جلسة 6 من فبراير سنة 1996
برئاسة السيد المستشار/ محمد نبيل رياض نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جابر عبد التواب وأمين عبد العليم نائبي رئيس المحكمة وعمر بريك ويوسف عبد السلام.
-----------------
(27)
الطعن رقم 4731 لسنة 65 القضائية
(1) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر نية القتل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي تنم عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل لدى الطاعن.
(2) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
إيراد الحكم مؤدى إقرار الطاعن لرجال المباحث بقتل المجني عليها لدى بيانه لمؤدى أقوال شاهد الإثبات. النعي عليه بالقصور. غير مقبول.
مثال.
(3) إثبات "بوجه عام".
العبرة في المحاكمات الجنائية. باقتناع القاضي.
(4) إثبات "بوجه عام".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(5) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على الحكم بالتناقض دون الإفصاح عن ماهيته. وخلو الحكم من التناقض. غير سديد.
(6) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
قاضي الموضوع فيما يأخذ أو يدع من تقارير الخبراء. لا معقب عليه.
(7) سبق إصرار. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير توافر ظرف سبق الإصرار. موضوعي.
(8) قتل عمد. سبق إصرار. قصد جنائي. ارتباط. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الجمع بين ظرفي سبق الإصرار والارتباط. لا يخالف القانون. الفصل في هذه المسألة. موضوعي.
(9) نقض "المصلحة في الطعن". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ظروف مشددة. قتل عمد. سبق إصرار. اقتران. عقوبة "العقوبة المبررة".
النعي بعدم توافر ظرف سبق الإصرار. لا جدوى منه. ما دامت العقوبة التي نص عليها الحكم تدخل في الحدود المقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق الإصرار المقترن بجناية أخرى.
(10) إثبات "اعتراف" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي. ما دام سائغاً.
عدم التزام المحكمة بعرض الطاعن على خبير مختص. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء.
(11) نيابة عامة. إعدام نقض "ميعاده".
قبول عرض النيابة قضايا الإعدام. ولو تجاوزت الميعاد المقرر لذلك.
(12) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد. إعدام.
الحكم بالإعدام. ما يلزم تسبيب لإقراره؟
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى إقرار الطاعن لرجال المباحث بقتل المجني عليها لسرقة مصاغها - لدى بيان لمؤدى أقوال العقيد...... - بما يكشف عن إلمامه به - فإن النعي عليه بالقصور في هذا الصدد يكون في غير محله.
3 - من المقرر أن العبرة من المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليها بإدانة المتهم أو ببراءته، وله أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح من الأوراق.
4 - من المقرر أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم، بحيث إن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، ولا ينظر إلى كل دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
5 - لما كان الطاعن لم يفصح عن ماهية التناقض الذي يشير إليه في أسباب طعنه بين تقرير الأدلة الجنائية الذي أخذ به الحكم بشأن الحريق، وبين تقرير آخر لم يأخذ به، وكانت أسباب الحكم قد خلت من التناقض الذي يعيبه، فإن الاستناد إلى هذا التقرير الآخر - الذي لم يأخذ به الحكم - في دعوى التناقض يكون على غير أساس.
6 - من المقرر أنه لا معقب على قاضي الموضوع فيما يأخذ أو يدع من تقارير.
7 - من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً من ذلك الاستنتاج.
8 - من المقرر أنه لا يوجد في القانون ما يحول دون الجمع بين ظرفي سبق الإصرار والارتباط إذا ما توافرت أركانهما، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار ثم استخلص رابطة السببية بين القتل والسرقة من أقوال العقيد....... والرائد ......، ومن إقرار الطاعن لهما بانتوائه قتل المجني عليها لسرقة مصاغها، وكان الفصل في هذه المسألة من الأمور الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع عند نظر الدعوى بغير معقب.
9 - لما كانت عقوبة الإعدام الموقعة على الطاعن مقررة لجريمة القتل العمد - بغير سبق إصرار - المقترن بجناية الحريق العمد التي أثبتها الحكم في حقه، فإن ما يثيره الطاعن من فساد الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار وقصوره في بيان نية القتل في جريمة الشروع فيه المقترنة، أو الارتباط السببي بين القتل والسرقة - بفرض صحة كل ذلك - يكون غير مجد.
10 - لما كان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها بهذه المثابة أن تقدر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه دون معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي غير ملزمة - من بعد - بعرض الطاعن على خبير مختص لبيان سبب إصاباته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء.
11 - لما كانت النيابة العامة قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعي فيها عرض القضية في ميعاد الستين يوماً المبين بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصيل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأي الذي ضمنته النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته.
12 - لما كان الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين المحكوم عليه بالإعدام بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها - على ما سلف بيانه في معرض التصدي لأوجه الطعن المقدمة من المحكوم عليه. كما أن إجراءات المحكمة قد تمت وفقاً للقانون وإعمالاً لما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون 107 لسنة 1962 - من استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم، وصدوره بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وقد خلا الحكم من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه، أو في تأويله، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعد قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه على ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، فيتعين لذلك مع قبول عرض النيابة العامة إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل...... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية وعقد العزم المصمم على قتلها ثم توجه إليها بمسكنها وباغتها عقب دلوفها إلى غرفة نومها بإطباقه بكلتا يديه على عنقها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودعت بحياتها وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين أخرتين تلتها وهي أنه في ذات الزمان والمكان آنفي البيان وضع عمداً ناراً في مسكنها بأن أوصل مصدر لهب بملاءة سريرها فحدث الحريق المبين آثاره بالتحقيقات وبتقرير قسم الأدلة الجنائية المرفق فشرع بذلك في قتل نجلها الصغير..... والذي كان موجوداً معها بمسكنها بأن أوصد عليه الباب وقد أوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مداركة الأهالي له وإنقاذه، كما ارتبطت بها جنحة أخرى هي أنه في ذات الزمان والمكان سرق المشغولات الذهبية المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق والمملوكة للمجني عليها سالفة الذكر من مسكنها على النحو المبين بالأوراق وأحالته إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قررت إحالة أوراق القضية إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي مع تحديد جلسة...... للنطق بالحكم. وبالجلسة المحددة قضت حضورياً عملاً بالمواد 45/ 1، 46، 234/ 2 - 3، 252/ 1، 317/ 1 أولاً من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجنايتي حريق عمد وشروع في قتل والمرتبط بجنحة سرقة قد أخطأ في الإسناد، وشابه قصور في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون، وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن ما ساقه في بيان نية القتل يخالف الثابت في الأوراق ولا يكفي لإثبات توافرها، ولم يورد مؤدى إقرار الطاعن لرجال المباحث الذي عوّل عليه في هذا الشأن، ولم يدلل تدليلاً كافياً على ثبوت جريمة الحريق العمد في حق الطاعن واستند في ذلك إلى تقرير قسم الأدلة الجنائية رغم تناقضه مع تقرير آخر من نفس الجهة دون أن يعن برفع هذا التناقض. ورغم أن استدلاله على توافر ظرف سبق الإصرار جاء فاسداً، فقد جمع بينه وبين الارتباط بالجنحة وجعلهما معاً عماداً لقضائه ودون أن يبين رابطة السببية بين القتل والسرقة، كما فات الحكم أن يدلل على نية القتل في جريمة الشروع فيه، ودفع الطاعن ببطلان اعترافه بتحقيقات النيابة العامة لصدوره وليد إجراءات باطلة وإكراه مادي ترك به الإصابات التي أثبتها وكيل النيابة المحقق، غير أن الحكم أطرح هذا الدفاع بما لا يصلح، ودون أن تتحقق المحكمة من سبب تلك الإصابات عن طريق المختص فنياً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله (..... أن المتهم....... لخلاف بينه وبين خاله زوج المجني عليها........ ولما يضمره أيضاً من ضغينة للأخيرة بسبب الخلاف الناشب بين شقيقها وزوجته شقيقة المتهم لعدم قيامه بالإنفاق عليها، ولحاجته هو إلى المال، فقد انتوى قتل المجني عليها وسرقة مصاغها، وتوجه إلى مسكنها في صبيحة يوم......... حال وجود زوجها في عمله وأولادها في مدارسهم عدا طفل رضيع، وطرق الباب ففتحت له، فقام بخنقها بالضغط بيديه على عنقها قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها ثم قام بسرقة حليها - أربعة أساور وخاتم وقرط وسلسلة - وأشغل النار في غرفة نومها حيث توجد جثتها. بأن أوصل مصدر لهب بفراش غرفتها وأشعل النار بها وأغلق باب الغرفة - الذي يفتح إلى الخارج - وأحكم غلقه عليها بأن ثبت به من الخارج عصا مرتكزة على الأرض، وترك طفلها......... في الشقة وأوصد الباب عليه وولى هارباً، إلى أن طرقت بعض جاراتها الشقة فلم تفتح وسمعن بكاء الطفل واكتشفن تصاعد الدخان من شقتها فاستغثن وتم اقتحام الشقة وإنفاذ الغلام وإطفاء الحريق.) وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة استمدها من أقوال كل من.........، ........، ........، .........، ...........، ...........، .........، ...... والعقيد.......... والرائد............. ومن تقرير الصفة التشريحية وتقرير قسم الأدلة الجنائية، ومن اعتراف المتهم بتحقيقات النيابة العامة بخنقه المجني عليها والاستيلاء على مصاغها. وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في صدره، واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وكان الحكم قد دلل على توافر نية القتل في قوله (... أن المحكمة تلتفت عما جاء بأقوال المتهم بأنه لم يكن ينتوى قتل المجني عليها، وتطمئن إلى إقراره لرجال المباحث بانتوائه قتلها على النحو السالف الذكر، بالإضافة إلى ما قرر به في تحقيق النيابة من أنه قام بالضغط بيده على عنق المجني عليها حتى سكنت حركتها، وقد كشف تقرير الصفة التشريحية عن أن الوفاة حدثت نتيجة اسفكسيا الخنق الناشئ عن الضغط اليدوي الشديد المتصل على أعلى الرقبة وهو ما يبين منه بجلاء أن الجاني كان يقصد قتل المجني عليها لا مجرد إخافتها وإرهابها كما زعم، هذا فضلاً عما قرر به في التحقيق من أنه خوفاً من ألا تكون المجني عليها قد ماتت فقد قام بلف الإيشارب الخاص بها على عنقها، وقد وجد معقوداً حوله، وهو ما يؤكد أن ما اقترفه معها كان بنية قتلها، خاصة وأن قام بإغلاق النافذة بالشيش والزجاج وأشعل النار بالحجرة وأغلق بابها وثبّت غلقه من الخارج بعصاه حتى لا يترك لها أي فرصة للنجاة.) وكان البين من الاطلاع على المفردات المنضمة أن ما أورده الحكم من إقرار المتهم لرجال المباحث بانتوائه قتل المجني عليها له صداه وأصله الثابت في أقوال العقيد.......... والرائد........... بتحقيقات النيابة العامة وكان ما ساقه الحكم - فيما تقدم - كاف وسائغ في إثبات توافر نية القتل لدى الطاعن، فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى إقرار الطاعن لرجال المباحث بقتل المجني عليها لسرقة مصاغها - لدى بيان لمؤدى أقوال العقيد......... - بما يكشف عن إلمامه به فإن النعي عليه بالقصور في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لجناية الحريق العمد التي تلت جريمة قتل المجني عليها وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله (وحيث إنه عن واقعة وضعه النار عمداً في غرفة المجني عليها فهي ثابتة في حقه من قيامه بإغلاق نافذة الغرفة عليها بالشيش والزجاج وغلقه باب الحجرة من الخارج بالنحو سالف البيان ووجود أعواد كبريت مشتعلة الرأس في مكان الحريق وثبوت اشتعال الحريق نتيجة إيصال مصدر حراري سريع ذو لهب مكشوف كعود ثقاب بمكان الاحتراق مما يكشف عن قيامه بإشعال النار في الغرفة عامداً لإشفاء غليله وقطع كل سبيل أمام أي احتمال لنجاة المجني عليها.....، بالإضافة إلى إقراره لرجال المباحث بإشعاله النار في الغرفة على أثر خنقه المجني عليها وسرقة مصاغها.....). لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العبرة من المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليها بإدانة المتهم أو ببراءته، وله أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالماً له مأخذه الصحيح من الأوراق. ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث إن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، ولا ينظر إلى كل دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باّقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ما تقدم، وكان جميع ما تساند إليه الحكم من الأدلة والقرائن التي سلفت الإشارة إليها التي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها من شأنها مجتمعة أن تحقق ما رتبه عليها من استدلال على صحة ما نسب إلى الطاعن من وضع النار عمداً في مسكن المجني عليها، فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يفصح عن ماهية التناقض الذي يشير إليه في أسباب طعنه بين تقرير الأدلة الجنائية الذي أخذ به الحكم بشأن الحريق، وبين تقرير آخر لم يأخذ به، وكانت أسباب الحكم قد خلت من التناقض الذي يعيبه، فإن الاستناد إلى هذا التقرير الآخر - الذي لم يأخذ به الحكم - في دعوى التناقض يكون على غير أساس. فضلاً عن أنه لا معقب على قاضي الموضوع فيما يأخذ أو يدع من تقارير. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لتوافر ظرف سبق الإصرار وأثبت توافره في حق الطاعن بقوله (ومن حيث إنه عن سبق الإصرار فهو متوافر لديه، وهو ما يبين من الخلاف الذي كان بينه وبين خاله زوج المجني عليها، وما يضمره من ضغينة للمجني عليها، لعدم إنفاق شقيقها على زوجته شقيقة المتهم، وإحجام المجني عليها وزوجها عن التدخل لإنهاء هذا النزاع، بل إن أخته أبلغته قبل أيام من وقوع الحادث - كما قررت - بما قالته لها المجني عليها حين ذهبت إليها شاكية من أن عليها أن تترك أولادها وترحل إلى أهلها في الصعيد. وهو مما زاد من حنق المتهم على المجني عليها، فانتوى قتلها وأصر عليه وسرقة مصاغها للإنفاق منه على نفسه وعلى شقيقته تلك، خاصة أنه كان يمر بضائقة مالية ولا يجد عملاً، فسعى إليها في مسكنها لتنفيذ ما عزم عليه في غيبة زوجها وأولادها عدا ذلك الطفل الرضيع وهو المنقطع عن زيارة خاله منذ فترة بعيدة ويعرف رأي المجني عليها المسبق في مشكلة شقيقته، وبالتالي فإن المحكمة تلتفت عما قال به في التحقيق من أنه ذهب إلى المجني عليها لمناقشة تلك المشكلة معها، إذ هو قول يتنافر ومجريات الأحداث وكافة ظروف الواقعة السالف بيانها، فضلاً عما جاء بتحريات المباحث وما أقر به للشاهدين السابع والثامن على نحو ما سلف.). لما كان ذلك، وكان المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج. وكان ما أورده الحكم - فيما سلف - يكفي في الكشف عن توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن، وقد ساق لإثباته قبله من الأدلة والقرائن ما يكفي لتحققه طبقاً للقانون. فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون ولا محل له. لما كان ذلك، وكان لا يوجد في القانون ما يحول دون الجمع بين ظرفي سبق الإصرار والارتباط إذا ما توافرت أركانهما، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار - على نحو ما سلف بيانه - ثم استخلص رابطة السببية بين القتل والسرقة من أقوال العقيد....... والرائد..........، ومن إقرار الطاعن لهما بانتوائه قتل المجني عليه لسرقة مصاغها، وكان الفصل في هذه المسألة من الأمور الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع عند نظر الدعوى بغير معقب، فإن الحكم يكون بريئاً مما رماه به الطاعن في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكانت عقوبة الإعدام الموقعة على الطاعن مقررة لجريمة القتل العمد - بغير سبق إصرار - المقترن بجناية الحريق العمد التي أثبتها الحكم في حقه، فإن ما يثيره الطاعن من فساد الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار وقصوره في بيان نية القتل في جريمة الشروع فيه المقترنة، أو الارتباط السببي بين القتل والسرقة - بفرض صحة كل ذلك - يكون غير مجد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعن من بطلان اعترافه لصدوره إثر حجز باطل ونتيجة إكراه مادي وأطرحه بقوله (.... لما كان الثابت بالأوراق أن وكيل النيابة المحقق أصدر أمراً في صبيحة يوم......... بضبط المتهم وإحضاره وكانت المحكمة تطمئن إلى محضر ضبطه المؤرخ......... المتضمن قيام رجال المباحث بضبطه في كمين أعد له في منطقة........ في هذا التاريخ، وقد تم عرضه على النيابة في التاريخ المذكور حيث تم استجوابه، ومن ثم تلتفت عن مقولة احتجازه منذ تاريخ سابق على ذلك وضربه لحمله على الاعتراف طوال تلك الفترة، أما عما وجد به من إصابات فقد أثبت المحقق مناظرته لعموم جسم المتهم ومشاهدته وجود إصابات بمعصم يده اليمنى وقرر له المتهم أنها من القيد الحديدي، كما لاحظ وجود إصابة قديمة أعلى أنفه عليها قشرة وآثار "مكركروم" أفاد المتهم أنها من جراء ارتطامه بالأرض، والمحكمة تطمئن إلى سلامة أقواله هذه بشأن إصاباته وسلامة اعترافه لما سلف بيانه ولما يلي أيضاً: أولاً: إن الإصابات التي وجدت بمعصم يده اليمنى هي بالفعل في مكان وضع القيد الحديدي بما يتفق وما قرره المتهم في هذا الخصوص، كما أن البين من حالة إصابة أنفه ووجود قشرة عليها أنها حدثَت قبل ضبطه. ثانياً: إن المتهم حضر أمام السيد قاضي المعارضات وأنكر ولم يشر هو أو المحامية التي حضرت معه في إحدى الجلسات في المعارضة إلى وقوع ثمة اعتداء عليه وأنه أكره على الأقوال التي أدلي بها. ثالثاً: إن البين من متابعة إجابات المتهم حال استجوابه أنه كان في حل من أمره يعترف بما يريد الاعتراف به وينكر ما يعن له إنكاره من وقائع، فأنكر انتواءه القتل ونفى اعتزامه السرقة ونفض يده من إشعال الحريق، ووجه بما جاء بتحريات المباحث وبما نسبوه إليه من إقرار بذلك فأصر على الإنكار، وهو ما يبين منه أنه لم يكن تحت وطأة أي إكراه حين أدلى بأقواله أمام المحقق. رابعاً: إن شقيقة المتهم الشاهدة الخامسة شهدت بأنها قابلت شقيقها بعد ضبطه فأقر لها بارتكاب الحادث على النحو الذي قرر به هو من بعد في تحقيق النيابة... دون أن تشير إلى أن شقيقها تعرض لثمة اعتداء عليه أو أنها لاحظت وقوعه تحت وطأة أي إكراه للإقرار لها بما سلف، مما يبين منه أيضاً أن ما اعتراف به من وقائع سواء لشقيقته أو في تحقيق النيابة جاء طواعية منه واختياراً لا قصراً عنه وإجباراً...) وإذ كان هذا الذي رد به الحكم على ما أثير بشأن الإكراه سائغاً في تفنيده وفي نفي الصلة بين إصابات الطاعن وبين الاعتراف الذي أدلي به في التحقيق وكان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها بهذه المثابة أن تقدر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه دون معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي غير ملزمة - من بعد - بعرض الطاعن على خبير مختص لبيان سبب إصاباته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء، ومن ثم فإن تعييب الحكم في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعي فيها عرض القضية في ميعاد الستين يوماً المبين بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصيل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأي الذي ضمنته النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين المحكوم عليه بالإعدام بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها - على ما سلف بيانه في معرض التصدي لأوجه الطعن المقدمة من المحكوم عليه. كما أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وإعمالاً لما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون 107 لسنة 1962 - من استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم، وصدوره بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وقد خلا الحكم من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه، أو في تأويله، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعد قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه على ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، فيتعين لذلك مع قبول عرض النيابة العامة إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق