جلسة 20 من ديسمبر سنة 2006
برئاسة السيد المستشار / محمود عبد الباري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين / محمد حسين مصطفى ، إبراهيم الهنيدي ، حسن الغزيري وربيع شحاتة نواب
رئيس المحكمة .
------------
(121)
الطعن 79257 لسنة 75 ق
(1) إثبات " بوجه عام
" . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
العبرة في الإثبات في المواد
الجنائية باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه .
كفاية تشكك القاضي في صحة إسناد التهمة للقضاء بالبراءة .
(2) إثبات "
اعتراف " " بوجه عام " " قرائن " . استدلالات . محكمة
الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " " سلطتها في تقدير صحة
الاعتراف " . محكمة النقض " نظرها موضوع الدعوى " .
الاعتراف في المسائل الجنائية . عنصر من عناصر الاستدلال
. تقدير صحته وقيمته في الإثبات . موضوعي . لمحكمة الموضوع ألا تعول عليه متى كان
وليد إكراه أو تراءى لها مخالفته للحقيقة والواقع .
التحريات وحدها لا تصلح أن تكون
دليلاً بذاته أو قرينة بعينها على الواقعة المراد إثباتها .
خلو الأوراق من دليل لإسناد تهمتي القتل والسرقة إلى
المتهمين غير الأدلة التي ساقتها النيابة العامة وأهدرتها المحكمة . أثره : وجوب
القضاء ببراءة المتهمين .
مثال لحكم صادر بالبراءة من محكمة النقض لدى نظرها موضوع
الدعوى في جريمتي قتل عمد وسرقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - من
المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية أن العبرة في الإثبات هي باقتناع قاضي
الدعوى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه ، وحسبه أن يتشكك في صحة إسناد التهمة
إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة .
2 - لما كانت المحكمة وهي في مقام وزن الأدلة
التي ارتكنت إليها النيابة العامة في إسناد تهمة قتل ..... عمداً إلى المتهمين ،
ترى أن هذه الواقعة ذاتها قد تنازعتها دعويان تستقل كل منهما عن الأخرى ، الأولى
هي الدعوى المطروحة ضد كل من المتهمين ..... و.... وثالث سبق القضاء بانقضاء
الدعوى الجنائية بوفاته ، والثانية تحمل رقم ..... لسنة .... جنايات مركز .....
ضد كل من المتهمين ، .... و..... ، وقد نسجت خيوط الاتهام في كل من هاتين
الدعويين من اعترافات المتهمين مؤيدة بتحريات الشرطة . لما كان ذلك ، ولئن كانت
الأدلة التي حملت الاتهام في كل من الدعويين متساوية في القوة إلا أنها مضادة في
الاتجاه ، إذ جاءت في آخراهما ناسخة لما ابتنيت عليه أولاهما ، وهوت بها في مكان
سحيق تبوأت فيه مباوئ الكذب الذي بات مبدأها ومنتهاها . لما كان ذلك ، وكان دفاع المتهمين
الماثلين قد قام على بطلان الاعتراف المعزو إليهما لصدوره وليد إكراه ، وكان من
المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك المحكمة
كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، ولها ألا تعول عليه ولو كان
صادقاً متى كان وليد إكراه كائناً ما كان قدره أو تراءى لها أنه مخالف للحقيقة والواقع
، وكانت المحكمة تطمئن إلى هذا البطلان لما تكشف عنه الأوراق من القبض على
المتهمين وحجزهما بغير أمر من السلطات ما يزيد
على الشهر ، أخذاً بأقوالهما المؤيدة بالبرقيتين المرسلتين إلى كل من وزير
الداخلية والنائب العام في تاريخ سابق على تحرير محضر ضبطهما ، الأولى مؤرخة .....
والثانية مؤرخة ..... بما تحملاه من استغاثة والد المتهم ..... من القبض على ابنه
المذكور وحجزه بدون وجه حق ، وكذا من الإكراه الذي لا تجد المحكمة بداً من التسليم
به بعد قعود المحقق عن تحقيقه ، فضلاً عما تراءى للمحكمة من مخالفة هذا الاعتراف للحقيقة والواقع سيما وقد اعترف متهمان
آخران في الجناية رقم ..... لسنة .....
مركز ..... باقترافهما ذات الجريمة وضبط دراجة المجني عليه البخارية - المسروقة -
بإرشاد أولهما ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإنه من المقرر أن التحريات لا
تصلح وحدها لأن تكون دليلاً بذاته أو قرينة بعينها على الواقعة المراد إثباتها ،
وكانت المحكمة ترى في التحريات التي
أجراها كل من المقدم ..... والرائد .... ما يجافي حقيقة الواقع على ما شهد به
اللواء ..... في الجناية رقم ..... لسنة ..... مركز ..... بعدم صحة هذه التحريات ،
وما اعترف به متهمان آخران باقترافهما ذات الواقعة التي حررت بشأنها تلك التحريات ، الأمر الذي ترى معه المحكمة اطراحها وعدم
التعويل عليها في مقام الإثبات . لما كان ذلك ، وقد أهدرت الأدلة التي ساقتها
النيابة العامة للتدليل على ثبوت واقعة قتل المجني عليه ..... في حق المتهمين
..... و..... وقد خلت أوراق الدعوى من دليل آخر على إسناد جرائم القتل وإحراز
السلاح والسرقة في حقهما ، فإنه يتعين القضاء ببراءتهما مما أسند إليهما .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاًّ من 1- ..... 2- ..... 3-
..... بأنهم وآخر سبق الحكم عليه :- أولاً : المتهمان الأول والثاني وآخر سبق الحكم عليه : قتلوا ..... .
عمداً مع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم وبيتوا النية على قتله ، وأعدو لذلك الغرض
أدوات صلبة حادة " سكينتان ومطواة قرن غزال " ، وما إن ظفروا به حتى
انهالوا عليه طعناً في أجزاء متفرقة من جسده قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به
الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ، وذلك على النحو
المبين بالتحقيقات . ثانياً : المتهمان الأول والثاني وآخر سبق الحكم عليه :
أحرزوا بغير ترخيص أسلحة بيضاء " سكينتين ومطواة قرن غزال " . ثالثاً :
المتهمان الأول والثاني وآخر سبق الحكم عليه : سرقوا ليلاً الدراجة البخارية
المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة للمجني عليه سالف الذكر ، وذلك على
النحو المبين بالتحقيقات . رابعاً : المتهم الثالث : أخفى الدراجة البخارية
المتحصلة من الجريمة موضوع الاتهام السابق مع علمه بذلك . وأحالتهم إلى محكمة
جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة . والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 44 /1 مكرر ، 230 ، 316 مكرر ثانياً وثالثاً ،
317/ 4 من قانون العقوبات والمواد 1/1 ، 25 مكرراً ، 30 من القانون رقم 394 لسنة
1954 المعدل والبندين 10 ، 11 من الجدول الأول الملحق ، بمعاقبة المتهمين الأول
والثاني لكل منهما بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما هو منسوب لكل منهما ،
وبمعاقبة المتهم الثالث بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما هو منسوب إليه .
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ومحكمة النقض قضت حضورياً
بقبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة
جنايات ..... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى . ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة أخرى
- قضت حضورياً عملاً بالمادتين 14، 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية والمواد 30
، 32 ، 230 ، 316 مكرراً /2، 3 ، 317 /4 عقوبات ، 1/1 ، 25 مكرر/1 ، 30/ 1 من
القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 165 لسنة 81 والبندين رقم 10 ،11
من الجدول الأول والملحق أولاً : بانقضاء الدعوى الجنائية بوفاة كل من .....
و..... ومصادرة السلاح المضبوط . ثانياً : بمعاقبة كل من المتهمين ..... و....
بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات عما أسند إليهما ومصادرة السلاحين المضبوطين .
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية ...... .. إلخ
.
كما طعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ...... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
وحيث إنه سبق وأن قضت هذه المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه للمرة الثانية
وتحديد جلسة لنظر الموضوع .
من حيث إن النيابة العامة أسندت إلى كل من 1- .... 2- ..... 3- ..... 4-
.... أنهم :- أولاً : المتهمون من الأول إلى الثالث (أ) قتلوا ...... . عمداً مع
سبق الإصرار بأن عقدوا العزم وبيتوا النية على قتلة وأعدوا لذلك الغرض أدوات صلبة
راضة " سكينتين ومطواة قرن غزال " ، وما إن ظفروا به حتى انهالوا عليه
طعناً في أجزاء متفرقة من جسده قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة
بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياته .
(ب) أحرزوا بغير ترخيص أسلحة بيضاء " سكينتين ومطواة قرن غزال " . (ج)
سرقوا ليلاً الدراجة البخارية المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة للمجني
عليه سالف الذكر . ثانياً : المتهم الرابع ، أخفى الدراجة البخارية المتحصلة من
الجريمة موضوع الاتهام السابق مع علمه بذلك ، وطلبت عقابهم طبقاً لمواد الاتهام ،
وقد ركنت النيابة في إثبات الاتهام قبلهم إلى أقوال المقدم ...... والرائد .....
والملازمين الأول ..... و ..... و ..... ، وما
ثبت من تقرير الصفة التشريحية ، فقد شهد المقدم ...... مفتش مباحث مركز ...... .
بأن تحرياته دلته على أن المجني عليه كان قد ارتبط بعلاقة عاطفية مع بنت المتهم
الأول ثم تطورت هذه العلاقة إلى معاشرة جنسية آثمة أثمرت عن حمل تلك الفتاة سفاحاً
، وإذ شاع هذا النبأ بين أهل القرية وبات الخزي والعار ملازمين لأهل الفتاة أينما
وجدوا توالت الجلسات فيما بين المتهمين الثلاثة الأول - الأول والد الفتاة والثاني
عمها والثالث زوج عمتها - لتدارس ذلك الأمر المشين ، وهداهم تفكيرهم إلى الانتقام
من المجني عليه ، واتفقوا على قتله وأعدوا لهذا الغرض أسلحة بيضاء " سكينتين
ومطواة قرن غزال " ، واستدرجوه في وقت متأخر من الليل إلى طريق مظلم مؤدى إلى
قرية ...... بدعوى توصيلهم بدراجته البخارية بأجر إلى تلك القرية ، وإذ تيقنوا من
خلو الطريق حينئذ من المارة طلبوا من المجني عليه الوقوف بدراجته لأمر ما ، وما إن
وقف حتى انهالوا عليه طعناً بتلك الأسلحة فأردوه قتيلاً واستولوا على دراجته
البخارية حيث أخفاها المتهم الثالث لدى المتهم الرابع مع علم الأخير بأنها مسروقة
، فاستصدر إذناً من النيابة العامة بتاريخ ..... لضبط المتهمين المذكورين وندب
الرائد ..... لتنفيذه ، وشهد الرائد ..... رئيس مباحث مركز .... بمضمون ما شهد به
الشاهد الأول وأضاف بأنه انتقل وكل من الملازمين الأول .... ، ..... و..... إلى
محل إقامة المتهمين المذكورين بتاريخ ...... . لضبطهم نفاذاً لإذن النيابة العامة
، وبضبطهم وبمواجهتهم بما أسفرت عنه التحريات أقروا لهم باقترافهم الجريمة بدافع
الانتقام من المجني عليه وفق التصوير الذي ورد بأقوال الشاهد الأول ، كما تم ضبط الأسلحة المستخدمة في الجريمة بإرشادهم ولم يتمكنوا
من ضبط الدراجة البخارية المسروقة ، وشهد كل من الملازمين الأول .....
و..... و..... معاوني مباحث مركز ..... بمضمون ما شهد به الشاهد الثاني ، وثبت من
تقرير الصفة التشريحية إصابة المجني عليه بجرح ذبحي غائر بمنتصف مقدم العنق طوله
12 سم ، وستة جروح قطعية بأعلى ومنتصف مقدم يمين الصدر تتراوح أطوالها ما بين 2 ،
4 سم ، وجرح قطعي بطول 3 سم بأعلى مقدم يسار الصدر ، وجرح قطعي بطول 8 سم بأعلى
يمين البطن ، وستة جروح قطعية بأطوال تتراوح ما بين 2 ، 5 سم بأعلى مقدم العضد
الأيمن ، وجرح قطعي بطول 5 سم بأعلى مقدم الساعد الأيمن ، وثلاثة جروح قطعية بطول
2 سم بظهر اليد الأيمن وجرح قطعي بطول 5 سم براحة اليد اليمنى ، وثلاثة جروح قطعية
بظهر اليد اليسرى تتراوح أطوالها ما بين 1 ، 3 سم ، وجرح قطعي براحة اليد اليسرى بطول
5 سم ، وأربعة جروح قطعية تتراوح أطوالها ما بين 1 ، 3 سم بظهر أصابع اليد اليسرى
. وهذه الإصابات حيوية حديثة حدثت من جسم أو أجسام صلبة حادة من مثل الأسلحة
البيضاء المضبوطة وتعزى الوفاة إلى تهتك بالرئتين والكبد والأوعية الدموية
الرئيسية بيمين العنق ، كما ثبت من معاينة مكان الحادث وجود ثلاث بقع دموية على
الطريق الأسفلتي على مسافة خمسين متر تقريباً من مكان الجثة . وبسؤال المتهم الأول
بتحقيقات النيابة قرر بأنه عندما علم باعتداء المجني عليه جنسياً على ابنته وشاع
نبأ حملها سفاحاً بين أهل قريته أفصح عما ألم به من خزي وعار للمتهم الثاني شقيقه
الذي تقفى شخص المعتدي على تلك الفتاة وتوصل إلى أنه يعمل سائقاً لدراجة بخارية
لنقل الركاب بالأجرة وقد اشتهر بعلاقاته النسائية وصمم على قتله انتقاماً منه إلا
أنه - المتهم الأول - اعترض على هذه الفكرة مفوضاً أمره إلى الله ، وفي مساء يوم
..... حضر إليه شقيقه المذكور وأيقظه من نومه مخبراً إياه بانه استدرج المجني عليه
إلى منزل المتهم الثالث زوج شقيقتهما وطلب منه مرافقته إلى ذلك المكان لتنفيذ فكرة
القتل ، بيد أنه رفض مصاحبته فأفصح له شقيقه المذكور عن تصميمه على قتل المجني
عليه بالاشتراك مع المتهم الثالث الذي يعلم بكافة تفصيلات الفكرة وسببها ، ثم حضر
إليه شقيقه في صباح اليوم التالي وأخبره بأنه والمتهم الثالث قتلا المجني عليه
واستولى المتهم الثالث على الدراجة البخارية الخاصة به - المجني عليه - ونفى
إقراره لضابط المباحث باشتراكه مع المتهمين الآخرين في قتل المجني عليه وأضاف بأنه
احتجز منفرداً بديوان مركز شرطة ..... لمدة تناهز أربعين يوماً سابقة على عرضه على
النيابة العامة . وبسؤال المتهم الثاني ..... بتحقيقات النيابة قرر بأنه حال عودته
من عمله مساء يوم ..... ولدى مروره أمام منزل المتهم الأول - شقيقه - حيث كان
الأخير يجالس المتهم الثالث فدعواه إلى مجلسهما وطلبا منه استدعاء المجني عليه من
موقف الدراجات البخارية لتوصيلهما بدراجته إلى مكان ما فأجابهما ، وإذ عاد إليهما
رفقة المجني عليه بدراجته طلبا منه مرافقتهما إلى حيث يذهبان كما طلبا من المجني
عليه مجالستهم ريثما يحتسوا جميعاً
مشروب الشاي ، ولما حان وقت تحركهم إلى المكان الذي يقصدانه طلبا منه أن يسبقهم
إلى بداية الطريق الأسفلتي مترجلاً حيث تنوء الدراجة بحملهم جميعاً عبر شوارع
القرية الغير ممهدة ، وما إن بلغوا مكان انتظاره لهم حتى أصر المتهمان الأول
والثالث يركبان الدراجة خلف
المجني عليه وقد وقفوا على بعد منه يقارب الخمسة أمتار حيث تناهى إلى سمعه حديث
بينهم أعقبه تأوه المجني عليه ، وأبصر المتهمين الأول والثالث ينهالان عليه ضرباً
بأشياء تشبه السكاكين حتى سقط أرضاً ، ثم ضربه المتهم الثالث في رقبته بما كان
يحمله وتركاه ملقى على الأرض ، ثم قام المتهم الثالث بقيادة الدراجة البخارية
متجهاً بها إلى قرية ..... ، ثم عاد وأنكر بعد حضور محاميه جلسة التحقيق علمه بهذه
الجريمة ، وقال إنه ظل محتجزاً بديوان مركز الشرطة لمدة ناهزت الأربعين يوماً قبل
عرضه على النيابة تعرض خلالها للتعذيب بالضرب بالسياط والصعق الكهربائي في مواضع
حساسة من جسده لحمله على الاعتراف ، وأملى عليه الضابط الرواية التي أدلى بها قبل
عدوله ، وأضاف بأنه شفي من إصاباته التي تخلفت عن تعذيبه بفوات مدة طويلة على
حدوثها مما تنتفي معه جدوى توقيع الكشف الطبي عليه . وبسؤال المتهم الثالث .....
بتحقيقات النيابة قال : بأن المتهم الأول شقيق زوجته دعاه إلى منزله ليلاً بعد أن
أنهى إليه عزمه وشقيقه المتهم الثاني على قتل المجني عليه انتقاماً منه لاعتدائه
جنسياً على ابنته وحملها منه سفاحاً ، فتوجه إليه واتفقوا فيما بينهم على أن يقوم
المتهم الثاني باستدراج المجني عليه بدراجته البخارية من موقف الدراجات بدعوى
توصيلهم إلى مكان ما ، وإذ عاد به أجلسوه معهم ريثما يحتسي كوباً من الشاي ، وإذ
تأخر الوقت من الليل طلب المتهم الأول منه توصيلهم إلى قرية ..... وركب ثلاثتهم
خلفه على الدراجة وفي الطريق طلب المتهم الأول الوقوف لقضاء حاجته ، وما إن وقف
المجني عليه بالدراجة حتى انهال عليه المتهمان الأول والثاني ضرباً بسكين ومطواة
حتى أردوه قتيلاً ، بينما وقف هو - المتهم الثالث - مذهولاً وقاد الدراجة إلى ورشة
المتهم الرابع - ابن عمه - وتركها لديه بعد أن أحاطه علماً بظروفها ، ثم عاد وأنكر
بعد حضور محاميه التحقيق علمه بهذه الجريمة معللاً أقواله السابقة بأنها وليده
الإكراه الواقع عليه سيما وقد احتجز بديوان مركز الشرطة لمدة أربعين يوماً سابقة
على عرضه على النيابة العامة تعرض خلالها للضرب بالسياط والصعق بالكهرباء وأضاف
بأنه شفي من كافة الإصابات التي تخلفت عن هذا التعذيب بفوات مدة طويلة على حدوثها
، وبسؤال المتهم الرابع ...... السيد أنكر ما نسب إليه من إخفائه الدراجة البخارية
وقال بأنه قبض عليه بتاريخ ..... واقتيد إلى مركز شرطة ..... وظل محتجزاً به حتى
عرض على النيابة بتاريخ ..... وتعرض خلال هذه الفترة للتعذيب بالضرب بالسياط
والصعق بالكهرباء وبسؤال ..... بتاريخ ..... قرر بأنه لدى تواجده بورشة المتهم
الرابع في يوم ..... تم القبض على الأخير ولم يطلق سراحه بعد ، وأرفق بالأوراق
برقية تلغرافية مرسلة من والد المتهم الثالث إلى النائب العام بتاريخ ..... ، تحمل
استغاثته من احتجاز ابنه المذكور بمركز شرطة ..... منذ يوم ..... وأخرى مماثلة
مرسلة إلى وزير الداخلية ، وحيث حضر المتهمان بجلسة اليوم ومعهما محاميهما واعتصما
بالإنكار وتمسك دفاعهما ببطلان الاعتراف المعزو إليهما بتحقيقات النيابة ، ورد ما
سبق إثارته أمام محكمة جنايات ..... من أن متهمين آخرين اعترفا في الجناية رقم
..... لسنة ..... مركز ..... بارتكابهما ذات الواقعة منوهاً إلى تداول طعن النيابة
العامة في الحكم الصادر في الجناية الأخيرة بجلسة اليوم أمام هذه المحكمة ، فأمرت
المحكمة بضم صورة من مفردات تلك الجناية للطعن الحالي وتبين من الاطلاع عليها أن
النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية فيها قبل كل من 1- ..... 2- ..... 3- المقدم
..... 4- الرائد ..... 5- النقيب ..... 6- النقيب ..... 7- النقيب ..... لأنهم في
غضون شهري ..... سنة ..... بدائرة مركز ..... محافظة ..... ، أولاً : المتهمان
الأول والثاني : قتلا ..... ذات المجني عليه في الدعوى المطروحة عمداً مع سبق
الإصرار حال اقتران تلك الجناية بجناية أخرى بأن سرقا الدراجة البخارية المملوكة
للمجني عليه المذكور بالطريق العام حال حمل الأول لسلاح أبيض " سكين "
.... ثانياً : المتهمون من الثالث إلى السابع - شهود الإثبات في الدعوى الماثلة -
بصفتهم موظفين عموميين " مفتش مباحث ورئيس مباحث ومعاوني مباحث مركز .....
" عذبوا المتهمين الثلاثة الأول في الدعوى الراهنة لحملهم على الاعتراف
بارتكابهم جناية قتل المجني عليه المذكور وسرقة دراجته واستعملوا القسوة مع المتهم
الرابع فيها . استناداً إلى اعتراف كل من المتهمين الأول والثاني بالتحقيقات ، وما
شهد به كل من اللواء ..... ، ..... ، ..... ، ..... ، ..... ، ..... ، .....
و..... ، فقد اعترف المتهم الأول ..... بسبق ارتكابه
والمتهم الثاني العديد من السرقات وأنه دأب وحده على الاتجار في المواد المخدرة
ونقل كميات منها بالدراجة البخارية قيادة المجني عليه مع علم الأخير بذلك ، وإذ
تعرض للتفتيش ذات مرة في أعقاب توصيل المجني عليه له بما يحرزه من مخدرات شك في أن
يكون المجني عليه قد أبلغ عنه فتولدت لديه فكرة الانتقام منه وعقد العزم على قتله
واصطحب المتهم الثاني وكمنا للمجني عليه في المكان الذي أيقن مروره بدراجته فيه وما إن أبصره قادماً حتى أوعز للمتهم الثاني
استيقافه بدعوى توصيلهما إلى المكان الذي أرشده عنه ، وركبا خلفه ، ولدى مرورهم
بمكان مظلم طلب من المجني عليه الوقوف بزعم سقوط أحد نعليه من قدمه وإذ توقف الأخير
بدراجته بادر بذبحه بسكين من مقدمة عنقه وألقاه أرضاً وطعنه عدة طعنات حتى لفظ
أنفاسه ، واستولى والمتهم الثاني على الدراجة وأخفاها بمنزله حتى تمكن من تغيير
لونها بالاستعانة بعامل دوكو يدعي ..... ، ثم وضع عليها لوحتين بأرقام مختلفة
واستخدمها فيما يرتكبه من سرقات ، ولدى قيامه وأخرين بسرقة مسكن بإحدى قرى مركز
..... استغاث قاطنوه فلاذ ورفاقه بالفرار تاركين تلك الدراجة حيث تم ضبطها والتحفظ
عليها بمركز ..... واعترف المتهم الثاني ...... باشتراكه في سرقة الدراجة البخارية
وقرر بمضمون ما قرر به المتهم الأول نافياً صلته بجريمة القتل وعلمه بنية المتهم
الأول بشأنها . وشهد اللواء ...... مفتش المباحث الجنائية بمصلحة الأمن العام
بوزارة الداخلية بأن تحرياته دلته على أن المتهمين الأول والثاني هما مرتكبا جريمة
قتل المجني عليه وسرقة دراجته البخارية وفق
تصوير المتهم الأول للواقعة ، وانتفاء صلة كل من ..... ، ..... و.....
بهاتين الجريمتين وإخفاء الدراجة المسروقة ، فضلاً عن عدم صحة التحريات التي
أجراها المتهمان الثالث والرابع في هذا الخصوص ، وأضاف بضبط الدراجة المسروقة
بمعرفة خفراء ناحية ..... مركز ..... وشهد ..... خفير نظامى بناحية ..... مركز
..... بأنه عثر على دراجة بخارية ملقاه بأحد شوارع الناحية فتم التحفظ عليها
وتسليمها إلى مركز الشرطة ، كما ثبت من تقرير المعمل الجنائي طمس الرقم المدون على
شاسيه الدراجة وموتورها وقد أفلحت المعالجة الكيماوية في التعرف على مفردات الرقم
المدون على الموتور وشهد ..... الموظف المختص بوحدة مرور ..... بأن رقم الموتور
الذي كشف عنه تقرير المعمل الجنائي ينطبق على البيانات المثبتة بملف الدراجة رقم
..... التي كان يقودها المجني عليه في التوقيت الذي قتل فيه . كما شهد ..... بأنه
قام بطلاء دراجة بخارية بمنزل المتهم الأول
وتغيير لونها من اللون الأحمر إلى اللون الأزرق بناء على طلب الأخير . وشهد ..... بأنه أبصر كلاً من المتهمين ..... و.....
في حالة إعياء بمركز شرطة ..... وأخبره
كل منهما بتعرضه للتعذيب لحمله على الاعتراف ، كما شهدت ..... بأنها أبصرت شقيقها
..... موثق بالحبال معصوب العينين ويتعرض للضرب بالسياط لحمله على الاعتراف بقتل
المجني عليه وسرقة دراجته ، وشهد ...... بأنه أبصر شقيقيه ..... بمركز شرطة
..... معصوبي العينين موثقين بالحبال يعذبان بالضرب بالسياط ويصعقان بالتيار
الكهربائي لحملهما على الاعتراف . كما شهد .... بانه توجه إلى مركز شرطة .....
لزيارة ابنه ..... عقب القبض عليه فأحضره المتهم الثالث له عارياً موثقاً بالحبال
وطلب منه أن ينصح ابنه المذكور بالاعتراف ، وشهدت ..... بان المتهم السابع قبض
عليها عقب القبض على زوجها .... وشقيقيها ... فأبصرت زوجها عاري الجسد معصوب
العينين يعاني من آثار التعذيب .
وحيث إنه من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية أن العبرة في الإثبات
هي باقتناع قاضي الدعوى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه ، وحسبه أن يتشكك في
صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة
وهي في مقام وزن الأدلة التي ارتكنت إليها النيابة العامة في إسناد تهمة قتل .....
عمداً إلى المتهمين ترى أن هذه الواقعة ذاتها قد تنازعتها دعويان تستقل كل منهما
عن الأخرى ، الأولى هي الدعوى المطروحة ضد كل من المتهمين ..... و..... وثالث سبق
القضاء بانقضاء الدعوى الجنائية بوفاته ، والثانية تحمل رقم ..... لسنة .....
جنايات مركز ..... ضد كل من المتهمين ، ..... و..... ، وقد نسجت خيوط الاتهام في
كل من هاتين الدعويين من اعترافات المتهمين مؤيدة بتحريات الشرطة . لما كان ذلك ،
ولئن كانت الأدلة التي حملت الاتهام في كل من الدعويين متساوية في القوة إلا أنها
مضادة في الاتجاه ؛ إذ جاءت في آخراهما ناسخة لما ابتنيت عليه أولاهما وهوت بها في
مكان سحيق تبوأت فيه مباوئ الكذب الذي بات مبدأها ومنتهاها . لما كان ذلك ، وكان
دفاع المتهمين الماثلين قد قام على بطلان الاعتراف المعزو إليهما لصدوره وليد
إكراه ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي
تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، ولها ألا تعول عليه
ولو كان صادقاً متى كان وليد إكراه كائناً ما كان قدره أو تراءى لها أنه مخالف
للحقيقة والواقع ، وكانت المحكمة تطمئن إلى هذا البطلان لما تكشف عنه الأوراق من
القبض على المتهمين وحجزهما بغير أمر من السلطات ما يزيد على الشهر أخذاً بأقوالهما
المؤيدة بالبرقيتين المرسلتين إلى كل من وزير الداخلية والنائب العام في تاريخ
سابق على تحرير محضر ضبطهما ، الأولى مؤرخة ..... والثانية مؤرخة ..... بما تحملاه
من استغاثة والد المتهم ..... من القبض على ابنه المذكور وحجزه بدون وجه حق ، وكذا من الإكراه الذي لا تجد المحكمة بداً من
التسليم به بعد قعود المحقق عن تحقيقه ، فضلاً عما تراءى للمحكمة من مخالفة
هذا الاعتراف للحقيقة والواقع سيما وقد اعترف متهمان آخران في الجناية رقم .....
لسنة ..... مركز ..... باقترافهما ذات الجريمة ، وضبط دراجة المجني عليه البخارية
- المسروقة - بإرشاد أولهما ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإنه من المقرر أن
التحريات لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً بذاته أو قرينة بعينها على الواقعة المراد
إثباتها ، وكانت المحكمة ترى في التحريات التي أجراها كل من المقدم ..... والرائد
..... ما يجافي حقيقة الواقع على ما شهد به اللواء ..... في الجناية رقم .....
لسنة ..... مركز ..... بعدم صحة هذه التحريات ، وما اعترف به متهمان آخران
باقترافهما ذات الواقعة التي حررت بشأنها تلك التحريات ، الأمر الذي ترى معه
المحكمة اطراحها وعدم التعويل عليها في مقام الإثبات . لما كان ذلك ، وقد أهدرت
الأدلة التي ساقتها النيابة العامة للتدليل على ثبوت واقعة قتل المجني عليه .....
في حق المتهمين ..... و..... وقد خلت أوراق الدعوى من دليل آخر على إسناد جرائم
القتل وإحراز السلاح والسرقة في حقهما ، فإنه يتعين القضاء ببراءتهما مما أسند إليهما
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق