جلسة 6 من فبراير سنة 2013
برئاسة السيد القاضي / مجدي أبو العلا نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / علي حسن علي ، قدري عبد الله وخالد حسن محمد نواب رئيس المحكمة وأبو الحسين فتحي .
----------------
(22)
الطعن 5976 لسنة 82 ق
(1) كسب غير مشروع . جريمة " أركانها " . إثبات
" بوجه عام " " شهود " " قرائن ". استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة
الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل " . حكم "تسبيبه . تسبيب معيب" "ما يعيبه في نطاق التدليل".
حق محكة الموضوع استخلاص
واقعة الدعوى من أدلتها وعناصرها . شرط ذلك ؟
الكسب غير المشروع .
ماهيته ؟
الكسب غير المشروع وفقاً
للمادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع له صورتان .
ماهيتهما ؟
وجوب بناء الأحكام على الجزم واليقين بناءً على
الأدلة التي توردها المحكمة وتبين مؤداها بياناً كافياً .
خلو الحكم مما يكشف عن وجه استشهاد المحكمة
بالدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات الذي استنبطت منه معتقدها. قصور في
التدليل.
وجوب
بناء الأحكام على أدلة يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته عن عقيدة
يحصلها مما يجريه من تحقيق . إدخاله حكماً لسواه في تكوين عقيدته . غير صحيح .
للمحكمة
أن تعول علي التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . طالما طرحت على بساط
البحث . عدم صلاحيتها وحدها كقرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة .
مثال لتسبيب معيب لحكم صادر بالإدانة بجريمة كسب غير مشروع .
(2) كسب غير مشروع . دفاع " الإخلال بحق الدفاع
. ما يوفره ". حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " .
دفاع الطاعن بتقدمه
بإقرارات الذمة المالية طوال مدة عمله ضمنها ذات عناصر ذمته موضوع الاتهام وصدور
قرار بالحفظ . جوهري .
وجوب الرد عليه . إغفال الحكم بإدانته بجريمة الكسب غير المشروع . قصور وإخلال بحق الدفاع .
(3) دستور .
كسب غير مشروع . دفوع " الدفع بعدم الدستورية ". حكم " تسبيبه . تسبيب معيب
".
بحث الحكم وفصله في دستورية النص القانوني
المدفوع بعدم دستوريته دون الاقتصار على إبداء الرأي في جدية الدفع . مخالفة
للقانون وخطأ في تطبيقه . علة وأساس ذلك ؟
مثال .
(4) كسب غير مشروع . نقض
" أثر الطعن ".
نقض الحكم بإدانة طاعن بكسب غير مشروع
والإعادة . يوجب نقضه والإعادة للطاعن الآخر المنسوب إليه إخفاء ذلك الكسب . علة
وأساس ذلك ؟
(5) كسب غير مشروع . رد . نقض
" أثر الطعن ".
الفقرتان
الأولى والثالثة من المادة 18 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع
. مؤداهما ؟
نقض الحكم بإدانة الطاعن – الزوج - بكسب
غير مشروع والإعادة . يوجب نقضه والإعادة للطاعنة المقضي بالرد في مواجهتها . علة
وأساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم حصَّل واقعة الدعوى بقوله " .... أن
.... وقد بدأ اتصاله بالوظيفة العامة عام .... فور تخرجه من الكلية الحربية ضابطاً بسلاح .... يحمل شرف
الانتماء للعسكرية المصرية وانتهت صلته بها بتقديم استقالته بتاريخ .... من آخر
وظيفة عامة تولاها وهي .... وما بين هذا التاريخ وذاك تقلد مناصب عدة واكتسب صفات
نيابية وحزبية ، حيث ألحق بالعمل بالحرس الجمهوري من أغسطس .... ضابطاً بكتيبة .... ثم بمكتب
مستشار رئيس الجمهورية لــ .... و.... إلَّا
أنه استقال من الوظيفة العسكرية برتبة مقدم في .... وعاد للعمل بوظيفة
مدنية بمكتب رئيس ديوان .... اعتباراً من .... واستطاع خلال تلك الفترة أن يصبح
محل ثقة مفرطة من رؤسائه فعين مديراً لمكتب رئيس الديوان في.... وتدرج في مسالك
تلك الوظيفة إلَّا أنه تبوأ مقعد رئيس الديوان في .... وظل فيه إلى أن تقدم
باستقالته من هذا المنصب . وفي خلال تلك الفترة بزغ نجمه وذاع صيته باعتباره صاحب
المشورة المقبولة والكلمة المسموعة والمسيطر على مجريات الأمور ، ثم حمل أيضاً
أمانة الصفة النيابية وانتخب عضواً بمجلس الشعب اعتباراً من .... ولعدة دورات حتى
حل المجلس في .... وأميناً عاماً مساعداً للحزب .... المنحل من عام .... حتى
استقالته من هيئة مكتب الحزب في .... وقد طوعت تلك الوظائف المدنية والصفات
النيابية والحزبية للمتهم أمر الحصول على الكسب الحرام دون وازع من ضمير أو رادع
من قانون بما يخرج عن مقتضى الأمانة والنزاهة المفترضة في الموظف العام ومن في
حكمه ، وساعده على ذلك الديكتاتورية السياسية والبيروقراطية الإدارية التي سادت
هذا العصر فاستوحش الفساد السياسي والأخلاقي فاستغل المتهم هذا المحيط الفاسد الذى
أسهم فيه بنصيب وجعل من سلطان وظيفته العامة وصفاته النيابية والحزبية وسيلة
للحصول على مكاسب غير مشروعة لنفسه ولزوجته على حساب الشعب الذي عانى في السنوات
الأخيرة من فقر وترد في مستوى المعيشة وما تبعه من ترد في الأخلاق وغياب الوعي آية
ذلك أن المتهم قد بدأ حياته الوظيفية لا يملك من متاع الدنيا سوى دخله من الوظيفة
العامة ثم تزوج من .... (الخصم المدخل) سنة .... وأقام في مسكن مؤجر بحي .... ولم
يكن لها هي الأخرى من مصادر للدخل سوى دخلها من وظيفتها بمؤسسة .... الصحفية التي
التحقت للعمل بها سنة .... وقد استمرا في سنوات حياتهما الزوجية الأولى خاليي
الوفاض من أية ثروة أو ممتلكات سوى دخلهما من عملهما والذي يكفي بالكاد نفقاتهما
المعيشية إلَّا أن ثروة المتهم ومصادر دخله أخذت تتزايد مع ارتقائه في الوظيفة
العامة وتقلده لمناصب واكتسابه الصفات المار بيانها نتيجة ما اكتسبه من مال حرام
سيما بعد تبوئه لمنصب رئيس ديوان .... فتملك العقارات في أنحاء مختلفة من البلاد
وتعامل فيها بيعاً وشراء واتخذ لسكناه وزوجته قصراً مشيداً في منطقة أرض ....
اقتنيا فيه أفخر الأثاث وأثمن الهدايا والتحف وامتلكا مصيفاً بـــ .... و....
ومشتى على البحيرات .... وسيارات باهظة الأثمان له ولزوجته إضافة لتضخم حساباته
إيداعاً وسحباً ببنوك عدة أظهرها البنك .... والبنك .... وبنك .... وحقق من وراء
كل ذلك كسباً غير مشروع له ولزوجته بلغ مقدار ما أمكن حصره منه 36376843 جنيهاً
ستة وثلاثين مليوناً وثلاثمائة وستة وسبعين ألفاً وثمانمائة وأربعة وثلاثين جنيهاً
وكان ذلك نتيجة استغلال المتهم لأعمال وظيفته وصفاته النيابية والحزبية " ،
وعدد الحكم صور هذا الاستغلال وما حققه الطاعن لنفسه من كسب غير مشروع على نحو ما
فصله في تصويره للواقعة ثم أوردَّ على ثبوتها لديه على تلك الصورة أدلة مستمدة من
أقوال شهود الإثبات وما ثبت بتقرير الخبراء الفنيين والمستندات والإفادات . لما
كان ذلك ، ولئن كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها
وسائر عناصرها ، إلَّا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون الدليل
الذي تعول عليه مؤدياً إلى ما رتبته عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا
تنافر مع حكم العقل والمنطق ، وكان المقصود بالكسب غير المشروع كل مال تملكه
الموظف أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصراً من عناصرها باستغلال ما تسبغه
عليه وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتراء على محارم القانون ، مما
يمس ما يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة ، والكسب غير
المشروع أخذاً من نص قانونه رقم 62 لسنة 1975 لا يعدو صورتين الأولى : وهي المنصوص
عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون المذكور وهي التي يثبت فيها
في حق الموظف - ومن في حكمه أياً كان نوع وظيفته - استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ
أو ظروف وظيفته أو مركزه ، وحصوله كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال
. والثانية : وهي المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة ذاتها وهي التي لا يثبت
فيها هذا الاستغلال الفعلي على الموظف أو من في حكمه ، ولكن يثبت أن لديه في ماله
زيادة عجز عن إثبات مصدرها ، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون نوع وظيفة الموظف مما
يتيح له فرص الاستغلال على حساب الدولة أو على حساب الغير ، ويتعين على قاضي
الموضوع لإعمال هذه القرينة أن يثبت في حكمه توافر هذين الأمرين وهما الزيادة غير
المبررة في مال الموظف ، وكون نوع وظيفته بالذات يتيح له فرص هذا الاستغلال حتى
يصح اعتبار عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه
الزيادة تمثل كسباً غير مشروع . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم
المطعون فيه أنه عول من بين ما عول عليه في إدانة الطاعن الأول بجريمة الكسب غير
المشروع على أقوال واحد وعشرين شاهداً للإثبات ، كانت شهاداتهم باستثناء ما شهد به
الثلاثة الأول منهم بما أسفرت عنه تحرياتهم قد خلت من تفاصيل الوقائع والأفعال
التي قارفها الطاعن المذكور والمثبتة لارتكابه تلك الجريمة بعناصرها القانونية
وحسبما استخلص الحكم منها في بيانه صورة الواقعة وما عدده من صور استغلال الوظيفة
وما نتج عنه من كسب محرم ، ومن شواهد ذلك أنه نقل في نطاق التدليل على كسب
الطاعن لبعض تلك الأموال عن شهود للإثبات - تدخله لدى وزير الإسكان الأسبق مستغلاً
سلطان وظيفته وصفته النيابية للحصول على قطعة أرض بمنطقة .... باسم زوجته
"الطاعنة الثالثة " وهي منطقة مميزة ، وحصوله على شقة سكنية بالطابق
.... على كامل مسطح العقار رقم .... رغم صدور قرار إزالة لذلك الطابق والطابق ....
مستغلاً سلطان وظيفته وعلاقته الملتبسة مع مالك العقار ، وحصوله على شقة بالطابق
رقم ... برج .... مساحتها .... بسعر لا يتناسب مع قيمتها الفعلية ، وعلى الفيلا
رقم .... مستغلاً فيها سلطان وظيفته النيابية ، وحصوله أيضاً على العطايا من بعض
المؤسسات الصحفية القومية مستغلاً نفوذه ، وحصوله على قطع من الأراضي بمنطقة ....
بالمخالفة للقانون - وذلك دون أن يبين الحكم من واقع ما حصله من أقوال هؤلاء
الشهود كيف تدخل الطاعن لدى وزير الإسكان الأسبق ولدى المسئولين في الجهات الأخرى
ووجه استغلاله نفوذه وسلطان وظيفته وكيفية ونوعية ووقائع المصالح التي سهلها
الطاعن لمؤسسة .... وسائر المؤسسات الصحفية بغية نيل هداياها وصلة ذلك بوظيفته
وماهية الإجراءات والنظم والقواعد المعمول بها التي خالفها وأهدرها وكيف خالف
القانون ، لا سيما المادة 95 من دستور سنة 1971 بشأن الحصول على فيلا .... وأرض
.... وما إذا كانتا مدرجتين تحت الحظر المنصوص عليه فيها - واكتفى في ذلك كله
بعبارات عامة مجملة ومجهلة لا يبين منها مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض الذي
هو مدار الأحكام ولا يتحقق بها الغرض الذي قصد الشارع من إيجاب تسبيبها من الوضوح
والبيان والجزم واليقين - هذا إلى أنه لم يبين المبلغ المضاف بالفوائد البنكية
بحسابات الطاعن الأول والخصم المدخل ووجه عدم مشروعية كسبه لها، كما لم يبين كيفية
احتساب قيمة المصروفات غير معلومة المصدر في ذمته المالية خلال فترة الفحص والدليل
على أن المال الذى احتسبه ضمن نفقات الطاعن المذكور كسباً غير مشروع ، ولا يجزئ
فيما سلف ما ذكرته المحكمة في مقام حكمها من أنه تحقق لديها مقارفة الطاعن المذكور
للجريمة ، ذلك بأن الأحكام يجب أن تبنى على الجزم واليقين وأن يؤسس هذا الجزم على
الأدلة التي توردها المحكمة والتي يجب أن تبين مؤداها في الحكم بياناً كافياً يبين
منه مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ، وإذ ما كان الحكم قد جاء خلواً
مما يكشف عن وجه استشهاد المحكمة بالدليل
المستمد من أقوال شهود الإثبات سالفي البيان والذي استنبطت منه معتقدها في الدعوى
، فإن تدليل الحكم يكون غير سائغ
وقاصراً عن محل قضائه ، ولا يعصم الحكم من هذا العيب تعويله على أقوال شهود
الإثبات الثلاثة الأول .... عضو هيئة الرقابة الإدارية واللواء .... مدير إدارة
الكسب غير المشروع بالإدارة العامة لمباحث الأموال العامة والعقيد .... بالإدارة
ذاتها بما أسفرت عنه تحرياتهم في هذا الخصوص ، لما هو مقرر من أن الأحكام يجب أن
تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك
عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق
مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ، ولا يصح في
القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم
صحتها حكماً لسواه ، لأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على
التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث ، إلَّا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون
قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة ، وإذ كانت المحكمة قد جعلت
أساس اقتناعها التحريات واتخذ منها الحكم دليلاً أساسياً في ثبوت مقارفة الطاعن
الأول للجريمة المسندة إليه ، فإن تدليله يكون قاصراً .
2- لما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن
الأول بجريمة الكسب غير المشروع واعتبر مجرد قيامه بالوظيفة وعجزه عن إثبات مصدر
الزيادة في ثروته دليلاً على أن ما كسبه غير مشروع رغم أن الطاعن المذكور تمسك في
دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه تقدم بجميع إقرارات الذمة المالية طوال مدة عمله
وقد ضمنها ذات عناصر الذمة المالية موضوع الاتهام قد صدر بشأنها قراراً من هيئة
الفحص والتحقيق بالحفظ لعدم وجود شبهة كسب غير مشروع وأقر بأن كل مصادر دخله كانت
من عمله ، وقد تضمن الحكم أن الطاعن قدم تأييداً لدفاعه بعضاً من محاضر إقرارات
ذمته المالية والقرارات الصادرة بالحفظ ، وعلى الرغم من جوهرية هذا الدفاع في
خصوصية الدعوى لتعلقه بإثبات ما قال به في شأن مشروعية مصادر كسبه وعناصر ذمته
المالية وبتحقيق الدليل المقدم في الدعوى ، إذ لو صح وثبت أنه سبق إجراء تحقيق في
هذا الشأن انتهى إلى قرار أو أمر أو إجراء ما لأمكن أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى
، ولما كان الحكم المطعون فيه قد التفت عن هذا الدفاع ولم يقسطه حقه ولم يرد عليه
بما يفنده ولم يعن بتحقيقه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه تجلية للحقيقة وهداية إلى
الصواب ، فإنه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع .
3- لما كان الحكم المطعون فيه قد ردَّ على الدفع
بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن
الكسب غير المشروع وطلب الدفاع التصريح
برفع الدعوى بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا بقوله " .... فإنه ولما كانت المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه " إذا دفع أحد الخصوم أمام المحاكم أو إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا . وإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن " مما مفاده أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية ، وأن الأمر بوقف الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية جوازي لها ومتروك لمطلق تقديرها . لما كان ذلك ، وكانت القاعدة الأساسية في الإثبات في المواد الجنائية هي حرية القاضي في تكوين عقيدته في اقتناعه ، وتدخل المشرع في تلك الأحيان لبيان وسيلة معينة للإثبات لا يؤثر في اقتناع القاضي بقيام الجريمة من عدمه أو توافر دليل أو انتفائه ، كما أن القاعدة الأصولية المقررة في قانون الإجراءات الجنائية في تنظيمها لمبدأ الإثبات هي أن سلطة الاتهام هي التي يقع على عاتقها هذا العبء وأن البينة على من ادعى - فعليها أن تقيم الأدلة على صحة وثبوت الفعل المسند للمتهم وأنه هو مرتكبه وتقديم سلطة الاتهام لهذه الأدلة لا يوجب حتماً القضاء بالإدانة ، وإذ كان ظاهر نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع لم يخرج فيه المشرع على القاعدة العامة في تنظيم عبء الإثبات
إذ أوجب على سلطة الادعاء أن تقدم الدليل على ارتكاب المتهم للسلوك المشكل للركن المادي للجريمة كما أوجب عليها أن تقدم الدليل على زيادة ثروة الخاضع لأحكام القانون السالف وأن هذه الزيادة لا تتناسب مع الموارد المشروعة للخاضع وهنا فقط تقوم القرينة البسيطة التي نصت عليها المادة سالفة الذكر والتي مؤداها عدم مشروعية هذه الزيادة ولم يجعل المشرع هذه القرينة قاطعة بل جاءت قرينة بسيطة يمكن للمتهم دحضها بأمر سهل وبسيط عليه هو إثبات مشروعية مصادر هذه الزيادة وهذا الأمر بدوره يتفق مع الواقع غالباً في الحياة العملية واعتبارات المواءمة المقارنة ، ذلك أن الواقعات المادية المكونة لجريمة الكسب غير المشروع والمتمثلة في حصول المتهم على منفعة محددة نتيجة استغلاله وظيفته تعد من حيث الواقع العملي صعبة الإثبات ، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار وسائل المتهم وإمكانياته وسلطاته بما يطوع إخفاء هذه الواقعات وطمس معالمها الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل القوانين ومقاصدها والتي ما شرعت إلا للمحافظة ودعم المصالح التي ارتأتها الإرادة الشعبية مصدراً لتلك القوانين وحيث إنه لما تقدم فإن المحكمة ترى في حدود سلطتها التقديرية أن الدفع بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثانية المار بيانها غير جدي وتلتفت عنه " . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في معرض الردَّ على الدفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع على السياق المتقدم لم يقتصر على مجرد إبداء المحكمة رأيها في جدية أو عدم جدية ذلك الدفع ، وإنما تطرق الحكم المطعون فيه إلى الخوض في بحث دستورية النص القانوني المطعون بعدم دستوريته ، بأن أفاض في شرح القرينة وتفنيدها ثم انتهى إلى القول ما مفاده باتفاقها والمبادئ الدستورية والقانونية ، وهو ما ينطوي على فصل ضمني من جانب المحكمة - المطعون على حكمها - بدستورية الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون الكسب غير المشـروع - آنف الذكر - وهو أمر يخرج عن اختصاصها ومحظور عليها طبقاً للمادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر به القانون رقم 48 لسنة 1979 والتي تنص على أن " تختص المحكمة الدستورية العليا بما يأتي : أولاً : الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح . ثانياً : .... ثالثاً: ...."، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه .
برفع الدعوى بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا بقوله " .... فإنه ولما كانت المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه " إذا دفع أحد الخصوم أمام المحاكم أو إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا . وإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن " مما مفاده أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية ، وأن الأمر بوقف الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية جوازي لها ومتروك لمطلق تقديرها . لما كان ذلك ، وكانت القاعدة الأساسية في الإثبات في المواد الجنائية هي حرية القاضي في تكوين عقيدته في اقتناعه ، وتدخل المشرع في تلك الأحيان لبيان وسيلة معينة للإثبات لا يؤثر في اقتناع القاضي بقيام الجريمة من عدمه أو توافر دليل أو انتفائه ، كما أن القاعدة الأصولية المقررة في قانون الإجراءات الجنائية في تنظيمها لمبدأ الإثبات هي أن سلطة الاتهام هي التي يقع على عاتقها هذا العبء وأن البينة على من ادعى - فعليها أن تقيم الأدلة على صحة وثبوت الفعل المسند للمتهم وأنه هو مرتكبه وتقديم سلطة الاتهام لهذه الأدلة لا يوجب حتماً القضاء بالإدانة ، وإذ كان ظاهر نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع لم يخرج فيه المشرع على القاعدة العامة في تنظيم عبء الإثبات
إذ أوجب على سلطة الادعاء أن تقدم الدليل على ارتكاب المتهم للسلوك المشكل للركن المادي للجريمة كما أوجب عليها أن تقدم الدليل على زيادة ثروة الخاضع لأحكام القانون السالف وأن هذه الزيادة لا تتناسب مع الموارد المشروعة للخاضع وهنا فقط تقوم القرينة البسيطة التي نصت عليها المادة سالفة الذكر والتي مؤداها عدم مشروعية هذه الزيادة ولم يجعل المشرع هذه القرينة قاطعة بل جاءت قرينة بسيطة يمكن للمتهم دحضها بأمر سهل وبسيط عليه هو إثبات مشروعية مصادر هذه الزيادة وهذا الأمر بدوره يتفق مع الواقع غالباً في الحياة العملية واعتبارات المواءمة المقارنة ، ذلك أن الواقعات المادية المكونة لجريمة الكسب غير المشروع والمتمثلة في حصول المتهم على منفعة محددة نتيجة استغلاله وظيفته تعد من حيث الواقع العملي صعبة الإثبات ، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار وسائل المتهم وإمكانياته وسلطاته بما يطوع إخفاء هذه الواقعات وطمس معالمها الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل القوانين ومقاصدها والتي ما شرعت إلا للمحافظة ودعم المصالح التي ارتأتها الإرادة الشعبية مصدراً لتلك القوانين وحيث إنه لما تقدم فإن المحكمة ترى في حدود سلطتها التقديرية أن الدفع بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثانية المار بيانها غير جدي وتلتفت عنه " . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في معرض الردَّ على الدفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع على السياق المتقدم لم يقتصر على مجرد إبداء المحكمة رأيها في جدية أو عدم جدية ذلك الدفع ، وإنما تطرق الحكم المطعون فيه إلى الخوض في بحث دستورية النص القانوني المطعون بعدم دستوريته ، بأن أفاض في شرح القرينة وتفنيدها ثم انتهى إلى القول ما مفاده باتفاقها والمبادئ الدستورية والقانونية ، وهو ما ينطوي على فصل ضمني من جانب المحكمة - المطعون على حكمها - بدستورية الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون الكسب غير المشـروع - آنف الذكر - وهو أمر يخرج عن اختصاصها ومحظور عليها طبقاً للمادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر به القانون رقم 48 لسنة 1979 والتي تنص على أن " تختص المحكمة الدستورية العليا بما يأتي : أولاً : الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح . ثانياً : .... ثالثاً: ...."، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه .
4- لما كان إخفاء مال متحصل من جريمة لا يتحقق
إلَّا إذا ثبت وقوع هذه الجريمة ابتداء وأن وجود المال في حيازة المُخفي كان أثراً
من آثارها ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد تعيَّب على نحو ما سلف الإلماح له في
موضعه في تدليله على كسب الطاعن الأول للعقار المنسوب إلى الطاعن الثاني إخفاءه
- كسباً غير مشروع ، فإنه يتعين نقض الحكم والإعادة بالنسبة إليه أيضاً ،
لاتصال أحد الأوجه التي بني عليها النقض به ، عملاً بالمادة 42 من قانون حالات
وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ، وذلك بغير
حاجة إلى النظر في أسباب الطعن المقدمة منه .
5- لما كانت الفقرة الأولى من المادة 18 من
القانون رقم 62 لسنة 1975 في شأن الكسب غير المشروع تنص على أن " كل من حصل
لنفسه أو لغيره على كسب غير مشروع يعاقب
بالسجن وبغرامة مساوية لقيمة الكسب غير المشروع فضلاً عن الحكم برد هذا الكسب
" ، وتنص الفقرة الثالثة من ذات المادة على أن " وعلى المحكمة أن
تأمر في مواجهة الزوج والأولاد القصر الذين استفادوا من الكسب غير المشروع بتنفيذ
الحكم بالرد في أموال كل منهم بقدر ما استفاد " ، وهو ما يدل على أن إصدار
الأمر - متقدم المساق - إذا توافرت موجباته - يتوقف على صدور حكم بإدانة الزوج
الحاصل على كسب غير مشروع مرتبط به ويدور معه وجوداً وعدماً بحيث لا يتصور صدوره
إلَّا إذا صدر حكم بإدانة الزوج ولا تكون له قائمة إذا ما ألغي الحكم المذكور .
لما كان ذلك ، وكانت المحكمة قد انتهت على النحو السالف إلى القضاء بنقض الحكم
المطعون فيه بالنسبة إلى الطاعن الأول - الزوج - فإنه يتعين نقضه والإعادة كذلك
فيما قضى به بالنسبة للطاعنة الثالثة من أن يكون الإلزام بالرد في مواجهتها ، بغير
حاجة إلى بحث أوجه الطعن المقدمة منها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة
العامة كلاً من :1- .... (طاعن) 2- ....(طاعن) بأنهما:
أولاً : المتهم الأول : بصفته من العاملين بالجهاز الإداري للدولة
" رئيس ديوان .... ، وعضواً بمجلس الشعب وأميناً عاماً مساعداً للحزب ....
" حصل لنفسه وزوجته .... على كسب غير مشروع بلغ مقداره 42,598,514 جنيه
" اثنين وأربعين مليوناً وخمسمائة وثمانية وتسعين ألفاً وخمسمائة وأربعة عشر جنيهاً " بما لا يتناسب مع موارده وكان ذلك
ناشئاً عن استغلاله لأعمال وسلطان وظائفه سالفة البيان والتي استغلها للحصول على هذا
المال ، ومن صور ذلك الاستغلال : 1- حصوله وزوجته على " مساحات بلغ إجمالها
اثني عشر قيراطاً وثمانية أسهم و3/4 سهم بمنطقة .... بالمخالفة لقواعد التخصيص
المنظمة لها وتدخله بصفته لدى محافظ ..... لتخطي قواعد التخصيص آنفة البيان . 2-
تدخله لدى وزير الإسكان الأسبق للحصول على " مساحة 1725 متر مربع بمدينة ....
" مباشرة دون اتباع للإجراءات القانونية المنصوص عليها باللائحة العقارية المنظمة
لبيع الأراضي الواقعة في نطاق هيئة المجتمعات العمرانية والتي ما كان له أن يحصل
عليها لولا استغلاله لصفته الوظيفية . 3- حصوله على " شقة سكنية بأحد الأدوار
بالعقار .... " رغم علمه بصدور قرار إزالة وللحيلولة دون تنفيذه وإيقاف الإجراءات القانونية ضد مالك العقار وهو ما تم
بالفعل وأدى لاحقاً لحفظ المحضر المحرر عن ذلك إدارياً . 4- حصوله على شقة
.... بمبلغ بخس لا يتناسب مع قيمتها الفعلية إذ حصل عليها بمبلغ " مليون جنيه
" حال أن قيمتها لدى الشركة البائعة وقت الشراء مبلغ " خمسة ملايين
ومائتين وثمانية وخمسين ألفاً وثمانمائة وستة وثلاثين جنيهاً " وأخفى هذا
المال بأن دون التعاقد باسم المتهم الثاني . 5- حصوله على " الفيلا ....
والمملوكة لهيئة المجتمعات العمرانية ، وقطعتي الأرض الكائنتين بــ .... باستغلال
صفاته آنفة البيان وبالمخالفة لنص المادة 95 من دستور 1971 والمعمول به آنذاك
والتي تحظر على عضو مجلس الشعب التعامل على أملاك الدولة بيعاً وشراء . 6- حصوله
على " هدايا من المؤسسات الصحفية .... ، .... ، .... لقاء استغلال نفوذه
لإبقاء رؤساء مجالس إداراتها بمناصبهم رغم بلوغهم السن القانونية للتقاعد . ثانياً
: المتهم الثاني : أخفى مالاً متحصلاً من جريمة الكسب الغير مشروع وذلك بأن
ارتضى صفته كمالك صوري للشقة الكائنة بــ .... والمبينة بالبند الرابع من الوصف
.
والنيابة العامة طلبت إدخال .... - زوجة المتهم
الأول - في الدعوى ليصدر حكم الرد في مواجهتها إعمالاً للمادة 18 / 4 من قانون
الكسب غير المشروع .
وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهما
طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة أدخلت
.... - زوجة المتهم الأول - في الدعوى كخصم مدخل فيها ، وقضت حضورياً عملاً بالمادة 44 مكرراً من قانون العقوبات والمواد 1/1، 3
، 2 ، 18/1، 3 ،4 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع والمادة 14
من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن الأحزاب السياسية مع إعمال المادة 17 من قانون
العقوبات في حق المتهم الثاني : أولاً : بمعاقبة .... بالسجن لمدة سبع
سنوات وتغريمه مبلغ " ستة وثلاثين مليوناً وثلاثمائة وستة وسبعين ألفاً
وثمانمائة وأربعة وثلاثين جنيهاً " وألزمته برد مثل هذا المبلغ في مواجهة
زوجته .... بقدر ما استفادت من كسب غير مشروع وألزمته المصاريف الجنائية . ثانياً
: بمعاقبة .... بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة
مع الشغل عما أسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية . ثالثاً : بعدم
قبول الدعاوى المدنية وألزمت كلاً من المدعين بالحق المدني مصاريفها شاملة مقابل
أتعاب المحاماة .
فطعن المحكوم عليه الأول
والثاني والخصم المدخل في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
من حيث إن مما ينعاه الطاعن الأول .... على
الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الكسب غير المشروع قد شابه القصور في
التسبيب والفساد في الاستدلال وران عليه البطلان وانطوى على الإخلال بحق الدفاع
وخالف القانون وأخطأ في تطبيقه ، ذلك بأنه جاء مبهماً ومجهلاً في أسبابه ، وعول
على أقوال شهود الإثبات رغم أنها لا تكفي ولا تؤدي إلى ما رتبه عليها من أن الطاعن
حصل على الكسب بسبب استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ وظيفته فلم تتضمن مظاهر ذلك
الاستغلال والأفعال التي أتاها في هذا الشأن وأن هذه الوظيفة هي بذاتها من نوع
الوظائف التي تبيح هذا الاستغلال ، واعتبر مجرد قيامها وعجزه عن إثبات الزيادة في
ثروته دليلاً على أن ما كسبه غير مشروع ، وأغفل الردَّ على دفاعه القائم على ما
قدمه من إقرارات الذمة المالية طوال مدة عمله قد صدر بشأنها قرارات بالحفظ لعدم
وجود شبهة كسب غير مشروع ملتفتاً عن المستندات التي تظاهره ، واطرح دفعه بعدم
دستورية الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 في شأن
الكسب غير المشروع بما لا يتفق وصحيح القانون ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم حصَّل واقعة الدعوى بقوله
" .... أن .... وقد بدأ اتصاله بالوظيفة العامة عام .... فور تخرجه من الكلية الحربية ضابطاً بسلاح .... يحمل شرف
الانتماء للعسكرية المصرية وانتهت صلته بها بتقديم استقالته بتاريخ .... من آخر
وظيفة عامة تولاها وهي .... وما بين هذا التاريخ وذاك تقلد مناصب عدة واكتسب صفات
نيابية وحزبية ، حيث ألحق بالعمل بالحرس الجمهوري من أغسطس .... ضابطاً بكتيبة .... ثم بمكتب
مستشار رئيس الجمهورية لــ .... و.... إلَّا أنه استقال من الوظيفة العسكرية برتبة
مقدم في .... وعاد للعمل بوظيفة مدنية بمكتب رئيس ديوان .... اعتباراً من ....
واستطاع خلال تلك الفترة أن يصبح محل ثقة مفرطة من رؤسائه فعين مديراً لمكتب رئيس الديوان في....
وتدرج في مسالك تلك الوظيفة إلَّا أنه تبوأ مقعد رئيس الديوان في .... وظل فيه إلى أن
تقدم باستقالته من هذا المنصب . وفي خلال تلك الفترة بزغ نجمه وذاع صيته باعتباره
صاحب المشورة المقبولة والكلمة المسموعة والمسيطر على مجريات الأمور ، ثم حمل أيضاً أمانة الصفة
النيابية وانتخب عضواً بمجلس الشعب اعتباراً من .... ولعدة دورات حتى حل المجلس في
.... وأميناً عاماً مساعداً للحزب .... المنحل من عام .... حتى استقالته من هيئة
مكتب الحزب في .... وقد طوعت تلك الوظائف المدنية والصفات النيابية والحزبية
للمتهم أمر الحصول على الكسب الحرام دون وازع من ضمير أو رادع من قانون بما يخرج
عن مقتضى الأمانة والنزاهة المفترضة في الموظف العام ومن في حكمه ، وساعده على ذلك
الديكتاتورية السياسية والبيروقراطية الإدارية التي سادت هذا العصر فاستوحش الفساد السياسي
والأخلاقي فاستغل المتهم هذا المحيط الفاسد الذى أسهم فيه بنصيب وجعل من سلطان
وظيفته العامة وصفاته النيابية والحزبية وسيلة للحصول على مكاسب غير مشروعة لنفسه
ولزوجته على حساب الشعب الذي عانى في السنوات الأخيرة من فقر وترد في مستوى
المعيشة وما تبعه من ترد في الأخلاق وغياب الوعي آية ذلك أن المتهم قد بدأ حياته الوظيفية لا يملك من
متاع الدنيا سوى دخله من الوظيفة العامة ثم تزوج من .... (الخصم المدخل) سنة ....
وأقام في مسكن مؤجر بحي .... ولم يكن لها هي الأخرى من مصادر للدخل سوى دخلها من
وظيفتها بمؤسسة .... الصحفية التي التحقت للعمل بها سنة .... وقد استمرا في سنوات حياتهما
الزوجية الأولى خاليي الوفاض من أية ثروة أو ممتلكات سوى دخلهما من عملهما والذي
يكفي بالكاد نفقاتهما المعيشية إلَّا أن ثروة المتهم ومصادر دخله أخذت تتزايد مع
ارتقائه في الوظيفة العامة وتقلده لمناصب واكتسابه الصفات المار بيانها نتيجة ما
اكتسبه من مال حرام سيما بعد تبوئه لمنصب رئيس ديوان .... فتملك العقارات في أنحاء مختلفة من البلاد وتعامل فيها بيعاً وشراء واتخذ لسكناه وزوجته قصراً مشيداً في منطقة أرض ....
اقتنيا فيه أفخر الأثاث وأثمن الهدايا والتحف وامتلكا مصيفاً بـــ .... و....
ومشتى على البحيرات .... وسيارات باهظة الأثمان له ولزوجته إضافة لتضخم حساباته
إيداعاً وسحباً ببنوك عدة أظهرها البنك .... والبنك .... وبنك .... وحقق من وراء
كل ذلك كسباً غير مشروع له ولزوجته بلغ مقدار ما أمكن حصره منه 36376843 جنيهاً
ستة وثلاثين مليوناً وثلاثمائة وستة وسبعين ألفاً وثمانمائة وأربعة وثلاثين جنيهاً وكان ذلك نتيجة استغلال
المتهم لأعمال وظيفته وصفاته النيابية والحزبية " ، وعدد الحكم صور
هذا الاستغلال وما حققه الطاعن لنفسه من كسب غير مشروع على نحو ما فصله في تصويره
للواقعة ثم أوردَّ على ثبوتها لديه على تلك الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود
الإثبات وما ثبت بتقرير الخبراء الفنيين والمستندات والإفادات . لما كان ذلك ،
ولئن كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر
عناصرها ، إلَّا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون الدليل الذي
تعول عليه مؤدياً إلى ما رتبته عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر
مع حكم العقل والمنطق ، وكان المقصود بالكسب غير المشروع كل مال تملكه الموظف أو
من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصراً من عناصرها باستغلال ما تسبغه عليه
وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتراء على محارم القانون ، مما يمس
ما يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة ، والكسب غير المشروع
أخذاً من نص قانونه رقم 62 لسنة 1975 لا يعدو صورتين الأولى : وهي المنصوص عليها
في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون المذكور وهي التي يثبت فيها في حق
الموظف - ومن في حكمه أياً كان نوع وظيفته - استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ أو
ظروف وظيفته أو مركزه ، وحصوله كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال .
والثانية : وهي المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة ذاتها وهي التي لا يثبت
فيها هذا الاستغلال الفعلي على الموظف أو من في حكمه ، ولكن يثبت أن لديه في ماله
زيادة عجز عن إثبات مصدرها ، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون نوع وظيفة الموظف مما
يتيح له فرص الاستغلال على حساب الدولة أو على حساب الغير ، ويتعين على قاضي
الموضوع لإعمال هذه القرينة أن يثبت في حكمه توافر هذين الأمرين وهما الزيادة غير
المبررة في مال الموظف ، وكون نوع وظيفته بالذات يتيح له فرص هذا الاستغلال حتى
يصح اعتبار عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه
الزيادة تمثل كسباً غير مشروع . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم
المطعون فيه أنه عول من بين ما عول عليه في إدانة الطاعن الأول بجريمة الكسب غير
المشروع على أقوال واحد وعشرين شاهداً للإثبات ، كانت شهاداتهم باستثناء ما شهد به
الثلاثة الأول منهم بما أسفرت عنه تحرياتهم قد خلت من تفاصيل الوقائع والأفعال التي
قارفها الطاعن المذكور والمثبتة لارتكابه تلك الجريمة بعناصرها القانونية وحسبما
استخلص الحكم منها في بيانه صورة الواقعة وما عدده من صور استغلال الوظيفة وما نتج
عنه من كسب محرم ، ومن شواهد ذلك أنه نقل في
نطاق التدليل على كسب الطاعن لبعض تلك الأموال عن شهود للإثبات - تدخله لدى
وزير الإسكان الأسبق مستغلاً سلطان وظيفته وصفته النيابية للحصول على قطعة أرض
بمنطقة .... باسم زوجته "الطاعنة الثالثة " وهي منطقة مميزة ، وحصوله
على شقة سكنية بالطابق .... على كامل مسطح العقار رقم .... رغم صدور قرار إزالة
لذلك الطابق والطابق .... مستغلاً سلطان وظيفته وعلاقته الملتبسة مع مالك العقار ،
وحصوله على شقة بالطابق رقم ... برج .... مساحتها .... بسعر لا يتناسب مع قيمتها
الفعلية ، وعلى الفيلا رقم .... مستغلاً فيها سلطان وظيفته النيابية ، وحصوله
أيضاً على العطايا من بعض المؤسسات الصحفية القومية مستغلاً نفوذه ، وحصوله على
قطع من الأراضي بمنطقة .... بالمخالفة للقانون - وذلك دون أن يبين الحكم من واقع
ما حصله من أقوال هؤلاء الشهود كيف تدخل الطاعن لدى وزير الإسكان الأسبق ولدى
المسئولين في الجهات الأخرى ووجه استغلاله نفوذه وسلطان وظيفته وكيفية ونوعية
ووقائع المصالح التي سهلها الطاعن لمؤسسة .... وسائر المؤسسات الصحفية بغية نيل
هداياها وصلة ذلك بوظيفته وماهية الإجراءات والنظم والقواعد المعمول بها التي
خالفها وأهدرها وكيف خالف القانون ، لا سيما المادة 95 من دستور سنة 1971 بشأن
الحصول على فيلا .... وأرض .... وما إذا كانتا مدرجتين تحت الحظر المنصوص عليه
فيها - واكتفى في ذلك كله بعبارات عامة مجملة ومجهلة لا يبين منها مقصود الحكم في
شأن الواقع المعروض الذي هو مدار الأحكام ولا يتحقق بها الغرض الذي قصد الشارع من
إيجاب تسبيبها من الوضوح والبيان والجزم واليقين - هذا إلى أنه لم يبين المبلغ
المضاف بالفوائد البنكية بحسابات الطاعن الأول والخصم المدخل ووجه عدم مشروعية
كسبه لها، كما لم يبين كيفية احتساب قيمة المصروفات غير معلومة المصدر في ذمته
المالية خلال فترة الفحص والدليل على أن المال الذى احتسبه ضمن نفقات الطاعن
المذكور كسباً غير مشروع ، ولا يجزئ فيما سلف ما ذكرته المحكمة في مقام حكمها من
أنه تحقق لديها مقارفة الطاعن المذكور للجريمة ، ذلك بأن الأحكام يجب أن تبنى على
الجزم واليقين وأن يؤسس هذا الجزم على الأدلة التي توردها المحكمة والتي يجب أن
تبين مؤداها في الحكم بياناً كافياً يبين منه مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها
المحكمة ، وإذ ما كان الحكم قد جاء خلواً مما يكشف عن وجه استشهاد المحكمة بالدليل
المستمد من أقوال شهود الإثبات سالفي البيان والذي استنبطت منه معتقدها في الدعوى
، فإن تدليل الحكم يكون غير سائغ وقاصراً عن محل قضائه ، ولا يعصم الحكم من هذا العيب تعويله على أقوال شهود الإثبات الثلاثة
الأول .... عضو هيئة الرقابة الإدارية واللواء .... مدير إدارة الكسب غير
المشروع بالإدارة العامة لمباحث الأموال
العامة والعقيد .... بالإدارة ذاتها بما أسفرت عنه تحرياتهم في هذا الخصوص ،
لما هو مقرر من أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة
المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً
في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ، ولا يصح في القانون أن يدخل في
تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه ،
لأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها
معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث ، إلَّا أنها لا
تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة ، وإذ كانت
المحكمة قد جعلت أساس اقتناعها التحريات واتخذ منها الحكم دليلاً أساسياً في ثبوت
مقارفة الطاعن الأول للجريمة المسندة إليه ، فإن تدليله يكون قاصراً . لما كان ذلك
، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن الأول بجريمة الكسب غير المشروع واعتبر
مجرد قيامه بالوظيفة وعجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ثروته دليلاً على أن ما كسبه
غير مشروع رغم أن الطاعن المذكور تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه تقدم
بجميع إقرارات الذمة المالية طوال مدة عمله وقد ضمنها ذات عناصر الذمة المالية
موضوع الاتهام قد صدر بشأنها قراراً من هيئة الفحص والتحقيق بالحفظ لعدم وجود شبهة
كسب غير مشروع وأقر بأن كل مصادر دخله كانت من عمله ، وقد تضمن الحكم أن الطاعن
قدم تأييداً لدفاعه بعضاً من محاضر إقرارات ذمته المالية والقرارات الصادرة بالحفظ
، وعلى الرغم من جوهرية هذا الدفاع في خصوصية الدعوى لتعلقه بإثبات ما قال به في
شأن مشروعية مصادر كسبه وعناصر ذمته المالية وبتحقيق الدليل المقدم في الدعوى ، إذ
لو صح وثبت أنه سبق إجراء تحقيق في هذا الشأن انتهى إلى قرار أو أمر أو إجراء ما
لأمكن أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد التفت عن
هذا الدفاع ولم يقسطه حقه ولم يرد عليه بما يفنده ولم يعن بتحقيقه بلوغاً إلى غاية
الأمر فيه تجلية للحقيقة وهداية إلى الصواب ،
فإنه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع . لما
كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد ردَّ على الدفع بعدم دستورية الفقرة الثانية
من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع وطلب
الدفاع التصريح برفع الدعوى بعدم دستوريته أمام
المحكمة الدستورية العليا بقوله " .... فإنه ولما كانت المادة 29 من
قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه
" إذا دفع أحد الخصوم أمام المحاكم أو إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي
بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر
الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام
المحكمة الدستورية العليا . وإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم
يكن " مما مفاده أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع
بعدم الدستورية ، وأن الأمر بوقف الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى
بعدم الدستورية جوازي لها ومتروك لمطلق تقديرها . لما كان ذلك ، وكانت القاعدة
الأساسية في الإثبات في المواد الجنائية هي حرية القاضي في تكوين عقيدته في
اقتناعه ، وتدخل المشرع في تلك الأحيان لبيان وسيلة معينة للإثبات لا يؤثر في
اقتناع القاضي بقيام الجريمة من عدمه أو توافر دليل أو انتفائه ، كما أن القاعدة
الأصولية المقررة في قانون الإجراءات الجنائية في تنظيمها لمبدأ الإثبات هي أن
سلطة الاتهام هي التي يقع على عاتقها هذا العبء وأن البينة على من ادعى فعليها أن
تقيم الأدلة على صحة وثبوت الفعل المسند للمتهم وأنه هو مرتكبه وتقديم سلطة
الاتهام لهذه الأدلة لا يوجب حتماً القضاء بالإدانة ، وإذ كان ظاهر نص الفقرة
الثانية من المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع لم يخرج فيه المشرع على
القاعدة العامة في تنظيم عبء الإثبات إذ أوجب على سلطة الادعاء أن تقدم الدليل على
ارتكاب المتهم للسلوك المشكل للركن المادي للجريمة كما أوجب عليها أن تقدم الدليل
على زيادة ثروة الخاضع لأحكام القانون السالف وأن هذه الزيادة لا تتناسب مع
الموارد المشروعة للخاضع وهنا فقط تقوم القرينة البسيطة التي نصت عليها المادة
سالفة الذكر والتي مؤداها عدم مشروعية هذه الزيادة ولم يجعل المشرع هذه القرينة
قاطعة بل جاءت قرينة بسيطة يمكن للمتهم دحضها بأمر سهل وبسيط عليه هو إثبات
مشروعية مصادر هذه الزيادة وهذا الأمر بدوره يتفق مع الواقع غالباً في الحياة
العملية واعتبارات المواءمة المقارنة ، ذلك أن الواقعات المادية المكونة لجريمة
الكسب غير المشروع والمتمثلة في حصول المتهم على منفعة محددة نتيجة استغلاله
وظيفته تعد من حيث الواقع العملي صعبة الإثبات ، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار
وسائل المتهم وإمكانياته وسلطاته بما يطوع إخفاء هذه الواقعات وطمس معالمها الأمر
الذي يؤدي إلى تعطيل القوانين ومقاصدها والتي
ما شرعت إلا للمحافظة ودعم المصالح التي ارتأتها الإرادة الشعبية مصدراً
لتلك القوانين وحيث إنه لما تقدم فإن المحكمة ترى في حدود سلطتها التقديرية أن
الدفع بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة
الثانية المار بيانها غير جدي وتلتفت عنه " . لما كان ذلك ، وكان ما
أورده الحكم المطعون فيه في معرض الردَّ على الدفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من
المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع على السياق
المتقدم لم يقتصر على مجرد إبداء المحكمة رأيها في جدية أو عدم جدية ذلك الدفع ،
وإنما تطرق الحكم المطعون فيه إلى الخوض في بحث دستورية النص القانوني المطعون
بعدم دستوريته ، بأن أفاض في شرح القرينة
وتفنيدها ثم انتهى إلى القول ما مفاده باتفاقها والمبادئ الدستورية والقانونية ،
وهو ما ينطوي على فصل ضمني من جانب المحكمة - المطعون على حكمها - بدستورية الفقرة
الثانية من المادة الثانية من قانون الكسب غير المشـروع - آنف الذكر - وهو أمر
يخرج عن اختصاصها ومحظور عليها طبقاً للمادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا
الصادر به القانون رقم 48 لسنة 1979 والتي تنص
على أن " تختص المحكمة الدستورية العليا بما يأتي : أولاً : الرقابة
القضائية على دستورية القوانين واللوائح . ثانياً : .... ثالثاً : ...."، ومن
ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ، ولما تقدم جميعه
، فإن الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة إلى الطاعن الأول، بغير
حاجة إلى بحث باقي أوجه طعنه . لما كان
ذلك ، وكان إخفاء مال متحصل من جريمة لا يتحقق إلَّا إذا ثبت وقوع هذه الجريمة
ابتداء وأن وجود المال في حيازة المُخفي كان أثراً من آثارها ، ولما كان الحكم
المطعون فيه قد تعيَّب على نحو ما سلف الإلماح له في موضعه في تدليله على كسب
الطاعن الأول للعقار المنسوب إلى الطاعن الثاني إخفاءه ـــــ كسباً غير مشروع ،
فإنه يتعين نقض الحكم والإعادة بالنسبة إليه أيضاً ، لاتصال أحد الأوجه التي بني
عليها النقض به ، عملاً بالمادة 42 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة
النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ، وذلك بغير حاجة إلى النظر في أسباب
الطعن المقدمة منه . لما كان ذلك ، وكانت الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون
رقم 62 لسنة 1975 في شأن الكسب غير المشروع تنص على أن " كل من حصل لنفسه أو
لغيره على كسب غير مشروع يعاقب بالسجن وبغرامة مساوية لقيمة الكسب غير المشروع
فضلاً عن الحكم برد هذا الكسب "، وتنص
الفقرة الثالثة من ذات المادة على أن " وعلى المحكمة أن تأمر في مواجهـــة
الزوج والأولاد القصر الذين استفادوا من الكسب غير المشروع بتنفيذ الحكم بالرد في
أموال كل منهم بقدر ما استفاد " ، وهو ما يدل على أن إصدار الأمر - متقدم
المساق - إذا توافرت موجباته - يتوقف على صدور حكم بإدانة الزوج الحاصل على كسب
غير مشروع مرتبط به ويدور معه وجوداً وعدماً بحيث لا يتصور صدوره إلَّا إذا صدر
حكم بإدانة الزوج ولا تكون له قائمة إذا ما ألغي الحكم المذكور . لما كان ذلك ،
وكانت المحكمة قد انتهت على النحو السالف إلى القضاء بنقض الحكم المطعون فيه
بالنسبة إلى الطاعن الأول - الزوج - فإنه يتعين نقضه والإعادة كذلك فيما قضى به
بالنسبة للطاعنة الثالثة من أن يكون الإلزام بالرد في مواجهتها ، بغير حاجة إلى
بحث أوجه الطعن المقدمة منها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق