جلسة 16 من فبراير سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمد عطية إسماعيل، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان المستشارين.
----------------
(33)
الطعن 1189 لسنة 29 القضائية
(1 ، 2) تزوير.
الصور العامة للتزوير في المحررات. المحرر الرسمي.
تعريفه: الرجوع في ذلك إلى نص المادتين 211، 213 ع دون المادة 390 من القانون المدني.
مناط رسميته: تحريره من موظف عمومي مختص بمقتضى وظيفته بتحريره. الموظف العمومي في باب التزوير: تعريفه. هو من تعهد إليه إحدى السلطات الثلاث بنصيب من السلطة في أداء العمل الذي نيط به أداؤه. عدم تسوية الشارع بين القائم بخدمة عامة وبين الموظف العمومي في باب التزوير.
(3) مسئولية جنائية.
الأركان الخاصة بكل جريمة. وجوب الرجوع في استخلاص نطاق الجريمة والمسئولية الجنائية عنها إلى النص الذي يعرف الجريمة.
(4) قانون عقوبات اقتصادي.
نقد. مباشرة عمليات النقد الأجنبي من البنوك المرخص لها بذلك. تكييفها: عمليات تؤديها البنوك عن طريق موظفيها - كمستخدمين في مؤسسة خاصة - سواء قبل صدور الترخيص أو بعده - وذلك لحساب عملاء البنك وتحت مسئوليته.
أثر ذلك: تحرير ترخيص الاستيراد على نموذج خاص بالبنك وخلوه مما يفيد رسميته أو تداخل موظف عمومي في تحريره أو اعتماده يجعل التزوير المدعى به واقعاً في محرر عرفي.
(5) قانون.
تفسيره: لا محل له عند وضوح معنى النص.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم الأول والثاني: ارتكبا تزويراً في ورقة أميرية - ترخيص استيراد بضائع من الخارج صادر لصالح المتهم الثالث بأن غيرا بقصد التزوير موضوع هذا الترخيص وبياناته في حال تحريره المختص بوظيفتهما التي فوضهما القانون في تأديتها، وذلك بجعلهما وقائع مزورة في صورة وقائع صحيحة مع علمهما بتزويرها بأن أثبتا على خلاف ما يقضي به التصريح الصادر من المراقبة العامة للاستيراد أنه رخص للمتهم الثالث باستيراد سيارات ركوب بصفة عامة دون تحديد لحجمها وكذا شاسيهات وقطع غيار أمريكية وفرنسية وإنجليزية مقابل تصدير منتجات مصرية بصفة عامة دون أي استثناء فيما عدا القطن الخام وغزل القطن والأرز إلى جميع البلاد ما عدا المنطقة الدولارية وإسرائيل، بينما يقضي التصريح المشار إليه باستيراد بضائع أمريكية وفرنسية دون غيرها وأن تكون السيارات المستوردة من النوع الصغير الذي لا يتجاوز سعر الواحدة منه 350 جنيه وأن يكون استيراد هذه السيارات مقابل تصدير منتجات مصرية معينة هي الفول السوداني والخضروات والفواكه والأزهار والبطاطس ومنتجات خان الخليلي دون غيرها وقد وقع المتهمان هذا الترخيص المزور بإمضاءيهما - والمتهم الثالث: أولاً - اشترك مع المتهمين الأول والثاني بطريق الاتفاق على ارتكاب جريمة التزوير سالفة الذكر بأن اتفق معهما على تحرير الترخيص المشار إليه على الوجه المتقدم بيانه خلافاً لما يقضي به التصريح الصادر من المراقبة العامة للاستيراد، وقد وقعت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق. ثانياً - استعمل الورقة الأميرية المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها، وذلك بأن قدمها لبنك القاهرة وفتح بمقتضاها اعتمادين مستنديين أولهما بمبلغ 240750 جنيه وثانيهما بمبلغ 357380 جنيه، وتعاقد استناداً إليهما مع آخرين على استيراد سيارات كبيرة لهم. ثالثاً - اختلس مستنداً متعلقاً بالحكومة هو صورة رسمية من الطلب المقدم منه للإدارة العامة للنقد، وذلك بأن استلم هذا المستند من المراقبة العامة للنقد لتوصيله مع كتابها إلى المراقبة العامة للاستيراد فاختلسه ولم يقدمه للمراقبة المذكورة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهمين لمحاكمة الأول والثاني بالمادة 213 من قانون العقوبات والمواد 1 و7 و16 من القانون رقم 80 لسنة 1947 وقراري وزير المالية رقمي 51 لسنة 1947 و482 لسنة 1957 وقرار لجنة الاستيراد، والمتهم الثالث بالمواد 151 و152 و213 و40/ 2 و41 و214 من قانون العقوبات. وأصدرت غرفة الاتهام قرارها أولاً باعتبار ما أسند إلى المتهمين جنحة. ثانياً - بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنح المختصة لمحاكمة المتهمين الأول والثاني طبقاً للمادتين 213 و215 من قانون العقوبات والمواد 213 و215 و40/ 2 و41 و341 من القانون المذكور بالنسبة إلى المتهم الثالث، وذلك على اعتبار أن التهمة الثالثة المسندة إلى هذا المتهم هي تبديد، فقررت النيابة العامة الطعن في قرار غرفة الاتهام بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
حيث إن النيابة العامة تعيب على القرار المطعون فيه - الخطأ في تطبيق القانون وتأويله على الواقعة كما صار إثباتها فيه - وفي بيان ذلك تقول إنه لا يشترط لتطبيق المادتين 211 و213 من قانون العقوبات في شأن التزوير في الأوراق الرسمية - أن يكون محررها موظفاً عمومياً - بل يكفي أن يكون مكلفاً بخدمة عامة - وقد جاءت المادة (390) من القانون المدني - صريحة في هذا المعنى، وإذ كان قانون العقوبات قد خلا من بيان المقصود بالورقة الرسمية في باب التزوير - فلا مناص من الرجوع في هذا الشأن إلى التعريف الوارد في المادة المذكورة وواقع الحال في الدعوى أن المشرع المصري قد نظم الرقابة على عمليات النقد وتصدير واستيراد البضائع من الخارج بالقانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل بالقوانين 157 لسنة 1950 و331 لسنة 1952 و111 لسنة 1953، فحظر التعامل أو إجراء أي من هذه العمليات إلا بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من وزير المالية - وعن طريق المصارف المرخص لها بذلك - وقد أصدر وزير المالية تنفيذاً لذلك القرار 51 لسنة 1947 وأتبعه بالقرار 482 لسنة 1957 المعمول به من أول يوليو سنة 1957، ونص في المادة الأولى منه على أن الطلبات الخاصة بشراء عملات أجنبية بقصد استعمالها في استيراد بضائع من الخارج تقدم إلى المصارف المرخص لها بمزاولة عمليات النقد الأجنبي على الاستمارة رقم ط/ 10 المرافقة لهذا القرار مصحوبة بجميع المستندات المتعلقة بها وعلى المصارف أن ترسل هذه الطلبات طبقاً للقواعد التي تضعها لجنة الاستيراد. وقد أصدرت اللجنة المذكورة تنفيذاً لهذا القرار - تعليمات للبنوك نشرت في الوقائع المصرية ونصت المادة السابعة منها على أن تقوم البنوك بإصدار تراخيص الاستيراد وفقاً لما تقرره المراقبة العامة للاستيراد على أن يرفق بالترخيص صورة من أمر الشراء مثبتاً به ما يكون قد أدخل عليه من تعديلات بمعرفة المراقبة المذكورة. فأصبحت البنوك بمقتضى هذه التعليمات - مفوضة من قبل المشرع بإصدار تراخيص استيراد البضائع من الخارج، وأصبح موظف البنك المختص بتحريرها مكلفاً من قبل الشارع بتحريرها على النموذج المعد لذلك بما يطابق القرار الصادر في شأنها من مراقبة الاستيراد - وينبني على ذلك اعتبار موظف البنك - وهو يحرر هذه التراخيص - مكلفاً بخدمة عامة، فإذا وقع منه تزوير في موضوع هذه التراخيص حال تحريرها فإنما يعاقب بالمادة 213 من قانون العقوبات - وغير صحيح ما جاء بالقرار من أن الموظف حين يحرر تلك التراخيص إنما يقوم بخدمة خاصة لأفراد الناس - إذ هو في الواقع يقوم بهذا العمل بالنيابة عن لجنة الاستيراد المختصة أصلاً بهذا العمل، فهو يقوم بخدمة عامة بالنيابة عنها - فإذا ارتكب تزويراً في موضوع تلك التراخيص كما هو الحال في الدعوى وجبت معاقبته بالمادة 213 من قانون العقوبات بوصف الواقعة جناية تزوير في أوراق رسمية.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على المطعون ضدهم - بأنهم الأول "مسعود حليم مسعود" والثاني "عبد الله توفيق قدسي" ارتكبا تزويراً في ورقة أميرية - هي ترخيص استيراد بضائع من الخارج رقم 2252 - 5455 مؤرخ 9 من يناير سنة 1958 صادر لصالح المتهم الثالث "حسانين مبارك الجابري" بأن غيرا بقصد التزوير موضوع هذا الترخيص وبياناته في حال تحريره المختص بوظيفتهما التي فوضهما القانون في تأديتها، وذلك بجعلهما وقائع مزورة في صورة وقائع صحيحة مع علمهما بتزويرها، بأن أثبتا فيه على خلاف ما يقضي به التصريح الصادر من المراقبة العامة للاستيراد أنه رخص للمتهم الثالث باستيراد سيارات ركوب دون تحديد لحجمها وكذا شاسيهات وقطع غيار أمريكية وفرنسية وإنجليزية مقابل تصدير منتجات مصرية بصفة عامة دون أي استثناء فيما عدا القطن الخام وغزل القطن والأرز إلى جميع البلاد ما عدا المنطقة الدولارية وإسرائيل بينما يقضي التصريح المشار إليه باستيراد بضائع أمريكية وفرنسية دون غيرها وأن تكون السيارات المستوردة من النوع الصغير الذي لا يتجاوز سعر الواحدة منها 350 جنيهاً وأن يكون استيراد هذه السيارات مقابل تصدير منتجات مصرية معينة هي الفول السوداني والخضراوات والفواكه والأزهار والبطاطس ومنتجات خان الخليلي دون غيرها، وقد وقع المتهمان على هذا الترخيص المزور بإمضاءيهما. والمتهم الثالث: أولاً - اشترك مع المتهمين الأول والثاني بطريق الاتفاق على ارتكاب جريمة التزوير سالفة الذكر بأن اتفق معهما على تحرير الترخيص المشار إليه على الوجه المتقدم بيانه خلافاً لما يقضي به التصريح الصادر من المراقبة العامة للاستيراد، وقد وقعت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق. ثانياً - استعمل الورقة المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها وذلك بأن قدمها لأحد البنوك وفتح بمقتضاها اعتمادين أولهما بمبلغ 240750 جنيهاً مصرياً والثاني بمبلغ 357380 جنيهاً وتعاقد استناداً إليهما مع آخرين على استيراد سيارات كبيرة. ثالثاً - اختلس مستنداً متعلقاً بالحكومة هو صورة رسمية من الطلب المقدم من الإدارة العامة للنقد في 30/ 12/ 1957، وذلك بأن استلم هذا المستند من المراقبة العامة للنقد لتوصيله مع كتابها المؤرخ 4 من يناير سنة 1958 إلى المراقبة العامة للاستيراد فاختلسه ولم يقدمه للمراقبة المذكورة، وطلبت النيابة من غرفة الاتهام إحالة المطعون ضدهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبة الأول والثاني بالمادة 213 من قانون العقوبات والمواد 1 و7 و16 من القانون رقم 80 لسنة 1947 والقوانين المعدلة وقراري وزير المالية رقمي 51 لسنة 1947 و482 سنة 1957 ومعاقبة الثالث بالمواد 40/ 2 و213 و214 و151 و152/ 2 من قانون العقوبات، فأصدرت غرفة الاتهام بمحكمة القاهرة الابتدائية بتاريخ 13/ 3/ 1958 - القرار المطعون فيه - باعتبار تهمة التزوير جنحة منطبقة على المادتين 213 و215 من قانون العقوبات بالنسبة للأول والثاني واعتبارها كذلك بالنسبة للمتهم الثالث بالمواد 40/ 2 و41 و215 من قانون العقوبات، وقد حصل القرار المطعون فيه واقعة الدعوى في قوله "إنه بتاريخ 30 من ديسمبر سنة 1957 تقدم حسانين مبارك الجابري المتهم الثالث - عن طريق بنك الجمهورية - بطلب إلى مدير عام النقد يلتمس فيه الموافقة على استيراد سيارات ركوب صغيرة وشاسيهات وقطع غيار في حدود مبلغ 600 ألف جنيه بدون تحويل عملة مع إعفائه من دفع حصة عنها بالعملة الصعبة، وإذ عرض هذا الطلب على مدير عام النقد أصدر بشأنه قراراً اقتضى تنفيذه تحرير خطاب تاريخه 4/ 1/ 1958 إلى مراقب عام الاستيراد يتضمن موافقة الإدارة العامة للنقد من الناحية النقدية على إصدار ترخيص استيراد له في حدود مبلغ 600 ألف جنيه تقيد قيمتها في حساب غير مقيم يستخدم في تصدير منتجات مصرية من المرخص بتصديرها باستثناء القطن وغزل القطن والأرز في جميع البلاد فيما عدا المنطقة الدولارية وإسرائيل وبشرط موافقة المراقبة العامة للاستيراد على أنواع السلع المطلوب استيرادها، وعندئذ استلم المتهم الثالث ذلك الخطاب مرفقاً به صورة من الطلب المقدم منه لتوصيلها إلى المراقبة العامة للاستيراد بدلاً من إرسالها بطريق البريد، ولكنه احتفظ بصورة الطلب وقدم الخطاب إلى المراقبة العامة للاستيراد، وبعد فحصه أصدرت تلك المراقبة قراراً بالموافقة على استيراد الشاسيهات وقطع الغيار بالعملة المصرية على أن تقيد قيمتها في حساب خاص غير مقيم يستعمل في تصدير منتجات مصرية من المرخص بتصديرها باستثناء القطن وغزل القطن والأرز إلى جميع البلاد عدا المنطقة الدولارية وإسرائيل - أما السيارات فقد صدرت الموافقة على استيرادها أيضاً بدون تحويل عملة ولكن مقابل تصدير فول سوداني وخضروات وفواكه وأزهار وبطاطس ومنتجات خان الخليلي وعلى ألا يصدر الترخيص إلا بعد تقديم موافقة السيد وزير المالية والاقتصاد على إعفاء العملية من أحكام الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 وأثبتت تلك الموافقة على الكشوف المعدة لذلك - وعند عرضها على وكيل مساعد المراقبة للاستيراد - محمد أحمد الجرواني للتوقيع عليها رأى زيادة منه في الإيضاح أن يضاف إلى قرار المراقبة العامة للاستيراد عبارتين هما - من السيارات الصغيرة سعر السيارة 350 جنيهاً كما هو موضح بالفاتورة المرفقة - فكتب محمد عبده مصطفى الموظف بالمراقبة العامة العبارة الأولى وكتب هو العبارة الثانية - وعقب ذلك تقدم المتهم الثالث عن طريق أحد موظفيه بطلب إلى وزارة المالية لاستثناء العملية من أحكام الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956، فوافقت وزارة المالية على هذا الاستثناء، ثم أرسلت الأوراق إلى بنك الجمهورية لإصدار إذن الاستيراد سالف الذكر، فقام مسعود حليم الموظف بقسم الاستيراد في بنك الجمهورية بتحرير الإذن رقم 2252 وضمنه التصريح باستيراد ألف سيارة وشاسيهات وقطع غيار أمريكية وفرنسية وإنجليزية بمبلغ 600 ألف جنيه على أن تقيد قيمتها في حساب غير مقيم يخصص لتصدير منتجات مصرية باستثناء القطن وغزل القطن والأرز إلى جميع البلاد فيما عدا المنطقة الدولارية وإسرائيل ووقع هو وعبد الله توفيق قدسي رئيس قلم تراخيص الاستيراد ببنك الجمهورية على هذا الإذن، ثم استلمه المتهم الثالث بعد استيفاء باقي الإجراءات اللازمة لذلك، وبعد عدة أيام توجه محمد صقر عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة النقل والهندسة إلى القائم بأعمال مدير عام التبادل التجاري - أحمد جمال الدين البرلسي وسأله إن كان المتهم الثالث قد حصل على إذن باستيراد سيارات كبيرة معللاًً ذلك بأنه عرض عليه أن يبيعه سيارات ركوب أمريكية كبيرة فنفى له أحمد جمال الدين البرلسي حصول المتهم الثالث على مثل هذا الإذن وطلب من مدير عام بنك الجمهورية صورة إذن الاستيراد الذي أصدره البنك للمتهم الثالث فبعث إليه بصورة الإذن رقم 2252، ولما اطلع عليه تبين أن الشروط المدونة بالإذن تختلف عن الشروط التي صدرت بها موافقة المراقبة العامة للاستيراد، إذ أصبح في مكنة المتهم الثالث بناءً على الترخيص المسلم إليه من البنك أن يستورد سيارات ركوب كبيرة أمريكية وفرنسية وإنجليزية مقابل تصدير كافة المنتجات المصرية عدا القطن وغزل القطن والأرز، في حين أن المراقبة العامة للاستيراد وافقت على استيراد سيارات صغيرة أمريكية وفرنسية فقط مقابل تصدير منتجات مصرية معينة هي الفول السوداني والخضروات والفواكه والأزهار والبطاطس ومنتجات خان الخليلي". ثم أورد القرار مؤدى أقوال الشهود ثم أثبت القرار في تكييف الواقعة - "إنه يجب لتطبيق المادة 213 من قانون العقوبات توافر شروط ثلاث هي "أولاً - أن يقع التزوير من موظف عمومي. ثانياً - أن يقع التزوير في محرر رسمي. ثالثاً - أن يقع التزوير حال تحرير هذا المحرر، وأن للموظف العام في باب التزوير مدلول خاص - إذ هو كل شخص مكلف من قبل السلطة العامة بصفة دائمة أو مؤقتة بتحرير الأوراق الموكول إليه تحريرها وبالتوقيع عليها وإعطاؤها الصبغة الرسمية، سواء كان ذلك على وجه الاستمرار أم لفترة مؤقتة بمرتب أو مكافأة أم بدون مقابل......، وأن المحرر الرسمي هو المحرر الذي تصدره سلطة مختصة أو يحرره موظف عام مختص عهد إليه كتابته أو يتدخل في تحريره أو التأشير عليه بمقتضى أعمال وظيفته طبقاً للقوانين واللوائح...... ومقياس التفرقة بين الورقة الرسمية وغير الرسمية هو طبيعة الورقة ونوع بياناتها ولزوم تدخل الموظف لإثبات ما فيها" وقال القرار المطعون فيه "إن الشرطين الأول والثاني غير متوافرين وأن المتهمين الأول والثاني ليسا من الموظفين العموميين وأنهما من موظفي بنك الجمهورية وهو مؤسسة خاصة وأن ما يباشره البنك على يد موظفيه في شأن تراخيص الاستيراد هو خدمة خاصة لعملائه" ثم قال القرار: "ولو قيل جدلاً بأن موظفي بنك الجمهورية أصبحوا من المكلفين بخدمة عامة فإن هذا لا يؤدي - في نطاق جريمة التزوير - إلى مساواتهم بالموظفين العموميين وبالتالي لا تكون الأوراق التي يحررونها من الأوراق الرسمية التي يعاقب على تزويرها بالمادة 213 من قانون العقوبات". وانتهى القرار المطعون فيه إلى اعتبار الواقعة جنحة معاقب عليها بالمواد 213 و215 و40 و41 من قانون العقوبات.
وحيث إن المادة 211 من قانون العقوبات تنص على أن "كل صاحب وظيفة عمومية ارتكب في أثناء تأدية وظيفته تزويراً في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية - سواءً كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أشخاص آخرين مزورة يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن" كما نصت المادة 213 على أن "يعاقب أيضاً بالأشغال الشاقة المؤقتة أو بالسجن كل موظف في مصلحة عمومية أو محكمة غير بقصد التزوير موضوع السندات أو أحوالها في حال تحريرها المختص بوظيفته سواءً كان ذلك بتغيير إقرار أولي الشأن الذي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجه بها أو بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها أو بجعله واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها" وقد دل الشارع بهذين النصين على أن مناط العقاب على تغيير الحقيقة في الورقة الرسمية هو أن يكون محررها موظفاً عمومياً مكلفاً بمقتضى وظيفته بتحريرها، وعبارة الشارع واضحة المعنى لا غموض فيها ومراد الشارع لا يحتمل التأويل، وإنه وإن كان قانون العقوبات لم يذكر تعريفاً للورقة الرسمية ولا للموظف العمومي إلا أنه اشترط صراحة لرسمية المحرر في المادتين 211 و213 سالفتي الذكر أن يكون محرر الورقة الرسمية موظفاً عمومياً مختصاً بمقتضى وظيفته بتحريرها أو بالتداخل في هذا التحرير، ولما كان الموظف العمومي المشار إليه في المادتين 211 و213 من قانون العقوبات هو كل من يعهد إليه بنصيب من السلطة يزاوله في أداء العمل الذي نيط به أداؤه سواء كان هذا النصيب قد أسبغ عليه من السلطة التشريعية في الدولة أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية، يستوي في ذلك أن يكون تابعاً مباشرة إلى هذه السلطات أو أن يكون موظفاً بمصلحة تابعة لإحداها، ولم ينص الشارع في باب التزوير على الشخص المكلف بخدمة عامة، وهو الذي يكلف ممن يملك التكليف بالقيام بعمل عارض من الأعمال العامة، ولو أراد الشارع التسوية بين القائم بخدمة عامة وبين الموظف العمومي في باب التزوير لنص على ذلك صراحة كما فعل في المادتين 111 و119 من قانون العقوبات المعدلتين بالقانون رقم 69 لسنة 1953 - وذلك كما قال القرار المطعون فيه بحق، لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على ترخيص الاستيراد المدعى بتزويره والوارد بين المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها أنه محرر على نموذج خاص ببنك الجمهورية رقمه "2252 مسلسل" عن ترخيص باستيراد بضائع من الخارج ومؤرخ 9/ 1/ 1958 وموقع عليه تحت عنوان "بنك الجمهورية المركز الرئيسي" بإمضاءين وعليه ثلاثة أختام بختم بنك القاهرة وليس فيه ما يفيد رسميته أو تداخل موظف عمومي في تحريره أو اعتماده. لما كان ذلك، وكانت المادة 6 من القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد تنص على أنه "على المصارف المرخص لها في مزاولة عمليات النقد الأجنبي أن تقدم لوزارة المالية بياناً بما اشترته أو باعته من العملات الأجنبية وبالتحويلات التي تجريها وفقاً لأحكام المادة الأولى وذلك بالشروط والأوضاع وفي المواعيد التي تحدد بقرار من وزير المالية...." كما تنص المادة الثانية من قرار وزير المالية رقم 51 لسنة 1947 على أن "طلبات الترخيص للمصارف بمزاولة عمليات النقد الأجنبي يجب أن تقدم إلى اللجنة العليا للرقابة على تنفيذ أحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 عن طريق مراقب عمليات النقد مع التعهد اللازم بتنفيذ جميع الاشتراطات المقررة والتي تقرر لذلك وتقدم للجنة المذكورة كل ما تطلبه من البيانات والمستندات التي تمكنها من إبداء الرأي" ومؤدى هذين النصين أن البنوك التي تريد القيام بعمليات النقد الأجنبي لا تستطيع القيام بهذه العمليات إلا بعد تقديم طلب للحصول على ترخيص بذلك وأن تتعهد بتنفيذ جميع الاشتراطات المقررة والتي تقرر في هذا الشأن وعليها كذلك أن تقدم لوزارة المالية بياناً بما اشترته أو باعته من العملات الأجنبية أو التحويلات التي تجريها، ومفهوم ذلك أن البنوك المرخص لها عندما تقوم بهذه العمليات إنما تقوم بها لحسابها وتحت مسئوليتها وأن الترخيص أو التعهد المشار إليهما ليس من شأنهما نقل هذه البنوك عن أصل وضعها كمؤسسات خاصة وتحويلها إلى مؤسسات عامة تابعة للدولة بل أنها تظل كما كانت وتقوم بعمليات النقد الأجنبي المصرح لها بالقيام بها بين ما تقوم به من العمليات المصرفية لحساب عملائها، وينبني على ذلك أن لا تتغير صفة موظفيها بل ما يزالون قبل صدور الترخيص وبعده يباشرون نشاطهم كمستخدمين في مؤسسات خاصة، وعلى ذلك يكون المتهمان الأول والثاني قد حررا ترخيص الاستيراد وهما يباشران العمل في مؤسسة خاصة هي بنك الجمهورية، ولحساب هذا البنك الذي تملك إدارته وحدها سلطة تعيين الموظفين ومحاسبتهم، كما تملك دون غيرها تحديد العمل الذي يباشره كل منهم، وذلك بغض النظر عما يثيره المطعون ضدهم من عدم اختصاص من أصدر التعليمات إلى البنوك المرخص لها بعمليات النقد الأجنبي، ومتى تقرر ما سبق فإن الترخيص موضوع الاتهام المدعى بتزويره هو ورقة عرفية يجرى على تغيير الحقيقة فيها حكم المادة 215 من قانون العقوبات، ولا محل بعد ذلك لاستناد الطاعنة إلى المادة 390 من القانون المدني والتي عرفت الورقة الرسمية لأنها وردت في الفصل الخاص بإثبات الالتزام بالكتابة ولأن موظفي بنك الجمهورية هم مستخدمون في مؤسسة خاصة يقومون بخدمات خاصة لعملاء البنك ولحسابه كما سلف القول، وفضلاً عن ذلك فإن هذا الاستناد فيه توسعة نطاق الجريمة الذي حدده الشارع في المادتين 211 و213 من قانون العقوبات ومخالفة لصريح نصهما وما أوجبه الشارع في الورقة الرسمية من أن يكون محررها موظفاً عمومياً وهي صفة لابد أن تلازم مرتكب التزوير بحكم القانون وإدخال غير الموظف العمومي في حيز هذين النصين فيه مخالفة للقواعد الأولية في المسئولية الجنائية. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق