القضية رقم 69 لسنة 23 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الموافق 15 ديسمبر سنة 2002
الموافق 11 شوال سنة 1423 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : محمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور
وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفى على
جبالى
وحضور السيد المستشار الدكتور / عادل عمر
شريف رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 69 لسنة 23
قضائية " دستورية "
المقامة من
السيد / ......
ضد
1. السيد رئيس الجمهورية
2. السيد رئيس مجلس الوزراء
3. السيد وزير العدل
4. السيدة / .........
" الإجراءات "
بتاريخ الثالث والعشرين من إبريل سنة 2001، أودع المدعى صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلباً للحكم بعدم دستورية المادة (44) مكرراً من قانون
المرافعات المدنية والتجارية المضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليها الرابعة مذكرة طلبتا في كل
منها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في
أن المدعى عليها الرابعة كانت قد أبلغت بتاريخ 23/9/1998 عن قيام مطلقها المدعى
باقتحام الشقة التي تستأجرها ومنعها من حيازتها وكان قد سبق طلاقها منه في تاريخ
سابق دون أن تنجب منه، وطلبت تمكينها من حيازة عين النزاع، وبعد استيفاء الأوراق
بسؤال الطرفين وشهودهما والاطلاع على مستندات كل منهما، أصدرت النيابة العامة
قرارها بتمكين المدعى عليها الرابعة من العين، فتظلم المدعى من هذا القرار بإقامة
الدعوى رقم 2277 لسنة 1999 مدنى مستعجل أمام محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة ،
وبتاريخ 29/2/2000 قضت تلك المحكمة بتعديل القرار المتظلم منه وتمكين طرفي
النزاع معاً من حيازة العين. لم ترتض المدعى عليها هذا القضاء فطعنت عليه
بالاستئناف رقم 366 لسنة 2000 مدني مستعجل أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ، كما
أقام المدعى استئنافاً فرعياً، وأثناء نظر الاستئناف دفع الأخير بعدم دستورية
المادة (44) مكرراً من قانون المرافعات المدنية والتجارية المضافة بالقانون رقم 23
لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام قوانين المرافعات المدنية والتجارية والإثبات في المواد
المدنية والتجارية والعقوبات والإجراءات الجنائية وحالات وإجراءات الطعن أمام
محكمة النقض والرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية ، وإذ قدرت محكمة
الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (44) مكرراً من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص
على أن "يجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة ،
مدنية كانت أو جنائية ، أن تصدر فيها قراراً وقتياً مسبباً واجب التنفيذ فوراً بعد
سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة ، ويصدر القرار المشار إليه من
عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل.
وعلى النيابة إعلان هذا القرار لذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ
صدوره.
وفى جميع الأحوال يكون التظلم من هذا القرار لكل ذي شأن أمام القاضي
المختص بالأمور المستعجلة ، بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة في ميعاد خمسة عشر
يوماً من يوم إعلانه بالقرار، ويحكم القاضي في التظلم بحكم وقتي بتأييد القرار، أو
بتعديله أو بإلغائه، وله بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه
إلى أن يفصل في التظلم".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة بقالة
انتفاء مصلحة المدعى في إقامتها، على سند من أن النص المطعون فيه لا ينطبق على
واقعة النزاع، وإنما يحكمها نص الفقرة الخامسة من المادة (18) من القانون رقم 100
لسنة 1985.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن البين من الأوراق أن المدعى عليها
الرابعة - مطلقة المدعى - لم ترزق منه بأولاد، ومن ثم فإن القرار الصادر من
النيابة العامة بتمكينها من عين النزاع لا يستند إلى كونها حاضنة ، بالإضافة إلى
أن التظلم من قرار النيابة العامة والحكم الصادر في هذا التظلم قد انبنى كل منهما
على الأحكام التي تضمنها نص المادة (44) مكرراً من قانون المرافعات فلا يكون لنص
الفقرة الخامسة من المادة (18) من القانون رقم 100 لسنة 1985 أية علاقة بالنزاع،
ويضحى هذا الدفع على غير أساس متعين الرفض، إذ كان ذلك وكانت المصلحة الشخصية
المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين
المصلحة القائمة في دعوى الموضوع، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية
لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، وكان قضاء هذه
المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية قوامه
شرطان، أولهما أن يقيم المدعى الدليل على أن ضرراً واقعياً مباشراً ممكناً إدراكه
قد لحق به، وثانيهما أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، وكان
محور النزاع يدور حول صحة قرار النيابة العامة بتمكين المدعى عليها الرابعة من عين
النزاع، فإن القضاء بعدم دستورية النص المطعون عليه يكون كافلاً لمصلحة المدعى في الدعوى
الدستورية الماثلة .
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه، إخلاله بحق التقاضي ،
فضلاً عن إخلاله باستقلال السلطة القضائية ، وبياناً لذلك يقول إن القرار الصادر
من النيابة العامة بتمكين أحد طرفي النزاع من الحيازة ، يذيل بالصيغة التنفيذية ،
رغم أنه لا يصدر باسم الشعب ولا يحمل مقومات الحكم القضائي ، وهو ما يشكل
إهداراً لحق التقاضي وتدخلاً في أعمال السلطة القضائية . وإخلالاً باستقلالها، كما
أنه يتبعه -في الأغلب الأعم- تقديم الصادر ضده القرار إلى المحاكمة الجنائية
إخلالاً بالمبدأ الذى يقضى بأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، حيث إن الواقع العملي
يكشف عن العديد من المثالب التي تحيق بإجراءات استصدار هذا القرار، بدءاً من
التحقيقات التي يتولاها غالباً من لا يعد كفءً لمثلها، ومروراً بالاستناد إلى
أقوال شهود غير موثوق في شهادتهم التي يؤدونها بغير حلف يمين، ومن ثم فإنه يخالف
أحكام المواد (66، 67، 68، 72، 86، 166، 176) من الدستور.
وحيث إن هذا النعي -في جملته- مردود، ذلك أن الأصل في اختصاص المشرع
بسلطة تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر
حدوداً لها وفواصل لا يجوز له تجاوزها، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه ليس ثمة
تناقض بين حق التقاضي وبين تنظيمه تشريعياً، لما كان ذلك وكان اختصاص النيابة
العامة بنظر منازعات الحيازة مر من الناحية التشريعية بمرحلتين، أولاهما: تلك التي
صدر فيها القانون رقم 29 لسنة 1982 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر
بالقانون رقم 58 لسنة 1937 متضمناً إضافة المادة ( 373) مكرراً إلى المواد الخاصة
"بجرائم انتهاك حرمة ملك الغير" الواردة في الباب الرابع عشر من الكتاب
الثالث من قانون العقوبات ليجري نصها كالآتي "يجوز للنيابة العامة متى قامت
دلائل كافية على جدية الاتهام في الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة من هذا
الباب، أن تأمر باتخاذ إجراء تحفظي لحماية الحيازة ، على أن يعرض هذا الأمر خلال
ثلاثة أيام على القاضي الجزئي المختص لإصدار قرار مسبب خلال ثلاثة أيام على الأكثر
بتأييده أو بتعديله أو بإلغائه، ويجب رفع الدعوى الجنائية خلال ستين يوماً من
تاريخ صدور هذا القرار، وعلى المحكمة -عند نظر الدعوى الجنائية - أن تفصل في النزاع
بناء على طلب النيابة العامة أو المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم بحسب الأحوال،
وبعد سماع أقوال ذوي الشأن بتأييد القرار، أو بإلغائه وذلك كله دون مساس بأصل
الحق. ويعتبر الأمر أو القرار الصادر كأن لم يكن عند مخالفة المواعيد المشار
إليها. وكذلك إذا صدر أمر بالحفظ أو بألا وجه لإقامة الدعوى ". ثانيهما: تلك
المرحلة التي قدر المشرع فيها تزايد منازعات الحيازة التي ضاعف من أهميتها حدة
أزمة الإسكان وأدى إلى تفاقمها، وأنها قد تبلغ درجة الجريمة في بعض الأحيان. وقد
تتوقف في بعض أطوارها عند حدود النزاع المدني ، وأن كثيراً من هذه المنازعات وإن
بدت مدنية بحتة إلا أنها قد تشتعل بين أطرافها إلى حد يوشك أن ينتقل بها إلى نطاق
الجريمة إذا تركت دون حل وقتي عاجل، ومن ثم وضع المشرع تنظيماً جديداً لمنازعات
الحيازة يدخلها في إطار قانون المرافعات المدنية والتجارية ، فأصدر القانون رقم 23
لسنة 1992 الذى أضاف إلى هذا القانون المادة (44) مكرراً التي يجرى نصها على النحو
السابق الإشارة إليه. وكان المشرع عند وضع هذا التنظيم الجديد لمنازعات الحيازة
-وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون- قد ارتأى أن يكون اختصاص
النيابة العامة في هذا الخصوص شاملاً كافة منازعات الحيازة المدنية والجنائية ،
وأو كل صدور القرار بشأنها -وبعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات
اللازمة - إلى عضو من أعضاء النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل، وذلك حتى
يكون لمصدر القرار الخبرة والدراية اللازمة لما تتسم به هذه المنازعات من أهمية
خاصة ، ولا يمنع صدور هذا القرار المؤقت النيابة العامة من المبادرة إلى رفع
الدعوى الجنائية ، إذا شكلت هذه المنازعة جريمة من الجرائم، وأوجب إعلان هذا
القرار لذوى الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، والذين يكون لهم التظلم منه
أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة بدعوى تُرفع بالإجراءات المعتادة لرفع
الدعوى في ميعاد لا يجاوز خمسة عشر يوماً من يوم إعلانه به بحسبان القرار إن صدر
من النيابة العامة في شأن منازعة جنائية فهو يتصل بجريمة من الجرائم تدخل في اختصاص
القضاء العادي ، كما أن القرار إذا صدر من النيابة العامة في شأن منازعة غير
جنائية فإن جهة القضاء العادي هي الأحق بنظر التظلم منه على اعتبار أن الحيازة
متفرعة عن الملكية ، وهي رأس المنازعات المدنية وتصدر فيه المحكمة حكماً وقتياً
إما بتأييد القرار أو بتعديله أو بإلغائه، وأورى المشرع- إيضاحاً لهذا التنظيم
-مؤكداً أن صدور الحكم في التظلم لا يمنع من رفع أية دعاوى سواء كانت مدنية أو
جنائية ، متعلقة بالحيازة أو أصل الحق، كما أجازت هذه المادة للقاضي أن يوقف تنفيذ
القرار الصادر من النيابة العامة لحين الفصل في التظلم، ومن ثم يبين أن المشرع قد
تغيا من تقرير هذا النص مصلحة عامة مشروعة تقوم على أسس موضوعية تبرر ما تضمنه من
أحكام، خاصة وأن قرار النيابة العامة لا يعد حكماً قضائياً، ولا يخرج عن كونه
إجراءً وقتياً عاجلاً تبرره اعتبارات المحافظة على الأمن العام، ولا يحول دون
إمكانية لجوء أصحاب الشأن إلى القضاء للتظلم منه، ومن ثم تنحسر عن النص الطعين
قالة الإخلال بحق التقاضي أو التدخل في أعمال السلطة القضائية والإخلال
باستقلالها، ولا ينال من ذلك ما أثاره المدعى من أن الواقع العملي كشف عن العديد من
المثالب التي تحيط بإجراءات استصدار قرار النيابة العامة بشأن منازعات الحيازة ،
ذلك أن الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية
النصوص التشريعية ، مناطها مخالفة هذه النصوص للدستور، ولا شأن لها بكيفية تطبيقها
عملاً.
وحيث إن النص المطعون فيه لا صلة له بمبدأ شخصية العقوبة ، أو مبدأ
أصل البراءة ، فضلاً عن انتفاء الزعم بمخالفته نص المادة (86) من الدستور، فإن ما
يثيره المدعى في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان النص الطعين لا يخالف أي أحكام أخرى
في الدستور، فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى
المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق