الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 مايو 2013

محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة، تعد درجة ثانية لقضاء التحقيق


قضية رقم 52 لسنة 27  قضائية  المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثالث من مارس سنة 2013م، الموافق الحادى والعشرين من ربيع الآخر سنة 1434ه.
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى                       رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عدلى محمود منصور وأنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفى على جبالى ومحمد عبد العزيز الشناوى وماهر سامى يوسف                                                                                   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / محمد عماد النجار        رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع                      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم52 لسنة 27 قضائية" دستورية ".
المقامة من
...............................
ضد
1.     السيد رئيس الجمهورية
2.     السيد رئيس مجلس الوزراء
3.     السيد رئيس مجلس الشعب
4.     السيد وزير العدل
5.     السيدة/ ..........................
6.     السيد/ ......................
الإجراءات
بتاريخ الثالث من شهر مارس سنة 2005 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى،  قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (210) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من إجازة الطعن فى الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى، دون الأمر بالحفظ، ونص الشق الأول من الفقرة الأولى من المادة (167) من القانون ذاته فيما تضمنته من رفع الاستئناف عن الأمر الصادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة، وما ورد بالمادة ذاتها فى فقرتها الثالثة من اختصاص غرفة المشورة عند إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أن تعيد القضية معينة الجريمة المكونة لها والأفعال المرتكبة ونص القانون المنطبق عليها وذلك لإحالتها إلى المحكمة المختصة، وكذلك ما انطوى عليه نص الفقرة الأخيرة من المادة (167) السالفة الذكر من نهائية القرارات الصادرة من غرفة المشورة، وكذا عدم دستورية نص المادة (169) من قانون الإجراءات الجنائية.
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها أصلياً: الحكم بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً: عدم قبولها بالنسبة لنص المادة (210/1) من قانون الإجراءات الجنائية، ورفضها فيما عدا ذلك.
          وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد باشرت التحقيق فى الشكوى المقدمة من المدعى ضد المدعى عليهما الخامسة والسادس بتهمة ارتكابهما جريمة الزنا، ثم أمرت بحفظ الأوراق إدارياً، فأستأنف المدعى هذا الأمر أمام محكمة الجنح المستأنفة بالإسماعيلية – منعقدة فى غرفة مشورة – طالباً الحكم بتوجيه الإتهام للمشكو فيهما بعد استكمال التحقيقات، مع وقف نظر استئناف الأمر المرفوع منه لحين الفصل فى دعويين منظورتين أمام محكمة الأسرة بالإسماعيلية، ودفع بعدم دستورية المواد ( 167 و 169 و 210/1) من قانون الإجراءات الجنائية، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (167) من قانون الإجراءات الجنائية – المستبدلة بالقرار بقانون رقم 107 لسنة 1962 وبالقانون رقم 170 لسنة 1981 قبل تعديلها بالقانونين رقمى 145 لسنة 2006 و 153 لسنة 2007 – تنص فى الشطر الأول من فقرتها الأولى على أنه "  يرفع الاستئناف إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة... " ونصت فى فقرتها الثالثة على أنه " وعلى غرفة المشورة عند إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أن تعيد القضية معينة الجريمة المكونة لها والأفعال المرتكبة ونص القانون المنطبق عليها، وذلك لإحالتها إلى المحكمة المختصة" . وتنص فى فقرتها الأخيرة على أنه: " وتكون القرارات الصادرة من غرفة المشورة في جميع الأحوال نهائية". وتنص المادة (169) من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقرار بقانون رقم 107 لسنة 1962، على أنه :  "إذا رُفض الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية عن الأمر الصادر بألا وجه لإقامة الدعوى جاز للجهة المرفوع إليها الاستئناف أن تحكم عليه للمتهم بالتعويضات الناشئة عن رفع الاستئناف إذا كان لذلك محل". كما ينص الشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة (210) من قانون الإجراءات الجنائية – المستبدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1962 والمعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 – على أنه: " للمدعي بالحقوق المدنية الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى".
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، بما مؤداه أن تفصل  المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة، وهو ما يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى وبالقدر اللازم للفصل فيها، مما مؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً، ويتعين دوماً أن يكون الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنا تحديده وتسويته بالترضية القضائية، عائداً فى مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه. فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
لما كان ما تقدم، وكان المدعى يهدف بدعواه الدستورية أن يكون له ذات الحق المخول للمدعين بالحقوق المدنية والمتهمين فى القضايا التى تحال إلى المحكمة الجنائية لنظرها والفصل فيها بأحكام قضائية يتوافر لهم حق الطعن فيها، وليس كما هو الحال بالنسبة للقرار الصادر من غرفة المشورة، التى يُرفع أمامها استئناف المدعى بالحقوق المدنية والذى أسبغ عليه القانون وصف النهائية، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى فى الدعوى الماثلة تتحقق بالطعن على عبارة " يرفع الاستئناف إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة". الواردة بالشطر الأول من نص الفقرة الأولى من المادة (167) من قانون الإجراءات الجنائية، ونص الفقرتين الثالثة والأخيرة من المادة ذاتها قبل تعديلها بالقانونين رقمى 145 لسنة 2006 و 53 لسنة 2007، بينما تنحسر مصلحته عن الطعن على المادة (169) من القانون السالف الذكر، بما مؤداه عدم قبول دعواه بالنسبة لهذا النص، بحسبانه لا ينطبق عليه أصلاً، بعدما أمسك المدعى عليهما الخامسة والسادس – المستأنف ضدهما أمام غرفة المشورة – عن طلب التعويض من المدعى لرفعه ذلك الاستئناف. كما تنحسر مصلحة المدعى عن الطعن على نص الشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة (210) من قانون الإجراءات الجنائية، باعتبار أن التكييف القانونى الصحيح للأمر الصادر من النيابة العامة فى القضية المعروضة على غرفة المشورة، هو أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وليس أمراً بالحفظ، بما لازمه عدم قبول الدعوى الماثلة عن هذا النص أيضاً، ولا محاجة بحجية الحكم الصادر فى الدعوى رقم (19) لسنة 8 قضائية " دستورية " بجلسة 18/4/1992 فى شأن الفقرة الأولى من المادة (210) وفق نطاقه المبين به، ذلك أن حقيقة ما صدر من النيابة العامة فى القضية السالفة الذكر – كما سبق بيانه – أنه أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بعد تحقيق قضائى أجرته السلطة المختصة لعناصر الدعوى المطروحة عليها، مما يضحى معه الضرر المدعى به، غير عائد إلى النص المطعون فيه، ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى الدستورية الماثلة فى نصوص الفقرات الثلاث للمادة (167) من قانون الإجراءات الجنائية – فى الحدود المشار إليها- دون غيرها.
وحيث إن المدعى ينعى على النصوص المطعون عليها، أن أولها جاء مخالفًا لمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليهما بالمادتين ( 8 و 40) من دستور سنة 1971 ( المقابلتين للمادتين 9 و 33 من دستور سنة 2012)، كونه قد مايز بين فئتين من المدعين بالحقوق المدنية فى الدعاوى الجنائية، أولهما: المدعون الذين صدر فى دعاواهم أمر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، يمكن استئنافه أمام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة لتصدر فيه قراراً نهائيًا، دون أن يكون لها مكنة استكمال التحقيق، أو تتاح فرصة الطعن فى هذا القرار، وثانيهما: من تحال دعاواهم إلى المحاكم الجنائية لنظرها، واستكمال ما نقص من تحقيقات، ثم الفصل فيها بحكم قابل للطعن، وبالإضافة إلى ماسلف فإن هذا النص ونصا الفقرتين المطعون عليهما تضمنوا إهدارًا لحقى التقاضى والدفاع بحرمانهم الفئة الأولى من الولوج إلى قضاء الحكم بما يحققه من ترضية قضائية منصفة بالمخالفة للمادتين ( 68 و 69) من دستور سنة 1971 (المقابلتين للمادتين 75 و 78 من دستور سنة 2012).
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها من خلال دستور سنة 2012 الذى تبنت مواده أرقام (9 و33 و 75 و 78) ذات الأحكام المقررة بالمواد ( 8 و 40 و 68 و 69) من دستور سنة 1971.
وحيث إن النعى على الشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة (167) المار ذكره، إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص مردود، ذلك أن المقرر فى قضاء هذه المحكمة – أن المبدأ المذكور يتصل فى مضمونه بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها، فلايثور إعماله إلا عند التزاحم عليها، لما كان ذلك، وكان تنظيم المشرع لطرق الطعن فى الأحكام والقرارات القضائية لا يندرج – بذاته – ضمن مدلول الفرص التى تكفلها الدولة، فإن قالة إخلال النص المطعون عليه بهذا المبدأ، تكون فاقدة لأساسها، حرية بالرفض.
وحيث إن مبدأ المساواة بين المواطنين فى الحقوق لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، بما مؤداه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن التمييز المنهى عنه دستوريًا هو الذى يكون تحكميًا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه- بما انطوى عليه من تمييز – مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًا، وغير مستند – تبعاً لذلك - إلى أسس موضوعية.
وحيث إنه من المقرر قانونًا أن الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية، تتمتع بأحكام خاصة تتفق وطبيعتها، فيتحدد موضوعها على أساس الهدف الذى أراد المشرع تحقيقه بتخويل المحكمة الجنائية سلطة الفصل فى الدعوى المدنية، ومؤدى ذلك أن قضاءها فى الدعوى المدنية لا يجاوز تعويض المدعى المدنى عن الأضرار التى لحقت به من جرم المتهم. أما مباشرة الدعوى الجنائية أمام المحكمة المختصة فهو للنيابة العامة وحدها، بينما تقف خصومة المدعى المدنى مع المتهم عند حدود دعواه المدنية فقط، التى يتعلق بها حقه فى التعويض، وإن لم ترفع النيابة العامة الدعوى الجنائية المرتبطة بها، باعتبار أن الأوامر الصادرة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية من النيابة العامة، وإن تأيدت من غرفة المشورة بمحكمة الجنح المستأنفة، لا تحوز حجية الأحكام الجنائية النهائية الفاصلة فى موضوع الدعوى الجنائية أمام القضاء المدنى وفق نص المادة (456) من قانون الإجراءات الجنائية، ولا تحول بذاتها بين المدعى المدنى وبين ولوج طريق المحاكم المدنية لرفع دعواه المدنية.
متى كان ذلك، وكان النص التشريعى المطعون عليه، لم يحظر على المدعى بالحق المدنى اللجوء إلى المحاكم المدنية لجبر الضرر الذى يدعيه من جرم الذى اتهمه، وإن قررت سلطة التحقيق ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية عن ذلك الجرم، وكان اتصال الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة بقاضيها الطبيعى - فى المحاكم المدنية أو الجنائية – والفصل فى موضوعها، يعد الغاية النهائية من الادعاء بالحقوق المدنية، ومن ثم، فإن النص المطعون فيه لا يكون قد أقام فى حدود الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية أية تمييز منهى عنه بين فئتى المدعين بالحقوق المدنية المار ذكرهما، بما يضحى معه النعى على النص التشريعى السالف البيان بالإخلال بمبدأ المساواة لا سند له متعينًا رفضه.
وحيث إن – المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا – أن سلطة المشرع فى تنظيمه لحق التقاضى هى سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض فى شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلايكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالاً.
وحيث إن من المقرر قانوناً، أن إجراءات التحقيق الابتدائى التى تتولاها سلطة التحقيق، سواء أكانت قاضى التحقيق أو النيابة العامة تتميز بأنها ذات طبيعة قضائية، بها تتحرك الدعوى الجنائية، ويتحدد بمقتضاها التصرف فى هذه الدعوى، إما بإحالتها إلى المحكمة المختصة، أو بالأمر فيها بألا وجه لإقامتها، ومن ثم فإن محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة، تعد درجة ثانية لقضاء التحقيق، ويتاح أن يستأنف أمامها القرار القضائى بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية وفق الضوابط وبالشروط المحددة فى المادة (167) من قانون الإجراءات الجنائية.
لما كان ذلك، وكان نص الشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة (167) السالف بيانه، قد أعتد بالطبيعة القضائية للأمر الصادر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، واتخذ من استئنافه طريقًا للطعن عليه أمام الدرجة الثانية لقضاء التحقيق، ومن ثم يكون قد التزم الضوابط القانونية المقررة فى شأن الطعن على الأعمال القضائية- أحكامًا كانت أو أوامر – ويضحى النعى على ذلك النص بالإخلال بحق التقاضى، وما يرتبط به من حق الدفاع منتحلاً.
وحيث إن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن تنظيم المشرع لحق التقاضى لا يتقيد بأشكال جامدة لا يجوز أن يتحول المشرع عنها، وبأنماط محددة تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها، وإنما يقدر المشرع لكل حالة ما يناسبها على ضوء الأوضاع التى يباشر هذا الحق فى إطارها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، كما وأن الحق فى الدفاع، وقد كفله الدستور، لا تكتمل مقوماته إلا بالوصول إلى ترضية قضائية منصفة، هى بافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون تشكل جزءًا غير منفصم عن حق التقاضى، وترتبط بالأغراض النهائية التى يعمل لبلوغها، خاصة وأن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن محض مصالح نظرية، بل غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتبلور حقيقتها نطاق المسائل المتنازع بشأنها.
وحيث إن – من المقرر قانوناً- أن لمحكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة عند نظرها الاستئناف المرفوع إليها عن أمر النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية أن تمحص الوقائع المطروحة أمامها والأدلة المقدمة إليها، وتصدر أمرها بناء على ما تراه من كفاية الأدلة أو عدم كفايتها، فإذا قررت الجهة الاستئنافية إلغاء الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية بناء على سبب موضوعى، كان معنى ذلك كفاية الأدلة قبل المتهم لتقديمه إلى المحاكمة وعلى النيابة العامة اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك.
لما كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الثالثة من المادة (167) من قانون الإجراءات الجنائية المار بيانه، لا يحول بذاته بين غرفة المشورة بمحكمة الجنح المستأنفة وبحث أسباب الاستئناف المرفوع إليها من المدعى بالحقوق المدنية، وما ارتبط بهذه الأسباب من مناع وجهها إلى تحقيقات النيابة العامة، فيكون لغرفة المشورة بتلك المحكمة تمحيص الأدلة التى قدرت النيابة العامة عدم كفايتها لإقامة الدعوى الجنائية، وتحقيق مالم تستوف النيابة العامة تحقيقه، وفحص ما توافر من أدلة أو دلائل أعرضت عنها النيابة العامة فى أسباب أمرها بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وذلك استجلاء لوجه الحق فى الدعوى بعد سبر أغوارها، وإماطة اللثام عما قد يكون قد اكتنف التحقيق الابتدائى من غموض وإبهام، ومن ثم تغدو أوجه النعى التى ساقها المدعى فى شأن دستورية النص المطعون عليه خليقة بالرفض.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن المشرع غير مقيد – فى مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء- باشكال محددة تمثل أنماطاً جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون فى تقديره الموضوعى أكثر اتفاقًا مع طبيعة المنازعة التى يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى، ودون ما إخلال بضماناتها الرئيسية التى تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة فى ذاتها، ومن ثم فإن قصر التقاضى فى بعض الدعاوى على درجة واحدة لا يناقض حق التقاضى. لما كان ذلك، وكان إسباغ النهائية على قرارات غرفة المشورة بمحكمة الجنح المستأنفة، وفق عبارة النص المطعون فيه، يسوغه الطبيعة القضائية لتلك القرارات، على نحو يجيز حظر الطعن عليها، فى نطاق المسائل المتعلقة بالدعوى الجنائية التى فصلت فيها، فضلاً عن أن اللجوء إلى القضاء الجنائى للفصل فى الحقوق المدنية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لا يعدو أن يكون استثناء من أصل اختصاص القضاء المدنى بنظر الدعوى المتعلقة به، ومن ثم كانت الدعوى المدنية المنظورة أمام القضاء الجنائى تابعة للدعوى الجنائية، وكان المدعى بالحقوق المدنية بالخيار بين ولوج أحد الطريقين المدنى أو الجنائى إذا كان كلاهما متاحًا أمامه، فإذا انغلق الطريق الاستثنائى بالنسبة إليه، ظل حقه فى طلب تعويض الأضرار الناشئة عن الجريمة قائمًا أمام القضاء المدنى، بوصفه حقًا أصيلاً لا استثنائيًا، بما مؤداه أن الأصل هو أن يكون الفصل فى الدعوى المدنية بيد هذا القضاء قاضيها الطبيعى، الأمر الذى يكون معه نعى المدعى على نص الفقرة الأخيرة من المادة (167) بمصادرة حق التقاضى لا أساس له.
وحيث إن النصوص المطعون فيها، لا تخالف من أوجه أخرى، أى حكم من أحكام دستور سنة 2012.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً:- بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمادة (169) وصدر الفقرة الأولى من المادة (210) من قانون الإجراءات الجنائية.
ثانياً:- برفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على نصوص الفقرات الأولى والثالثة والأخيرة من المادة (167) من قانون الإجراءات الجنائية، قبل تعديلها بالقانونين رقمى 145 لسنة 2006 و 153 لسنة 2007.
ثالثاً:- بمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق