القضية رقم 140 لسنة 27 ق "دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة
العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 مايو سنة 2007 م ، الموافق 26 من ربيع الآخر سنة
1428 ه .
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبد الواحد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين :ماهر البحيرى وأنور رشاد العاصى وإلهام نجيب نوار
والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو وتهانى محمد الجبالى .
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين
علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين
السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا
برقم 140 لسنة 27 قضائية "دستورية "
المقامة من
السيد / عبد الباسط سيد إبراهيم
ضد
1 السيد رئيس مجلس الوزراء
2 السيد رئيس مجلس الشعب
3 السيد وزير العدل
4 السيد رئيس قلم المطالبة بمأمورية الاستئناف العالي ببنها
الإجراءات
بتاريخ الحادي عشر من يونيو سنة 2005 ، أودع
المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة
(353) من قانون المرافعات ، فيما لم تضمنه من اشتراط الحصول على إذن قضائي مسبب
لدخول المحضر مسكن المدين المحجوز عليه ، وتوقيع شاهدين على محضر الحجز .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم : أصلياً
بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً برفضها .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين ، تقريراً
برأيها .
ونُظرت الدعوى ، على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت
المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق
تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى في القضية رقم 6233 لسنة 2003
جنح قسم ثان شبرا الخيمة ، وطلبت عقابه بمقتضى المادتين (341) و (342) من قانون
العقوبات ، بوصف أنه بدد المنقولات المحجوز عليها قضائياً لصالح محكمة استئناف
طنطا " مأمورية بنها " ، وبجلسة 5/4/2003 قضت المحكمة غيابياً بحبس
المدعى سنة مع الشغل . وإذ عارض المدعى في هذا الحكم ودفع أثناء نظر المعارضة بعدم
دستورية نص المادة (353) من قانون المرافعات ، وإذ قدرت المحكمة جدية دفعه وصرحت
له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى
لانعدام مصلحة المدعى ، على سند من القول بأنه قدم للمحاكمة الجنائية لمخالفته
أحكام المادتين (341) و(342) من قانون العقوبات ، لقيامه بتبديد المنقولات
المملوكة له والمحجوز عليها قضائياً لصالح قلم كتاب محكمة استئناف طنطا "
مأمورية بنها " ، ومن ثم فلا صلة بين سند هذا الاتهام والنص الطعين .
وحيث إن هذا الدفع مردود ، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن
المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يصبح الفصل في
النزاع الموضوعي كلياً أو جزئياً متوقفاً على الفصل في المسائل الدستورية التي
تدعى هذه المحكمة لنظرها ، وإذ كان جوهر النزاع الموضوعي يتعلق باتهام المدعى
بتبديد المنقولات المحجوز عليها قضائياً إعمالاً للنص الطعين ، فإن الفصل في دستورية
هذا النص من شأنه أن يصبح أداة لحسم النزاع الموضوعي الذى انبنى الاتهام الجنائي
فيه بالتبديد على خرق مقتضيات هذا الحجز .
وحيث إن النص في المادة (353) من قانون المرافعات على أن " يجرى
التنفيذ بموجب محضر يحرر في مكان توقيعه وإلا كان باطلاً ويجب أن يشتمل المحضر
فضلاً عن البيانات الواجب ذكرها في أوراق المحضرين على ما يأتي :
1 ذكر السند التنفيذي .
2 الموطن المختار الذى اتخذه الحاجز في البلدة التي بها مقر
محكمة المواد الجزئية الواقع في دائرتها الحجز .
3 مكان الحجز وما قام به المحضر من الإجراءات وما لقيه من
العقبات والاعتراضات أثناء الحجز وما اتخذه في شأنها .
4 مفردات الأشياء المحجوزة بالتفصيل مع ذكر نوعها وأوصافها
ومقدارها ووزنها أو مقاسها وبيان قيمتها بالتقريب .
5 تحديد يوم للبيع وساعته والم كان الذى يجرى فيه .
ويجب أن يوقع محضر الحجز كل من المحضر والمدين إن كان حاضراً ، ولا
يعتبر مجرد توقيع المدين رضاء منه بالحكم .
وحيث إن حاصل ما ينعاه المدعى على النص الطعين ، أنه إذ خلا من اشتراط
توقيع شاهدين على محضر الحجز والحصول على إذن قضائي مسبب قبل دخول مسكن المدين
المحجوز عليه لتوقيع الحجز ، فإنه يكون مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي
أوجبت توقيع شاهدين على أي تصرف قانوني أو تعاقدي ، بالإضافة إلى انتهاكه الحرية
الشخصية وحرمة المسكن وإخلاله بالمساواة ، ذلك أن المشرع اشترط توقيع شاهدين على
محضر الحجز الإداري ، وضرورة الحصول على إذن قضائي مسبب لدخول وتفتيش مسكن المتهم
بجريمة أو تفتيش شخص المدين المحجوز عليه ، دون اشتراط ذلك في النص الطعين ، الأمر
الذى يخالف أحكام المواد (2) و(40) و(41) و(44) من الدستور .
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين للمادة الثانية من الدستور مردود
بأن حكم هذه المادة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة يدل على أنه ، واعتباراً من
تاريخ العمل بهذا التعديل والذى أدخل عليها في 22 مايو سنة 1980 قد أتى بقيد على
السلطة التشريعية مؤداه إلزام ها فيما تقره من النصوص التشريعية بأن تكون غير
مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً ترد إليه هذه
النصوص أو تستمد منه لضمان توافقها مع مقتضاه ويتعين بالضرورة أن يكون سابقاً في وجوده
على هذه النصوص ذاتها ، ولما كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه
المحكمة على دستورية القوانين واللوائح ، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه
تظل بمنأى عن الخضوع لأحكامه . إذ كان ذلك وكان النص المطعون عليه صادراً قبل نفاذ
التعديل الذي أدخل على نص المادة الثانية من الدستور في 22 مايو سنة 1980 ، ولم
يلحقه أي تعديل بعد هذا التاريخ ، فإن النعي بمخالفته حكمها يكون غير سديد .
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين للمواد (40) و(41) و(44) من
الدستور ، بقالة انتهاكه للحرية الشخصية وحرمة المسكن والإخلال بالمساواة ، فهو
مردود في جملته ، إذ المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم
الحقوق هو إطلاقها ، باعتبار أن جوهر تلك السلطة هو المفاضلة التي يجريها بين
البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم التشريعي ، موازناً بينها مرجحاً
ما يراه أنسبها لفحواها ، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها ، وأكفلها لأكثر
المصالح وزناً في مجال إنفاذها ، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه ، إلا
ما يكون الدستور قد فرضه في شأن ممارستها من ضوابط محددة ، تعتبر تخوماً لها لا
يجوز تجاوزها .
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم
على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم
هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها ، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس
موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40) من الدستور ، بما مؤداه أن
التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكمياً ، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا
يعتبر مقصوداً لذاته ، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم سبيلاً إليها .
لما كان ذلك وكان لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي
يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان
على حقوق يطلبونها ، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها ، أو تحول دونها
، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق ، وأنه بغير اقتران
الترضية القضائية بوسائل تنفيذها وحمل الملزمين بها على الرضوخ لها ، فإن هذه
الترضية تغدو هباء منثورا ، وتفقد قيمتها من الناحية العملية . كذلك فإن الترضية
القضائية التي لا يقهر المدين بها على تنفيذها إذا ماطل فيها ، هي في واقعها خروج
على مبدأ خضوع الدولة للقانون ، ونكول عن تأسيس العدالة وتثبيتها من خلال السلطة
القضائية بأفرعها المختلفة وتنظيماتها المتعددة ، وهي السلطة التي تصدر أحكامها
وفق القانون على ما تنص عليه المادة (165) من الدستور ، ولا يعدو الامتناع عن
تنفيذها أو عرقلة هذا التنفيذ أو تعطيله بعمل تشريعي ، أن يكون عدواناً من السلطة
التشريعية على الولاية التابعة للسلطة القضائية ، واقتحاماً للحدود الفاصلة بين
هاتين السلطتين ، وهو كذلك تدخل مباشر في شئون العدالة ، بما يقلص من دورها ويناقض
ما تدل عليه المادة (72) من الدستور من أن الحماية القضائية للحق أو الحرية على
أساس من سيادة القانون وخضوع الدولة لأحكامه لازمها التمكين من اقتضائها والمعاونة
في تنفيذها ولو باستعمال القوة عند الضرورة ، لما كان ذلك وكان من المقرر أن أموال
المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه ، والأصل أن هذه الأموال عدا ما استثنى منها
بنصوص خاصة يجوز التنفيذ عليها ، وللدائن بالتالي أن يتخذ في شأنها الطرق التحفظية
والتنفيذية ، وكانت نصوص المواد (274) و(280) و(281) و(282) من قانون المرافعات
المدنية والتجارية ، تقضى بأن التنفيذ يجرى تحت إشراف قاضي التنفيذ ، ويعاونه في ذلك
عدد كاف من المحضرين المؤهلين فنياً وإدارياً لهذا العمل ، باتباع الإجراءات
المقررة ، ولا يكون التنفيذ جبراً على أموال المدين إلا بسند تنفيذي يكون قد صار
به الدين حقيقة قانونية أو قضائية يجوز التنفيذ بمقتضاها ، وأو رد المشرع بياناً
حصرياً للسندات التنفيذية ومنها أوامر تقدير الرسوم القضائية النهائية مشترطاً
ضرورة تذييل هذه السندات بالصيغة التنفيذية ، وأوجب إعلانها قبل البدء في إجراءات
التنفيذ لشخص المدين أو في موطنه الأصلي وإلا كان باطلاً ، مع تكليفه بالوفاء
بالمبلغ المطلوب تحديداً ، وأوجب على المحضر عند قيامه بالتنفيذ قبض الدين عند
عرضه عليه مع إعطائه مخالصة بذلك دون حاجة إلى تفويض خاص ، كما حظر على المحضر بنص
المادة (351) مرافعات ، كسر الأبواب وفض الأقفال بالقوة لتوقيع الحجز إلا بحضور
أحد مأموري الضبط القضائي الذي يوقع على محضر الحجز ، كما حظر على المحضر تفتيش
المدين لتوقيع الحجز على ما في جيبه إلا بإذن سابق من قاضي التنفيذ ، وأجاز في المادة
(312) من القانون ذاته للمدين المحجوز عليه الاستشكال في التنفيذ سواء أمام المحضر
أو بدعوى مستقلة ، وخول المحضر الحق في إيقاف التنفيذ أو المضي فيه على سبيل
الاحتياط مع تكليف الخصوم في الحالين بالحضور أمام قاضى التنفيذ ولو بميعاد ساعة
وفى منزله عند الضرورة ، ولا يجوز التنفيذ في هذه الحالة قبل أن يصدر القاضي حكمه
، لما كان ذلك . وكان الحجز الإداري وفقاً لنص المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة
1955 ، إنما يتم بمعرفة أحد تابعي الشخص العام الذى أصدر أمر تقدير الدين وتوقيع
الحجز ، فإن استلزام المشرع أن يرافق مندوب الحجز شاهدان يجب توقيعهما على محضر
الحجز ، هو إجراء له ما يبرره بالنسبة لهذا النوع من الحجز ، على خلاف الحجز التنفيذي
المحاط بسياج كاف من الضمانات وتحت إشراف قاض ، وهو أهم تلك الضمانات ، كما أن
اشتراط الحصول على إذن قضائي مسبق لدخول مسكن المتهم بجريمة جنائية وتفتيشه بحثاً
عن أدلة الجريمة له ما يبرره أيضاً ، إذ أن الاتهام بجريمة جنائية أمر له خطورته
على الحرية الشخصية وحرمة المسكن لا يمكن أن يترك أمر تقدير مبرراتها إلى رجال
الضبط القضائي دون رقابة قضائية مسبقة ، خاصة والتفتيش يباغت المتهم دون علمه ،
والحال كذلك عند تفتيش شخص المدين لتوقيع الحجز على ما في جيبه ، إذ يجب أن تتوافر
بشأنه المبررات الموجبة له وأن يكون تقديرها لقاضى التنفيذ وحده ، وليس كذلك دخول
المسكن لتوقيع الحجز على ما به من منقولات نفاذاً لأمر قاضي التنفيذ وتحت إشرافه ،
وبعد استنفاذ كافة الإجراءات المشار إليها آنفاً ، ومن ثم فإن المشرع يكون قد أجرى
بالنص الطعين توازناً عادلاً بين مصلحة المدين المحجوز عليه ، وبين مصلحة الدائن
الحاجز ، مستهدفاً تحقيق غايات مشروعة ، مرتكزاً على قاعدة قانونية مجردة تستند
إلى أسس موضوعية ، قوامها تفاوت في المراكز القانونية المختلفة ، ولا يقيم في مجال
تطبيقها تمييزاً منهياً عنه ، ويكون النعي عليه بمخالفته لأحكام المواد (40) و(41)
و(44) من الدستور منتحلاً . وحيث إن النص الطعين لا يخالف أي حكم
آخر من أحكام الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة
الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق