جلسة 7 من يوليه سنة 1953
المؤلفة من السيد رئيس المحكمة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيسا؛ والسادة المستشارين: إبراهيم خليل, وإسماعيل مجدي, وحسن داود, ومحمود إبراهيم إسماعيل أعضاء.
-----------------
(375)
القضية رقم 4 سنة 23 القضائية
عفو شامل.
الجريمة السياسية في نظر القانون رقم 241 لسنة 1952. محكوم عليه بإتلاف محل خمور. تقرير الحكم الصادر ضده في أسبابه أن هذه الجريمة كانت مظهر سخط لما وقع من قوات الاحتلال في منطقة القنال في اليوم السابق على ارتكابها. الاعتماد على ذلك في قبول إدراج اسم هذا المحكوم عليه بكشف من يشملهم العفو. في محله.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه أولا: أتلف مع مجهولين بالقوة الإجبارية ضمن جماعة محتويات مخزن الخمور المملوك للمجني عليه (باسيلي كمباروس) والكائن بشارع شبرا رقم 53 بأن حطموا مع هؤلاء المجهولين بابه بآلات حديدية كانت معهم واقتحموا وأتلفوا أدواته وأمتعته. وثانيا - اشترك مع آخرين مجهولين في تجمهر فيه أكثر من خمسة أشخاص وكان الغرض من هذا التجمهر ارتكاب الجرائم مع العلم بهذا, ولذا استعمل المتجمهرون القوة والعنف وكان بعضهم يحمل أسلحة وآلات من شأنها إحداث الموت إذا استعملت بصفة أسلحة بأن ساروا مع جموع المتجمهرين وعبروا شطر السينما والمعمل حاملين قطع الحديد والعصى والأسلحة النارية واقتحموها عنوة... بكسر أبوابها وارتكبوا فيها جرائم الحريق العمد والنهب والإتلاف تنفيذا للغرض من هذا التجمهر. وطلبت عقابه بالمادة 366 من قانون العقوبات. والمحكمة العسكرية العليا قضت فيها حضوريا عملا بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين. فقدّم المتهم تظلما إلى النائب العام, فأحاله إلى محكمة جنايات القاهرة التي قضت فيه حضوريا بقبول التظلم شكلا وفي الموضوع بإدراج اسم المتظلم أحمد إبراهيم محمود بكشف من شملهم العفو طبقا للمرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
وحيث إن النيابة تبني طعنها على أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول تظلم المطعون ضده وإدراج اسمه بكشف من شملهم العفو طبقا للمرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 قد شابه الخطأ في الإسناد, ذلك لأنه استند في قضائه إلى ما جاء بأسباب الحكم الصادر بإدانة المتظلم ضده من المحكمة العسكرية العليا من أن السبب الذي من أجله وقعت حوادث 26 يناير سنة 1952 موضوع الاتهام الأصلي هو سبب سياسي لأن شعور الشعب قد أثير فتجمع في هذا اليوم بسبب الحوادث التي وقعت بمنطقة الإسماعيلية في اليوم السابق وترتب على ذلك أعمال النهب والتخريب بمدينة القاهرة في المحلات والمنشآت التي من بينها مخزن الخمور موضوع الواقعة التي أدين فيها المتظلم ضده ولكن بمراجعة الحكم المشار إليه يبين أن المحكمة قد أوضحت بجلاء أن حوادث 26 يناير سنة 1952 لم تقع ردا على أعمال الإنجليز بالقنال في اليوم السابق بل كانت مدبرة وانتهز مرتكبوها الفرصة السانحة لتنفيذ مآربهم في التخريب والإتلاف الأمر الذي يقطع بانعدام الصلة بين تلك الحوادث والسياسة - وإذا كان بعض الناس قد تجمهروا في ذلك اليوم لغرض سياسي فليس ثمة ما يحول دون تعديل نيتهم وتحول غرضهم إلى الإجرام ولا يبعد أن يندس بينهم قوم مجرمون انتهزوا ذلك الظرف فأعملوا التخريب والإتلاف, والمعروف أن الجرائم السياسية لا يتفرع عنها إلا ضرر سياسي دون أن يلحق الأذى بالأشخاص أو الممتلكات والمقصود بالجريمة السياسية هي الجريمة التي تضر فقط بالنظام السياسي إذ كان المقصود منها مهاجمة المجتمع ليس بصفته مالكا لأموال أو حقوق بل ضد المجتمع معتبرا كدولة, ومن هذا يتضح أن الحكم مشوب بخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون وفي تفهم عبارات الحكم الصادر من المحكمة العسكرية العليا إذا أسند إليه معنى هو عكس المعنى الذي ذهبت إليه المحكمة الأخيرة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه بقبول التظلم وإدراج اسم المطعون ضده بكشف من شملهم العفو طبقا للمرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952, على تأييد ما ذهبت إليه محكمة الجنايات العسكرية العليا في حكمها الصادر بتاريخ 12 من مارس سنة 1952 من أن سبب الحادث الذي وقع من المتظلم إنما كان رد فعل لما ارتكبه قوات الاحتلال في منطقة القنال في اليوم السابق مباشرة على يوم 26 يناير سنة 1952 من اعتداءات استشهد من جرائها الكثيرون من جنود الأمن المصريين الذين كانوا يقومون بالدفاع عن النفس عن أرض الوطن الأمر الذي أثار سخط المصريين جميعا. كما دفع بعض الجماهير الثائرة أن تظهر غضبها بأعمال التجمهر والإتلاف في اليوم التالي مباشرة, وأنه لا شك في أن الذي أثار مثل هذه الحوادث كلها, الباعث الحقيقي على ارتكابها هو سبب سياسي وفي الوقت نفسه, فإنه لم يثبت أن المتظلم كان يرضي شهوة في نفسه أو يرمي من عمله إلى مغنم شخصي بل كان يرمي فقط إلى التجمهر والإتلاف كمظهر من مظاهر الاستياء السياسي.
وحيث إن ما تستند إليه النيابة من أن حكم المحكمة العسكرية الذي قضى بإدانة المتظلم ضده أوضح أن حوادث يوم 26 يناير سنة 1952 لم تقع ردا على اعتداءات قوات الاحتلال في منطقة القنال في اليوم السابق على السكان ورجال الأمن العام وإنما كانت تلك الاعتداءات فرصة انتهزها مديروها لتنفيذ مآربهم في التخريب والإتلاف فأثاروا شعور الشعب الذي تجمع لإظهار سخطه. ما تستند إليه النيابة من ذلك لا محل له في هذا الطعن, لأن هذا الذي قاله الحكم إنما ينصرف إلى مدبري الحوادث لا إلى المطعون ضده الذي لم توجه إليه تهمة عن تدبيرها والواضح من الحكم أن المطعون ضده كان من بين الجماهير التي تأثرت بتلك الحوادث وسواء أكان هذا التأثر ذاتيا أم بتأثير تحريض المدبرين فإنه ليس في الحكم ولا فيما ساقته النيابة في طعنها ما يدل على أن المطعون ضده كان مدفوعا في فعله بسبب أو غرض غير إظهار السخط والاستياء أي أنه لم يكن سوى مجرد تعبير مادي عن ثورة نفسية ناشئة عن تلك الحوادث. لما كان ذلك وكان القانون رقم 241 لسنة 1952 الصادر بالعفو عن الجرائم السياسية قد عرف الجريمة السياسية بأنها التي قد تكون ارتكبت لسبب أو غرض سياسي وأوضحت مذكرته التفسيرية علة التشريع بقولها إن هذا النوع من الجرائم - الإجرام فيه نسبي لم تدفع إليه أنانية ولم يحركه غرض شخصي. لما كان ذلك, فإن الحكم المطعون فيه يكون على صواب فيما قضى به من قبول التظلم.
أما ما تقوله النيابة من أنه يصح أن يكون بعض الناس قد تجمهروا لغرض سياسي وأن تكون نيتهم قد تحولت إلى الإجرام, فأعملوا التخريب والإتلاف - ما تقوله النيابة من ذلك وإن جاز حصوله إلا أنه لا دليل على قيامه في حالة المطعون ضده, ولذا فلا حجية له بالنسبة إليه.
أما ما تقوله من أن الجريمة السياسية لا يتفرع عنها ضرر بالأشخاص وممتلكاتهم ولا تقع إلا على المجتمع فهو تخصيص بغير مخصص لأن القانون قد أبان عن مقصد واضعه من الجريمة السياسية التي أراد شمولها بالعفو فقال إنها التي ارتكبت لسبب أو غرض سياسي مما لا محل معه للاجتهاد في مجال يتسع فيه الجدل وتتشعب الآراء.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق