الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 7 أغسطس 2024

الدعويين رقمي 58 و99 لسنة 21 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 6 / 7 / 2024

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2024م،

الموافق الثلاثين من ذي الحجة سنة 1445ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعويين المقيدتين بجدول المحكمة الدستورية العليا برقمي 58 و99 لسنة 21 قضائية "دستورية"

المقامتين من

عمر أحمد الغنيمي

ضد

1 – رئيس الجمهورية

2- رئيس مجلس الوزراء

3- وزير العدل

4- وزير القوى العاملة

----------------

الإجراءات

بتاريخ العاشر من أبريل سنة 1999، أودع المدعي صحيفة الدعوى رقم 58 لسنة 21 قضائية "دستورية" قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (172) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981. وبتاريخ الأول من يونيه سنة 1999، أودع المدعي صحيفة الدعوى رقم 99 لسنة 21 قضائية "دستورية" قلم كتاب هذه المحكمة، طالبًا الحكم بالطلبات ذاتها.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة في كل من الدعويين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى الثانية، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 3/10/2020، وفيها قررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لاستكمال التحضير مع الدعوى الأولى؛ فأودعت الهيئة تقريرًا في كلٍ منهما.

ونُظرت الدعويان على النحو المبين بمحضر جلسة 4/5/2024، وفيها قررت المحكمة ضم الدعوى الثانية إلى الدعوى الأولى، ليصدر فيهما حكم واحد بجلسة اليوم.

----------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة قدمت المدعي وآخرين، إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنح الغردقة في الدعوى رقم 5003 لسنة 1995 جنح الغردقة، لأنهم في يوم 22/5/1995، بدائرة قسم الغردقة:

1- ........

2- المدعي وآخر:

أ – لم يوفرا وسائل السلامة والصحة المهنية في مكان العمل بما يكفل الوقاية من مخاطر الحريق، وقد ترتب على ذلك خسارة أرواح المجني عليهم.

ب- لم يخطرا إدارة القوى العاملة المختصة بذلك الحادث الجسيم خلال الميعاد المقرر قانونًا.

3- ...........

وقيدت الواقعة جنحة ومخالفة بالمنطبق من مواد قانون العقوبات وقانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، ومنها المواد (115/1/ج/2 و130/2، 3 و172/ 1، 2، 3) من القانون الثاني، والمنطبق من مواد قراري وزير القوى العاملة والتدريب رقمي 55 لسنة 1983 و75 لسنة 1993. وبجلسة 3/4/1996، قضت المحكمة بتغريم المدعي، وآخر، خمسين جنيهًا عن كل تهمة. طعنت النيابة العامة على الحكم أمام محكمة جنح مستأنف الغردقة بالاستئناف رقم 1966 لسنة 1998، وحال نظره دفع المدعي بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (172) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعويين المعروضتين.

وحيث إن نص المادة (172) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 يجري على أن " يعاقب كل من يخالف حكمًا من أحكام الباب الخامس بشأن السلامة والصحة المهنية والقرارات الصادرة تنفيذًا لها بالعقوبات الآتية:

1- ........ 2- ....... 3- .....

 وتكون عقوبة الحبس وجوبية إذا ترتب على المخالفة خسارة في الأرواح أو أضرار جسيمة في الأموال وتضاعف العقوبة في حالة العود وتتعدد العقوبات بتعدد المخالفات ويكون صاحب العمل أو من يفوضه أو المدير المسئول عن المنشأة مسئولًا بالتضامن مع المتسبب في ارتكاب المخالفة".

وينعى المدعي على النص المطعون فيه افتراض مسئولية صاحب العمل أو من يفوضه أو المدير المسئول عن المنشأة، وتقرير مسئوليته التضامنية مع المتسبب في ارتكاب المخالفة، بما يتعارض مع مبدأي شخصية العقوبة وأصل البراءة؛ ومن ثم يخالف المادتين (66 و67) من دستور سنة1971.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، وذلك بأن يكون للفصل في دستورية النصوص التشريعية المعروضة عليها انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن لم يكن هناك انعكاس، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى المعروضة عليها. كما اطرد قضاء هذه المحكمة على أنه لا يكفي توافر المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية، وإنما يتعين أن تظل قائمة حتى الفصل فيها، فإذا زالت المصلحة بعد رفع الدعوى وقبل الحكم فيها فلا سبيل للتطرق إلى موضوعها.

وحيث إن من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة، أنه ولئن كان الدستور لا يتضمن بين أحكامه مبدأ رجعية القوانين الأصلح للمتهم، إلا أن القاعدة التي يرتكز عليها هذا المبدأ تفرضها المادة (54) من الدستور، التي تقرر أن الحرية الشخصية حق طبيعي، وأنها مصونة لا تمس، ذلك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وما اتصل به من عدم جواز تقرير رجعية النصوص العقابية، غايته حماية الحرية الفردية وصونها من العدوان عليها، وذلك في إطار من الموازنة بين موجباتها من ناحية، وما يعتبر لازمًا لحماية مصلحة الجماعة والتحوط لنظامها العام من ناحية أخرى. وفى إطار هذه الموازنة وعلى ضوئها، تكون رجعية القوانين الأصلح للمتهم ضرورة حتمية يقتضيها صون الحرية الفردية بما يرد عنها كل قيد غدا تقريره مفتقرًا إلى أية مصلحة اجتماعية.

وحيث إن من المقرر أن القوانين الجنائية وإن كان سريانها على وقائع اكتمل تكوينها قبل نفاذها، غير جائز أصلًا، إلا أن إطلاق هذه القاعدة يفقدها معناها، ذلك أن الحرية الشخصية وإن كان يهددها القانون الجنائي الأسوأ، غير أن هذا القانون يرعاها ويحميها إذا كان أكثر رفقًا بالمتهم، سواء من خلال إنهاء تجريم أفعال أثمها قانون جنائي سابق، أو عن طريق تعديل تكييفها أو بنيان بعض العناصر التي تقوم عليها، بما يمحو عقوباتها كلية أو يجعلها أقل بأسًا، وذلك إعمالاً لقاعدة القانون الأصلح للمتهم، تلك القاعدة التي وإن اتخذت من نص المادة (5) من قانون العقوبات موطئًا وسندًا، إلا أن صون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور الصادر عام 1971 بنص المادة (41) منه – تقابل المادة (54) من الدستور الحالي – يقيم هذه القاعدة ويُرسيها بما يحول بين المشرع وتعديلها أو العدول عنها، ذلك أن ما يعتبر قانونًا أصلح للمتهم، وإن كان لا يندرج تحت القوانين التفسيرية التي تندمج أحكامها في القانون المفسر، وترتد إلى تاريخ نفاذه باعتبارها جزءًا منه يبلور إرادة المشرع التي قصد إليها ابتداء عند إقراره لهذا القانون، إلا أن كل قانون جديد يمحو التجريم عن الأفعال التي أثمها القانون القديم، أو يُعدل تكييفها أو بنيان العناصر التي تقوم عليها، أو يُعدل عقوباتها بما يجعلها أقل بأسًا، إنما يُنشئ للمتهم مركزًا قانونيًّا جديدًا، ويُقوض مركزًا سابقًا؛ ومن ثم يحل القانون الجديد – وقد صار أكثر رفقًا بالمتهم، وأعون على صون الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقًّا طبيعيًّا لا يُمس – محل القانون القديم فلا يتزاحمان أو يتداخلان، بل يُنحي ألحقهما أسبقهما.

وحيث إن المادة السابعة من القانون رقم 12 لسنة 2003 بإصدار قانون العمل قد نصت في فقرتها الأولى على أنه " مع مراعاة حكم المادة الثانية من هذا القانون يلغى قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، كما يلغى كل حكم يخالف أحكام القانون المرافق"، ونصت الفقرة الأخيرة من المادة (256) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 على أنه " ويكون صاحب العمل أو من يمثله عن المنشأة مسئولًا بالتضامن مع المحكوم عليه في الوفاء بالعقوبات المالية إذا كانت الجريمة قد وقعت نتيجة إخلاله بأي من الواجبات التي يفرضها عليه هذا القانون". متى كان ذلك، وكان البين من استقراء أحكام الفقرة الأخيرة من المادة (256) المار بيانها، أنها أعادت تنظيم المسئولية الجنائية التضامنية لصاحب العمل أو من يمثله عن المنشأة في شأن الوفاء بالعقوبات المالية المحكوم بها، المنصوص عليها في الفقرات الثلاث الأُوَل من المادة ذاتها، على أساس أنها تُعد مسئولية شخصية لصاحب العمل أو من يمثله، ناشئة عن إخلاله بأي من الواجبات التي يفرضها عليه قانون العمل، ليكون إخلال صاحب العمل بالواجبات المشار إليها - التي تضمنت بعضها نصوص الكتاب الخامس من القانون "بشأن السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل"، والقرارات الصادرة تنفيذًا له، والمعاقب على مخالفتها بالفقرة الأولى من المادة (256) المشار إليها - هو المناط في اعتبار المسئولية التضامنية لصاحب المنشأة أو من يمثله، مسئولية جنائية شخصية لا لبس فيها، معدلًا بذلك في أحكام المسئولية التضامنية لصاحب العمل أو من يمثله عن الوفاء بالعقوبات المالية المحكوم بها، على نحو يغاير ما كانت عليه في النص المطعون فيه، وذلك بتقييد حدود المسئولية الجنائية الشخصية لصاحب العمل على النحو السالف البيان، وبهذه المثابة فإن القانون الجديد يُعد قانونًا أصلح للمتهم، ويتعين - تبعًا لذلك - تطبيق أحكامه على المتهم في الدعوى الموضوعية، التي لم يصدر فيها حكم نهائي بعد. إذ كان ذلك، وكان المقرر أن القضاء لا يمارس رقابة أصيلة على أعمال السلطة التشريعية، وأن حقه في بحث دستورية القوانين ليس إلا ثمرة مترتبة على وظيفته الأصلية، وهى الفصل في المنازعات، حين يتطلب الفصل في بعض المنازعات التحقق من دستورية القانون الواجب تطبيقه فيها، وأن المحكمة الدستورية العليا لا تتعرض للمسألة الدستورية إلا إذا كان ذلك ضروريًّا للفصل في موضوع الخصومة الأصلية، فإذا أمكن الفصل في الدعوى على أساس آخر، وجب اللجوء إلى هذا الأساس؛ ومن ثم فلا محل لبحث دستورية النص المطعون فيه، بعد أن غدا تطبيق القانون الجديد متعينًا.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعويين، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق