الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

الطعنان 537 لسنة 65 , 290 لسنة 67 ق جلسة 7/ 4/ 2003 مكتب فني 54 أحوال شخصية ق 105 ص 609

جلسة 7 من إبريل سنة 2003
برئاسة السيد المستشار / عبد الناصر السباعي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / حسن حسن منصور ، ناجي عبد اللطيف نائبي رئيس المحكمة صالح محمد العيسوي ومحمد عبد الراضي عياد . 
 -----------------------
(105)
الطعنان 537 لسنة 65 , 290 لسنة 67 ق "أحوال شخصية"
(1) حكم . الطعن في الحكم " الأحكام الجائز الطعن فيها " .
الأحكام الصادرة أثناء سير الخصومة . عدم جواز الطعن عليها استقلالا قبل الحكم الختامي لها . الاستثناء . الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى أو في شق منها يكون قابل للتنفيذ الجبري أو الصادر بعدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة . م 212 مرافعات المعدلة بق 23 لسنة 1992 . علة ذلك .
(2) وقف . مسجد " شروط المسجدية " . ملكية .
ثبوت المسجدية للمكان . شرطه ـ على أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة ـ خلوصه لله تعالى وانقطاع حق الصبر عنه . وجود مسكن أو مستغل فوقه أو تحته . عدم خروجه من ملك صاحبه ولو جعل بابه إلى الطريق العام وعزله عن مسكنه .
(3) أحوال شخصية .محكمة الموضوع (سلطتها في فهم الواقع وتقدير الأدلة) .
لمحكمة الموضوع السلطة التامة في بحث المستندات وتفسيرها واستخلاص ما تراه متفقاً مع الواقع توصلاً لمعرفة القصد منها والأخذ بما تقتنع به وتطمئن إليه . شرطه . استخلاص الحكم أن ما تضمنته الورقة الصادرة من المورث وصية . استخلاص سائغ كفايته لحمل قضائه .
 (4) حكم " حجية الحكم " " العدول عن الحكم "
الأحكام القطعية موضوعية كانت أو فرعية ولو كانت باطلة أو مبنية على إجراء باطل . عدم جواز العدول عنها من ذات المحكمة التي أصدرتها . علة ذلك .
---------------------
1 – النص في المادة 212 من قانون المرافعات والمعدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992م مفاده ـ وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن المشرع وضع قاعدة عامة تقضى بعدم جواز الطعن على استقلال في الأحكام الصادرة أثناء الخصومة قبل الحكم الختامي المنهى لها وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى أو التي تصدر في شق فيها وتكون قابلة للتنفيذ الجبري والصادرة بعدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة ولما كانت الخصومة التي ينظر إلى انتهائها إعمالاً لنص المادة المشار إليها هي الخصومة الأصلية برمتها وليس الحكم الذى يصدر في شق منها أو في مسألة عارضة عليها أو متصلة بالإثبات فيها .
 2 - المقرر ـ في قضاء محكمة النقض ـ أنه متى كان مقطع النزاع في الدعوى الماثلة هو ما إذا كان تخصيص جزء من عقار مملوك ملكية خاصة للعبادة يخرجه من دائرة التعامل أم لا وحيث أن الفقه تضارب في شأن المسجد وشروطه ليكون لازماً لا يجوز التعامل فيه وقد جرت الأغلبية على أنه يشترط ليكون المسجد خالصاً لله تعالى وبالتالي لازماً لزوماً يخرجه عن دائرة التعامل ألا يتعلق بالأرض أو بالبناء الذى سيقام عليها حق للأفراد غير قابل للتجزئة ، فإذا كان فوقه أو تحته مسكن أو مبنى مستقل فإنه لا يخرج عن ملك صاحبه فله أن يبيعه وإذا مات يورث عنه ولو كان قد جعل بابه إلى الطريق العام وعزله عن مسكنه وذلك لأن من شروط المسجد ألا يكون لأحد فيه حق المنع وللمالك فى هذه الحالة حق المنع فلا يكون مسجداً ويكون إعداده للصلاة رغم تبعيته للعقار قائماً على التسامح من جانب المالك فلا يكون لازماً وبالتالي يكون التعامل في العقار بأكمله بما فيه الجزء المخصص للصلاة جائزاً ومشروعاً وهو ما يتفق ويساير أرجح الأقوال فى مذهب أبى حنيفة التي اشترطت في المسجد خلوصه لله تعالى وانقطاع حق العبد عنه فإن كان علواً تحته سفل مملوك أو كان سفلاً فوقه علو مملوك فلا يصير مسجداً لأنه لم يخلص لله تعالى لتعلق حقوق العباد به بغير الصلاة فيه لأن في وجود مسكن أو مستغل فوقه أو تحته ما ينافى تعظيمه وعلى هذا لا يخرج من ملك صاحبه ولو جعل بابه إلى الطريق العام وعزله عن مسكنه فله أن يبيعه وإذا مات يورث عنه . لما كان ذلك , وكان البين من الاطلاع على الورقة الصادرة من مورث الطاعن والمطعون ضدهم بشأن العقار موضوع النزاع أنها معنونة بأنها " وصية شرعية " وصيغت عباراتها على الوجه الآتي " أوصى أن ... بعدم بيع قطعة الأرض ملكي ... الملاصقة للعقار ملكي ... كما أوصى بإقامة مسجد لله تعالى على قطعة الأرض المذكورة في الطابق الأول فقط ... ويقام فوق المسجد شقق لمن يريد من أولادي أو أحفادي على نفقته الخاصة " .
3 – المقرر ـ في قضاء محكمة النقض ـ أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في بحث المستندات المقدمة لها وتفسيرها واستخلاص ما تراه منها متفقاً مع الواقع توصلاً لمعرفة القصد منها والأخذ بما تقتنع به منها وتطمئن إليه متى كان استخلاصها سائغاً لا يخالف الثابت بها ولا يخرج عما تحتمله عباراتها وكان الحكم المطعون فيه ـ في حدود سلطته التقديرية ـ قد خلص سائغاً مما صيغت به عبارات الورقة الصادرة من المورث عن الأرض موضوع النزاع أن إرادة المورث اتجهت فيها إلى اعتبار ما تضمنته وصية وكان هذا الاستخلاص سائغاً لا خروج فيه عن العبارات الظاهرة لما تضمنته هذه الورقة ويكفى لحمل قضائه .
4 – المقرر ـ في قضاء محكمة النقض ـ أنه بصدور الحكم يمتنع على المحكمة التي أصدرته العدول عما قضت به ويعمل بهذه القاعدة بالنسبة لسائر الأحكام القطعية موضوعية كانت أو فرعية أنهت الخصومة أو لم تنهها وحتى يخرج النزاع من ولاية المحكمة يتعين أن تكون قد فصلت فيه صراحة أو ضمنا ويستوي أن يكون حكمها صحيحا أو باطلاً أو مبنيا على إجراء باطل ذلك لأن القاضي نفسه لا يسلط على قضائه ولا يملك تعديله أو إلغائه إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة وكان الحكم المطعون فيه قد تناول ما ورد بوجه النعي المشار إليه بما أوراه بمدوناته من أن " المحكمة بحكمها السابق الصادر في ربيع أول سنة 1416هـ قد انتهى لقضاء قطعي إلى اعتبار التصرف الصادر من مورث الطرفين وصية تنفذ في حدود الثلث وأن هذا التصرف هو إقامة مسجد لله تعالى على سفل قطعة الأرض الفضاء فقط وأن العلو يكون تركة مورثة ومن ثم فلا يجوز طرح هذه المسألة مرة ثانية أمام هذه المحكمة لاستنفاد ولايتها فيها " فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس .
-----------------------
المحكمة
       بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة ، وبعد المداولة .
       وحيث إن الوقائع ـ على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـ تتحصل في أن المطعون ضدهما الرابعة والخامسة في الطعنين أقامتا الدعوى رقم ...  على الطاعن وباقي المطعون ضدهم ـ في الطعنين ـ للحكم لهما بصفة مستعجلة بفرض الحراسة على العقار رقم ... لحين انتهاء حالة الشيوع , وفي الموضوع بفرز وتجنيب حصتيهما في كامل ذلك العقار والأرض الفضاء الملحقة به أو بيعه بالمزاد العلني ـ إذ تعذرت القسمة ـ وإعطائهما نصيبيهما نقداً , وقالتا بيانا لدعواهما إنهما وباقي المطعون ضدهم والطاعن يمتلكون العقار المبين بعاليه والأرض الفضاء الملحقة به أرثا عن والدهم المرحوم / ... ، وقد استأثر باقي الورثة ـ دونهما ـ منذ تاريخ الوفاة في ... بإيراد ذلك العقار دون إعطائهما نصيبيهما أو تقديم كشفاً سنوياً بحساباته أو اقتسامه فيما بينهم , فأقامتا الدعوى , وحال تداولها قدم الطاعن وباقي المطعون ضدهم حافظة مستندات طويت على وصية من مورثهم بعدم بيع قطعة الأرض الملاصقة للعقار المذكور وبإقامة مسجد عليها ويعلوها إقامة شقق لمن يريد من أولاده وأحفاده على نفقته الخاصة , حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعياً بفرض الحراسة القضائية بصفة مستعجلة ووقف دعوى القسمة لحين الفصل نهائياً فى المنازعة بشأن وصية المورث للأرض الملحقة بعقار التداعى , وإحالة الدعوى بشأنها لمحكمة شمال القاهرة الابتدائية وتم قيدها أمامها برقم ... ، وبتاريخ ... , حكمت بوقف قطعة الأرض الفضاء وقفاً مؤبداً لبناء مسجد عليها , استأنف المطعون ضدهم في الطعنين هذا الحكم بالاستئناف رقم ... بطلب الحكم لهم بإلغاء الحكم المستأنف , وبطلان الوصية المحررة بمعرفة مورثهم وعدم نفاذها .
وبتاريخ ... قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف واعتبار التصرف الصادر عن مورث طرفي النزاع بشأن أرض التداعي وصية ، وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير لتقدير قيمة إجمالي تركة المرحوم / ... ، وتحديد قيمة السفل في الأرض الفضاء بالنسبة لمجموع التركة , طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 537 لسنة 65 ق . وبتاريخ ... عادت محكمة الاستئناف ـ بعد أن أودع الخبير المنتدب تقريره أمامها ـ وقضت بصحة الوصية الصادرة من المورث / ... بتاريخ ... , بجعل سفل قطعة الأرض الفضاء مسجداً لله تعالى ونفاذها على أن يكون علو المسجد بعد ذلك ملكاً للورثة , طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 290 لسنة 67ق , وقدمت النيابة مذكرة في الطعنين ، أبدت فيها دفعاً بعدم جواز الطعن رقم 537 لسنة 65 ق ـ كما أبدى المطعون ضدهم الأول والثاني والرابع في هذا الطعن ذات الدفع ـ ، وفى الطعن رقم 290 لسنة 67 ق برفضه , عرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرهما وفيها أمرت بضمهما ليصدر فيهما حكم واحد.
التزمت النيابة الرأي .

أولا : بالنسبة للطعن رقم 537 لسنة 65 ق : ـ

       حيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة والمطعون ضدهم الأول والثاني والرابع بعدم جواز الطعن بالنقض أن الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ ... صدر أثناء سير الخصومة قبل الحكم الختامي المنهي لها .
       وحيث إن هذا الدفع في محله . ذلك أنه لما كانت المادة 212 من قانون المرافعات والمعدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992م تنص على أنه " لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهى بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهى للخصومة كلها وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والأحكام القابلة للتنفيذ الجبري والأحكام الصادرة بعدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة ……. " فإن مفاد ذلك ـ وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن المشرع وضع قاعدة عامة تقضى بعدم جواز الطعن على استقلال فى الأحكام الصادرة أثناء الخصومة قبل الحكم الختامي المنهى لها ، وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى أو التي تصدر في شق فيها وتكون قابلة للتنفيذ الجبري والصادرة بعدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة , ولما كانت الخصومة التي ينظر إلى انتهائها إعمالا لنص المادة المشار إليها هي الخصومة الأصلية برمتها وليس الحكم الذى يصدر في شق منها أو في مسألة عارضة عليها أو متصلة بالإثبات فيها . لما كان ذلك , وكان الحكم المطعون فيه والصادر بتاريخ ... لم تنته به الخصومة الأصلية كلها والتي تعلق النزاع فيها المردد بين أطرافها في شق منه بصحة ونفاذ التصرف الصادر عن مورثهم بشأن قطعة الأرض الفضاء محل التداعي باعتباره وصية والذى لا يزال مطروحاً أمام محكمة الاستئناف بعد صدور الحكم سابق الإشارة إليه والذي لا يقبل ـ بطبيعته ـ التنفيذ الجبري ولا يندرج ضمن باقي الأحكام التي استثنتها المادة 212 آنفة التبيان ـ على سبيل الحصر ـ وأجازت الطعن فيها استقلالا , ومن ثم فإن الطعن بالنقض على الحكم الصادر بتاريخ ... يكون غير جائز .

ثانيا :ـ بالنسبة للطعن رقم 290 لسنة 67 ق : ـ

       حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
   وحيث إن الطعن أقيم على أسباب ثلاثة ينعى الطاعن بالأول والثالث منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون , والخطأ في تطبيقه , والفساد في الاستدلال , وفي بيان ذلك يقول : إن الحكم المطعون فيه انتهى في قضائه باعتبار تصرف المورث في العقار موضوع النزاع وصية وليس وقفاً ودلل على ذلك بما أورده بمدوناته من أن الشريعة الإسلامية وكذا القانون الوضعي يعرف كل منهما ملكية الطبقات أي العلو والسفل ، وهو تدليل من الحكم لا يتسق والترجيح المنصوص عليه بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بشأن ما نصت عليه من صدور الأحكام طبقا للمدون فيها ولأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة ، ولما كان قانوني الوقف والوصية لم يتعرض أي منهما لشروط المسجدية ، وكان يشترط في المسجد ـ وفقا للراجح بمذهب أبي حنيفة ـ خلوصه لله تعالى وانقطاع حق العبد عنه ، فإن كان علواً تحته سفل أو كان سفلاً فوقه علو مملوك فلا يصير مسجداً ، وكانت المادة السادسة من قانون الوقف قد نصت على أنه " إذا اقترن الوقف بشرط غير صحيح ، صح الوقف وبطل الشرط " وهو الأمر الذي يضحى معه شرط المورث ببناء علو على العقار موضوع النزاع شرطاً باطلاً فاسداً لا يعتد به , وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
       وحيث إن هذا النعي غير سديد , ذلك أن المقرر ـ في قضاء هذه المحكمة ـ أنه متى كان مقطع النزاع في الدعوى الماثلة هو ما إذا كان تخصيص جزء من عقار مملوك ملكية خاصة للعبادة يخرجه من دائرة التعامل أم لا , وحيث أن الفقه تضارب في شأن المسجد وشروطه ليكون لازماً لا يجوز التعامل فيه ، وقد جرت الأغلبية على أنه يشترط ليكون المسجد خالصاً لله تعالى وبالتالي لازماً لزوماً يخرجه عن دائرة التعامل ألا يتعلق بالأرض أو بالبناء الذى سيقام عليها حق للأفراد غير قابل للتجزئة، فإذا كان فوقه أو تحته مسكن أو مبنى مستقل فإنه لا يخرج عن ملك صاحبه فله أن يبيعه وإذا مات يورث عنه ولو كان قد جعل بابه إلى الطريق العام وعزله عن مسكنه ، وذلك لأن من شروط المسجد ألا يكون لأحد فيه حق المنع ، وللمالك في هذه الحالة حق المنع فلا يكون مسجداً ويكون إعداده للصلاة رغم تبعيته للعقار قائماً على التسامح من جانب المالك فلا يكون لازماً وبالتالي يكون التعامل في العقار بأكمله بما فيه الجزء المخصص للصلاة جائزاً ومشروعاً ، وهو ما يتفق ويساير أرجح الأقوال في مذهب أبى حنيفة التي اشترطت في المسجد خلوصه لله تعالى وانقطاع حق العبد عنه ، فإن كان علواً تحته سفل مملوك أو كان سفلاً فوقه علو مملوك فلا يصير مسجداً لأنه لم يخلص لله تعالى لتعلق حقوق العباد به بغير الصلاة فيه لأن في وجود مسكن أو مستغل فوقه أو تحته ما ينافى تعظيمه ، وعلى هذا لا يخرج من ملك صاحبه ولو جعل بابه إلى الطريق العام عزله عن مسكنه , فله أن يبيعه وإذا مات يورث عنه . لما كان ذلك , وكان البين من الاطلاع على الورقة الصادرة من مورث الطاعن والمطعون ضدهم بشأن العقار موضوع النزاع أنها معنونة بأنها " وصية شرعية " وصيغت عباراتها على الوجه الآتى " أوصى أنا ... بعدم بيع قطعة الأرض ملكى ... الملاصقة للعقار ملكى ... كما أوصى بإقامة مسجد لله تعالى على قطعة الأرض المذكورة فى الطابق الأول فقط ... ويقام فوق المسجد شقق لمن يريد من أولادى أو أحفادى على نفقته الخاصة " , وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى بحث المستندات المقدمة لها وتفسيرها واستخلاص ما تراه منها متفقاً مع الواقع توصلاً لمعرفة القصد منها والأخذ بما تقتنع به منها وتطمئن إليه متى كان استخلاصها سائغاً لا يخالف الثابت بها ولا يخرج عما تحتمله عباراتها ،  وكان الحكم المطعون فيه ـ فى حدود سلطته التقديرية ـ قد خلص سائغاً مما صيغت به عبارات الورقة الصادرة من المورث عن الأرض موضوع النزاع أن إرادة المورث اتجهت فيها إلى اعتبار ما تضمنته وصية ، وكان هذا الاستخلاص سائغاً لا خروج فيه عن العبارات الظاهرة لما تضمنته هذه الورقة ويكفى لحمل قضائه , ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقديرية بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ويضحى على غير أساس .
  وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب , وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه أورد بأسبابه أن " الطاعن قدم مذكرة بجلسة ... جاء بها أن حكم المحكمة الصادر فى ... طعن عليه بالنقض بأسباب نعى فيها على الحكم التمهيدى الصادر بندب خبير واعتراضه على ما انتهى إليه فى تقريره بشأن عدم تقديره للأموال المنقولة والنقود المخلفة عن المورث . إلخ " وإذ أغفل الحكم تناول هذه الاعتراضات والرد على تلك الأسباب على سند من أن هذا الحكم التمهيدى صار نهائياً وأن المحكمة استنفدت ولايتها بشأنه , فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه .
       وحيث إن هذا النعي غير سديد , ذلك أن المقرر ـ في قضاء هذه المحكمة ـ أنه بصدور الحكم يمتنع على المحكمة التي أصدرته العدول عما قضت به ويعمل بهذه القاعدة بالنسبة لسائر الأحكام القطعية موضوعية كانت أو فرعية أنهت الخصومة أو لم تنهها وحتى يخرج النزاع من ولاية المحكمة يتعين أن تكون قد فصلت فيه صراحة أو ضمناً ويستوى أن يكون حكمها صحيحاً أو باطلاً أو مبنياً على إجراء باطل , ذلك لأن القاضي نفسه لا يسلط على قضائه ولا يملك تعديله أو إلغائه إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة , وكان الحكم المطعون فيه قد تناول ما ورد بوجه النعي المشار إليه بما أوراه بمدوناته من أن " المحكمة بحكمها السابق الصادر في ... قد انتهى لقضاء قطعي إلى اعتبار التصرف الصادر من مورث الطرفين وصية تنفذ في حدود الثلث ، وأن هذا التصرف هو إقامة مسجد لله تعالى على سفل قطعة الأرض الفضاء فقط ، وأن العلو يكون تركه مورثه ، ومن ثم فلا يجوز طرح هذه المسألة مرة ثانية أمام هذه المحكمة لاستنفاد ولايتها فيها " فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس ولما تقدم يتعين رفض الطعن .
-----------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق