جلسة 18 من فبراير سنة 1996
برئاسة السيد المستشار/ طلعت الإكيابي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد وأنس عمارة وفرغلي زناتي نواب رئيس المحكمة ورضا القاضي.
-------------------
(37)
الطعن رقم 6048 لسنة 64 القضائية
(1) إثبات "شهود". إجراءات "إجراءات المحاكمة".
جواز استدعاء الضباط وقضاة التحقيق وأعضاء النيابة شهوداً في القضايا التي لهم عمل فيها. متى رأت المحكمة أو السلطة التي تؤدي الشهادة أمامها محلاً لذلك.
(2) إثبات "بوجه عام". إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
طلب ضم قضية بقصد إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة. لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة. أثر ذلك: لا على المحكمة إن أعرضت عنه ولم تجبه. رفضه صراحة غير لازم.
(3) إثبات "شهود" "خبرة" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. ليس بلازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(4) إثبات "بوجه عام" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقديره. متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
أخذ الحكم بدليل احتمالي. غير قادح فيه. ما دام قد أسس الإدانة على اليقين.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
(5) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
قصد القتل أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة. استخلاصه. موضوعي.
(6) حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إيراد الحكم من تقرير الصفة التشريحية ما يكفي تبريراً لاقتناعه بالإدانة ويحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 إجراءات جنائية. لا قصور.
(7) قتل عمد. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جسم الإنسان متحرك لا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء عليه. أثر ذلك: جواز حدوث إصابة الأجزاء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء. تقدير ذلك. لا يحتاج خبرة خاصة.
(8) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
إحالة الحكم في بيان شهادة شاهد إلى أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
(9) إثبات "بوجه عام". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ في الإسناد. لا يعيب الحكم. ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
(10) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم اشتراط كون الدليل صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها. كفاية أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
(11) جريمة "أركانها". باعث. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الباعث ليس ركناً من أركان الجريمة. الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله. لا يعيب الحكم.
(12) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله. لا يعيب الحكم. ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة منها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
2 - من المقرر أن طلب ضم قضية بقصد إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة هو طلب لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة، فلا على المحكمة إن هي أعرضت عنه والتفتت عن إجابته، وهو لا يستلزم منها عند رفضه رداً صريحاً.
3 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
4 - لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، كما أن أخذ الحكم بدليل احتمالي غير قادح فيه ما دام قد أسس الإدانة على اليقين، والبين من مدونات الحكم أنه انتهى إلى بناء الإدانة على يقين ثبت لا على افتراض لم يصح، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا المجني ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
6 - لما كان ما أورده الحكم بالنسبة لتقرير الصفة التشريحية يكفي لتبرير اقتناعه بالإدانة، ويحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من دعوى بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً.
7 - من المقرر أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء، مما يجوز معه حدوث إصابة الأجراء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة.
8 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشاهد إلى أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
9 - الأصل أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
10 - لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها، بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
11 - لما كان الباعث على الجريمة ليس ركناً فيها، فلا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله.
12 - من المقرر أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: أولاً: المتهم الأول وآخر سبق الحكم عليه: قتلا ..... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية وعقدا العزم على قتله وأعدا لهذا الغرض سلاحين ناريين (بندقيتين) وما أن ظفرا به حتى أطلقا صوبه وابلاً من الأعيرة النارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: المتهم الثاني وآخر سبق الحكم عليه: قتلا.... عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد بأن أطلقا صوبه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثالثاً: المتهمان: ( أ ) أحرز كل منهما بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "بندقية". (ب) أحرز كل منهما بغير ترخيص ذخائر مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحيازته أو إحرازه. وأحالتهما إلى محكمة جنايات أسيوط لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى والدا وأرملة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ 251 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2 - 5، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند (ب) من القسم الأول من الجدول رقم (3) الملحق مع تطبيق المادة 32 عقوبات - بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات ومصادرة السلاح الناري المضبوط وبإلزام الثاني بأن يؤدي للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ 251 جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.
المحكمة
أولاً: - عن الطعن المقدم من الطاعن الأول:
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم القتل العمد وإحراز سلاح ناري وذخيرة بغير ترخيص، قد انطوى على الإخلال بحق الدفاع وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه طلب إلى المحكمة سماع شاهد الإثبات الرابع وضم الجناية رقم.... أبو تيج، إلا أن المحكمة لم تجبه إلى طلبيه، وردت عليهما بما لا يصلح رداً، واعتمد الحكم في رفع التناقض بين تقرير الصفة التشريحية وأقوال شاهد الإثبات الأول بشأن عدد إصابات المجني عليه على ما قرره الطبيب الشرعي بالجلسة من أن إصابة العنق يمكن أن تكون غير ظاهرة لهذا الشاهد، فأقام الحكم قضاءه بذلك على الاحتمال، ولم يدلل سائغاً على توافر نية القتل في حقه، واكتفى بالإشارة إلى نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون أن يبين مضمونه من وصف الإصابات المنسوب إليه إحداثها وموضعها من جسم المجني عليه وكيفية حدوثها، هذا إلى أنه أثار دفاعاً مؤداه استحالة حصول إصابة الرأس وفقاً لتصوير شاهد الإثبات الأول، لأن الثابت من الدليل الفني أن هذه الإصابة لا تحدث إلا إذا كان الضارب واقفاً أمام المجني عليه على خلاف ما قرره الشاهد المذكور، إلا أن الحكم لم يحفل بهذا الدفاع، وذلك مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع استدعاء الضباط وقضاة التحقيق وأعضاء النيابة شهوداً في القضايا التي لهم عمل فيها، إلا أن استدعاء أي منهم لا يكون إلا متى رأت المحكمة أو السلطة التي تؤدي الشهادة أمامها محلاً لذلك، وكانت المحكمة لم تر - للأسباب السائغة التي أوردتها - مبرراً لإجابة الطاعن إلى طلبه باستدعاء شاهد الإثبات الرابع - ضابط المباحث - لمناقشته بشأن التحريات التي أجراها وبلاغ الحادث، فإن النعي على الحكم في هذا الوجه لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى بأن طلب ضم قضية بقصد إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة هو طلب لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة، فلا على المحكمة إن هي أعرضت عنه التفتت عن إجابته، وهو لا يستلزم منها عند رفضه رداً صريحاً، وكان قصد الطاعن من طلب ضم القضية رقم...... جنايات أبو تيج - على ما يبين من محاضر جلسات المحاكمة وأسباب طعنه - هو إثارة الشبهة في أقوال شاهد الإثبات الأول التي اطمأنت إليها المحكمة، فإنه لا تثريب عليها إن هي أطرحت طلب ضم القضية المذكورة والتفتت عن إجابته. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الدليل المستمد من أقوال شاهد الإثبات الأول الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض مع الدليل الفني المستمد من تقرير الصفة التشريحية وأقوال الطبيب الشرعي بالجلسة بخصوص عدد إصابات المجني عليه، ولا يقدح في ذلك أن الطبيب الشرعي قد أجاز أن تكون إصابات العنق غير ظاهرة لشاهد الإثبات الأول لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، كما أن أخذ الحكم بدليل احتمالي غير قادح فيه ما دام قد أسس الإدانة على اليقين، والبين من مدونات الحكم أنه انتهى إلى بناء الإدانة على يقين ثبت لا على افتراض لم يصح، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا المنحى ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لقصد القتل وأثبت توافره في حق الطاعن والمحكوم عليه الآخر في قوله "وحيث إنه عن نية القتل بالنسبة للمتهمين، فإنه لما كان المتهم الأول.... "الطاعن" لوجود خلافات سابقة بين عائلته ..... على حيازة جزيرة طرح النيل، ورؤيته للمجني عليه يقترب بقاربه من ذلك المكان المتنازع عليه الأمر الذي اعتقد معه أنه قد جاء إلى ذلك المكان ليحوزه منه فاختمرت في ذهنه وقتها فكرة الخلاص من المجني عليه المذكور، فأطلق صوبه عدة أعيرة نارية من بندقيته وهي سلاح ناري قاتل بطبيعته قاصداً إزهاق روحه ووجهها وجهة مقاتل من المجني عليه وأصابه في رأسه وعنقه بالإصابات التي أودت بحياته، وما أن حصل ذلك حتى علم المتهم.... المحكوم عليه الآخر بمقتل قريبه المجني عليه سالف الذكر، فعزم على الفور على الأخذ بثأره ودفعه إلى ذلك الخلافات السالفة على طرح النيل، فتوجه إلى محل وجود المجني عليه..... وأمطره بعديد من الطلقات النارية من بندقية - وهي سلاح قاتل بطبيعته - في عدة مقاتل من جسده بقصد إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وإذ كان قد دلل على هذا القصد - على النحو السالف بيانه - تدليلاً كافياً وسائغاً، فإن النعي عليه في هذا المنحى لا يكون قويماً. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم بالنسبة لتقرير الصفة التشريحية يكفي لتبرير اقتناعه بالإدانة، ويحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من دعوى بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان جسم الإنسان متحركاً ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء، مما يجوز معه حدوث إصابة الأجراء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، فإن ما يثيره الطاعن من استحالة حصول إصابة الرأس وفقاً لتصوير شاهد الإثبات الأول يضحى ولا محل له. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن الأول برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: - عن الطعن المقدم من المحكوم عليه الثاني: -
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم القتل العمد، وإحراز سلاح ناري وذخيرة بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال والتناقض، ذلك بأنه اكتفى بالإشارة إلى نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون أن يبين مضمونه من وصف إصابات المجني عليه وعددها وموضعها وكيفية حدوثها، ولم يدلل تدليلاً كافياً على توافر نية القتل لديه، وأحال في بيان شهادة شاهد الإثبات الثالث إلى مضمون ما شهد به الشاهد الثاني برغم اختلاف الواقعة التي شهد كل منهما عليها، وأسند إلى الأخير رؤيته للطاعن والمتهم الآخر الذي سبق الحكم عليه من دبر حال إطلاقهما النار على المجني عليه، وهو ما لا أصل له في الأوراق، وأثبت أن المعاينة التي أجرتها النيابة العامة أيدت هذا الشاهد في تصويره سالف الذكر على خلاف ما انتهت إليه تلك المعاينة من عدم إمكان رؤيته للمكان الذي وجد فيه المجني عليه وقت إصابته، وأخطأ في بيان الباعث على القتل، وأطرح دفاعه بأن إصابة المجني عليه حدثت وهو على يمين الداخل لحانوته بمقولة أنه ليس هناك ما ينفي تحرك المجني عليه يميناً أو يساراً أثناء الواقعة، وهو قول مبناه الافتراض ويفتقر إلى ما يدعمه، يتعارض مع ما قرره الطبيب الشرعي بالجلسة من استحالة حركة المجني عليه بسبب إصابته، وأخيراً فقد عول الحكم على أقوال شاهد الإثبات الثاني مع ما بينها من تناقض سجلته مدوناته، كل ذلك مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن ما يثيره الطاعن بشأن قصور الحكم في بيان مضمون تقرير الصفة التشريحية والتدليل على نية القتل مردود بما سبق الرد به على أسباب الطعن المقدمة من الطاعن الأول بما لا محل لتكراره. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يحل في بيان شهادة شاهد الإثبات الثالث إلى مضمون ما شهد به الشاهد الثاني في خصوص رؤية واقعة قتل المجني عليه، وإنما أحال عليها في شأن رؤية الطاعن والمتهم الآخر الذي سبق الحكم عليه حال قدومهما إلى مكان الحادث وإطلاقهما النار على الموجودين به لإرهابهم، وهي واقعة اتفقت فيها أقوال هذين الشاهدين - وهو ما لا يتنازع فيه الطاعن بل يسلم به في أسباب طعنه - وإذ كان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشاهد إلى أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الأصل أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، وكان الطاعن لا يماري في أن ما أورده الحكم المطعون فيه من رؤية شاهد الإثبات الثاني للطاعن والمتهم الآخر الذي سبق الحكم عليه أثناء دخولهما حانوت المجني عليه وإطلاقهما النار على الأخير له معينه الصحيح من أقوال هذا الشاهد، فإن خطأ الحكم في القول برؤية الشاهد المشار إليه للمتهمين سالفي الذكر من دبر حال إطلاقهما النار على المجني عليه - بفرض صحة هذا الخطأ - لا أثر له في منطقه ولا في تكوين عقيدة المحكمة، ومن ثم يكون النعي عليه في هذا الوجه غير قويم. لما كان ذلك، وكان الحكم لم يسند إلى شاهد الإثبات رؤيته للمجني عليه أثناء إصابته وإنما أسند إليه رؤيته للمتهمين من دبر حال إطلاقهما النار على المجني عليه، وكان البين من أقوال هذا الشاهد - وهو ما لا يماري الطاعن في أن له أصله الثابت في الأوراق - أنه رأى المتهمين حال دخولهما حانوت المجني عليه وإطلاقهما النار بداخله. ولما كان لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها، بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، فإن قول الحكم في معرض رده على دفاع الطاعن بأنه إصابة المجني عليه حدثت وهو على يمين الداخل إلى حانوته - أن المعاينة التي أسفرت عن إمكان رؤية الشاهد لمدخل هذا الحانوت دون رؤية المكان الذي كان يتواجد به المجني عليه أثناء إصابته - أيدت الشاهد في تصويره المار ذكره يكون سليماً، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا المنحى ولا محل له. لما كان ذلك، وكان الباعث على الجريمة ليس ركناً فيها، فلا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن - بفرض صحته - لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن القائم على أن إصابة المجني عليه حدثت وهو على يمين الداخل إلى محل تجارته وأطرحه في قوله "أما القول بأن إصابة المجني عليه قد حدثت وهو على يمين الداخل، فليس هناك ما ينفي تحرك المجني عليه يميناً ويساراً أثناء الواقعة وليس عقب إصابته، كما أنه ليس في واقعات الدعوى ما يقطع بأن المجني عليه ظل على يمين الداخل لحظة إصابته"، وهو رد كاف وسائغ، ولا يتعارض مع ما قرره الطبيب الشرعي بالجلسة من استحالة حركة المجني عليه عقب إصابته، ومن ثم فإنه لا محل لتعييب الحكم في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه حصل أقوال شاهد الإثبات الثاني بما لا تناقض فيه - خلافاً لما يزعمه الطاعن - وكان من المقرر أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون قويماً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن الثاني برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق