الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 نوفمبر 2022

القضية 4 لسنة 14 ق جلسة 19/ 6 / 1993 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 2 دستورية ق 30 ص 359

جلسة 19 من يونيو سنة 1993
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور أعضاء
وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر

---------------

(30)

القضية 4 لسنة 14 ق "دستورية"

(1) دعوى دستورية - المصلحة فيها "مناطها".
المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع.

(2) تشريع "القانون رقم 47 لسنة 1973" "محامون".
القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة والوحدات التابعة لها، لم يخرج محامي هذه الإدارات من عداد العاملين بالجهات التي يعملون فيها.

(3) تشريع "قانون المحاماة: علاقة - حظر - تنظيم الحقوق".
لم يغير قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التي تربط شركات القطاع العام بمحامي إداراتها القانونية. وما قرره في الفقرة الأولى من المادة 8 منه من حظر مزاولتهم أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها، وإلا كان العمل باطلا، يندرج في إطار الضوابط التي حدد بها المشرع واجباتهم، مستهدفا تنظيم أوضاع العمل في هذه الشركات، اندراج ذلك في إطار سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق.
(4) دستور "تنظيم الحقوق - سلطة تقديرية - جوهرها".
سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق هي سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، ويتمثل جوهرها في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار أنسبها.

(5) قاعدة قانونية "عموميتها: مفهومها".
تتوافر للقاعدة القانونية عموميتها بانتفاء التخصيص.
(6) دستور "مبدأ المساواة: مضمونه".
لا يعني مبدأ المساواة معاملة فئات المواطنين على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. عدم قيام هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، التمييز المنهي عنه بموجبه هو ذلك الذي يكون تحكميا، تعكس مشروعية الأغراض التي يقصدها التنظيم التشريعي إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها، مصادمة النص التشريعي بما انطوى عليه من التمييز لهذه الأغراض يجعله غير قائم على أسس موضوعية ومتبينا تمييزا تحكميا.
(7) مبدأ المساواة: "المادة 8 من قانون المحاماة".
ما قررته المادة 8 المشار إليها من عدم جواز مزاولة محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام على اختلافها أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها. مبناه قاعدة عامة مجردة، لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها.

(8) تشريع "قانون المحاماة: المادة 9 منه".
وجوب حمل كلمة المحامي "الواردة في المادة التاسعة من هذا القانون" دون تخصيص على المقيدين بجداول المحامين دون العاملين منهم بالإدارات القانونية في الجهات المبينة فيه. ما قررته هذه المادة من جواز مزاولة المحامي أعمال المحاماة في الجهات التي عينتها ومن بينها البنوك على أن تكون علاقته بها علاقة وكالة ولو اقتصر عمله عليها، مؤداه انصراف حكمها إلى من يزاول من المحامين أعمال المحاماة بوصفها مهنة حرة دون ارتباطهم في شأنها برابطة تبعية مع أية جهة.

(9) مبدأ المساواة "المادة 60 من قانون المحاماة".
ما قررته المادة 60 من قانون المحاماة من أن يكون النظام الأساسي للشركات المنصوص عليها فيه - وهي الشركات الخاصة التي يتطلب القانون مراقبة حساباتها - متضمنا تعيين مستشار قانوني لها من المحامين المقبولين أمام محاكم الاستئناف، اقتصار سريانها على المحامين من غير العاملين في الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، عدم اتحاد هاتين الفئتين في مراكزهما القانونية، ينفي قالة التمييز بينهما.

(10) دستور "مبدأ تكافؤ الفرص: مضمونه".
اتصال هذا المبدأ بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، ويقع إعماله عند تزاحم المواطنين عليها، الحماية الدستورية لهذه الفرص غايتها تقرير أولوية لبعض المتزاحمين على بعض تتحدد وفقا لأسس موضوعية.
(11) مبدأ تكافؤ الفرص "المادة 8 من قانون المحاماة".
لا صلة للمادة المذكورة بفرص قائمة يجري التزاحم عليها.

(12) رقابة دستورية "القوانين واللوائح - التشريعات ذات المرتبة الواحدة".
عدم امتداد الرقابة الدستورية إلى حالات التعارض بين القوانين واللوائح ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة.

(13) اتجاه تقدمي - رقابة دستورية - "مناطها".
إعراض السلطة التشريعية عن اتجاه تقدمي لا ينطوي بالضرورة على مخالفة لأحكام الدستور، فمناط الرقابة الدستورية هو التقيد بالضوابط التي فرضها الدستور على ولاية إقرار القوانين أو إصدارها.

(14) رقابة دستورية - "مبادئ مطبقة في بعض الدول".
عدم اعتبار هذه المفاهيم مندمجة في الدستور المصري ولا تستنهض بالتالي ولاية المحكمة الدستورية العليا.

-----------------

1 - إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلا بالحق في الدعوى، ومرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية - وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة. وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة مبلورا فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، محددا نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومنفصلا دوما عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، ومستلزما أبدا أن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية موطئا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية، فإذا لم يكون له بها صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة. إذ كان ذلك، وكانت لائحة النظام الخاص بأعضاء الإدارة القانونية بالشركة التي يتبعها المدعيان لم تصدر بعد، وكان نص الفقرة الأولى من المادة 8 من القانون رقم 17 لسنة 1983 بشأن إصدار قانون المحاماة هو ما جرى تطبيقه عليهما، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية في حقهما ممثلة فيما وجه إليهما من ملاحظة فنية لقيامهما بالدفاع عن رئيس مجلس إدارة شركة القطاع العام التابعين لها في دعوى تأديبية مقامة ضده عن أحد أخطائه الشخصية التي يسأل عنها في ذمته المالية، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية يدور حول صحة أو بطلان هذه الملاحظة، فإن المسألة الدستورية المرتبطة بنزاعهم الموضوعي والمؤثرة فيه، والتي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها- في الدعوى الماثلة - إنما يتحدد إطارها ونطاقها في نص الفقرة الأولى من المادة 8 سالفة البيان، وذلك فيما قررته من عدم جواز مزاولة محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهات التي يعملون بها وإلا كان العمل باطلا. وانحصار المسألة الدستورية في هذا النطاق، مؤداه عدم قبول الدعوى فيما جاوز هذا الشق فيها، وهو ما يتعين الحكم به.

2 - ما ينعاه المدعون من أن النص التشريعي المطعون فيه حظر على محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، مزاولة أعمال المحاماة لغير الشركة التي يعملون بها - وأخل بذلك بمبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، مردود، ذلك أن هيئات القطاع العام وشركاته الصادر في شأنها القانون رقم 97 لسنة 1983، وإن استعيض عنها بالشركات القابضة والشركات التابعة لها بحسب الأحوال بمقتضى نص المادة الثانية من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991- والمعمول به اعتبارا من 20 يوليو سنة 1991 - إلا أن المادة الرابعة من قانون الإصدار المشار إليه صريحة في نصها على استمرار معاملة العاملين في هيئات القطاع العام وشركاته المنقولين إلى الشركات الجديدة بنوعيها - والموجودين بالخدمة في تاريخ العمل بهذا القانون - وفقا لجميع الأنظمة والقواعد التي تنظم شئونهم الوظيفية، وذلك إلى أن تصدر لوائح أنظمة العاملين بالشركات المنقولين إليها طبقا لأحكام القانون المرافق. كما نصت المادة 42 من قانون شركات قطاع الأعمال العام على أن تتولى الشركة بالاشتراك مع النقابة العامة للمحامين وضع لائحة النظام الخاص بأعضاء الإدارة القانونية بها وفق الأسس المبينة فيها. وإلى أن تصدر هذه اللائحة تسري في شأنهم أحكام قانون الإدارات القانونية بالهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها. متى كان ذلك، وكانت لائحة النظام الخاص لأعضاء الإدارة القانونية بالشركة التي يتبعها المدعيان لم تصدر بعد، وكانت المادة الثانية عشر من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة والوحدات التابعة لها- تتطلب فيمن يعين في إحدى الوظائف الفنية بالإدارات القانونية، أن تتوافر فيه الشروط المقررة في نظام العاملين المدنيين بالدولة أو بالقطاع العام حسب الأحوال. كما تقضي مادته الرابعة والعشرين بأن يعمل فيما لم يرد فيه نص في هذا القانون بأحكام التشريعات السارية بشأن العاملين المدنيين بالدولة أو القطاع العام على حسب الأحوال، وكذلك باللوائح والنظم المعمول بها في الجهات المنشأة بها الإدارات القانونية، فإن هذا القانون- الذي لا زال ساريا في حق المدعين - لا يكون قد أخرجهم من عداد العاملين بالقطاع العام الذين تنظم أوضاعهم أحكام القانون رقم 48 لسنة 1978. إذ كان ذلك، وكان نظام العاملين بالقطاع العام قد حظر على العامل بالذات أو بالوساطة الجمع بين عمله وأي عمل آخر إذا كان من شأنه الإخلال بواجبات وظيفته أو مقتضياتها أو الحط من كرامتها أو القيام - بغير موافقة الجهة المختصة - بأعمال للغير بأجر أو بغيره أو مزاولة أية أعمال تجارية أو الاشتراك في أوجه نشاط مشروع أو منشأة تمارس نشاطا مماثلا أو مرتبطا بالنشاط الذي تمارسه الشركة التي يعمل بها، تعين أن ترد هذه القيود جميعها إلى أصل واحد يتمثل في إيجاب أن يكرس العامل بشركات القطاع العام - وهي من أشخاص القانون الخاص - وقته وجهده لأعمال الشركة التابع لها، باعتبار أن هذا الالتزام جزء من علاقة العمل بالجهة التي قبل الالتحاق بها طواعيه واختيارا، ويتكامل مع عناصر أخرى مناطها خضوعه وتبعيته لجهة عمله وإشرافها وتوجيهها ورقابتها عليه بالتالي، لتقيم هذه العناصر في مجموعها بنيان مركزه القانوني.

3 ، 4 - لم يغير قانون المحاماة من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التي تربط شركات القطاع بمحامي إداراتها القانونية، بل إنه حمل هذه الشركات - بنص المادة 173 منه - برسوم القيد والاشتراكات الخاصة بالمحامين العاملين في إداراتها القانونية، وكان ما قرره النص المطعون فيه من عدم جواز مزاولتهم أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها إلا وكان العمل باطلا، يندرج في إطار الضوابط التي حدد بها المشرع واجباتهم تحديدا قاطعا، وكان الحظر الذي أتى به النص التشريعي المطعون فيه، مستهدفها بتقريره تنظيم أوضاع العمل بالإدارات القانونية بشركات القطاع العام بما لا يخل بمصالح أعضائها التي لا تتعارض مع طبيعة شركة القطاع العام وبنيانها وما يقتضيه توجيه نشاطها بأكمله نحو تحقيق أهدافها، إنما يندرج في إطار سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والأصل فيها أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة. وإذ كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملائمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم، فإن النعي على النص التشريعي المطعون فيه مخالفته للدستور، يكون مفتقرا إلى دعامته.

5 ، 6 ، 7 - إن عموم القاعدة القانونية لا يعني انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص. ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديدا، وكان نص المادة 8 المطعون فيه - بالشروط التي حدد بها نطاق ومجال تطبيقه- يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بوقائع غير محددة بذواتها وانسحابه إلى أشخاص بأوصافهم، وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميا. ومرد ما تقدم أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها. فإذا كان النص التشريعي المطعون فيه بما انطوى عليه من التمييز مصادما لهذه الأغراض مجافيا لها بما يحول دون ربطه منطقيا بها أو اعتباره مدخلا إليها، فإن ذلك النص يكون مستندا إلى أسس غير موضوعية، ومتبنيا بالتالي تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة 40 المشار إليها. إذ كان ذلك، وكان ما قرره النص المشار إليه من عدم جواز مزاولة محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها، مبناه قاعدة عامة مجردة تستند إلى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا من أي نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان النص المطعون فيه إذ ورد في عبارة عامة لا تخصيص فيها، وأتى مطلقا غير مقيد، فإنه بذلك يكون منصرفا إلى محامي الإدارات القانونية جميعها التي نظمها القانون رقم 47 لسنة 1973 ممن يعملون في شركات القطاع العام على اختلافها، وأيا كانت طبيعة نشاطها، وسواء في ذلك ما يقوم منها بالأعمال المصرفية أو يباشر غيرها من الأعمال. إذ كان ذلك، وكان هؤلاء المحامين قد انتظمتهم أسس موحدة في مجال التقيد بالأحكام التي تضمنها النص المطعون فيه، فإن قالة التمييز بينهم في نطاق تطبيقها، تكون مفتقرة إلى ما يقيمها.

8 - ما نصت عليه المادة 9 من قانون المحاماة من جواز أن يزاول المحامي أعمال المحاماة في الجهات التي عينتها - ومن بينها البنوك - على أن تكون علاقته بها علاقة وكالة ولو اقتصر عمله عليها، لا ينطوي على تمييز مخالف للدستور بين المخاطبين بحكمها وغيرهم من محامي الإدارات القانونية، ذلك أن دلالة عبارتها تنصرف إلى المحامين الذين يمارسون في استقلال أعمال المحاماة بوصفها مهنة حرة، ولا يرتبطون في شأنها برابطة تبعية مع أية جهة. وآية ذلك أن الأصل في التفسير هو التوفيق بين النصوص المختلفة بما يزيل شبهة التعارض بينها. ويدل استقراء أحكام قانون المحاماة على أن كلمة "المحامي" كلما وردت في هذا القانون دون تخصيص، وجب حملها على المقيدين منهم بجداول المحامين التي ينظمها ذلك القانون من غير العاملين بالإدارات القانونية في الجهات المنصوص عليها فيه. وبذلك يكون لكل من النص التشريعي المطعون فيه، ونص المادة 9 من قانون المحاماة، مجال عمل لا يمزج بين نطاقيهما، ولا تداخله شبهة التعارض بين أحكامهما. ذلك أن النص الأول لا ينظم إلا علاقة عمل بين شركة القطاع العام من ناحية والمحامين العاملين في إدارتها القانونية من ناحية أخرى، في حين يتمحض مجال تطبيق المادة 9 من قانون المحاماة عن علاقة وكالة تقوم على حرية المحامي في قبول التوكيل أو عدم قبوله في دعوى معينة وفق ما يمليه عليه اقتناعه، والتزاماً بأصول المهنة ومتطلباتها.

9 - ما قررته المادة 60 من قانون المحاماة من أن يكون النظام الأساسي للشركات المنصوص عليها فيها - وهي الشركات الخاصة التي يتطلب القانون مراقبة حساباتها - متضمنا تعيين مستشار قانوني لها من المحامين المقبولين أمام محاكم الاستئناف على الأقل وإلا امتنع قبول تسجيلها في السجل التجاري، إنما يتمحض عن ميزة يقتصر سريانها على المحامين من غير العاملين في الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، غايتها توفير فرص عمل لهم بالشركات الخاصة التي يتكون رأسمالها من مساهمات فردية. ولا كذلك شركات القطاع العام التي تملك الدولة أسهمها بالكامل أو يكون لها على الأقل أغلبية رأسمالها لضمان توجيه نشاطها وفق ما يمليه الصالح العام. إذ كان ما تقدم، وكان إعمال مبدأ المساواة يفترض التماثل في المراكز القانونية، فإن قالة التمييز بين محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من ناحية، وبين المخاطبين بنص المادة 60 من قانون المحاماة من ناحية أخرى - وهما فئتان لا تتحد مراكزهما القانونية - لا يكون لها محل.

10 ، 11 - ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعي المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة 8 من الدستور، مردود بأن مضمون هذا المبدأ إنما يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وإن إعماله يقع عند تزاحمهم عليها، وإن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية - في مجال الانتفاع بها - لبعض المتزاحمين على بعض، وهي أولوية تتحدد وفقا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. ومن ثم يكون مجال إعمال مبدأ تكافؤ الفرص في نطاق تطبيق النص التشريعي المطعون عليه منتفيا، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، بما لا مخالفة فيه- من هذه الناحية - لأحكام الدستور.

12 - مناط اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في دستورية القوانين واللوائح هو مخالفة النص التشريعي المطعون عليه لنص في الدستور، ولا تمتد رقابتها بالتالي إلى حالات التعارض بين القوانين واللوائح، ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة. ولا يعدو النعي بمخالفة النص التشريعي المطعون فيه لنص وارد في قانون المحاماة أن يكون نعيا بمخالفة قانون لقانون، ولا يشكل بالتالي مخالفة دستورية مما تختص المحكمة الدستورية العليا بنظرها.

13 - النعي بأن النص التشريعي المطعون فيه ينتكس بمبدأ تطور التشريع إلى الأحسن، مردود بأن إعراض السلطة التشريعية عن اتجاه تقدمي - بفرض صحة هذا النعي - لا ينطوي بالضرورة على مخالفة لأحكام الدستور. ولا يصلح بذاته وجها لتجريح نص تشريعي، ذلك أن مناط الرقابة القضائية على الدستورية هو التقيد بالضوابط التي فرضها الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية في مجال ممارستهما لولاية إقرار القوانين أو إصدارها، فإذا ما أقر قانون أو صدر قرار بقانون ملتزما حدودها، كان موافقا للدستور، ولا يجوز تعييبه.

14 - إن قالة مخالفة النص التشريعي المطعون فيه لمبادئ معمول بها في بعض الدول، لا ترقى في ذاتها إلى مرتبة المخالفة الدستورية، ذلك أن المفاهيم التي تصوغ بعض الدول تشريعاتها على ضوئها لا تعتبر بمثابة نصوص دستورية مندمجة في دستور جمهورية مصر العربية، ولا تستنهض بالتالي ولاية المحكمة الدستورية العليا.

------------

الوقائع

حيث إن الوقائع تتحصل- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعيين كانا قد طعنا أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية على القرار الصادر من التفتيش الفني على الإدارات القانونية بالهيئات العامة وشركات القطاع العام التابع لوزارة العدل بتقدير كفايتهما، وذلك فيما تضمنه من توجيه ملحوظة فنية لهما لقيامهما بالمرافعة عن رئيس مجلس إدارة شركة القطاع العام التي يتبعانها – في دعوى تأديبية مقامة ضده- بالمخالفة لنص المادة 8 من قانون المحاماة، وكذلك القرار الصادر برفض اعتراضهما عليها، طالبين الحكم بوقف تنفيذ هذين القرارين ثم بإلغائهما.
وقد قضت المحكمة المذكورة بعدم اختصاصها بنظر الطعن وإحالته إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، التي قضت بدورها بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها –بحالتها- إلى المحكمة الابتدائية بالإسكندرية- حيث قيدت بجدولها برقم 752 لسنة 1989 عمال كلي. وإذ دفعا أثناء نظر دعواهما بعدم دستورية المادة 8 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، كما تدخلت شركة القطاع العام التي يتبعانها خصما منضما إليهما في ذات طلباتهما، فقد أقاموا الدعوى الدستورية الماثلة، بعد أن صرحت لهم محكمة الموضوع باتخاذ إجراءات رفعها.
بتاريخ 19 فبراير سنة 1992 أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبين الحكم بعدم دستورية المادة 8 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن المادة 8 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983- المطعون عليها- تنص على الآتي:
فقرة أولى: "مع عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، لا يجوز لمحامي الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والمؤسسات الصحفية أن يزاولوا أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها، وإلا كان العمل باطلاً". فقرة ثانية: "كما لا يجوز للمحامي في هذه الإدارات القانونية الحضور أمام المحاكم الجنائية إلا في الادعاء بالحق المدني في الدعاوى التي تكون الهيئة أو الشركة أو المؤسسة طرفاً فيها، وكذلك الدعاوى التي ترفع على مديريها أو العاملين بها بسبب أعمال وظائفهم".
فقرة ثالثة: "ولا يسري هذا الحظر بالنسبة للقضايا الخاصة بهم وبأزواجهم وبأقاربهم حتى الدرجة الثالثة، وذلك في غير القضايا المتعلقة بالجهات التي يعملون بها".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة- قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة- وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع؛ بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلاً بالحق في الدعوى، ومرتبطاً بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة. وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة مبلوراً فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، محدداً نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومنفصلاً دوماً عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، ومستلزماً أبداً أن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية موطئا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية، فإذا لم يكن له بها من صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة. إذ كان ذلك، وكان المدعيان الأول والثاني من محامي الإدارة القانونية لدى المدعية الثالثة- وهي من شركات القطاع العام التي يسري عليها النص التشريعي المطعون فيه- وكانت هيئات القطاع العام وشركاته الصادر في شأنها القانون رقم 97 لسنة 1983، وإن استعيض عنها بالشركات القابضة والشركات التابعة لها بحسب الأحوال بمقتضى نص المادة الثانية من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991- والمعمول به اعتباراً من 20 يوليو سنة 1991- إلا أن المادة الرابعة من قانون الإصدار المشار إليه صريحة في نصها على استمرار معاملة العاملين في هيئات القطاع العام وشركاته المنقولين إلى الشركات الجديدة بنوعيها- والموجودين بالخدمة في تاريخ العمل بهذا القانون- وفقاً لجميع الأنظمة والقواعد التي تنظم شئونهم الوظيفية، وذلك إلى أن تصدر لوائح أنظمة العاملين بالشركات المنقولين إليها طبقاً لأحكام القانون المرافق. كما نصت المادة 42 من قانون شركات قطاع الأعمال العام على أن تتولى الشركة بالاشتراك مع النقابة العامة للمحامين وضع لائحة النظام الخاص بأعضاء الإدارة القانونية بها وفق الأسس المبينة فيها، وأنه إلى أن تصدر هذه اللائحة تسري في شأنهم أحكام قانون الإدارات القانونية بالهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها. إذ كان ذلك، وكانت لائحة النظام الخاص بأعضاء الإدارة القانونية بالشركة التي يتبعها المدعيان لم تصدر بعد، وكان نص الفقرة الأولى من المادة 8 من القانون رقم 17 لسنة 1983 بشأن إصدار قانون المحاماة هو ما جرى تطبيقه عليهما، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية في حقهما ممثلة فيما وجه إليهما من ملاحظة فنية لقيامهما بالدفاع عن رئيس مجلس إدارة شركة القطاع التابعين لها في دعوى تأديبية مقامة ضده- لا عن خطأ مرفقي- بل عن أحد أخطائه الشخصية التي يسأل عنها في ذمته المالية، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية يدور حول صحة أو بطلان هذه الملاحظة، فإن المسألة الدستورية المرتبطة بنزاعهم الموضوعي والمؤثرة فيه، والتي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها- في الدعوى الماثلة- إنما يتحدد إطارها ونطاقها في نص الفقرة الأولى من المادة سالفة البيان، وذلك فيما قررته من عدم جواز مزاولة محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها وإلا كان العمل باطلاً. وانحصار المسألة الدستورية في هذا النطاق، مؤداه عدم قبول الدعوى فيما جاوز هذا الشق منها، وهو ما يتعين الحكم به.
وحيث إن المدعين ينعون على النص التشريعي المطعون فيه إخلاله بمبدأي تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ومساواتهم لدى القانون، وذلك بما أقامه من التمييز بين محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من ناحية ونظرائهم في بنوك القطاع العام المتماثلين معهم في المركز القانوني من ناحية أخرى، وبمقولة أنه خول الفئة الثانية من دونهم- وعلى ما تقضي به المادة 9 من القانون رقم 17 لسنة 1983- حق ممارسة مهنة المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها. هذا بالإضافة إلى انطوائه على حرمانهم من المزية التي كفلتها المادة 60 من هذا القانون لزملائهم المحامين ذوي المكاتب الخاصة وذلك فيما قررته من تعيين مستشارين قانونيين من بينهم للشركات الخاصة المشار إليها فيها، مفرقاً في ذلك بين المنتمين لمهنة واحدة هي مهنة المحاماة، ومخالفاً كذلك مبدأ تطور التشريع إلى الأحسن، إذ قدر النص التشريعي المطعون فيه، البطلان كجزاء على مخالفة الحظر المنصوص عليه في فقرته الأولى، وهو جزاء لم يكن وارداً في قانون المحاماة الملغى، وينافيه الحق الأصيل لكل محام- على ما تنص عليه المادة 4 من ذات القانون- في ممارسة مهنته عن أية جهة دون قيد.
وحيث إن ما ينعاه المدعون على النص التشريعي المطعون فيه- فيما فرضه من حظر على محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من مزاولة أعمال المحاماة لغير الشركة العاملين بها- من إخلال بمبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، مردود ذلك أن القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة والوحدات التابعة لها- والذي ما زال ساريا في شأن المدعيين- لم يخرجهم من عداد العاملين بها. وآية ذلك ما نصت عليه المادة 12 من قانون هذه الإدارات من أنه يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف الفنية بالإدارات القانونية أن تتوافر فيه الشروط المقررة في نظام العاملين المدنيين بالدولة أو بالقطاع العام حسب الأحوال، وما قررته كذلك المادة 24 منه من أن يعمل فيما لم يرد فيه نص في هذا القانون بأحكام التشريعات السارية بشأن العاملين المدنيين بالدولة أو بالقطاع العام على حسب الأحوال، وكذلك باللوائح والنظم المعمول بها في الجهات المنشأة بها الإدارات القانونية، مما مؤداه اعتبار أعضاء الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من الخاضعين لنظام العاملين في القطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978- والذي ما زال ساريا بدوره في شأن المدعيين على الوجه السابق بيانه- وكان هذا النظام قد حظر على العامل بالذات أو بالوساطة الجمع بين عمله وأي عمل آخر إذا كان من شأنه الإخلال بواجبات وظيفته أو مقتضياتها أو الحط من كرامتها. أو القيام بأعمال للغير- إلا بموافقة من الجهة المختصة- أو مزاولة أية أعمال تجارية أو الاشتراك في أوجه نشاط المشروعات أو المنشآت التي تمارس نشاطاً مماثلاً أو مرتبطاً بالنشاط الذي تمارسه الشركة العامل بها، وكانت هذه القيود جميعها مردها إلى أصل واحد يتمثل في إيجاب أن يكرس العامل بشركات القطاع العام- وهي من أشخاص القانون الخاص- وقته وجهده لأعمال الشركة التابع لها، وهو التزام لا ينفك عنه، ويعتبر جزءا من علاقة العمل بالجهة التي قبل الالتحاق بها طواعية واختياراً، متكاملاً مع عناصر أخرى مناطها خضوعه وتبعيته لجهة عمله وإشرافها وتوجيهها ورقابتها عليه بالتالي، لتقيم هذه العناصر في مجموعها بنيان مركزه القانوني. إذ كان ذلك، وكان قانون المحاماة لم يغير من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التي تربط شركات القطاع العام بمحامي إداراتها القانونية، بل أنه حمل هذه الشركات- بنص المادة 173 منه- برسوم القيد والاشتراكات الخاصة بالمحامين العاملين في إداراتها القانونية، وكان ما قرره النص المطعون فيه من عدم جواز مزاولتهم أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها وإلا كان العمل باطلاً، يندرج في إطار الضوابط التي حدد بها المشرع واجباتهم تحديداً قاطعاً، وكان الحظر الذي آتى به النص التشريعي المطعون فيه مستهدفاً بتقريره تنظيم أوضاع العمل بالإدارات القانونية بشركات القطاع العام بما لا يخل بمصالح أعضائها التي لا تتعارض مع طبيعة شركات القطاع العام وبنيانها وما يقتضيه توجيه نشاطها بأكمله نحو تحقيق أهدافها، إنما يندرج في إطار سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والأصل فيها أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملائمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم، فإن النعي على النص التشريعي المطعون فيه مخالفته للدستور، يكون مفتقراً إلى دعامته.

وحيث إن عموم القاعدة القانونية- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- لا يعني انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص، ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديداً، وكان النص المطعون فيه- بالشروط التي حدد بها نطاق ومجال تطبيقه- يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بوقائع غير محددة بذواتها وانسحابه إلى أشخاص بأوصافهم، وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 المشار إليها، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها، فإذا كان النص التشريعي المطعون فيه بما انطوى عليه من التمييز مصادماً لهذه الأغراض مجافياً لها بما يحول دون ربطه منطقياً بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن ذلك النص يكون مستنداً إلى أسس غير موضوعية ومتبنيا تمييزاً تحكميا بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور. إذ كان ذلك، وكان ما قرره النص التشريعي المطعون فيه من عدم جواز مزاولة محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها مبناه قاعدة عامة مجردة مستندة إلى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً من أي نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان النص المطعون فيه إذ ورد في عبارة عامة لا تخصيص فيها، وأتى مطلقا غير مقيد، بما يعني انصرافه إلى محامي الإدارات القانونية جميعها التي نظمها القانون رقم 47 لسنة 1973 ممن يعملون في شركات القطاع العام على اختلافها، وأيا كانت طبيعة نشاطها، وسواء في ذلك ما يقوم منها بالأعمال المصرفية أو يباشر غيرها من الأعمال، فإن هؤلاء المحامين- وأيا كانت شركة القطاع العام التي يعملون بها- تكون قد انتظمتهم أسس موحدة في مجال التقيد بالأحكام التي تضمنها النص التشريعي المطعون فيه، وتكون قالة التمييز بينهم في نطاق تطبيقها، مفتقرة إلى ما يقيمها. ولا ينال نص المادتين 9، 60 من قانون المحاماة مما تقدم، ذلك أن استقراء أحكام هذا القانون يدل على أنه كلما أورد ذلك القانون كلمة المحامي دون تخصيص، تعين حملها على المقيدين منهم بجداول المحامين التي ينظمها هذا القانون من غير العاملين بالإدارات القانونية في الجهات المنصوص عليها فيه. كذلك فإن القاعدة في التفسير هي التوفيق بين النصوص المختلفة بما يزيل شبهة التعارض بينها. إذ كان ذلك، فإن ما قررته المادة 9 من قانون المحاماة من جواز أن يزاول المحامي أعمال المحاماة في الجهات التي عينتها- ومن بينها البنوك- على أن تكون علاقته بها علاقة وكالة ولو اقتصر عمله عليها، إنما ينصرف إلى من يزاول من المحامين أعمال المحاماة بوصفها مهنة حرة يمارسونها في استقلال، ولا يرتبطون في شأنها برابطة تبعية مع أية جهة، وبذلك يكون لكل من النص التشريعي المطعون فيه، ونص المادة 9 من قانون المحاماة، مجال عمل لا يمزج بين نطاقيهما، ولا تداخله شبهة التعارض بين أحكامها. وآية ذلك أن النص التشريعي المطعون فيه لا ينظم إلا علاقة عمل بين شركة القطاع العام من ناحية والمحامين العاملين في إدارتها القانونية من ناحية أخرى. في حين يتمحض مجال تطبيق المادة 9 من قانون المحاماة عن علاقة وكالة تقوم على حرية المحامي في قبول التوكيل أو عدم قبوله في دعوى معينة وفق ما يمليه اقتناعه. كذلك فإن ما قررته المادة 60 من قانون المحاماة من أن يكون النظام الأساسي للشركات المنصوص عليها فيها- وهي الشركات الخاصة التي يتطلب القانون مراقبة حساباتها- متضمنا تعيين مستشار قانوني لها من المقبولين أمام محاكم الاستئناف على الأقل وإلا امتنع قبول تسجيلها في السجل التجاري، إنما يتمحض عن ميزة يقتصر سريانها على المحامين من غير العاملين في الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، غايتها توفير فرص عمل لهم بالشركات الخاصة التي يتكون رأسمالها من مساهمات فردية. ولا كذلك شركات القطاع العام التي تملك الدولة أسهمها بالكامل أو يكون لها على الأقل أغلبية رأسمالها لضمان توجيه نشاطها وفق ما يمليه الصالح العام. إذ كان ذلك، وكان إعمال مبدأ المساواة يفترض التماثل في المراكز القانونية، فإن قالة التمييز بين محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من ناحية وبين المخاطبين بنص المادة 60 من قانون المحاماة من ناحية أخرى- وهما فئتان لا تتحد مراكزهما القانونية- لا يكون لها محل.
وحيث إن ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعي المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة 8 من الدستور، مردود بأن مضمون هذا المبدأ يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعماله يقع عند تزاحمهم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية- في مجال الانتفاع بها- لبعض المتزاحمين على بعض، وهي أولوية تتحد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام، إذ كان ذلك، فإن مجال إعمال مبدأ تكافؤ الفرص في نطاق تطبيق النص المطعون عليه يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، بما لا مخالفة فيه- من هذه الناحية- لأحكام الدستور.
وحيث إن ما ينعاه المدعون على النص التشريعي المطعون فيه من تعارضه مع المادة 4 من قانون المحاماة سالف البيان التي تنص على أن يمارس المحامي مهنة المحاماة منفرداً أو شريكاً مع غيره من المحامين أو في صورة شركة مدنية للمحاماة، كما يجوز له أن يمارسها في الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والخاص والمؤسسات الصحفية وفي البنوك والشركات الخاصة والجمعيات طبقاً لأحكام هذا القانون، مردود بأنه – أيا كان وجه الرأي في التعارض المدعى به- فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح هو مخالفة النص التشريعي المطعون فيه لنص في الدستور ولا تمتد رقابتها بالتالي إلى حالات التعارض بين القوانين واللوائح ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة ولا يعدو النعي بمخالفة النص التشريعي المطعون لنص وارد في قانون المحاماة أن يكون نعياً بمخالفة قانون لقانون، ولا يشكل بالتالي مخالفة لأحكام الدستور مما تختص المحكمة الدستورية العليا بنظرها.
وحيث إن ما أثاره المدعون من أن النص التشريعي المطعون فيه ينتكس بمبدأ تطور التشريع إلى الأحسن، مردود بأن إعراض السلطة التشريعية عن اتجاه تقدمي – بفرض صحة ما قرره المدعون في هذا الصدد- لا ينطوي بالضرورة على مخالفة لأحكام الدستور، ولا يصلح بذاته وجها لتجريح نص تشريعي. ذلك أن مناط الرقابة القضائية على الدستورية هو التقيد بالضوابط التي فرضها الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية في مجال ممارستهما لولاية إقرار القوانين أو إصدارها، فإذا ما أقر قانون أو صدر قرار بقانون ملتزماً حدودها، كان موافقاً للدستور ولا يجوز تعييبه.
وحيث إن قالة مخالفة النص التشريعي المطعون فيه لمبادئ معمول بها في بعض الدول، لا ترقى في ذاتها إلى مرتبة المخالفة الدستورية، ذلك أن المفاهيم التي تصوغ بعض الدول تشريعاتها على ضوئها لا تعتبر بمثابة نصوص دستورية مندمجة في دستور جمهورية مصر العربية، ولا تستنهض بالتالي ولاية المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن النص التشريعي المطعون فيه- بتحديده السالف بيانه- لا مخالفة فيه للدستور من نواح أخرى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى بالنسبة إلى ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة الثامنة من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من عدم جواز مزاولة محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها وإلا كان العمل باطلاً، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق