جلسة 20 من فبراير سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حمدي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ نجاح نصار ومقبل شاكر نائبي رئيس المحكمة ومجدي الجندي وحامد عبد الله.
---------------
(44)
الطعن رقم 8224 لسنة 58 القضائية
(1) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات "بوجه عام".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمام المحكمة. موضوعي.
(2) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم تقيد المحكمة بالأدلة المباشرة دون غيرها. حقها في استخلاص الحقائق القانونية مما قدم إليها من أدلة ولو غير مباشرة. ما دام ذلك متفقاً مع العقل والمنطق.
(3) قتل عمد. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. استظهاره. موضوعي.
(4) سبق إصرار. ظروف مشددة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع. يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها.
(5) قتل عمد. اقتران. ظروف مشددة. عقوبة "العقوبة المبررة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". طعن "المصلحة في الطعن". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي بعدم توافر ظرفي الاقتران والارتباط. لا جدوى منه. ما دامت العقوبة التي نص عليها الحكم تدخل في الحدود المقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار محل الاتهام مجردة عن الظرفين المشار إليهما.
(6) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في الإعراض عن سماع ما يبديه المتهم إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل...... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية وعقد العزم على قتلها وأعد لذلك جسم صلب راض (صنجة ميزان) واستدرجها إلى مكان مسكون وما أن ظفر بها حتى عاجلها بالضرب بالأداة سالفة الذكر على رأسها قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين أخرتين هما أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر سرق الحلي الذهبية المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق المملوكة للمجني عليها سالفة الذكر كما وضع عمداً النار في محل مسكون هو الوكالة الخاصة بالمدعو...... الأمر المنطبق عليه المادتين 252/ 1، 314 من قانون العقوبات كما ارتبطت هذه الجناية بجنحة هي أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر أحرز بغير ترخيص سلاحاً أبيض "خنجراً ذو حدين". وأحالته إلى محكمة جنايات كفر الشيخ لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى ورثة المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 25/ 1 مكرراً، 30 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل أولاً: بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة السلاح المضبوط. ثانياً: ألزمت المتهم بأن يؤدي للمدعين بالحق المدني مبلغ مائة وواحد جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية الحريق العمد والمرتبط بجنحتي سرقة وإحراز سلاح أبيض بغير ترخيص قد شابه قصور في التسبيب وخطأ في الإسناد وانطوى على فساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع ذلك أن الصورة التي خلص إليها الحكم غير معقولة لأن مكان الجريمة مغلق وفي حراسة دائمة فضلاً عن أن الأوراق قد خلت من شاهد على رؤية الطاعن مع المجني عليها يوم الحادث أو اصطحابه إياها إلى مكانه الذي خلا من آثار دماء للمجني عليها كما خلت ملابس الطاعن منها ولم يشهد أحد بوجود أية مظاهر خارجية بالطاعن تنبئ عن ارتكابه الحادث. ولم يعرض الحكم لما أثاره الطاعن من أن مرتكب الجريمة شخص آخر هو الذي أعطاه المضبوطات لإخفائها كما أن ما أورده في الرد على الدفع بالإكراه وفي استظهار نية القتل وتوافر الظروف المشددة لجريمة القتل مع سبق إصرار واقتران وارتباط لا يكفي لإثبات ذلك - وحصل الحكم بما لا سند له في الأوراق بما يناقض التقرير الفني وجود علاقة عاطفية بين الطاعن والمجني عليها رغم ما أثبته التقرير من أنها بكر، وحاجة الطاعن إلى المال باعتباره الباعث على الجريمة، ولم يستجب إلى طلب الدفاع ضم إشارة الحادث التي تفيد أن مرتكب الجريمة شخص آخر ودعوة الطبيب الشرعي لمناقشته فيما جاء بتقريره من تناقض بصدد ما أورده عن مضي أقل من نصف يوم على الحادث عند التشريح وما انتهى إليه من أن الجثة كانت في حالة تيبس رمى كامل وهو ما لا يتحقق قبل مضي اثنتي عشرة ساعة على الوفاة، كما لم تستجب المحكمة إلى طلب التحقق من كون المصوغات ذهبية من عدمه، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه صباح يوم الحادث تقابل المتهم..... مع المجني عليها..... لوجود علاقة عاطفية سابقة بينهما أمام مزلقان السكك الحديدية بمدينة كفر الشيخ وطلب منها الحضور إلى محل ومخزن الفاكهة الخاص بـ....... وسبقها هو إليه حيث لحقت به على الفور فأدخلها المخزن حيث لا يوجد أحد به ولضيق حالته المادية كان قد عقد العزم على قتلها وأعد لذلك سلاحاً أبيض خنجر وذلك لسرقة المصوغات الذهبية التي معها فعاجلها على الفور بالضرب بصنجة حديد على رأسها أفقدتها الوعي وقام بعد ذلك بطعنها بالخنجر قاصداً قتلها ثم قام بقطع معصم يدها اليمنى وأصبعها واستولى على ما بها من مصوغات وأخذ قرطها وكيس نقودها ثم قام بإشعال النار في ملابس المجني عليها لإخفاء معالم الجريمة وشخصية المجني عليها وأغلق المخزن عليها وشرع في مغادرة المحل ففوجئ بالعامل ....... يقابله على الباب الخارجي فاصطحبه إلى المقهى خشية افتضاح أمره ثم عاد الأخير إلى المحل حيث اكتشف الحادث وأبلغ صاحب المحل وتوجه المتهم إلى وكالة....... حيث أخفى المسروقات والخنجر بدورة المياه (داخل السيفون) ولما تم القبض عليه أرشد الشرطة إلى مكانها حيث تم العثور عليها وتعرفت أسرة المجني عليها على تلك المسروقات "وأورد الحكم على ثبوت الواقعة أدلة استمدها من أقوال ..... و...... والضابط..... و...... و...... و...... و...... وما جاء بتقرير الصفة التشريحية وتقرير قسم الحريق ومن إرشاد الطاعن لمكان إخفاء المسروقات والسلاح المستعمل في الحادث وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ومتى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطمئنانها إلى أقواله، وأنه لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، كما لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها على الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستقراء والاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود واستخلصت منها ارتكاب الطاعن للواقعة وكان ما استخلصته في ذلك سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ولم يخطئ الحكم في تقديره فإن ما يثيره الطاعن من أن الحادث لم يقع بالصورة التي أخذت بها المحكمة وأنه ارتكب بواسطة شخص آخر يكون غير مقبول. لما كان ذلك وكان الحكم قد حصل إنكار الطاعن وأن صاحب الوكالة هو الذي أعطاه المسروقات وطلب منه إخفائها ثم عرض لما أثاره الدفاع عن إكراه الطاعن بمناسبة إرشاده عن المسروقات ورد عليه بقوله "كما أن ادعاء بأن المتهم كان في حالة إكراه شديد فواضح من الأوراق أنه لا يوجد ما يدعو إلى استعمال الإكراه مع المتهم أثناء الإجراءات حيث لم يعترف المتهم بارتكابه للحادث ومن ثم تلتفت المحكمة عما أثاره الدفاع على النحو سالف الذكر وتطمئن إلى أقوال المتهم بخصوص إرشاده عن مكان المسروقات والسلاح المستعمل في الحادث وترى أن رواية ادعائه على صاحب الوكالة....... من الكيد بسبب طرده له من العمل وكان الحكم لم يعول على اعتراف للطاعن فإن ما رد به على الدفع بالإكراه - على السياق المتقدم - يكون كافياً ويضحى ما ينعاه الطاعن بخصوص ذلك على غير أساس.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في استعمال أداتين تؤديان إلى القتل (صنجة حديد وخنجر) وفي ضرب المجني عليها في مقتل أكثر من ضربة في رأسها بقصد إزهاق روحها، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. فإن ما أورده الحكم يكون كافياً في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعن، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرف سبق الإصرار وكشف عن توافره في حق الطاعن بأمور منها "إعداده للسلاح الأبيض المضبوط والتوجه به إلى المجني عليها واستدراجها إلى مكان الحادث" وكان ما حصله الحكم له مأخذه من شهادة الضباط التي لا نعي بصددها بمخالفة الثابت بالأوراق فإن ما استظهره الحكم للاستدلال على هذا الظرف من وقائع وأمارات كشف عنها هو مما يسوغ به هذا الاستخلاص ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت العقوبة الموقعة على الطاعن وهي الأشغال الشاقة المؤبدة تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل العمد مع سبق الإصرار مجردة من ظرفي الاقتران والارتباط، فإن الطاعن لا يكون له مصلحة فيما أثاره من تخلف هذين الظرفين. لما كان ذلك وكان الطاعن لا يماري في أن ما نقله الحكم من أقوال الضباط عن وجود العلاقة العاطفية بين المجني عليها والطاعن وحاجة الأخير للمال له صداه في الأوراق فإن ما ينعاه بقالة الخطأ في الإسناد يكون على غير أساس. لما كان ذلك وكان محضر جلسة المحاكمة خلا من طلب الطاعن ضم إشارة الحادث فإن تعييبه الحكم بعدم ضمها يكون غير مقبول. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة. وكان الحكم المطعون فيه قد رد على طلب مناقشة الطبيب الشرعي وطلب فحص المصوغات بقوله "بالنسبة للأمر الأول أن الطلب غير منتج حيث أوضح الطبيب الشرعي في تقرير الصفة التشريحية ظروف الحادث تفصيلاً وانتقاله إلى التشريح وقت الحادث وأنه مضى على الوفاة لحين التشريح نصف يوم" وبالنسبة للأمر الثاني "...... لا جدوى منه هو الآخر بعد عرض المصوغات المضبوطة على أسرة المجني عليها وتعرفهم عليها وأنها هي نفس مصوغات المجني عليها التي كانت معها". فإن المحكمة تكون قد ردت على الطلبين بما يسوغ رفضهما ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له هذا فضلاً على أنه بالنسبة للطلب الثاني فإنه والعقوبة مبررة لجريمة القتل دون الجنحة المرتبطة فإنه لا يؤثر في سلامة الحكم - بفرض حصوله - قصوره في التدليل على جنحة السرقة لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق