جلسة 12 من مارس سنة 1995
برئاسة السيد المستشار/ محمد فتحي الجمهودي - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم الطويلة، أحمد علي خيري، محمد عبد المنعم إبراهيم - نواب رئيس المحكمة، وسعيد فوده.
--------------
(93)
الطعن رقم 1919 لسنة 60 القضائية
(1، 2) مسئولية "مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه: مسئولية تقصيريه". نقض.
(1) مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة غير المشروعة. قيامها على خطأ مفترض في جانب المتبوع لا يقبل إثبات العكس. تحقق هذه المسئولية بخطأ التابع أثناء الوظيفة أو كونها السبب المباشر للخطأ, أو وقوع الفعل أثناء تأدية الوظيفة أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته أو هيأت له بأية طريقة فرصة ارتكابه. م 174 مدني.
(2) مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة. مناطها. علاقة التبعية. قوامها. السلطة الفعلية للمتبوع في التوجيه والرقابة. انعدام هذا الأساس وانقطاع العلاقة بين الخطأ التابع وبين العمل الذي يؤديه لمصلحة المتبوع. أثره. انتفاء مسئولية المتبوع.
2 - أساس مسئولية المتبوع ما للمتبوع من سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة أداء عمله والرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر ومحاسبته عن الخروج عليها وهو الأمر الذي تقوم به سلطة التوجيه والرقابة في جانب المتبوع, ومتى انعدم هذا الأساس فلا يكون التابع قائماً بوظيفته لدى المتبوع ولا يكون الأخير مسئولاً عن الفعل الخاطئ الذي يقع من التابع. لما كان ذلك وكان البين بالأوراق أن المتهم قتل أبناء المطعون عليهما في منزلهما في الوقت الذي كان متغيباً فيه عن عمله ومستغلاً عدم تواجدهما به, ومن ثم فإن وقت ارتكاب العمل غير المشروع لم يكن يؤدي عملاً من أعمال وظيفته, وإنما وقعت الجريمة خارج زمان الوظيفة ومكانها ونطاقها وفي الوقت الذي تخلى فيه عن عمله الرسمي فتكون الصلة قد انقطعت بين وظيفته وبين العمل غير المشروع الذي ارتكبه, ويكون حراً يعمل تحت مسئوليته وحده دون أن يكون للطاعنة سلطة التوجيه والرقابة عليه وهي مناط مسئوليتها, ومن ثم لا يكون التابع قد ارتكب الفعل الضار حال تأدية وظيفته أو بسببها, فتنتفي مسئولية الطاعنة عن التعويض المطالب به ولا يغير من ذلك أن المتهم تربطه علاقة عمل مع والدة المجني عليهم - المطعون عليها الثانية - وسبق تهديده لها يوم أن قامت بإثبات تأخره عن العمل بدفتر الحضور أو تردده على منزل المطعون عليهما وتعاملهما معه على أساس هذه العلاقة, إذ لا شأن لهذه العوامل بأعمال الوظيفة التي لا يربطها بواقعة القتل رابطة بحيث لولاها ما كانت الجريمة قد وقعت.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهما أقاما الدعوى رقم 8481 سنة 1987 مدني شبين الكوم الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الهيئة الطاعنة بأن تدفع لهما مبلغ 300000 جنيه. وقالا بياناً لذلك أن تابعها....... قتل عمداً أبنائهما الثلاثة وضبط عن ذلك الحادث قضية الجناية رقم 2141 سنة 1985 شبين الكوم "المقيدة برقم 207 سنة 1985 كلي". وقضي فيها بحكم بات بإعدامه شنقاً وبإلزامه بالتعويض المؤقت المطالب به, ولما كان المذكور قد ارتكب جريمته بسبب الوظيفة إذ كان يعمل بمنطقة التأمينات الاجتماعية بالمنوفية مع والدة المجني عليهم وتربطهما علاقة العمل التي كانت السبب في قتل أولادها ولأنه تابع للطاعنة فتكون مسئولة عن الضرر الذي يحدثه وفقاً للمادة 174 من القانون المدني, وإذ لحقتهما من جزاء جريمته أضرار مادية وأدبية يقدران التعويض عنها فضلاً عن التعويض المورث بالمبلغ المطالب به فقد أقاما الدعوى. بتاريخ 26/ 12/ 1988 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون عليهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا - مأمورية شبين الكوم - بالاستئناف رقم 82 سنة 22 ق, وبتاريخ 21/ 2/ 1990 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون عليهما مبلغ ثلاثين ألف جنيه تعويضاً أدبياً يقسم بينهما بالتساوي ومبلغ خمسة عشر ألف جنيه تعويضاً موروثاً يقسم بينها حسب الفريضة الشرعية. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون إذ أقام قضاءه بإلزامها بالتعويض على قالة إن المتهم ارتكب العمل غير المشروع بسبب الوظيفة التي هيأت له فرصة دخول مسكن المطعون عليهما وارتكاب جريمته في حين أن الثابت بالأوراق أنه..... فعل ذلك بمنأى عن الوظيفة التي لم تهيئ له بأية طريقة فرصة ارتكابها إذ كان متغيباً عن عمله في ذلك اليوم كما وأن ذهابه إلى منزل والدة المجني عليهم كان بقصد الاعتذار عن عدم استطاعته سداد قرض لوالدهم في ذمته وطرأت عليه فكرة السرقة بغتة لما لم يجده في المنزل دون أن يكون للطاعنة عليه في ذلك الوقت سلطة فعلية في إصدار الأوامر له أو سيطرة أو أدنى رقابة عليه أو ملاحظته أو متابعته أثناء ذلك ولم يكن هناك علاقة سببيه بين خطئه والوظيفة وبالتالي تكون غير مسئوله عن أعماله غير المشروعة, وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المادة 174 من القانون المدني إذ نصت على أن "يكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه حال تأدية وظيفته أو بسببها, وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه متى كانت له سلطة فعلية في رقابته وفي توجيهه" فقد دلت على أن المشرع أقام هذه المسئولية على خطأ مفترض في جانب المتبوع فرضاً لا يقبل إثبات العكس مرجعه سوء اختيار تابعه وتقصيره في رقابته وأن القانون حدد نطاق هذه المسئولية بأن يكون العمل الضار غير المشروع واقعاً من التابع حال تأدية وظيفته أو بسببها بما مؤداه أن مسئولية المتبوع تقوم في حالة خطأ التابع وهو يؤدي عملاً من أعمال الوظيفة أو أن تكون الوظيفة هي السبب المباشر للخطأ أو أن تكون ضرورية لإمكان وقوعه, أو كان فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعله غير المشروع أو هيأت له بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه, فيخرج عن نطاق مسئولية المتبوع ما يرتكبه التابع من خطأ ولم يكن بينه وبين ما يؤدي من أعمال الوظيفة ارتباط مباشر ولم تكن هي ضرورية فيما وقع من خطأ ولا داعية إليه, وعلى ذلك فإنه إذا انتفت العلاقة بين الفعل الضار والوظيفة بأن ارتكب التابع العمل غير المشروع في غير أوقات العمل أو تغيبه عنه أو وقت أن تخلى فيه عن عمله لدى المتبوع تكون الصلة بينهما قد انقطعت ولو مؤقتاً ويصبح التابع حراً يعمل تحت مسئوليته وحده، ذلك لأن مسئولية المتبوع أساسها ما للمتبوع من سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة أداء عمله والرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر ومحاسبته عن الخروج عليها وهو الأمر الذي تقوم به سلطة التوجيه والرقابة في جانب المتبوع, ومتى انعدم هذا الأساس فلا يكون التابع قائماً بوظيفته لدى المتبوع ولا يكون الأخير مسئولاً عن الفعل الخاطئ" الذي يقع من التابع. لما كان ذلك وكان البين بالأوراق أن المتهم...... قتل أبناء المطعون عليهما في منزلهما في الوقت الذي كان متغيباً فيه عن عمله ومستغلاً عدم تواجدهما به, ومن ثم فإنه وقت ارتكاب العمل غير المشروع لم يكن يؤدي عملاً من أعمال وظيفته, وإنما وقت الجريمة خارج زمان الوظيفة ومكانها ونطاقها وفي الوقت الذي تخلى فيه عن عمله الرسمي فتكون الصلة قد انقطعت بين وظيفته وبين العمل غير المشروع الذي ارتكبه, ويكون حراً يعمل تحت مسئوليته وحده دون أن يكون للطاعنة سلطة التوجيه والرقابة عليه وهي مناط مسئوليتها, ومن ثم لا يكون التابع قد ارتكب الفعل الضار حال تأدية وظيفته أو بسببها, فتنتفي مسئولية الطاعنة عن التعويض المطالب به ولا يغير من ذلك أن المتهم تربطه علاقة عمل مع والدة المجني عليهم - المطعون عليها الثانية - وسبق تهديده لها يوم أن قامت بإثبات تأخره عن العمل بدفتر الحضور أو تردده على منزل المطعون عليهما وتعاملهما معه على أساس هذه العلاقة, إذ لا شأن لهذه العوامل بأعمال الوظيفة التي لا يربطها بواقعة القتل رابطة بحيث لولاها ما كانت الجريمة قد وقعت، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأقام قضاءه على قوله "إن المتهم كان زميلاً لوالدة المجني عليهم...... وانتهز فرصة وجود والدي المجني عليهم في العمل وتوجه إلى منزل زميلته...... وأنه يعلم أنهما في عملهما وقام بقتل أولادهما الثلاثة فالخطأ وإن كان لم يرتكب أثناء تأديته عملاً من أعمال وظيفته ولكن المتهم ما كان يستطيع دخول المنزل وقتل الأولاد لولا تذرعه بوظيفته" ورتب على ذلك مسئولية الطاعنة عن فعلته وألزمها بأداء التعويض المحكوم به، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن الفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم وكان المتهم قارف العمل غير المشروع بمنأى عن الوظيفة على نحو ما سلف بيانه فلا تكون الطاعنة مسئولة عن التعويض الأمر الذي يتعين معه تأييد الحكم المستأنف برفض دعوى المطعون عليهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق