة القانون.
كون الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور. يمنع محكمة النقض من التعرض لما انساق إليه من تقريرات قانونية خاطئة.
ليس لمحكمة النقض أن تصحح منطوق قضت بنقضه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: قتل.... عمداً بأن أطلق صوبه عياراً نارياً قاصداً قتله فأصاب موقع الرئة اليسرى من جسم المجني عليه فأحدث بها التهتك المصحوب بنزيف دموي وصدمة دورية الموصوفتين بتقرير الصفة التشريحية واللتين أودتا بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى تلتها هي أنه في ذات الزمان والمكان سالف الذكر قتل.... عمداً بأن انفرد به أعلى سطح العقار المجاور لموقع جريمته السابقة وأطلق صوبه عياراً نارياً من ذات السلاح قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته في اليوم التالي الأمر المنطبق عليه المادة 234/ 1 عقوبات. ثانياً: أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن "فرد صناعة محلية" ثالثاً: أحرز ذخائر "ثلاث طلقات" مما تستخدم في السلاح سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازته وإحرازه. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى شقيق المجني عليهما مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة ألف جنيه على سبيل التعويض المدني النهائي. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1، 2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 - 6، 26/ 1 - 5، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والجدول رقم (2) الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة عن التهمة الأولى وبالسجن ثلاث سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة السلاح والذخيرة المضبوطين من التهمتين الثانية والثالثة وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة.
فطعن المحكوم عليه والأستاذ/ .... المحامي نيابة عنه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد المقترن بقتل عمد قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون وانطوى على الخطأ في الإسناد، ذلك أن الطاعن أسس دفاعه على أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، بيد أن الحكم أطرح هذا الدفاع بأسباب غير سائغة تدل على عدم إحاطته بوقائع الدعوى وقد أدى به ذلك إلى عدم إنزال حكم القانون عليها صحيحاً، فقد أجمع الشهود على أن المجني عليه الأول تعقبه إلى مدخل العقار حاملاً مدية للاعتداء عليه وأن المجني عليه الثاني طارده إلى سطح العقار ممسكاً بسنجة ليضربه بها إلا أن الحكم حصل الواقعة على خلاف ذلك، وابتسر تلك الوقائع من أقوال شاهدي الإثبات بتحقيقات النيابة العامة بجلسة المحاكمة، فضلاً عن خطئه في توقيع عقوبة مستقلة عن جريمة إحراز السلاح الناري بدون ترخيص المسندة إليه لارتباطها ارتباطاً لا يقبل التجزئة بجريمة القتل التي دين بها، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض إلى الدفع الذي أبداه الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس ورد عليه بما نصه "وحيث إنه عن الدفع بتوافر حالة الدفاع الشرعي لدى المتهم، وإذ كان الثابت من أقوال شاهد الواقعة... التي أدلى بها أمام المحكمة أنه لم يشاهد إثر مناظرته لجثة المجني عليه الأول أية أسلحة والمحكمة تطمئن إلى هذا القول خاصة أن الرائد.... رئيس مباحث قسم الشرابية قد انتقل فور وقوع الحادث وعاين جثة المجني عليه المذكور ولم يعثر على ثمة أسلحة بجوارها، كما أن أياً من الأهالي المتواجدين وقت الحادث لم يتقدم بها، ولا وجه لاحتجاج المتهم بالإصابات التي به، ذلك أن المحكمة تطمئن إلى أن تلك الإصابات إنما حدثت نتيجة اعتداء بعض الأهالي عليه بعد وقوع الحادث.... ولا محل لقوله بأنه كان في حالة دفاع شرعي بالنسبة للمجني عليه الثاني الذي كان في سبيله للاعتداء عليه بسنجة، ذلك أنه من المقرر أنه إذا كان كل من المجني عليه والمتهم يقصدان الاعتداء وإيقاع الضرب من كل منهما بالآخر، فإن ذلك ما تنتفي به حالة الدفاع الشرعي، بغض النظر عن البادئ منهما بالاعتداء، فإذا ما فرض صحة قول المتهم أن المجني عليه الثاني صعد خلفه وهو ممسك بسنجة إلا أنه لم يثبت من الأوراق ما يفيد قيام المجني عليه المذكور بإشهار هذا السلاح عليه للنيل منه حتى يقال أن هناك خطر حال أو وشيك الوقوع دفع المتهم إلى إطلاق الرصاص لدرئه، فإذا ما كان قصد الاعتداء قد توافر بالنسبة للمجني عليه الثاني، فإن هذا القصد متوافر أيضاً لدى المتهم باعتباره يحمل سلاحاً نارياً معد للإطلاق وفي حالة تأهب - بعد قتله المجني عليه الأول - للاعتداء على كل من يقترب منه، بما ينتفي معه حالة الدفاع الشرعي، ومن ثم يكون الدفع المبدى في هذا الخصوص قد جاء على غير أساس من الواقع والقانون مما يتعين الالتفات عنه "لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم سليماً لا عيب فيه، ويؤدي منطقاً إلى ما انتهى إليه، كما أنه وإن كان من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد إلا أن ذلك حده أن لا تمسخ تلك الأقوال بما يحيلها عن معناها ويحرفها عن موضعها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد اعتمد في نفي حالة الدفاع الشرعي عن المتهم بالنسبة للمجني عليه الأول على أنه لم يتم العثور على المطواة التي كان يحملها المذكور بمكان الحادث وبالنسبة للمجني عليه الثاني على توافر قصد الاعتداء أيضاً لدى الطاعن باعتباره يحمل سلاحاً نارياً معداً للإطلاق وفي حالة تأهب - بعد قتله المجني عليه الأول للاعتداء على كل من يقترب منه، في حين أن الثابت من مطالعة المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن ومن أقوال شاهدي الإثبات بجلسة المحاكمة أن الشاهد الأول.... قد شهد بأن المجني عليه الأول كان ممسكاً بيده مطواة قرن غزال مفتوحة ودخل بإيعاز من أقاربه خلف الطاعن إلى مدخل العقار ليضربه بها وأن الطاعن حذره عدة مرات قبل أن يطلق عليه العيار الناري الذي أصابه وأودى بحياته، كما أن الشاهد الثاني.... قد حضر إلى مكان الحادث وإثر مشاهدته جثة أخيه المجني عليه الأول، وكان الطاعن قد صعد إلى سطح العقار، فانطلق خلفه حاملاً معه سنجة وإثر سماعه صوت إطلاق عيار ناري بأعلى العقار صعد إلى السطح حيث شاهد المجني عليه الثاني مصاباً وبجواره السنجة التي كان ممسكاً بها، وقد أثبتت تحريات المباحث أن المجني عليه الثاني قد تتبع الطاعن إلى سطح العقار لمحاولة النيل منه، وكان الحكم المطعون قد اقتطع هذه الأجزاء من أقوال الشاهدين وتحريات الشرطة وبني على ذلك إطراحه لدفعه، وكان لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل اعتداء على النفس أو المال، بل يكفي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته، بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره، بشرط أن يكون لهذا التخوف أسباب معقولة وتقدير ظروف الدفاع ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء، فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور، والخروج من مأزقه مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن المطمئن، الذي كان يتم عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه الظروف والملابسات، وكان مجرد حضور المتهم مكان الحادث حاملاً سلاحاً لا يستلزم حتماً القول بأنه كان منتوياً الاعتداء لا الدفاع. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أسقط من الوقائع الثابتة في التحقيق - حسبما تقدم البيان - ما يرشح لقيام حالة الدفاع الشرعي، دون أن يعرض لدلالة هذه الوقائع بغير مسخ أو تحريف ويقسطها حقها إيراداً لها ورداً عليها، فإنه يكون قاصر البيان وفضلاً عن ذلك فإن إطراح هذا الدفع، لا يؤدي إلى الجزم بأن المجني عليه الأول لم يكن ممسكاً بالمطواة أو أن الطاعن كان ينتوي الاعتداء على المجني عليه الثاني، إذ أن ما أورده الحكم في هذا الشأن لا يعدو أن يكون افتراضاً لا سند له ولا شاهد عليه حسبما أثبته وبينه في مدوناته، وكان من المقرر أنه من اللازم في أصول الاستدلال أن يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤدياً إلى ما رتبه عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق، وكانت الأحكام الجنائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المجردة، فإن الحكم المطعون فيه فوق قصوره يكون فاسد الاستدلال معيباً بما يوجب نقضه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان تقدير توافر الشروط المقررة في المادة 32 من قانون العقوبات أو عدم توافرها هو من شأن محكمة الموضوع وحدها - لها أن تقرر فيه ما تراه استناداً إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهت إليه - إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم توجب تطبيق المادة المذكورة عملاً بنصها، فإن عدم تطبيقها يكون من الأخطاء التي تقتضي تدخل محكمة النقض لتطبيق القانون على وجهه الصحيح، ولما كان الثابت من عبارة الحكم أن الطاعن أحرز السلاح المضبوط بقصد ارتكاب جريمة القتل، فيكون الارتباط بين الجريمتين قائماً مما يوجب اعتبارهما جريمة واحدة عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات والحكم بعقوبة الجريمة المقررة لأشدهما، مما كان يتعين معه لذلك نقض الحكم نقضاً جزئياً وتصحيحه بإلغاء فيما قضى به من عقوبة عن جريمة إحراز السلاح والاكتفاء بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة السلاح، إلا أنه نظراً لما شاب الحكم من قصور في التسبيب له الصدارة على وجوه الطعن المتعلقة بمخالفة القانون الموجبة للتصحيح، فإن محكمة النقض لا تملك التعرض لما أنزله من عقوبة السجن والغرامة عن جريمتي إحراز السلاح والذخيرة بدون ترخيص، إذ ليس بوسعها أن تصحح منطوق حكم قضت بنقضه، بل على محكمة الموضوع عند إعادة الدعوى لها ألا تقضي بتلك العقوبة إذا رأت أن تدين الطاعن. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين أن يكون النقض مقروناً بالإعادة دون حاجة لبحث سائر أوجه الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق