جلسة 8 من مارس سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: محمد عطية إسماعيل، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان، ورشاد القدسي المستشارين.
---------------
(45)
الطعن رقم 1569 سنة 29 القضائية
رشوة.
عناصر الواقعة الإجرامية. مظاهر الاتجار بالوظيفة أو استغلالها: من بينها الإخلال بواجبات الوظيفة.
مظاهر النية الإجرامية: نية استغلال الوظيفة للحصول على فائدة غير مشروعة من ورائها سواءً أكان طلب المرتشي المبلغ لنفسه، أم استرد المبلغ لآخر مقابل ما دفعه أجراً لفعل غير مشروع.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته موظفاً عمومياً "ضابط بمكتب حماية الآداب بالجيزة" طلب لنفسه وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته والامتناع عن أداء عمل من أعمالها، وذلك بأن طلب من محمد عبد البديع العناني عشرة جنيهات وحصل على أربعة جنيهات منها على سبيل الرشوة لحفظ شكاوى مقدمة ضده وعدم ضبطه متلبساً بإدارة منزل للدعارة السرية. وطلبت نيابة أمن الدولة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 103 و104 و110 و111 من قانون العقوبات المعدل بالقانون 69 لسنة 1953، ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنين وغرامة ألفي جنيه.
فطعن المتهم في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو القصور والإخلال بحق الدفاع فيما يتعلق بركن القصد الجنائي في جريمة الرشوة المقصود بالمادة 103 من قانون العقوبات، وهو انتواء الموظف الاتجار بوظيفته في مقابل ما يطلبه أو ما قدم إليه، وعلى المحكمة أن تستظهر هذا القصد وتعني ببيانه في حكمها، وخصوصاً إذا تمسك الدفاع بانعدامه - والطاعن زعم أنه ذهب إلى محمد عبد البديع العناني يطلب استرداد مبلغ ثماني جنيهات كان قد تقاضاها من قريبه محمد عبد اللطيف أجراً لأفعال غير مشروعة، ولم يدفعه إلى ذلك قصد الاتجار بوظيفته، لأنه لم يجعل من الإخلال بها باعثاً لهذا الطلب، وقد انتهز محمد عبد البديع العناني هذا الطلب وادعى أن الطاعن طلب منه مبلغاً كسلفة مقابل تمزيق شكاوى ضده حولتها إليه النيابة، والمحكمة عندما تعرضت لدفاع الطاعن لم تتحدث عن القصد الجنائي لديه، ثم عادت وافترضت صحة دفاعه ورأت أن الواقعة كما صورها هي جريمة الرشوة، وليس ما يدعو المطلوب منه الدفع إجابة الطلب إلا مقابل أن يأمن شر سطوة الطاعن التي تضفيها عليه وظيفته، وهو المقابل الذي تتحقق به أركان الجريمة، وما ذهبت إليه المحكمة لا يستقيم قانوناً، فثبوت واقعة استرداد المبلغ ما هو إلا ثبوت للفعل المادي في جريمة الرشوة، وذهاب المحكمة إلى أن الطاعن مدرك ما لهذا الطلب من صلة بواجبات وظيفته وفيه معنى الاتجار بها لا يكفي لقيام القصد الجنائي في جريمة الرشوة إذ يجب أن يقوم الدليل على أن إرادة الطاعن كانت منصرفة إلى الاتجار بالوظيفة. أما الباعث الذي يدعو الطرف الآخر لإجابة الطلب فإنه يتعلق به وحده، والعبرة هي بالباعث الذي يدفع الموظف لا بالباعث الذي قام في ذهن الراشي.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر فيه أركان الجريمة التي دان بها الطاعن ودلل على ثبوتها قبله بأقوال شهود الإثبات التي فصلها الحكم واعترافه في تحقيق النيابة وتحدث عن ركن القصد للجريمة بقوله: "وحيث إن الثابت من أقوال الشاهد أحمد علي الشربيني أن محمد عبد البديع أخبره بمجرد نزول المتهم من المكتب إنه يدعي أنه ضابط مكتب آداب الجيزة وأنه أخبره أنه عنده شكاوى ضده بأنه يعمل حفلات ويزعج السكان وأنه ممكن حفظها له، ثم طلب منه عشرة جنيهات لأنه معذور - وإخباره بهذه الواقعة في أعقاب نزول المتهم مباشرة لا يدع مجالاً للشك في مطابقتها للواقع، إذ لم يكن عبد البديع على علم بأن المتهم سيزوره في مكتبه حتى يدبر له هذه الرواية، إذ لم يكن الوقت ليتسع للتحوير فيها، ولم يكن هناك ما يدعو إلى التحوير فيها وهي تلقي مجرد إلقاء لأحمد علي الشربيني وهو مجرد شريك في المكتب، وأنه بفرض التسليم بصحة ما ذهب إليه المتهم في دفاعه فإن الثابت من أقوال محمد رشاد عبد اللطيف أنه تردد فعلاً على منزل محمد عبد البديع مرتين، وقدم له في كل مرة امرأة استمتع بها وبالشراب الذي قدم له وأنه دفع في مقابل ذلك 4 جنيه في كل مرة، فلا نزاع في أن طلب المتهم استرداد هذا المبلغ فيه منفعة لقريبه، كما أن طلب المتهم استرداد هذا المبلغ قد تم من جانبه وهو مدرك أن لهذا الطلب صلة بواجبات وظيفته وفيه معنى الاتجار بها إذ ليس ما يدعو الطرف الآخر المطلوب منه الدفع أن يجيب هذا الطلب مرغماً إلا مقابل عرض يأمن به شر سطوة المتهم التي تسبغها عليه وظيفته، وهذا هو المقابل الذي تتحقق به جريمة الرشوة", ولما كان ما قاله الحكم من ذلك صحيحاً في القانون، ذلك بأن المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 والتي طبقتها المحكمة عددت صور الرشوة ومنها الإخلال بواجبات الوظيفة واعتبرته نظير الامتناع عن عمل من أعمالها، فالموظف الذي يخل بواجبات وظيفته مسئول جنائياً حتى ولو لم توجد لديه نية الاتجار بها، لأنه يكفي مجرد نية استغلال الوظيفة للحصول على فائدة غير مشروعة من ورائها، وقد قصد الشارع من ذلك أن يحظر على الموظفين العموميين الحصول على أية فائدة غير مشروعة من وراء الوظيفة، وكان ما قام به الطاعن من توجهه إلى مكتب محمد عبد البديع عناني - الشخص الذي كلف بإجراء التحريات عن المنزل الذي يديره للدعارة السرية - ثم كشفه له عن شخصيته وإفهامه بأن لديه شكاوى ضده محالة إليه من النيابة ويمكنه حفظها، وطلبه منه مبلغ عشرة جنيهات، مما يعد إخلالاً بواجبات وظيفته ويقع تحت حكم المادة 104 السالف الإشارة إليها سواءً كان طلبه المبلغ له أو في سبيل استرداده لقريبه نظير ما دفعه، ويكون الحكم قد دلل على توافر القصد الجنائي في جريمة الرشوة لدى الطاعن تدليلاً كافياً، ويكون ما يثيره الطاعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق