الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 4 مارس 2022

الطعن 1007 لسنة 28 ق جلسة 14 / 10 / 1958 مكتب فني 9 ج 3 ق 193 ص 792

جلسة 14 من أكتوبر سنة 1958

برياسة السيد المستشار حسن داود، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وفهيم يسى جندي، والسيد أحمد عفيفي، ومحمود حلمى خاطر، المستشارين.

-------------

(193)
الطعن رقم 1007 لسنة 28 القضائية

(أ) خبير. رأيه. تقدير رأي الخبير من حيث صلته بالتسبيب.
صحة الحكم عند رفعه التناقض الظاهري فيما ورد بتقريرين طبيين.
(ب) إجراءات المحاكمة. دفاع. ما لا يعتبر إخلالا بحق الدفاع. حكم تحضيري.
حق المحكمة في العدول عن حكم تحضيري عند انتفاء حاجة الدعوى إليه.
(ج ود وهـ) أسباب الإباحة وموانع العقاب. دفاع شرعي شروط توافر حالته.
انتفاء قيامه إذا توافرت لدى المتهم نية الانتقام من المجني عليه. مثال.
(و) دفاع. محكمة الموضوع. حكم. أسبابه. 
متى تلتزم المحكمة بالرد على أوجه الدفاع القانونية؟ مثال في دفاع شرعي.

-------------
1 - متى كان الحكم فيما أورده من أسباب صحيحة مستمدة من ذات الكشوف الطبية قد رفع التناقض الظاهري فيما جاء بالتقريرين الطبيين عن إصابة المجني عليه فإن الحكم يكون صحيحا في القانون.
2 - إن قرار المحكمة بإعلان الطبيب الكشاف والطبيب الشرعي هو من قبيل الأحكام التحضيرية التي لا تتولد عنها حقوق للخصوم، ومن حق المحكمة أن تعدل عنها عند عدم حاجة الدعوى إلى هذا الإجراء طالما أوردت الأسباب السائغة التي تدل على أن الدعوى في ذاتها أصبحت غير مفتقرة إليه.
3 - إذا كان الثابت من الحكم أن المتهم كانت لديه نية الانتقام من المجني عليه وأنه بادر المجني عليه وطعنه بالسكين بمجرد أن وقع نظره عليه دون أن يكون قد صدر منه أو من غيره أي فعل مستوجب للدفاع فأمسك به المجني عليه وبالسكين ولم يدعه حتى سقطا على الأرض سويا وحضر الشهود وانتزعوا السكين منهما، فإن هذا الذي أثبته الحكم ينفى حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون.
4 - يجب لمطالبة المحكمة بالرد في حكمها على قيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون تمسك المتهم بقيام هذه الحالة جديا وصريحا أو أن تكون الواقعة كما أثبتها الحكم ترشح لقيامها.
5 - إن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بلا معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من 1- عوض هلال يوسف (الطاعن) و2- أحمد هلال يوسف و3- محمد يوسف بأنهم: الأول - ضرب عمدا ومع سبق الإصرار والترصد عبد العال أحمد حجاز فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تخلف عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهى فقد جزء من عظام القبوة الواقي للمخ مما يعرض المصاب للتقلبات الجوية ويقلل من كفاءته على العمل ولا يمكن تقدير مداها. والثاني والثالث - اشتركا مع الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن اتفقا معه على الاعتداء على المجني عليه السابق وساعداه على ذلك بأن توجها معه إلى مكان الحادث لشد أزره فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 240/ 2 و40 و41 من قانون العقوبات، فقررت الغرفة ذلك، وادعى أحمد عبد العال حجازي بحق مدني قبل المتهمين متضامنين بقرش صاغ واحد تعويضا مؤقتا. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضوريا - عملا بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول. أولا - بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامه بأن يدفع لعبد العال أحمد حجازي المدعى بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة والمصاريف المدنية. وثانيا - ببراءة كل من أحمد هلال يوسف ومحمد يوسف يوسف مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه القصور في البيان والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول إنه دفع الاتهام المسند إليه أمام محكمة الموضوع بأن إصابة المجني عليه لا يمكن أن تحدث من سكين، وأن أحدا من الأطباء الذين ناظروا المجني عليه منذ إصابته حتى شفائه لم يبين رأيه في الأداة المستعملة في الحادث، وقد جاءت الأوراق الطبية في شأن وصف الإصابة وعددها وموضعها مضطربة متناقضة، فوصفت مرة بأنها رضية ووصفت أخرى بأنها قطعية، وأشير إليها مرة بصيغة المفرد كما أشير إليها مرة أخرى بصيغة الجمع، ووصفت مرة بأنها كسر متفتت وتارة أخرى بأنها كسر مضاعف، وقد طلب الدفاع من المحكمة رفعا لهذا التناقض ضم أوراق المستشفى وإعلان الطبيب الشرعي والطبيب الذي كشف على المجني عليه عقب حصول الحادث، فقررت المحكمة تأجيل الدعوى أكثر من مرة لهذا السبب مع تكليف النيابة ضم هذه الأوراق وإعلان الطبيب الكشاف والطبيب الشرعي لسماع أقوالهما، وبجلسة المرافعة أصر الدفاع على مناقشة الأطباء وتنفيذ قرارها الذي تعلق حق الطاعن به، ولكن المحكمة لم تجبه إلى طلبه وقطعت الرأي في مسألة فنية محضة، هذا وقد تمسك الطاعن في دفاعه بأنه لم يكن معتديا، وأوضح في دفاعه ما يرشح لاعتباره في حالة دفاع شرعي عن نفسه ونفس غيره من أن المجني عليه هو إلى بدأ بالعدوان، إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الدفاع واكتفت بالقول أن مشاجرة وقعت بين الطرفين، في حين أن التشاجر قد يكون أصله اعتداء وقع من فريق على آخر، وفى هذه الحالة يكون الفريق المعتدى عليه مدافعا ويجب معاملته بمقتضى الأحكام المقررة في القانون للدفاع الشرعي، وكان يتعين على المحكمة أن تستظهر ذلك من نفسها حتى ولو سكت المتهم عن الدفع به.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة العاهة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مردودة إلى أصلها الثابت في الأوراق من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها، وعرض لما يثيره الطاعن في الوجه الأول من الطعن ورد عليه في قوله "وحيث إنه يبين من الإطلاع على تقارير الكشوف الطبية التي وقعت على المجني عليه عبد العال أحمد حجازي وعلى أوراق المستشفى الخاصة به أن المجني عليه المذكور أدخل المستشفى يوم 3 مارس سنة 1953 وقد ذكر في صدر ورقة التشخيص الخاصة به (تذكرة السرير) أنه كان مصابا بجرح رضي بالجدارية اليمنى وكسر مضاعف منخسف بعظم تلك الجدارية، اقتضى عمل عملية تربنة له رفعت فيه العظام المنخسفة من أعلى الجدارية اليمنى وقمة الجمجمة في مساحة بيضاوية قدرها 12×8 سم، غير أنه بمراجعة ما أثبته الطبيب الذي أجرى التشخيص والعملية بخطه في تلك الورقة باللغة الإنجليزية تبين أنه ذكر أن هذا المجني عليه كان مصابا بجرح قطعي ""Cut wound ومصحوب بكسر مضاعف منخسف "Deprossed fraction compound" وظاهر من هذا أن وصف الجرح في تلك الورقة بأنه رضي هو من باب الخطأ في النقل، ولذا فقد جاء في تقرير الكشف الطبي المحرر عن ذلك المصاب في نفس التاريخ أنه مصاب بجرح قطعي كبير بالجدارية، وهذا هو ما تعتمده المحكمة في هذا الشأن لأنه مأخوذ من نفس التقرير المحرر بمعرفة طبيب المستشفى الذي أجرى التشخيص وعمل العملية للمصاب عند دخوله المستشفى، كما أنه مأخوذ أيضا من تذكرة العيادة الخارجية الخاصة بالمصاب المذكور، والثابت فيها أن جرحا قطعيا كبيرا مع كسر مضاعف منخسف بأعلى الجدارية اليمنى وبقية عظام الجمجمة، ولا تلتفت المحكمة إلى ما ورد خطأ في صدر تذكرة التشخيص من أن الجرح كان رضيا، ولا إلى ما ورد في خطاب المستشفى لنيابة السنبلاوين بتاريخ 4 من مارس سنة 1953 من أن المجني عليه كان مصابا بجروح رضية بالجدارية اليمنى، إذ أنه ظاهر جليا أن هذا جميعه جاء من قبيل الخطأ في نقل ما حرره طبيب المستشفى نفسه باللغة الإنجليزية في تذكرة التشخيص متعلقا بتشخيص إصابة المجني عليه وتفصيلات العملية والعلاج اللذين أجريا له ومن ثم فلا حاجة لمطالبة الدفاع بمناقشة الأطباء وسؤال الطبيب الشرعي في هذا الشأن، إذ أن الثابت للمحكمة من مراجعة أوراق المستشفى والعلاج أن إصابة المجني عليه في رأسه كانت قطعية تحتها كسر منخسف مما يؤيد ما ذكره من أنها حدثت له من السكين المضبوط خصوصا إذا لوحظ وصف تلك السكين كما جاء في التحقيقات، وهو أنها سكين من الصلب يبلغ طولها حوالي 53 سم وطرفها مقوس ومشرزم قليلا وعليها أثار بعض الدماء الجافة، وذات مقبض من القرن طوله 15 سم ولا شك أن ما شهد به الشهود من أنهم رأوا المجني عليه والمتهم الأول (الطاعن) يتجاذبان تلك السكين بعد الحادث يؤيد ما ذكره المجني عليه من أنها هي التي استعملت في ضربه" لما كان ذلك، وكان الحكم فيما أورده من أسباب صحيحة مستمدة من ذات الكشوف الطبية - قد رفع التناقض الظاهري فيما جاء بالتقريرين الطبيين عن إصابة المجني عليه، وكان قرار المحكمة بإعلان الطبيب الكشاف والطبيب الشرعي هو من قبيل الأحكام التحضيرية التي تتولد عنها حقوق للخصوم، فمن حقها أن تعدل عنها عند عدم حاجة الدعوى إلى هذا الأجراء في ذاته، وكانت المحكمة قد أوردت الأسباب السائغة التي تدل على أن الدعوى في ذاتها أصبحت غير مفتقرة إليه، وكان لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة التقدير مع اعتمادها في حكمها على رأى الطبيب - أن تقرر أن الإصابة حصلت من تلك السكين المضبوطة متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها - لما كان ذلك، وكان التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي يجب - لمطالبة المحكمة بالرد عليه في حكمها - أن يكون جديا وصريحا، أو أن تكون الواقعة كما أثبتها الحكم ترشح لقيام هذه الحالة، ولما كان الظاهر من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يتمسكا صراحة بقيام حالة الدفاع الشرعي - بل إن المتهم أنكر الفعل المسند إليه، وأن محاميه لم يقل بوقعه منه، بل أسس دفاعه على أنه لم يرتكب الحادث، وما جاء على لسان الدفاع عرضا وعلى سبيل الاستطراد من أن المجني عليه هو الذي بدأه بالعدوان - مع إنكاره بوقوع الاعتداء منه - ليس فيه ما يفيد التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي ولا يعتبر دفعا جديا تلتزم المحكمة بالرد عليه، فلا يحق له أن يطالب المحكمة بأن تتحدث في حكمها بإدانته عن انتفاء هذه الحالة لديه ما دامت هي لم تر من جانبها بعد تحقيق الدعوى قيام هذه الحالة، ولما إن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها يتعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بلا معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليها، وكان الثابت من الحكم أن المتهم كانت لديه نية الانتقام من المجني عليه وأنه بادر المحنى عليه وطعنه بالسكين بمجرد أن وقع نظره عليه دون أن يكون قد صدر منه أو من غيره أي فعل مستوجب للدفاع فأمسك به المجني عليه وبالسكين ولم يدعه حتى سقطا على الأرض سويا وحضر الشهود وانتزعوا السكين منهما، فهذا الذي قاله الحكم ينفى حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون - لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في طعنه لا يكون له محل إذ هو لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا يتعلق بتقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق