القضية رقم 69 لسنة 22 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 فبراير سنة 2005 م ، الموافق 4
من المحرم سنة 1426 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعي رئيس المحكمة
وبحضور السادة المستشارين : حمدى محمد على وماهر البحيرى ومحمد على
سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد العزيز الشناوى والدكتور عادل عمر شريف
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد
حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 69 لسنة 22 قضائية " دستورية
" .
المقامة من
السيد / .........
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الشعب
3 السيد رئيس مجلس الوزراء
4 السيد وزير العدل
5 السيد رئيس مأمورية استئناف عالي بنى سويف
مأمورية الفيوم
6 السيدة / .........
الإجراءات
بتاريخ الثاني
من شهر إبريل سنة 2000 ، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، بطلب
الحكم بعدم دستورية المواد ( 153 ، الفقرة الأخيرة من المادة 157 ، 159 و165 ) من
قانون المرافعات المدنية والتجارية ، والمادتين ( 19 ، 20 ) من قانون تنظيم بعض
أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم (1) لسنة
2000 .
وقدمت هيئة
قضايا الدولة مذكرتين ، طلبت فيهما الحكم أصلياً : بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً
: برفضها .
وقدم المدعى
مذكرة ردد فيها طلباته الواردة بصحيفة الدعوى .
وبعد تحضير
الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت
الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع
على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن
الوقائع تتحصل على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق في أن المدعى عليها
السادسة كانت قد أقامت الدعوى رقم 474 لسنة 1997 أحوال شخصية أمام محكمة الفيوم
الابتدائية ، بطلب الحكم بتطليقها من زوجها المدعى في الدعوى الدستورية طلقة بائنة
للضرر بعد زواجه بأخرى ، ولدى تداول نظر الدعوى ، قام المدعى برد هيئة المحكمة ،
وأثناء نظر طلب الرد أمام محكمة استئناف بنى سويف " مأمورية الفيوم " ،
دفع بعدم دستورية المواد ( 153 ، 159 ، 165 ) من قانون المرافعات المدنية
والتجارية ، وبجلسة 6/8/1998 قضت المحكمة برفض طلب الرد وتغريم المدعى ( 3000 جنيه
) . استشكل المدعى في تنفيذ هذا الحكم ، وأثناء نظر الإشكال دفع بعدم دستورية
المواد سالفة الذكر ، إلا أن المحكمة حكمت برفض الإشكال والاستمرار في التنفيذ ، وبالتالي
فقد سدد قيمة الغرامة المقضي بها وأقام الدعوى رقم 7 لسنة 2000 مدنى بندر الفيوم
طالباً الحكم باسترداد المبلغ الذى أداه ، وخلال تداول الدعوى دفع بعدم دستورية
المواد ( 153 ، الفقرة الأخيرة من المادة 157 ، 159 ، 165 ) من قانون المرافعات
المدنية والتجارية ، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى
الدستورية ، فقد أقام دعواه الماثلة .
وحيث إن المدعى ضمّن صحيفة دعواه الطعن بعدم دستورية نص المادتين ( 19
، 20 ) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية
الصادر بالقانون رقم ( 1 ) لسنة 2000 ، إلا أنه من المقرر وعلى ما جرى عليه قضاء
هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع المبدى أمام محكمة
الموضوع ، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته . لما كان ذلك ، وكان المدعى قد حدد
دفعه أمام محكمة الموضوع بالمواد ( 153 ، الفقرة الأخيرة من المادة 157 ، 159 ،
165 ) من قانون المرافعات ، وانحصر في هذا النطاق وحده التصريح الصادر له بإقامة
الدعوى الدستورية ، فإن الطعن على المادتين ( 19 ، 20 ) من قانون تنظيم بعض أوضاع
وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، يكون مجاوزاً نطاق المسائل الدستورية
التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها ، وتغدو الدعوى بالنسبة لهذين النصين غير مقبولة
، لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع المنصوص عليها بالمادة ( 29 / ب
) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 .
وحيث إنه بالنسبة للطعن على ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة
(157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية من أنه : " وفى جميع الأحوال لا
يجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى
الأصلية " ، فلقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة المتعلقة
بمدى دستورية هذا النص بحكمها الصادر بجلسة 16/11/1996 في الدعوى رقم 38 لسنة 16
" قضائية دستورية " ، والذى قضى برفض الدعوى ، وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة
الرسمية بالعدد رقم (47) بتاريخ 28/11/1996 . وكان مقتضى نص المادتين ( 48 ، 49 )
من قانون المحكمة الدستورية العليا ، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى
الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة ،
باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها ، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة
فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد ، مما يتعين معه عدم قبول الدعوى بالنسبة للنص
آنف البيان .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية
مناطها توافر ارتباط مباشر بينها وبين المصلحة القائمة في النزاع الموضوعي ، وذلك
بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية المطعون فيها لازماً للفصل فيما يرتبط بها من
طلبات في الدعوى الموضوعية . لما كان ذلك ، وكان النزاع الموضوعي يدور حول مطالبة
المدعى استرداد قيمة الغرامة التي أداها تنفيذاً للحكم الصادر من محكمة استئناف
بنى سويف " مأمورية الفيوم " في الدعوى رقم 2 لسنة 24 " قضائية
" ، وكان سند إلزامه بهذه الغرامة هو المادة (159) من قانون المرافعات
المدنية والتجارية بعد استبدالها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 وقبل تعديلها بالقانون
رقم 18 لسنة 1999 باعتبار أن الحكم بالغرامة صدر بجلسة 6/8/1998 وتنص المادة
المذكورة على أن : " تحكم المحكمة عند رفض طلب الرد ، أو سقوط الحق فيه ، أو
عدم قبوله ، أو إثبات التنازل عنه ، على طالب الرد بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا
تزيد على ألف جنيه ومصادرة الكفالة ، وفى حالة ما إذا كان الرد مبنياً على الوجه
الرابع من المادة (148) فعندئذ يجوز إبلاغ الغرامة إلى ألف وخمسمائة جنيه .
وفى كل الأحوال تتعدد الغرامة بتعدد القضاة المطلوب ردهم ، .....
" . وبالتالي فإن مصلحة المدعى الشخصية والمباشرة تكون مقصورة في الطعن على
هذا النص فقط ، دون أن تتعداه إلى المادتين ( 153 ، 165 ) من قانون المرافعات
المدنية والتجارية ، إذ تتناول أولهما تنظيم إجراءات رد القضاة وتقرر ثانيتهما عدم
صلاحية القاضي الذى أقام دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً للحكم في الدعوى
وتوجب تنحيه عن نظرها ، ومن ثم ينحصر نطاق الدعوى الدستورية الماثلة في الطعن على
نص المادة (159) المار ذكره محدداً نطاقاً على النحو المتقدم . متى كان ذلك ، وكان
من شأن القضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه ، أحقية المدعى في استرداد قيمة
الغرامة المطالب بها ، بعد زوال السند القانوني الذى كان مصدراً لها ، فإنه تتوافر
له مصلحة شخصية مباشرة في دعواه الدستورية تنعكس على طلباته في دعوى الموضوع ، بما
يضحى معه الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة مفتقداً أساسه
الصحيح ، حرياً بالالتفات عنه .
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفة المواد ( 2 و40 و68
و69 ) من الدستور ، وذلك بتقييده حق التقاضي بجعل النفاذ إليه محملاً بأعباء مالية
وإجرائية تعوق ولوجه ، بما يحول بين المواطنين وطرق أبواب العدالة ، كما ينطوي على
تمييز القضاة عن غيرهم ، مما يخّل بقاعدة المساواة ويخالف الشريعة الإسلامية .
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص الطعين للشريعة الإسلامية فإنه مردود
، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر بعد تعديل
المادة الثانية من الدستور في عام 1980 ، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها
ودلالتها معاً ، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها
تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً ، أما
الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً ، فإن باب الاجتهاد يتسع
فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان ، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد ، وهو اجتهاد
إن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه ، فهو بذلك أوجب لولى الأمر ليواجه به ما
تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءاً وجلباً للأمرين معاً
. لما كان ذلك ، وكان إلزام طالب رد القاضي بغرامة عند رفض طلبه ، أو سقوط الحق
فيه ، أو عدم قبوله ، أو تنازله عنه ، من الأمور الوضعية التي لا تندرج تحت قاعدة
كلية أو جزئية من قواعد الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة ، فإنه يكون لولي
الأمر عن طريق التشريعي الوضعي تنظيمها بما يتفق ومصلحة الجماعة ، ويكون النعي
بمخالفة النص المطعون عليه للشريعة الإسلامية فاقداً لسنده .
وحيث إن نعى المدعى على النص المطعون فيه مخالفة المادة (40) من
الدستور فيما نصت عليه من أن المواطنين لدى القانون سواء مردود ، ذلك أن قضاء هذه
المحكمة قد جرى على أن القاضي المطلوب رده لا يعتبر طرفاً ذا مصلحة شخصية مباشرة
في خصومة الرد التي لا يتعلق موضوعها بحقوق ذاتية لأطرافها يجرى إثباتها ونفيها
وفقاً لقواعد حددها المشرع سلفاً ويتكافأ مركز الخصوم في مجال تطبيقها وعلى الأخص
فيما يتعلق بالأدلة التي يجوز تقديمها وتقدير كل دليل منها ، وإنما تقوم خصومة
الرد أساساً على تمسك أحد الأخصام في الدعوى الموضوعية بمخالفة القاضي المطلوب رده
حال نظر تلك الدعوى للقواعد القانونية المقررة ، ولهذا أفرد المشرع لهذه الخصومة
إجراءات معينة راعى فيها طبيعتها الخاصة ، حرصاً منه على ألا تُتخذ سبيلاً للنيل
من كرامة القاضي بغير حق . لما كان ذلك ، وكانت المساواة التي نصت عليها المادة
(40) من الدستور تستهدف عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم
القانونية ، وكان المركز القانوني للقاضي المطلوب رده يختلف عن المركز القانوني
لطالب الرد في خصوص هذه الخصومة ، فإن الإخلال بمبدأ المساواة لا يكون قائماً على
أساس ويتعين تبعاً لذلك رفض ما أثاره المدعى بهذا الشأن .
وحيث إن ما يثيره المدعى بشأن مخالفة النص المطعون فيه للمادتين ( 68
، 69 ) من الدستور في غير محله ، ذلك أن قضاء هذه المحكمة اطرد على وجوب أن يكون لكل
خصومة قضائية قاضيها ، وتلتزم الدولة بأن توفر لكل فرد وطنياً كان أم أجنبياً
نفاذا ميسراً إلى محاكمها ، لا تثقله أعباء مالية ولا تحول دونه عوائق إجرائية ،
على أن يكون للخصومة القضائية في نهاية المطاف حل منصف يتمثل في الترضية القضائية التي
يسعى إليها من يطلبها لمواجهة الإخلال بحقوقه التي يدعيها . إذا كان ذلك ، وكان
الحق في رد قاض بعينه عن نظر نزاع محدد وثيق الصلة بحق التقاضي ، وقد وازن المشرع
بالنصوص التي نظم بها رد القضاة بين أمرين ، أولهما : ألا يفصل في الدعوى قضاة
داخلتهم شبهة تؤثر في حيدتهم ، ثانيهما : ألا يكون رد القضاة مدخلاً إلى التشهير
بهم دون حق . وإذا كانت سلطة المشرع في تنظيم الحقوق ومن بينها حق التقاضي سلطة
تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة ، لاختيار أنسبها
وأكفلها تحقيقاً للأغراض التي يتوخاها ، وقد جرى قضاء هذه المحكمة ، على أن
التنظيم التشريعي لحق التقاضي ، لا يتقيد بأشكال جامدة ، بل يجوز أن يغاير المشرع
فيما بينها ، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها .
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم ، وكانت خصومة الرد لها طبيعتها الخاصة
في موضوعها وإجراءاتها ، ولذا أحاطها المشرع بضمانات معينة راعى فيها أساساً عدم
إطلاقها من عقالها انحرافاً بها عن غاياتها ، وصوناً في الوقت ذاته للقاضي من إفك
قد يُرمى به ، أو باطل يأتيه من بين يديه أو من خلفه ، مما لازمه ومقتضاه فرض
غرامة مالية على طالب الرد في حالة رفض طلبه ، وبما يجعل ممارسة حق الرد منوطاً
بتوافر الجدية اللازمة ، ودون أن يحيق ضرر بطالب الرد إذا أقام طلبه على سبب صحيح
في القانون ، وذلك منعاً من استخدام هذا الحق سبيلاً للكيد وعرقلة الفصل في الدعاوى
، وهى اعتبارات موضوعية تبرر القضاء بالغرامة ، وتندرج في سلطة المشرع التقديرية
في تنظيمه لحق التقاضي ، إذا كان ذلك ، وكان النص الطعين لم يخل بحق التقاضي ، أو
يحجب رد القضاة بالإفتئات على حقوق طالبي الرد ، وكان هذا النص لم يتجاوز حدود
السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق ، فإن الحكم برفض
الدعوى يكون متعيناً .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل
أتعاب المحاماة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق