جلسة 20 من ديسمبر سنة 1964
برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور أحمد موسى وعلي محسن مصطفى وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.
-----------------
(29)
القضية رقم 399 لسنة 7 القضائية
(أ) موظف - تقرير سنوي
- المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بتقدير درجة كفاية الموظف - ليس طليقاً من كل قيد بل يجب أن يقوم على سبب يبرره - وجوب تأسيسه على عناصر ثابتة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً من ملف الخدمة ومتعلقة بعمل الموظف خلال السنة التي يقدم عنها إعمالا لمبدأ سنوية التقرير - مثال.
(ب) موظف - تقرير سنوي
- القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بتقدير درجة كفاية الموظف - لا تثريب على اللجنة إذا أدخلت في اعتبارها الجزاءات السابقة - الأصل هو الاعتداد بالأفعال التي يأتيها الموظف خلال السنة التي يوضع عنها التقرير أخذاً بمبدأ سنوية التقرير - الاعتداد بالجزاءات في وضع التقرير لا يعتبر معاقبة للموظف عن الفعل الواحد مرتين - اختلاف مجال تقدير درجة الكفاية عن مجال التأديب - أساس ذلك - مثال.
إجراءات الطعن
في 21 من ديسمبر سنة 1960 أودع السيد الأستاذ مصطفى يوسف المحامي بإدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيد وزير التموين سكرتارية المحكمة تقرير طعن قيد بجداول المحكمة برقم 399 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التموين بجلستها المنعقدة في 22 من أكتوبر سنة 1960 في الدعوى رقم 518 لسنة 6 القضائية والقاضي برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بتاريخ 27 من إبريل سنة 1959 فيما تضمنه من تقدير درجة كفاية المدعي عن عام 1958 بدرجة ضعيف وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد محامي الحكومة - للأسباب الواردة في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين, وبعد إحالة الطعن إلى المحكمة ونظره أمامها على الوجه الموضح بمحاضر الجلسات عين لإصدار الحكم فيه جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن المدعي المطعون ضده أقام الدعوى رقم 518 لسنة 6 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة التموين ضد وزارة التموين بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة وذكر فيها أنه تسلم صورة من التقرير السنوي بتقدير درجة كفايته عن عام 1958 بدرجة ضعيف مع حرمانه من العلاوة المستحقة له في 1/ 5/ 1959. ولما كان هذا القرار قد صدر فاقداً سببه وليس له ما يبرره لأنه موظف كفء أمين يقوم بعمله خير قيام وهذا ما شهد به كل من الرئيس المباشر والمدير المحلي ورئيس المصلحة وهم أقدر الناس على معرفة كفايته، فإذا جاءت لجنة شئون الموظفين وخفضت درجة كفايته إلى مستوى الموظف الضعيف فإن قرارها هذا يكون قد صدر مخالفاً للقانون، ومن أجل ذلك طلب إلغاءه بما يترتب على ذلك من أثار في استحقاقه لعلاوة أول مايو سنة 1959، وقد دفعت الجهة الإدارية بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بمقولة إن قرار لجنة شئون الموظفين ليس من بين القرارات التي يختص مجلس الدولة بنظر الطعن عليها بالإلغاء وفي الموضوع طلبت رفض الدعوى لأن القرار المطعون عليه قد صدر مستوفياً أوضاعه الشكلية وقائماً على سببه ومن ثم يكون قد صدر مطابقاً للقانون فلا وجه للطعن عليه، وبجلسة 22 من أكتوبر سنة 1960 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها وبقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر في 27/ 4/ 1959 من لجنة شئون الموظفين بوزارة التموين فيما تضمنه من تقدير كفاية المدعي عن عام 1958 بدرجة ضعيف وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المصروفات ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وقد أقامت المحكمة قضاءها برفض الدفع بعدم الاختصاص على أن القرار الصادر بتقدير درجة كفاية الموظف هو قرار إداري ويترتب عليه آثار خطيرة في ترقية الموظف واستحقاقاته للعلاوة بل وفي صلاحيته للبقاء في الوظيفة، وأنه بهذه المثابة يندرج في عموم القرارات التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الدعاوى المقامة طعناً بالإلغاء فيها، وفي الموضوع أسست المحكمة قضاءها على أن المدعي لم توقع عليه جزاءات خلال السنة التي وضع عنه التقرير فيها وأنه إذا كان قد جوزي في السنة التالية فإن هذا الجزاء لم يكن محل نظر اللجنة عند وضع التقرير، وإذا كان للمدعي عدة جزاءات سابقة على التقرير فإن الاعتداد بهذه الجزاءات في وضع التقرير إنما يعتبر معاقبة للمدعي عن الفعل الواحد مرتين، وإذا كانت اللجنة على ما يبدو من التقرير الذي وضعته عن المدعي قد اعتدت بهذه الجزاءات وهو ما لا يجوز، وأنها اعتمدت من جهة أخرى على تحريات ومعلومات رفضت الجهة الإدارية تقديمها إلى المحكمة حتى تطمئن إلى وجودها وجديتها هذا بالإضافة إلى أن ذلك كله لو ثبت فإنه لا يمس عناصر التقدير حسب النموذج المعد لتحرير التقرير، وإذا كان ذلك فإن القرار الصادر من اللجنة اعتماداً على هذه المعلومات وتلك الجزاءات يكون قد صدر والحالة هذه فاقداً سببه ومخالفاً للقانون، وعلى هذا انتهت المحكمة إلى إلغاء القرار المطعون فيه وأصدرت حكمها بإلغائه على الوجه آنف الذكر.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن تقدير درجة كفاية الموظف أصبح بعد تعديل قانون موظفي الدولة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 من اختصاص لجنة شئون الموظفين وحدها فلم يعد نشاطها قاصراً على تسجيل للتقدير إذا لم تؤثر الملاحظات في الدرجة العامة للكفاية كما كان عليه الحال قبل تعديل القانون، بل إنها أصبحت صاحبة الكلمة في هذا المجال تستأنس بملاحظات الرؤساء ولكنها لا تتقيد ولا تلتزم بها فتعتمد على عناصر أخرى لملف الخدمة وما قد يصل إلى علمها عن الموظف من معلومات تطمئن إليها وتكون منها عقيدتها فيما تنتهي إليه من رأي في تحديد درجة الكفاية التي تراها وتنفرد بتقديرها دون تعقيب عليها باعتبارها السلطة المهيمنة على شئون الموظفين والأقدر على وزن كفايتهم بميزان واحد دقيق بعكس الجهات المتعددة داخل الوزارة أو المصلحة التي تتولى وضع التقارير فهذه قد تختلف فيها الموازين التي توزن بها درجة الكفاية من جهة إلى أخرى وانتهاء الأمر عند جهة واحدة وهي لجنة شئون الموظفين يؤدي إلى إيجاد تنسيق بين التقديرات التي يضعها الرؤساء في نطاق وحداتهم الإدارية دون معرفة شاملة لأوضاع موظفي الوزارة أو المصلحة، ولجنة شئون الموظفين في تحديدها لمرتبة الكفاية التي تراها إنما تنفرد بالتقدير بلا معقب عليها فيه ما دام قرارها قد خلا من شائبة إساءة استعمال السلطة، فتقديرات الكفاية هي كما قضت بذلك المحكمة الإدارية العليا لا رقابة للقضاء عليها ولا سبيل إلى مناقشتها لتعلقها بصميم اختصاص الإدارة الذي ليس للقضاء أن يحل نفسه مكانها فيه. وسلطة القضاء الإداري على ما قضت به المحكمة الإدارية العليا محصورة في التحقق من صدور التقرير الخاص بتقدير درجة الكفاية مطابقاً للإجراءات المرسومة بحسب الأوضاع المقررة في القانون فيقع بذلك سليماً منتجاً لكافة الآثار المترتبة عليه أم أنه لم يصدر كذلك فيقع باطلاً عديم الأثر، ومتى استوفت التقارير أضاعها وأشكالها ومرت بمراحلها حتى صدر في شأنها قرار لجنة شئون الموظفين أصبحت حصينة من الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن. ولما كان الثابت أن التقدير الخاص بتقدير درجة كفاية المطعون ضده قد اتبعت في شأنه المراحل والإجراءات المرسومة في القانون وقد مارست لجنة شئون الموظفين سلطتها في تقدير هذه الكفاية، فإن الحكم المطعون فيه إذ تصدى لتقدير هذه الكفاية وجرى على خلاف ما تقدم يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على التقرير السري الخاص بالمدعي عن عام 1958. وهو التقرير محل الطعن أن لجنة شئون الموظفين اعتمدت في إصدار قرارها بتقدير درجة كفاية المدعي بضعيف على ما احتواه ملف خدمته وعلى التحريات والمعلومات التي عرضت عليها بشأن المدعي.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه وإن كانت المادة 31 من قانون الموظفين تنص على أن يقدم التقرير السنوي عن الموظف من رئيسه المباشر ثم يعرض على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاته ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية، مما قد يوحي بإطلاق يد لجنة شئون الموظفين في التقدير، إلا أنه لا جدال في أن القرار الصادر من اللجنة المذكورة بتقدير درجة كفاية الموظف، وإن لم يتقيد برأي رؤساء الموظف إلا أنه شأنه شأن أي قرار إداري يجب أن يقوم على سببه المبرر له قانوناً، فيتعين أن يقوم هذا التقدير على عناصر ثابتة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً من ملف الخدمة ومتعلقة بعمل الموظف خلال السنة التي يقدم عنها، وعلى هذا فإن تقدير لجنة شئون الموظفين ليس طليقاً من كل قيد بل هو مقيد بالبيانات المتعلقة بعمل الموظف عن السنة الموضوع عنها التقرير والتي تجد أصلها في الأوراق وعلى الأخص ملف الخدمة، وذلك كله حتى لا يؤخذ الموظف بما لم يقم عليه دليل من الأوراق وكيلاً ينتهك مبدأ أصيل يقوم عليه وضع التقارير وهو مبدأ سنوية التقرير.
ومن حيث إنه قد تبين للمحكمة من الاطلاع على ملف خدمة المطعون ضده - المدعي - أنه حاصل على شهادة الدراسة الثانوية (القسم العام) سنة 1939 والتحق بخدمة الحكومة في وظيفة من الدرجة الثامنة اعتباراً من 31/ 7/ 1949، وبتاريخ 13/ 8/ 1951 صدر القرار رقم 339/ 1951 بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من ماهيته لاستهتاره وإهماله في عمله. وفي 21 من أغسطس سنة 1952 صدر القرار رقم 404/ 1952 بمجازاته بخصم يومين من ماهيته، وبتاريخ 20 من أكتوبر سنة 1952 أوصت لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي بفصله من الخدمة لأنه تصرف تصرفات تمس نزاهته وحسن سمعته وتجعله غير صالح للعمل غير أن مجلس الوزراء لم يوافق على فصله، وفي 23 من سبتمبر سنة 1954 صدر القرار رقم 655/ 1954 بمجازاته بخصم يوم من ماهيته، وبتاريخ 29 من يناير سنة 1957 صدر القرار رقم 89/ 1957 بخصم ثلاثة أيام من ماهيته لإهماله في عمله وخروجه على مقتضى الواجب بجمعه مبالغ من التجار لتأثيث مكتب التموين، وفي 12 من يونيه سنة 1959 صدر الأمر الإداري رقم 428 لسنة 1959 بمجازاته بخصم يوم من مرتبه وذلك لأنه في 30/ 11/ 1958 خرج على مقتضى الواجب بأن وجه إلى رئيسه عبارة غير لائقة بقوله "لا أنت ولا الوزارة ما تقدروش تشيلوني" وحرر مذكرة في ذات اليوم هدد فيها بالامتناع عن تأدية أعماله إذ لم تستجب الوزارة إلى طلباته بأن خيرها بمناسبة ندبه لأعمال السكرتارية بين أن تعيده إلى عمله الأصلي وبين أن تصرف إليه أجراً إضافياً وإلا امتنع عن تأدية العمل مما يكشف عن روح التحرر والعصيان. وبتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1959 صدر الأمر الإداري رقم 646/ 1959 بخصم يومين من مرتبه لامتناعه عن القيام بالأعمال الكتابية التي أسندها إليه السيد النائب.
ومن حيث إنه تبين مما تقدم أن لجنة شئون الموظفين إذ قدرت كفاية المدعي بدرجة ضعيف في التقرير السنوي السري عن سنة 1958 إنما استمدت قرارها من أصول صحيحة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من ملف خدمته وهي أصول وعناصر منتجة الأثر في ضبط درجة كفايته ويتصل بعضها بوقائع حدثت خلال السنة المذكورة وجوزي عنها بالأمر الإداري رقم 428/ 1959 آنف الذكر، ولا تثريب على اللجنة في هذه الحالة إن هي أدخلت في اعتبارها عند تقدير درجة الكفاية الجزاءات السابقة إذ أنه يجب أن يكون تحت نظر اللجنة عند تقدير درجة كفاية الموظف بياناً شاملاً بحالته حتى تكتمل أمامها صورة واضحة لنواحي نشاطه ومسلكه وتتهيأ لها جميع العناصر التي تستطيع بموجبها تقدير درجة كفايته تقديراً مبرءاً من القصور؛ ذلك أنه وإن كان الأصل هو الاعتداد بالأفعال التي يأتيها الموظف خلال السنة التي يوضع عنها التقرير أخذاً بمبدأ سنوية التقرير إلا أن في تعاقب الجزاءات كما هو الحال بالنسبة إلى المدعي واتصال ماضيه في السنوات السابقة بحاضره في السنة التي وضع عنها التقرير ثم بمسلكه في السنة الثانية لها ما يرين على صفحة المدعي ويخدش بلا شك حسن قيامه بعمله بكفاية، ومجال هذا كله يختلف عن مجال التأديب؛ إذ الأمر هنا لا يتعلق بعقاب الموظف وإنما يتصل بتقدير كفايته في ضوء عمله ومسلكه - بعد تقصي نواحي عمله ومتابعة مسلكه في الماضي والحاضر استكمالاً للعناصر التي يقوم عليها تقدير كفايته. وغني عن البيان أن هذا هو الذي يتفق مع حسن سير العمل ويحقق وجه المصلحة العامة المنشودة من ضبط درجة كفاية الموظف، وإذا كان ذلك وكان القرار المطعون فيه قد صدر استناداً إلى البيانات الواردة في ملف الخدمة وما كشفت عنه المعلومات والتحريات التي عرضت على لجنة شئون الموظفين في شأن المدعي، وقد ثبت للمحكمة أن ما احتواه ملف الخدمة كاف وحده لحمل القرار المذكور عليه، فإن القرار يكون قد صدر والحالة هذه سليماً وقائماً على سببه المبرر له قانوناً، وإذ صدر الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون خالف القانون، فيتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق