باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2024م، الموافق الثلاثين من ذي الحجة سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب
رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 3 لسنة 44
قضائية "تنازع"
المقامة من
الشركة المصرية الأمريكية لدرفلة الصلب
ضد
1- رئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية
الجديدة.
2- رئيس جهاز تنمية مدينة السادات.
3- وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.
-----------------
الإجراءات
بتاريخ الحادي عشر من يناير سنة2022، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ
الشق الأول من حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 18/2/2020، في الدعوى رقم
72603 لسنة 69 قضائية؛ لحين الفصل في طلب التنازع، وفي الموضوع: بعدم الاعتداد
بالحكم المار ذكره، والاعتداد بحكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر بجلسة
2/6/2015، في الاستئناف رقم 2416 لسنة 69 قضائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن المدعى عليه الأول أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى التي آل قيدها إلى
رقم 72603 لسنة 69 قضائية، ضد الشركة المدعية، طالبًا الحكم بإلزامها بأداء مبلغ
مقداره 3641999 جنيهًا، كفروق ثمن قطعة الأرض المخصصة لها رقم 258 بالمنطقة
الصناعية الخامسة بمدينة السادات، بخلاف ما يستجد من الفوائد المستحقة عن التأخر
في سداد أقساط هذا الثمن، محسوبة طبقًا لسعر الفائدة البنكية، كما طلب أيضًا
بصحيفة دعواه إلزام الشركة المدعية بأداء مبلغ 7500 جنيه، وفوائده البنكية عن فترة
انتفاعها بقطعة أرض مجاورة لقطعة الأرض المخصصة لها. أبدت الشركة المدعية أثناء
تداول الدعوى طلبًا عارضًا بإلزام المدعى عليه الأول برد ما سددته له بالزيادة عن
الثمن المستحق عن قطعة الأرض المخصصة لها. وبجلسة 18/2/2020، قضت المحكمة بإلزام
الشركة المدعية بأن تؤدي للمدعى عليه الأول أولًا: مبلغًا مقداره 2286587,19
جنيهًا، بخلاف ما يستجد من فوائد حتى تاريخ السداد. ثانيًا: مبلغًا مقداره 7500
جنيه، والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 5٪ من تاريخ المطالبة القضائية حتى
تمام السداد، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات. وإذ لم ترتض الشركة المدعية والمدعى عليه
الأول هذا القضاء؛ فطعنا عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعنين رقمي 47561
و49060 لسنة 66 قضائية "عليا". وبجلسة 29/11/2022، قضت المحكمة برفضهما.
ومن جهة أخرى، أقامت الشركة المدعية أمام محكمة الإسكندرية
الابتدائية، عن قطعة الأرض محل التداعي، الدعوى رقم 6514 لسنة 2011 مدني كلي ضد
المدعى عليهم؛ طالبة الحكم أولًا: ببراءة ذمتها من المبالغ المطالب بها دون وجه
حق، واسترداد الفرق بين الفوائد التأخيرية المسددة بواقع 9,5٪ بدلًا من 4٪،
وفوائدها القانونية بواقع 5٪ من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد؛ ووفقًا لما
يسفر عنه تقرير الخبير. ثانيًا: إحالة الدعوى لمكتب الخبراء لتحقيق عناصر الدعوى،
وتحديد المبلغ المطالب برده وفوائده القانونية. وبجلسة 18/4/2013، حكمت المحكمة
برفض الدعوى بحالتها. طعنت الشركة المدعية على الحكم أمام محكمة استئناف
الإسكندرية بالاستئناف رقم 2416 لسنة 69 قضائية. وبجلسة 2/6/2015، قضت المحكمة
بإلغاء الحكم المستأنف، وبإلزام المدعى عليهما الأول والثاني أن يؤديا للشركة
المدعية مبلغًا مقداره 251812,57 جنيهًا، فطعنا بالنقض على حكم الاستئناف المار
بيانه، بالطعن رقم 14031 لسنة 85 قضائية. وبجلسة 16/9/2021، أمرت المحكمة – في
غرفة مشورة – بعدم قبول الطعن، وإذ ارتأت الشركة المدعية أن ثمة تناقضًا بين حكم
محكمة القضاء الإداري، في الشق الأول منه، وحكم محكمة استئناف الإسكندرية المشار
إليهما؛ فقد أقامت دعواها الماثلة.
وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين
نهائيين متناقضين طبقًا للبند "ثالثًا" من المادة (25) من قانون المحكمة
الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، هو أن يكون أحد الحكمين
صادرًا من أي جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى
منها، وأن يكونا قد حسما موضوع النزاع في جوانبه كلها أو بعضها، وتناقضا بحيث
يتعذر تنفيذهما معًا. متى كان ذلك، وكان حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة –
الدائرة الثالثة – الصادر بجلسة 18/2/2020، في الدعوى 72603 لسنة 69 قضائية، قضى
في الشق الأول منه بإلزام الشركة المدعية بأن تؤدي إلى المدعى عليه الأول المبالغ
المستحقة له عن تخصيص قطعة الأرض رقم 258 بالمنطقة الصناعية الخامسة بمدينة
السادات، والفوائد المستحقة عن التأخر في سداد أقساط تلك المبالغ، وقد تأيد هذا
القضاء بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 29/11/2022، في الطعنين
رقمي 47561 و49060 لسنة 66 قضائية "عليا"، على حين قضت محكمة استئناف
الإسكندرية بجلسة 2/6/2015، في الاستئناف رقم 2416 لسنة 69 قضائية، بإلزام المدعى
عليهما الأول والثالث بأن يؤديا للشركة المدعية مبلغًا ماليًّا يمثل ما سددته
الشركة المدعية للمدعى عليه الأول بالزيادة عما هو مستحق من فوائد التأخير عن
السداد بالتطبيق لسعر الفائدة المدنية 4٪ وسريان هذه الفائدة من تاريخ موافقة مجلس
الوزراء على سعر البيع للأرض محل التداعي في 3/12/2008، وذلك عن المستحقات المالية
بشأن قطعة الأرض ذاتها المخصصة لها، وقد تأيد هذا القضاء بقرار محكمة النقض – في
غرفة المشورة - الصادر بجلسة 16/9/2021، في الطعن رقم 14031 لسنة 85 قضائية، مما
مؤداه أن حكمي القضاء الإداري والقضاء العادي قد تعامدا على محل واحد في شأن
مستحقات المدعى عليه الأول لدى الشركة المدعية عن قطعة الأرض المخصصة للشركة
المدعية بالمنطقة الصناعية الخامسة بمدينة السادات، ومقدار وكيفية حساب فوائد
التأخير عن سداد هذه المستحقات، وقد حسم الحكمان النزاع في هذا الموضوع، وتناقضا،
على نحو يتعذر تنفيذهما معًا؛ الأمر الذي يستنهض، طبقًا للمادتين (25/ ثالثًا)
و(32) من قانون المحكمة الدستورية العليا، ولايتها لفض التناقض القائم بين هذين
الحكمين.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المفاضلة التي تجريها المحكمة
بين الحكمين النهائيين المتناقضين، لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند
التنفيذ، إنما تتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد لتوزيع الولاية بين جهات
القضاء المختلفة.
وحيث إن من المقرر قانونًا، أن العقود التي تكون الإدارة طرفًا فيها،
لا تعتبر جميعها من العقود الإدارية، ولا هي من العقود المدنية بالضرورة، وإنما
مرد الأمر في تكييفها إلى مقوماتها، وبوجه خاص إلى ما إذا كانت شروطها تدل على
انتهاجها لوسائل القانون الخاص أو العام، وكان من المسلم كذلك، أن هذه العقود لا
تنتظمها مرحلة واحدة تبرم بعد انتهائها، بل تتداخل في مجال تكوينها مراحل متعددة،
يمهد كل منها لما يليه، ليكون خاتمتها العقد في صورته الكاملة، ذلك أن الإدارة لا
تتمتع - في مجال إبرامها لعقودها - بالحرية ذاتها التي يملكها أشخاص القانون الخاص
في نطاق العقود التي يدخلون فيها، بل عليها أن تلتزم طرقًا بعينها توصلًا إلى
اختيار المتعاقد معها، مع تقيدها في كل ذلك بالقواعد التي تمثل الإطار القانوني
المنظم للعلاقة العقدية التي تبرمها، متى كان ذلك، وكان القانون رقم 59 لسنة 1979
بشأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة، قد أنشأ بمقتضى نص المادة (27) منه هيئة
المجتمعات العمرانية الجديدة، ومنحها الشخصية الاعتبارية العامة المستقلة، كما تضمن
التنظيم القانوني الحاكم للتصرف في الأراضي والعقارات بالمجتمعات العمرانية
الجديدة، والذي تم تخصيص الأرض محل التداعي تنفيذًا له، وحظرت المادة (9) منه على
أي شخص طبيعي أو معنوي بعد صدور قرار تخصيص الأراضي المملوكة للدولة لإنشاء
مجتمعات عمرانية جديدة حيازة أي جزء من الأراضي المخصصة لهذه الأغراض أو وضع اليد
أو الاعتداء عليها أو إجراء أي أعمال أو إقامة منشآت أو أغراس أو أشغال بأي وجه من
الوجوه إلا بإذن الهيئة، ومنحت المادتان (10 و14) من القانون مجلس إدارة الهيئة
سلطة إزالة التعديات والمخالفات بالطريق الإداري، وخول نص المادة (16) من هذا
القانون الهيئة في سبيل اقتضاء حقوقها، سلطة اتخاذ إجراءات الحجز الإداري طبقًا
لأحكام القانون المنظم لذلك، وتناولت اللائحة العقارية الخاصة بهيئة المجتمعات
العمرانية الجديدة، والأجهزة التابعة لها الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم
14 لسنة 1994 المعدلة بالقرار رقم 3 لسنة 2001، الأحكام التفصيلية الخاصة بالتصرف
في تلك الأراضي والعقارات، وناطت المواد (4 و5/7 و6/1 و2) منها باللجنة الرئيسية
المشكلة بقرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة من شاغلي الوظائف القيادية بها، بالإضافة
إلى الخبراء في مجال عملها، وبناء على توصية اللجان المختصة، تخصيص الأراضي
والعقارات وتحديد أسعارها، ومنحت المادة (17) منها اللجنة الرئيسية المشار إليها،
وبناء على توصية اللجان الفرعية -المشكلة بكل جهاز مجتمع عمراني، طبقًا لنص المادة
(5) من اللائحة - سلطة إلغاء التخصيص في الحالات التي عينتها المادة (16) من
اللائحة، والتي تعود في مجملها إلى طلب صاحب الشأن أو مخالفة شروط التخصيص، ولم
تجز المادة (39) من اللائحة المعدلة بالقرار رقم 194 لسنة 2003، كقاعدة عامة تحرير
عقد بيع نهائي بالنسبة للأراضي والعقارات إلا بعد سداد كامل قيمة الأرض أو العقار،
وبشرط أن يكون صاحب الشأن قد حصل على رخصة البناء، وأقام مشروعه بالنسبة لأراضي
الإسكان، وهذه الأحكام جميعها يلتزم بها صاحب الشأن، طبقًا لنص البند (ز) من
المادة (13) من اللائحة التي تنص على أن "يتضمن إخطار التخصيص البيانات
الآتية: (...... ز- الالتزام بجميع الأحكام والقواعد والشروط المنصوص عليها في هذه
اللائحة"، بما لازمه اعتبار أحكام اللائحة المذكورة جزءًا لا يتجزأ من قرار
التخصيص وشروطه، بحيث يلتزم بها صاحب الشأن والهيئة باعتبارها الشروط والقواعد
الحاكمة للعلاقة العقدية بينهما في مختلف مراحلها، وهي شروط استثنائية غير مألوفة
في مجال القانون الخاص، وتدل على انتهاج الهيئة لوسائل القانون العام، وتمتعها في
هذا الشأن بمظاهر السلطة العامة، متى كان ذلك، وكان البين من محضر التسليم المؤقت
لقطعة الأرض محل التداعي بتاريخ 20/3/1999، المخصصة لغرض صناعي، أنه تضمن ضرورة
التزام الشركة المدعية بتنفيذ الاشتراطات الواردة بكراسة الشروط المرفقة، فضلًا عن
التزامها بالانتفاع بالأرض في الغرض المخصصة له، وما تصدره سلطات جهاز تنمية مدينة
السادات حالًا أو مستقبلًا من قواعد في هذا الشأن، وفي حالة المخالفة يحق لسلطات
المدينة أن تزيل أسبابها أو تلغي التخصيص أو العقد بحسب الأحوال بالطريق الإداري،
دون حاجة إلى اتخاذ أية إجراءات قضائية، فضلًا عن عدم اعتبار التخصيص نهائيًّا إلا
بعد اتخاذ الشركة المدعية الخطوات الجدية بصدد مشروعها، وكذلك يحظر عليها التصرف
في الأرض بأي وجه من الوجوه إلا بعد موافقة سلطات جهاز تنمية مدينة السادات، ومما
سبق يُخرج العلاقة بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وبين الشركة المدعية في
شأن الأرض موضوع النزاع من نطاق علاقات القانون الخاص، لتندرج ضمن علاقات القانون
العام، وذلك بما تضمنه العقد محل التعاقد من شروط استثنائية غير مألوفة في روابط
القانون الخاص، لتضحى المنازعة الماثلة، التي تدور حول أحقية المدعى عليه الأول في
تحصيل فروق ثمن الأرض التي تم تخصيصها للشركة المدعية، وفوائد تأخير سداد أقساط
هذا الثمن، منازعة إدارية ينعقد الاختصاص بالفصل فيه لمحاكم مجلس الدولة، طبقًا
لنص المادة (10) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس
الدولة، والمادة (190) من الدستور؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء بالاعتداد بالحكم
الصادر من جهة القضاء الإداري، دون الحكم الصادر من جهة القضاء العادي.
وحيث إن من المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن طلب وقف
تنفيذ أحد الحكمين المتناقضين أو كليهما، هو فرع من أصل النزاع حول فض التناقض
بينهما، وإذ تهيأ النزاع الماثل للفصل في موضوعه - على نحو ما تقدم بيانه - فإن
مباشرة رئيس المحكمة الدستورية العليا اختصاص البت في هذا الطلب، طبقًا لنص المادة
(32) من قانون هذه المحكمة السالف الإشارة إليه؛ يكون قد صار غير ذي موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاعتداد بحكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 18/2/2020، في الدعوى رقم 72603 لسنة 69 قضائية، المؤيد بحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 29/11/2022، في الطعنين رقمي 47561 و49060 لسنة 66 قضائية "عليا"، فيما قضى به من إلزام الشركة المدعية بأن تؤدي إلى المدعى عليه الأول مبلغًا مقداره 2286578,19 جنيهًا، بخلاف ما يستجد من فوائد حتى تاريخ السداد، وذلك دون حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر بجلسة 2/6/2015، في الاستئناف رقم 2416 لسنة 69 قضائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق