جلسة 7 من يوليه سنة 1953
المؤلفة من السيد رئيس المحكمة أحمد محمد حسن رئيسا, والسادة المستشارين: إسماعيل مجدي, وحسن داود, ومحمود إبراهيم إسماعيل, وأنيس غالي أعضاء.
---------------
(381)
القضية رقم 21 سنة 23 القضائية
عفو شامل.
جريمة سياسية وقعت بالتبع للجريمة الأصلية غير السياسية. لا تنطبق عليها الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون العفو الشامل رقم 241 لسنة 1952.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأن محمد عبد الغني النشرتي اشترك مع آخرين في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر, وكان الغرض منه التأثير على السلطات في أعمالها وحرمان الغير من حرية العمل بأن احتشدوا وهم مئات في مبنى قصر العيني هاتفين هتافات تحدد الغرض من احتشادهم وقد ارتكبوا الجرائم الآتي بيانها وهم عالمون بالغرض من هذا التجمهر: (1) امتنعوا عن تأدية واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك ومبتغين تحقيق غرض مشترك (2) خربوا عمدا وبقصد الإساءة بعضا من مبنى ونوافذ وأبواب مستشفى قصر العيني (3) اقتلعوا بعض الأشجار المغروسة في حديقة المستشفى (4) أحرقوا عمدا بعضا من دفاتر وسجلات وأوراق المستشفى (5) تعدوا على رجال البوليس (6) سبوا رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي. والأول مصطفى محمد أغا اشترك بطريق التحريض مع باقي المتهمين في جريمة امتناعهم عن تأدية واجبات وظيفتهم بأن خطب فيهم حاثا إياهم على جمع كلمتهم وكان من المدبرين والداعين لهذا التجمهر, واشترك في الجرائم المشار إليها في 1, 2, 3, 4, 5 إذ وقعت هذه الجرائم نتيجة لتدبيره, وقضى بمعاقبة المتهم الأول بالحبس سنة مع الشغل والثاني ستة أشهر مع الشغل, فقدم كل من المتهمين تظلما إلى النائب العام لعدم إدراج اسميهما في كشف العفو الشامل فأحالهما إلى محكمة جنايات القاهرة التي قضت فيهما حضوريا بقبول التظلمين شكلا وفي الموضوع برفضهما. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن الأول يقول إن الحكم المطعون فيه رفض تظلمه بحجة أنه إضراب اقتصادي وفاته المطلب الآخر الذي قالت عنه النيابة إنه يتنافى مع النظام الأساسي للدولة, ونسيت شقا من الاتهام وهو المطالبة بسقوط حكومة النقراشي باشا وأغفلت المحكمة الحقيقة الكامنة في جوهر هذه الإجراءات من الطوائف المختلفة بعد أن لمست التحالف بين الحاكمين في مصر والاستعماريين من الأنجلو أمريكان, وهو ما حدا بالمناضلين المصريين
أن يضعوا الأهداف السياسية في غلاف اقتصادي بقصد زعزعة مركز الحكومة وأن المحكمة نسيت الرد على الظروف التي لجأت إليها الدوائر الحاكمة في البلاد العربية عندما أعدت العدة لمهزلة فلسطين لتستطيع استغلالها في الكبت الذي فرضته على شعوب هذه البلاد والضرب على أيدي الأحرار المناضلين والزج بهم في السجون لإرسال الفزع في قلوب الشعب, ولم تحقق هذه الأمور وأغفلت ما قاله من أن أهدافه سياسية وليست اقتصادية, فضلا عن أنها قاطعة ولم تمكنه من مواصلة دفاعه.
ويقول الطاعن الثاني في أسباب طعنه إنه لم يسأل في الدعوى التي حكم عليه فيها بالحبس سنة, وقد عارض بعد ستة أشهر وأنه تقدم بدفاع يربط الاقتصاد بالسياسة وأن القوانين التي حوكم بمقتضاها قوانين استعمارية مثل قانون التجمهر وأن من بين التهم سب رئيس الحكومة مما يوحي بأن هناك سببا سياسيا.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الأول قال في دفاعه "إني كنت مستشارا لنقابات العمال, ولقد أصدرت كتابا بعنوان "أين الطريق" ولقد وجهت النيابة إلى المتهمين جريمة السب في رئيس الحكومة ثم إن الاقتصاد هو السياسة ولا يمكن فصلهما عن بعض, وقال بذلك كثير من الفقهاء الاقتصاديين السياسيين, فلا شك أنه بعد إنشاء النقابات نتجه من الناحية الاقتصادية إلى الناحية السياسية, كما يحدث في انكلترا, إذ أن العمال يحكمون الآن وقد عرضت على نقود من المصاريف السرية, عرضها على النقراشي وكان المقصود من الإضراب زعزعة حكومة النقراشي وصمم على طلب اعتبار القضية سياسية". ويبين من ذلك أن الطاعن يؤسس دفاعه على أن الاقتصاد مرتبط بالسياسة, وأن الغرض الذي كان يتوخاه من الإضراب هو زعزعة مركز حكومة النقراشي باشا. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر من عناصر الدعوى 25 سنة 1948 مستعجل جنح السيدة زينب (4607 سنة 1948 استئناف جنح مصر) على ما أثبته الحكم الصادر فيها أن السبب الحقيقي لارتكاب الطاعن الجرائم التي دين فيها كان لتحقيق مصلحة شخصية لممرضي مستشفى القصر العيني وهى رفع أجورهم ومساواتهم من هذه الناحية ببعض فئات من العمال الآخرين الفنيين وإعادة من فصل منهم إلى العمل. ولما كان الطاعن يسلم في أسباب طعنه بهذا السبب ولكنه يقول إن السبب المذكور لم يكن مقصودا لذاته بل كان يريد التعلل به كدافع على الإضراب لزعزعة مركز حكومة النقراشي باشا, ولما كان قوله هذا لا يستند إلى أساس وليس له أصل في دعوى الموضوع, ولما كانت الجريمة التي دين فيها هي تحريض ممرضي مستشفى قصر العيني ومستشفى فؤاد الأول على التوقف عن العمل بقصد تعطيل سير العمل في مصلحة ذات منفعة عامة وتحريضه هؤلاء الممرضين على التجمهر في الطريق العام وعدم التفرق بناء على طلب رجال السلطة ووقوع جرائم إتلاف وتعد نتيجة لهذا التجمهر, وكانت جريمة سب رئيس الوزراء قد ارتكبت من الممرضين دون أن تكون داخلة في أعمال التحريض التي ارتكبها الطاعن, وكان مؤدي ذلك أنها وقعت كنتيجة وبطريق التبعية للجرائم الأخرى التي ليست لها صفة سياسية فلا تنطبق عليها صفة الجرائم المرتبطة المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون - لما كان ذلك فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إنه فيما يتعلق بأوجه طعن الطاعن الثاني فإن الحكم المطعون فيه قد استظهر من أوراق الجنحة رقم 25 سنة 1948 مستعجل السيدة زينب التي وجه فيها الاتهام للطاعن بأن ما كان يسعى إليه المتهمون من وراء التجمهر والامتناع عن العمل بقصد تعطيل مصلحة ذات منفعة عامة وهي مستشفى قصر العيني ومن جرائم الإتلاف والتعدي وتعطيل حرية الغير في العمل هو تحقيق منفعة شخصية لهم, وهى رفع أجورهم ومساواتهم ببعض فئات العمال الفنيين. ولما كانت جريمة سب رئيس الوزراء المسندة للطاعن لم تكن الغرض المقصود من الامتناع عن العمل والتجمهر, بل إنها ارتكبت بطريق التبعية لهذه الجرائم التي كان الغرض الذي كان ينشده المتهمون منها هو تحقيق مطالبهم برفع أجورهم ومساواتهم ببعض فئات العمال الفنيين. لما كان ذلك فإن هذا الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق