الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

عدم دستورية اختصاص محكمة استئناف القاهرة بالفصل في الطعن على قرارات لجنة القيد برفض طلب قيد المحامين .


الدعوى رقم 150 لسنة 35 ق "دستورية" جلسة 3 /11 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من نوفمبر سنة 2018م، الموافق الخامس والعشرون من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 150 لسنة 35 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بحكمها الصادر بجلسة 26/5/2013، ملف الدعوى رقم 38546 لسنة 63 قضائية.
المقامة من
محمد محمود عثمان الخنانى
ضـــد
رئيس محكمة استئناف القاهرة بصفته القائم بأعمال نقيب المحامين
الإجراءات
      بتاريخ الرابع عشر من سبتمبر سنة 2013، ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة ملف الدعوى رقم 38546 لسنة 63 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بجلسة السادس والعشرين من مايو سنة 2013 بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الخامسة من المادة (33) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وبجلسة الثالث من فبراير سنة 2018 قررت المحكمة إعمالاً لسلطتها المقررة بنص المادة (27) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لتحضيرها في شأن كل من الفقرة الثانية من المادة (19)، والفقرة الأخيرة من المادة (36) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، فيما تضمنتاه من إسناد الاختصاص في الطعن على قرار القيد المنصوص عليه فيهما إلى محكمة استئناف القاهرة.
      وقد أودعت هيئة المفوضين تقريرها التكميلي في الدعوى، وبجلسة 5/5/2018، دفع الحاضر عن نقيب المحامين بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعى كان قد أقام بتاريخ 11/5/2009، الدعوى رقم 38546 لسنة 63 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طلبًا للحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبى بالامتناع عن تعديل قيده من المرافعة أمام المحاكم الجزئية، للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية اعتبارًا من 4/4/2009، على سند من القول بأنه مقيد بالجدول العام تحت رقم 387065 اعتبارًا من 2/4/2008، وحاصل على مؤهل علمي أعلى من الجامعي، وهو دبلوم الدراسات العليا في الإدارة العامة ومدة هذا المؤهل سنتان، وبتاريخ 4/4/2009، تقدم بطلب إلى لجنة قبول المحامين، لتعديل قيده من المرافعة أمام المحاكم الجزئية ليكون أمام المحاكم الابتدائية، وذلك عملاً بالمادة (24) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، المستبدلة بالقانون رقم 227 لسنة 1984، والتي نصت على أن مدة التمرين سنتان تنقص إلى سنة واحد للحاصلين على دبلومين من دبلومات الدراسات العليا أو على مؤهل أعلى مما يتيح له تعديل قيده، إلا أن طلبه رُفض، فتظلم إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة بصفته القائم بأعمال نقيب المحامين، وأحيل هذا التظلم إلى الشئون القانونية بنقابة المحامين، لإبداء الرأى فيه، والتي أفادت بعدم اختصاصها بنظر الموضوع وبأن المادة (24) لا تنطبق عليه، ونعى المدعى على ذلك الرأي مخالفته للمادة (24) المشار إليها، إذ ليس لجهة الإدارة وضع قيود أو شروط مانعة للقيد أمام المحاكم الابتدائية بغير سند من القانون. وبجلسة 26/5/2013، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بإحالة أوراق الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الخامسة من المادة (33) من قانون المحاماة المشار إليه.
      وحيث إن المادة (16) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على أن "يقدم طلب القيد بالجدول العام إلى لجنة قبول المحامين التى تشكل من النقابة العامة برئاسة ......"، وتنص المادة (18) على أن "تصدر اللجنة قرارها بعد التحقق من توافر شروط القيد ........"، كما تنص المادة (19) على أن "لطالب القيد التظلم من القـرار الصادر برفض قيده خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إخطاره برفض طلبه. ويقدم التظلم إلى لجنة القبول التي تفصل في التظلم بعد سماع أقواله.
      ولطالب القيد إذا رفض تظلمه أو كانت قد انقضت مواعيد التظلم أن يطعن في القرار الصادر برفض التظلم أو رفض القيد أمام محكمة استئناف القاهرة خلال ثلاثين يومًا من تاريخ رفض التظلم، أو من تاريخ انتهاء ميعاد التظلم على حسب الأحوال.
      ويكون لطالب القيد الطعن أمام ذات المحكمة إذا لم يفصل في طلب قيده خلال المدة المبينة بالمادة السابقة.
      ولا يجوز تجديد الطلب في الحالات المبينة بالفقرتين السابقتين إلا إذا زالت الأسباب المانعة من القيد".
      كما تنص المادة (33) على أن "يقدم طلب القيد في جدول المحامين أمام المحاكم الابتدائية إلى لجنة قبول المحامين المنصوص عليها في المادة (16).
      ولمجلس النقابة أن يشكل لجنة خاصة للقبول أمام المحاكم الابتدائية من خمسة من بين أعضائها يرأسها أقدمهم، وتسري عليها الأحكام المقررة بالنسبة للجنة قبول المحامين.
      وتقدم طلبات القيد إلى لجنة القبول المختصة مصحوبة بالمستندات المثبتة لتوافر شروط القيد وشهادة من النقابة الفرعية التي يقع في دائرتها مكتب المحامي أو الإدارة القانونية التي قضى فيها فترة التمرين وذلك طبقًا لما يقرره النظام الداخلي للنقابة.
      وتبلغ قرارات اللجنة بالقبول أو الرفض إلى الطالب وإلى النقابة الفرعية المختصة خلال خمسة عشر يومًا بخطاب مسجل مصحوب بعلم الوصول.
      ولمن رفض طلبه أن يطعن في قرار الرفض أمام محكمة استئناف القاهرة خلال ستين يومًا من تاريخ إبلاغه بالقرار".
      وتنص المادة (36) على أن "تقدم طلبات القيد أمام محاكم الاستئناف إلى لجنة القبول المنصوص عليها في المادة (16).
      ويجوز لمجلس النقابة أن يشكل لجنة خاصة للقبول أمام محاكم الاستئناف من خمسة من بين أعضائه يرأسها أقدمهم، وتسري عليها الأحكام المقررة بالنسبة للجنة قبول المحامين.
      وتبلغ قرارات اللجنة بالقبول أو الرفض إلى الطالب وإلى النقابة الفرعية المختصة خلال خمسة عشر يومًا بخطاب مسجل مصحوبًا بعلم الوصول.
      ولمن يرفض طلبه أن يطعن في قرار الرفض أمام محكمة استئناف القاهرة خلال ستين يومًا من تاريخ إبلاغه بالقرار".
      وحيث إن نقابة المحامين دفعت بعدم قبول الدعوى، لانتفاء شرط المصلحة، استنادًا إلى أن المدعى يبتغى من دعواه الموضوعية تعديل قيده من المرافعة أمام المحاكم الجزئية، إلى المرافعة أمام المحاكم الابتدائية، وقد تم قبول اسمه للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية، ومن ثم فقد تحققت غايته من دعواه الموضوعية.
      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن توافر المصلحة في الدعوى الدستورية مناطه أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، سواء اتصلت الدعوى بهذه المحكمة عن طريق الدفع أو عن طريـق الإحالة، بما لازمه أن الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النصوص التشريعية المحالة على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع. متى كان ذلك، وكان الفصل في اختصاص محكمة الموضوع بنظر النزاع المعروض عليها هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية هذه المحكمة في نظره والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان التصدي له سابقًا بالضرورة على البحث في موضوعها، ولما كان مبنى النزاع في الدعوى الموضوعية المقامة من المدعى ينصب على طلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبى بالامتناع عن تعديل قيده من المرافعة أمام المحاكم الجزئية إلى المرافعة أمام المحاكم الابتدائية اعتبارًا من 4/9/2009، وليس من تاريخ قيده للمرافعة أمام تلك المحاكم، والذى أجرته النقابة في شأنه اعتبارًا من 14/4/2010، وإذ شرعت محكمة الموضوع للفصل في هذا الطلب، أقصتها الفقرة الأخيرة من المادة (33) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 التي عقدت الاختصاص بالفصل في الطعن في قرار لجنة القيد برفض طلب قيد المدعى للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية، لمحكمة استئناف القاهرة، فإن المصلحة في الدعوى الدستورية تكون قائمة، ويتحدد نطاقها في الفقرة الأخيرة المشار إليها، الأمر الذى يضحى معه الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من نقابة المحامين حريًّا بالالتفات عنه.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة في شأن المادة (27) من قانونها، التي تخولها الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارستها لاختصاصاتها، ويتصل بالنزاع المعروض عليها، مؤداه أن مناط تطبيقها يفترض وجود خصومة أصلية طرح أمرها عليها وفقا للأوضاع المنصوص عليها في قانون إنشائها، وأن ثمة علاقة منطقية تقوم بين هذه الخصومة، وما قد يثار عرضًا من تعلق الفصل في دستورية بعض النصوص القانونية بها. ومن ثم تكون الخصومة الأصلية هي المقصودة بالتداعي أصلاً، والفصل في دستورية النصوص القانونية التي تتصل بها عرضًا، مبلورًا للخصومة الفرعية التي تدور مع الخصومة الأصلية وجودًا وعدمًا، فلا تقبل إلا معها. وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التي لا تعرض لدستورية النصوص القانونية التي تقوم عليها الخصومة الفرعية إلا بقدر اتصالها بالخصومة الأصلية، وبمناسبتها. وشرط ذلك أن يكون تقرير بطلان هذه النصوص أو صحتها مؤثرًا في المحصلة النهائية للخصومة الأصلية أيًّا كان موضوعها أو أطرافها، بما مؤداه أن مباشرة هذه المحكمة لرخصتها المنصوص عليها في المادة (27) من قانونها، يستلزم توافر عدة شروط - أولها: استيفاء الخصومة الأصلية لشرائط قبولها. وثانيها: اتصال بعض النصوص القانونية عرضًا بها. وثالثها: تأثير الفصل في دستوريتها في محصلتها النهائية.
      وحيث إن الفصل في دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (33) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - المحالة - وثيق الصلة بالفقرة الثانية من المادة (19)، وكذلك بالفقرة الأخيرة من المادة (36) من القانون ذاته، إذ إن هذه النصوص تنظم موضوعًا واحدًا، هو "قيد المحامين"، في الجدول العام، وفى جدول المحامين أمام المحاكم الابتدائية، وفى جدول المحامين أمام محاكم الاستئناف، وعقد الاختصاص لمحكمة واحدة، لنظر الطعن في القرارات الصادرة بشأن القيد في الجداول الثلاثة المشار إليها، وهى محكمة استئناف القاهرة في حالة رفض هذا القيد، ومن ثم تمثل هذه النصوص جميعها منظومة متكاملة للطعن على قرارات من طبيعة واحدة، يتعين على هذه المحكمة أن تجيل بصرها فيها، على ضوء نظرة شاملة، تحيط بها، وتحدد على ضوئها دستوريتها، ومن أجل ذلك أعملت المحكمة في شأن هذين النصين سلطتها في التصدي، المقررة لها بمقتضى نص المادة (27) من قانونها المشار إليه فيما تضمناه من إسناد الاختصاص في الطعن على قرارات القيد المنصوص عليها فيهما إلى محكمة استئناف القاهرة.
      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته نص المادة (174) من دستور 2012، التي قضت بأن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، تختص، دون غيرها، من جهات القضاء بالفصل في كافة المنازعات الإدارية، وإذ كانت النقابات المهنية من أشخاص القانون العام، وتقوم على إدارة مرفق عام، وأن ما تصدره هى أو لجانها قرارات إدارية مما ينعقد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة، ومن ثم فلا يجوز للمشرع أن ينتزعها من مجلس الدولة ليسند الاختصاص بنظرها إلى جهة قضائية أخرى.
      وحيث إنه من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وعلى ذلك فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المعروضة من خلال أحكام الدستور الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية الحاكمة للنزاع الراهن.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستوري، بدءًا من دستور سنة 1971 قد حرص على دعم مجلس الدولة، الذى أصبح منذ تنظيمه بنص المادة (172) منه جهة قضاء قائمة بذاتها، محصنة ضد أي عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا عن طريق المشرع العادي، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011، الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، والمادة (174) من الدستور الصادر بتاريخ 25/12/2012، والمادة (190) من الدستور الحالي التي تنـص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ..... "، ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحـــــد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التى كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971 نصًّا يقضى بأن التقاضي حق مكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص على تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر في 25/12/2012، وقد سار الدستور الحالي على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التى كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية . وإذ كان المشرع الدستوري بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالى على أن " ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي "، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغى دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التى تصدر فيها، وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة دون غيره من جهات القضاء في الفصل في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.
      وحيث إن الدستور الحالي قد نص في مادته (76) على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم". كما نص في المادة (77) منه على أن " ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية".
      وحيث إنه باستعراض أحكام قوانين المحاماة المتعاقبة، وآخرها الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، يبين أن نقابة المحامين تتوفر لها جميع مقومات النقابات المهنية، فبموجب القوانين المشار إليها أنشأ المشرع نقابة المحامين ونظمها، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وأنشأ بها نقابات فرعية، واشترط لعضويتها أن يكون الشخص حاصلاً على شهادة الحقوق من الجامعات المصرية أو ما يعادلها من إحدى الجامعات الأجنبية، وأنشأ بالنقابة جدولاً للمشتغلين بالمهنة، وآخر لغير المشتغلين بها، وجعل العضوية إجبارية لمن استوفوا شروط التأهيل العلمي المشار إليها ومارس العمل في ميادينها المختلفة، وألزم المنتمين للنقابة برسوم القيد بجداول النقابة، والاشتراكات السنوية، كما ألزمهم بأداء أعمالهم، متوخين فيها تقاليد المهنة، ومقتضيات شرفها، وأنشأ هيئة تأديبية لمحاسبة من يخالف هذه التقاليد، وجعل عضوية النقابة وسداد اشتراكاتها شرطًا من شروط الممارسة والاستمرار في أداء أعماله بالمحاماة، وقرر فرض عقوبات على من يخالف ذلك أو في حالة ممارسة أحد من غير أعضاء النقابة لأعمال المحاماة.
      وحيث إنه لما كان ذلك، وكانت نقابة المحامين تعد من أشخاص القانون العام، وهى مرفق عام مهني، وقد منحها قانون المحاماة المشار إليه وهيئاتها ومنها لجنة القيد، قدرًا من السلطة العامة، فإن القرارات التي تصدرها النقابة أو لجنة القيد بها، بهذا الوصف، هي قرارات إدارية، والمنازعة فيها تكون إدارية بطبيعتها، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، طبقًا لنص المادة (190) من الدستور، والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972.
      وحيث إن نصوص المواد (19، 33، 36) المطعون عليها، وإذ أسندت الطعن في قرارات لجنة قيد المحامين، بالنسبة للمحامي، طالب القيد بالجدول العام (مادة 19)، وطالب القيد في جدول المحامين أمام المحاكم الابتدائية (مادة 33)، وطالب القيد أمام محاكم الاستئناف (مادة 36)، برفض طلب قيدهم، لمحكمة استئناف القاهرة، على الرغم من أن المنازعة في قرارات هذه اللجنة منازعة إدارية بطبيعتها، لتعلقها بقرارات إدارية صادرة عن مرفق عام مهني، يتمتع بقدر من السلطة العامة، فإن مسلك المشرع، على هذا النحو، يكون مصادمًا لأحكام الدستور، الذى أضحى بمقتضاه، مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية العامة في المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعي، ومن ثم تمثل هذه النصوص اعتداءً على استقلال القضاء وانتقاصًا من اختصاص مجلس الدولة، بالمخالفـة لنصـوص المـواد (94، 97، 184، 190) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريتها.
فلهـذه الأسبـاب
      حكمت المحكمة بعدم دستورية نصوص كل من الفقرة الثانية من المادة (19)، والفقرة الأخيرة من المادة (33)، والفقرة الأخيرة من المادة (36) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، فيما نصت عليه من إسناد الفصل في الطعن على قرارات لجنة القيد برفض طلب قيد المحامين، إلى محكمة استئناف القاهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق