الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 28 مايو 2021

المذكرة الإيضاحية لقانون التجارة 17 لسنة 1999

مذكرة

عن مشروع قانون التجارة

مقدمة:
- وضع القانون التجاري الوطني الحالي عام 1883 نقلا عن التقنين الفرنسي مع بعض فروق شكلية... وإذ كان التقنين الفرنسى قد وضع في وقت غير ملائم إذ كان العالم على أبواب التطورات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التى حدثت خلال القرنين التاسع عشر والعشرون، ومن ثم فقد تناوله المشرع الفرنسي بالإضافة والتعديل حتى تغيرت معالمه وصار إطارا يضم شيئا غير مضمونه الأصلي... فقد ظل التقنين المصري الصادر في عهد الخديوي توفيق على ما هو عليه (419 مادة) يتحدث عن ناظر الحقانية، وعن وكيل الحضرة الخديوية، ويعرف الأعمال التجارية بأنها شراء الغلال غيرها عن أنواع المأكولات لأجل بيعها.. بل أن شركات المساهمة ظلت لحقبة طويلة دون تنظيم قانونى رغم انتشارها في البلاد... ولا يزال الشيك مع ذيوع استعماله منسيا دون تنظيم مفصل... ولا تزال الكمبيالة والسندات لأمر تخضع لأحكام عفا عليها الزمن...
- فكان لزاما أن يبادر الشارع المصرى - بعد إلغاء نظام الإمتيازات الأجنبية - إلى تنقيح هذا التقنين وتحديثه، فشكلت لهذا الغرض لجان منذ الأربعينات من هذا القرن وأعدت مشروعات لم يقدر لها النجاح سواء أيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 أو مع ليبيا عام 1969، أو بعد أن وضعت الحرب أوزارها مع إسرائيل، وعاد السلام إلى ربوع البلاد، وعاد معه الاهتمام بالشئون العادية للدولة وفى مقدمتها إصلاح الاقتصاد وإنعاش التنمية.
- ولما كان إصلاح التشريع التجارى من ركائز الإصلاح الإقتصادى فقد وجهت إليه الحكومة عناية خاصة، ورؤى التركيز أولا على القانون البحرى، فسار العمل فيه بهمة حتى صدر القانون البحرى في أبريل من عام 1990، ثم من بعده قانون التحكيم، أما التقنين التجارى فقد شكلت له لجنة في مارس 1990.... وهى اللجنة التى أتمت هذا العمل الكبير... برئاسة شيخ فقهاء القانون التجارى المرحوم الدكتور محسن شفيق.
الهيكل العام للمشروع:
- ولقد جاء هذا المشروع تتويجا لجهود متعاقبة إستطال بها الزمن، ويقع في 772 مادة تنظمها خمسة أبواب على النحو التالى:
الباب الأول في التجارة بوجه عام والباب الثانى في الالتزامات والعقود التجارية والباب الثالث في عمليات البنوك والباب الرابع في الأوراق التجارية والباب الخامس في الإفلاس والصلح الواقى منه.
المقومات الرئيسية للمشروع:
ونعرض فيما يلى لأهم المقومات الرئيسية التى يتم بها المشروع:
أولاً: تحديث التقنين القديم، واستكمال مواطن النقض فيه مع الحفاظ على جوهر المبادئ التى أرساها القضاء المصرى حول التقنين القديم، ورسخت في التعامل وليس من المرغوب فيه التضحية بهذه الثروة القضائية بإحداث تغيير جوهرى فيها تصير معه أثرا لا حياة فيها.
ثانياً: تحقيق وحدة القانون التجارى بلم شمله في تقنين واحد يكون بمثابة موسوعة جامعة لما تفرق وانتشر من أحكامه.
ثالثاً: اختيار الحلول التى تتفق وتقاليد البلاد وعادتها دون التقيد بنظريات أو مذاهب معينة, فجاءت أحكام المشروع متسمة بطابع عملى, نابعة من البيئة المحلية مناسبة لها.. وكذلك تحرر المشروع من التزام النقل عن أى تشريع أجنبى معين, وآثر انتهاج أسلوب عملى سليم, للإفادة من تجارب الغير... فاستقصى المصالح المشروعة, وقارن بين الحلول التى اتبعت لحمايتها في مختلف التشريعات, ثم اختار الحل المناسب للوضع المناسب.
ويختلف المشروع في هذا عن التقنين القائم الذى سار في ذيل التشريع الفرنسى يقوده وإلى حلول صنعت لبيئة غير بيئته...
رابعاً: وبقدر نفور المشروع من السير في فلك تشريع أجنبى واحد, كان حرصه على الاستعانة بالأحكام التى وضعتها الاتفاقية الدولية بشأن موضوعات القانون التجارى، وبالأحكام التى جمعتها المنظمات الدولية المعنية بهذا الأمر. وذلك لما لهذه المراجع من قيمة علمية سامية, وحرصا من المشروع على الحاق التقنين الوطنى بركب التشريع العالمى...
ومن أمثلة الأحكام الدولية التى إقتبس منها المشرع القواعد التى أعدتها غرفة التجارة الدولية لبيان مضمون البيوع التجارية التى تبرم باستعمال مصطلحات معينة كالبيع "سيف" والبيع "فوب" وتبنى أحكام الغرفة بالنسبة إلى الاعتماد المستندى، وقواعد إتفاقيات جنيف بشأن الأوراق التجارية, وقواعد اتفاقية الأمم المتحدة بشأن البيع التجارى (اتفاقية فيينا لسنة 1980)
خامسًا: تبسيط الاجراءات لأن تعقيدها للتجارة معوق ومضيع للوقت وأمثلته في المشروع كثيرة... منها الأخذ بما استقر حديثا في معظم الدول من وسائل اثبات للتصرفات التجارية لم تكن معروفة من قبل أو لم تكن لها قيمة قانونية عند اكتشافها نتيجة التأثر بالقواعد التقليدية... لذلك أجاز المشروع عمل الإخطارات والإشعارات بالطرق الحديثة كالبرق والتلكس والفاكس وغير ذلك من وسائل الاتصال الحديثة... فضلا عن الطرق التقليدية كالبريد العادى أو المسجل (م 58)
كما أضفى المشروع حجية على الصور المصغرة للمستندات والمراسلات التجارية (الميكروفيلم)
ومن أمثلة ذلك أيضا إجازة تداول الصكوك الإذنية بطريق التظهير, ولو لم تكن من الأوراق التجارية بدلا من اتباع طريقة الحوالة المدنية للحق.
وفى باب الإفلاس أمثلة أخرى حيث حرص المشروع على تيسير طريق التفليسة واقتضاب مواعيد إجراءاتها, لتبلغ غايتها في وقت معقول... فوضع الأحكام الإجرائية الكفيلة بتيسير حصول الدائنين على حقوقهم... ومنح قاضى التفليسة اختصاصات واسعة ليصبح قاضيا متخصصة للتفليسة وليس مجرد مشرف على إجراءاتها كما جعل قراراته نهائية إلا في أحوال قليلة رأى المشروع أن يستثنيها من هذا الحكم...
كما نظم المشروع أحكام الصلح الواقى من الإفلاس الذى يستطيع به التاجر أن يتوقى الإفلاس بصلح يعقده من دائنيه تحت اشراف القضاء ليحصل على أجل اضافى لسداد ديونه أو على تخفيض نسبة من ديونه أو ليحصل على الميزتين معا.
كما وضع المشروع تنظيما خاصا ميسرا للتفليسات الصغيرة (م 697)
سادساً: إستحداث أحكام بشأن موضوعات تبينت الحاجة إلى تنظيمها, وقد أغفلها التقنين القائم, والقوانين المكملة له, إما لأنها وليدة تقدم تكنولوجى لم يدركه التشريع السابق, وإما لأن أهميتها لم تتكشف إلا أخيرا...
ومن أمثلة هذه المستحدثات تنظيم عقد نقل التكنولوجيا لما له من أهمية بالغة في العمليات الانتاجية, ولما يعترض عمليات النقل على المستوى الدولى اليوم من مشاكل قانونية بسبب تضارب مصالح أطراف هذه العمليات, وإختلاف موازين القوى بينها, ولما لهذه العمليات من تأثير على الاقتصاد القومى.
ولقد استهدف المشروع... حماية المصالح الوطنية دون المساس بالمصالح المشروعة للطرف المورد للتكنولوجيا, وبحيث يضمن في الوقت نفسه للمستورد المصرى استيعابا حقيقيا لما, يكون أداة لتطوير الاقتصاد الوطنى، وتعظيم قدراته على المنافسة في أسواق التجارة الدولية... مشجعا في الوقت ذاته تدفق التكنولوجيا بمقتضى أحكام منضبطة تراعى فيها توازن المصالح بين مورد التكنولوجيا... ومتلقيها...
ومن أمثلة ذلك أيضا تنظيم المشروع لعقد النقل الجوى، وعقد التوريد, وعقد الإيداع في المستودعات العامة, وعقد وكالة العقود..
ومنها تنظيم أحكام مكافحة المنافسة غير المشروعة بقاعدة عامة تبسط ما تهيئه من حماية على مطلق حالات سوء النية والغش (م 66) منها تنظيم مسئولية لمنتج عن الأضرار التى تحدثها السلعة التى ينتجها سبب عيب في المنتج (م 67) ومنها تنظيم جميع العمليات التجارية المصرفية التى تقوم بها البنوك... وهى وديعة النقود, ووديعة الصكوك, وتأجير الخزائن ورهن الأوراق المالية, والنقل المصرفى، والاعتماد العادى، والاعتماد المستندى، والخصم, وخطابات الضمان, والحساب الجارى...
ومنها اهتمام المشروع بتنظيم الأوراق التجارية وفقا لأحكام الاتفاقيات الدولية (اتفاقية جنيف بشأن الكمبيالات والسندات الإذنية والشيكات) واستحداث أحكام جديدة لحماية الشيك, وإضفاء الثقة على التعامل به, باعتباره أداة وفاء تجرى مجرى النقود في المعاملات... وإعادة الهيبة إليه, بعد أن وصل التعامل به إلى إهدار وظيفته, واستخدامه كأداة ضمان للديون, بل وكأداة ائتمان وذلك بسبب غيبة النصوص القانونية التى يجب أن تحكمه... بل هان الأمر حتى أمكن أن يحرر الشيك على ورقة عادية أو على نموذج مطبوع يباع للجمهور في كل مكان بدلا من وجوب تحريره على نماذج صادرة من أحد البنوك...
إن التشريع التجارى القائم لم يتعرض لتنظيم الشيك إلا في ثلاث نصوص (المواد من 191 - 193) وأطلق عليه (الحوالة الواجبة الدفع بمجرد الاطلاع) فكانت معالجته له مقتضية مبتسرة حتى أنه لم يرد فيها لفظ (الشيك).... مما كان له من أثر سلبى على المعاملات الأمر الذى حدا بواضعى المشروع إلى معالجة موضوع الشيك معالجة كاملة مستفيضة, فأفرد له (67) مادة... مستلهمين نصوصه من قواعد جنيف التى أخذت عنها معظم التشريعات المصرفية الحديثة والتشريع الفرنسى الصادر عام 1991 في شأن الشيك...
سابعاً: مسايرة المشروع للتحول الكبير الذى وقع للاقتصاد المصرى عن طريق الاصلاح الاقتصادى وإعادة البناء, والتنمية الصاعدة.. على نحو مكن مصر من دخول مرحلة انطلاق جديدة, وفتحت أبواب المشاركة للجميع, وهيأت الفرصة لاستثمار كل الطاقات, وأسقطت ولا زالت تسقط كل العوائق والعقبات كى يقوم القطاع الخاص بدوره في عملية التنمية...
تلك التنمية التى تستهدف تغيير أشكال الحياة من خلال منظمة تتكامل روافدها, وتتحقق من خلال الاستثمار بمختلف صوره العام منها والخاص..
ثامناً: حرص المشروع على تجنب الأحكام التى قد تثير شبهة مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع, ولهذا فقد عرض المشروع على فضيلة مفتى الجمهورية (فضيلة الإمام الأكبر حاليا) فشكل لجنة من كبار علماء الدين ومن رجالات البنوك وعلى رأسهم السيد محافظ البنك المركزى، عكفت على دراسته للتأكد من أن المشروع ينطوى تحت أحكام الشريعة الإسلامية الغراء. ولا يخالف حكما شرعيا قطعيا في ثبوته ودلالته, ولا يعارض أصلا من أصول الشريعة الإسلامية ومبادئها العامة...
تاسعاً: كما عرض المشروع على لجنة مراجعة القوانين والتشريعات في ضوء اتفاقيات الجات المشكلة بوزارة العدل من ممثلين عن الوزارات والجهات المعنية, وأبدت رأيها في شأنه منتهية إلى أنه ليس في أحكامه ما يخالف هذه الاتفاقيات.
عاشراً: كما حرصت اللجنة التى أعدت المشروع على استطلاع رأى الجهات والهيئات المعنية, كما عرضته على اللجنة العليا للتشريع, وعلى جميع الوزارات... وجمعت كل ما أبدى في شأنه من مقترحات, تدارستها وأخذت ببعضها وردت على البعض الآخر للأسباب المبررة التى أبدتها...
خاتمة:
- ذلك بيان موجز عن المشروع الماثل في تطور إعداده الطويل, والجهود التى بذلك في سبيل ذلك, والملامح الأساسية التى قادت الخطى ليرتدى ثوبه الأخير.
- ولا شك أن الأداء الوطنى المتسم بالحسم والجرأة في اقتحام المشكلات وإزالة العقبات التى تعوق مسيرة العمل الوطنى، كان له أبلغ الأثر في التيسير على المواطنين وتعزيز الثقة في نفوسهم, وخلق مناخ جديد تتطلع فيه الجماهير إلى مزيد من العمل والإنجاز.. وتشجيع الاستثمار وتذليل العقبات التى تعترض سبيله, وتوسيع قاعدة الملكية.., وجمع نشاط القطاعين العام والخاص كل في المجال الذى يصلح له ومواجهة المستقبل...
- ومن هذا المنطلق أعد هذا المشروع ليواجه هذا المستقبل...
وإذ يتفضل السيد الرئيس - في حالة الموافقة - بإحالته إلى مجلس الشعب, فإن مصر سوف تردد مع سيادته أنه في عهده تم بحمد الله - الاستجابة إلى نداءاته التى أهاب فيها من واقع إحساسه بنبض مجتمعه - بكل مسئول في موقعه - بضرورة مراجعة التشريعات المالية وتعديلها لتواكب إيقاع العصر.. فكان الانجاز في مجال التشريعات التجارية باصدار قانون التجارة البحرية, وقانون التحكم التجارى، وإعداد مشروع قانون التجارة الماثل - إنجازا ضخما... من انجازات عهد السيد الرئيس, التي تحقق آمال شعبة في التقدم والرفاهية وما تصبوا إليه نفسه من عزة لمصر وأبناء مصر...
ويتشرف وزير العدل بتقديم مشروع القانون المرافق... رجاء التفضل في حالة الموافقة عليه باتخاذ إجراءات إصداره.

مع عظيم احترامي.

تحريراً في 15/ 3/ 1997

وزير العدل
المستشار/                  
(فاروق سيف النصر)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق