القضية رقم 139 لسنة 21 ق "
دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 7 مارس سنة 2004 م ، الموافق 16 من المحرم سنة
1425 ه .
برئاسة السيد المستشار / حمدى محمد على نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : محمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد
العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو وتهانى
محمد الجبالى
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين
علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 139 لسنة 21 قضائية " دستورية
" .
المقامة من
السيد / ...........
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الوزراء
3 السيد وزير العدل
4 السيد رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى
5 السيد مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائي
" الإجراءات "
بتاريخ الأول من أغسطس سنة 1999، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم
كتاب المحكمة ، طلباً للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (77) من
قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972
المعدلة بالقانون رقم 35 لسنة 1984 .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في
أن المدعى كان قد أقام الطلب رقم 164 لسنة 62 قضائية أمام دائرة طلبات رجال القضاء
بمحكمة النقض ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، طالباً الحكم بإلغاء قرار وزير
العدل رقم 255 لسنة 1986 الصادر بتاريخ 20/1/1986 باعتباره مستقيلاً من وظيفته
اعتباراً من 1/8/1985 مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال بياناً لطلبه انه بتاريخ
1/8/1979 أعير للعمل بدولة قطر وتجددت إعارته لمدة ست سنوات، ولدى تجديد إعارته
للسنة السابعة أخطرته وزارة العدل بعدم الموافقة على هذا التجديد، وإذ لم يتلق
رداً على طلبه إرجاء عودته حتى انتهاء العام الدراسي ، فقد قرّ في نفسه أن إعارته
قد جددت أسوة بزملاء له، غير أنه علم فيما بعد بصدور القرار المطعون فيه، فتظلم
منه أمام مجلس القضاء الأعلى فرفض تظلمه، فأقام طلبه للحكم له بطلباته سالفة
الذكر. وأثناء نظر الطلب دفع بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (77) من
قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972
المعدلة بالقانون رقم 35 لسنة 1984، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له
بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (77) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدلة بالقانون رقم 35 لسنة 1984 تنص على
أنه "لا يجوز للقاضي أن يتغيب عن مقر عمله قبل إخطار رئيس المحكمة .
ولا أن ينقطع عن عمله لغير سبب مفاجئ قبل أن يرخص له في ذلك كتابة ،
فإذا أخل القاضي بهذا الواجب نبهه رئيس المحكمة إلى ذلك كتابة .
وفضلاً عن ذلك فإنه إذا زادت مدة الانقطاع بدون ترخيص كتابي عن سبعة
أيام في السنة اعتبرت المدة الزائدة إجازة عادية لمدة تحسب من تاريخ اليوم التالي
لآخر جلسة حضرها القاضي وتنتهى بعودته إلى حضور جلساته. فإذا استمر القاضي في مخالفة
حكم هذه المادة وجب رفع الأمر إلى مجلس التأديب.
ويعتبر القاضي مستقيلاً إذا انقطع عن عمله مدة ثلاثين يوماً متصلة
بدون إذن ولو كان ذلك بعد انتهاء مدة أجازته أو إعارته أو ندبه لغير عمله.
فإذا عاد وقدم أعذاراً عرضها الوزير على مجلس القضاء الأعلى ، فإن
تبين له جديتها اعتبر غير مستقيل، وفى هذه الحالة تحسب مدة الغياب إجازة من نوع الإجازة
السابقة أو إجازة عادية بحسب الأحوال".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية -
مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي
، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة لنظرها لازماً
للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات الموضوعية ، ولما كان جوهر النزاع الموضوعي ينحصر
في طلب المدعى إلغاء قرار وزير العدل باعتباره مستقيلاً من عمله إعمالاً لحكم
الفقرة الثالثة من المادة (77)، فإن حسم المسألة الدستورية المثارة من شأنه أن
يكون كافلاً لمصلحة المدعى في الدعوى الموضوعية ، مما تتحقق معه مصلحته الشخصية في
إقامة الدعوى الدستورية الماثلة .
وحيث إن حاصل مناعي المدعى على النص الطعين، الإخلال بمبدأ استقلال
القضاء الذى يمثل ركيزة أساسية لنظام الحكم في الدولة القانونية ، ولا يقوم هذا
المبدأ إلا إذا أحيط القاضي بسياج من الحصانات والضمانات أهمها عدم قابليته للعزل،
ولا استثناء لهذا المبدأ الأخير إلا عند مساءلة القاضي تأديبياً وفقاً للضمانات
الدستورية المقررة وأهمها كفالة حق الدفاع، بيد أن النص الطعين يجيز عزل القاضي
-حتى دون أن تتجه إرادته إلى ذلك- ودون تمكينه من استخدام حقه في الدفاع مما يجعله
عرضة للجزاء التأديبي دون ضمانات فعلية ، رغم أن القاضي يحاط بهذه الضمانات عند
ارتكابه المخالفة الأقل وهي انقطاعه عن العمل لمدة سبعة أيام فقط، هذا بالإضافة
إلى أن النص الطعين يخل بمبدأ أصل البراءة وضمان المحاكمة المنصفة ، كما يهدر الحق
في التقاضي إذ لا سبيل للطعن على القرار الصادر برفض التظلم من اعتبار القاضي
مستقيلاً، ومن ناحية أخرى فإنه يخالف مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، إذ يضع القاضي
-رغم عدم قابليته للعزل- في وضع أسوأ من العاملين المدنيين بالدولة ، الذين لا
يجوز اعتبارهم مستقيلين من عملهم بمجرد انقطاعهم عن العمل قبل إنذارهم كتابة ، ومن
ثم يكون النص الطعين قد خالف أحكام المواد (40، 64، 65، 66، 67، 165، 166، 168) من
الدستور .
وحيث إن هذا النعي في جملته مردود، ذلك أن المقرر -في قضاء هذه
المحكمة - أن الأصل في اختصاص المشرع بسلطة تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم
يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدوداً لها وفواصل لا يجوز له تجاوزها، وأن
الدولة القانونية -وفقاً لنص المادتين (64، 65) من الدستور - هي التي تتقيد في كافة
مظاهر نشاطها بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها. وأن
استقلال السلطة القضائية أمر لازم لضمان الخضوع للقانون، وقد كفل الدستور للسلطة
القضائية استقلالها وجعل هذا الاستقلال عاصماً من التدخل في أعمالها أو التأثير في
مجرياتها باعتبار أن القرار النهائي في شأن حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم هو
بيد أعضائها. واطرد قضاء هذه المحكمة –كذلك- على أن عدم قابلية القضاة للعزل حصانة
قررها الدستور والمشرع حماية للوظيفة القضائية وكضمانة لاستقلال السلطة القضائية ،
وهى تلازمهم دوماً طالما ظل سلوكهم موافقاً لواجباتهم الوظيفية مستجيباَ
لمتطلباتها معتصماً بالاستقامة والبعد عما يشينها. لما كان ذلك، وكان عمل القاضي
لا يقاس بغيره من الموظفين العامين، ولا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها في شأن
واجباتهم الوظيفية ، وإنما يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزماً، لأن
المغايرة في هذا الخصوص تقوم على أساس موضوعي مرده إلى اختلاف المركز القانوني للقاضي
عن المركز القانوني لسواه، فضلاً عما هو مفترض في القاضي من ضرورة إلمامه إلماماً
تاماً بما يرد في القوانين المختلفة التي يدعى إلى تطبيقها، خاصة تلك القوانين التي
تحكم سلوكه وأداءه الوظيفي . لما كان ذلك، وكان المشرع -في حدود سلطته التقديرية -
قد قدر أن انقطاع القاضي عن عمله مدة طويلة ، وتخليه عن النهوض بما هو منوط به من
مسئوليات جسام في إقامة العدل وإرساء دعائم القانون، إنما هو قرينة على رغبته في الاستقالة
، فإن بان أن انقطاعه عن العمل فيما بعد كان لأسباب قهرية ، جاز لمجلس القضاء
الأعلى المهيمن على شئون رجال القضاء، إن ارتأى جدية هذه الأسباب عند نظره في تظلم
القاضي ، أن يعيده إلى عمله، فإن رفض تظلمه، كان له أن يلجأ إلى الدائرة المختصة
بنظر طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض. وكان هذا التنظيم الذى ارتآه المشرع إنما
يقوم على أسس موضوعية راعت في جوهرها طبيعة وقدسية عمل القاضي ، وما يستلزمه ذلك
من ضرورة انتظام سير العمل بالمحاكم، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة أن
الاستقالة الحكمية هي تعبير عن الإرادة الضمنية للعامل، إعراباً منه عن عزوفه عن
العمل وإعراضه عن أدائه، فلا يجوز إجباره عليه، وكلتاهما- الاستقالة وما في حكمها-
يأتي تقنيناً لمبدأ حرية العمل الذى قننته المادة (13 فقرة ثانية ) من الدستور،
ومن ثم لا يكون النص الطعين قد تضمن في حقيقته أي عقوبة تأديبية ، كما أن قالة
الإخلال بمبدأ استقلال القضاء، أو إهدار مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل، أو الإخلال
بالحق في التقاضي ، أو الحق في الدفاع، أو الحق في المحاكمة المنصفة ، تكون قائمة
على أساس غير صحيح، كما أن الإخلال بمبدأ أصل البراءة -كما ذهب المدعى - يكون
مقحماً في دائرة لا تتعلق به، ولا تتصل بأبعاده .
وحيث إن ما ينعاه المدعى من إخلال النص المطعون فيه بحكم المادة (40)
من الدستور، مردود بأن مبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين أمام القانون لا يعني
أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين في مراكزها القانونية معاملة قانونية
متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من
بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40)
المشار إليها، بما مؤداه: أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون
تحكمياً، لما كان ذلك، وكان المشرع تقديراً منه لطبيعة عمل القاضي وطبيعة تكوينه القانوني
قد ارتأى أنه لا ضرورة لإنذاره كتابة إذا انقطع عن العمل مدة ثلاثين يوماً متصلة
قبل اعتباره مستقيلاً من عمله، بينما اشترط ذلك بالنسبة لمن سواه من الخاضعين
لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ، تبصيراً لهم بأحكامه حتى يكونوا على بينة
من أمرهم، فإن هذه المغايرة قد تقررت بالنظر إلى اختلاف المركز القانوني للقاضي عن
غيره من العاملين المدنيين، وتوكيداًٍ لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة ، ومن
ثم فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون تكون فاقدة لأساسها حرية بالرفض
.
وحيث أن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أي حكم آخر من أحكام الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى
المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق