جلسة 23 نوفمبر سنة 1944
برياسة حضرة محمد زكي علي
بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك
ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.
---------------
(161)
القضية رقم 27 سنة 14
القضائية
أ - شفعة.
درجة القرابة. كيفية
حسابها. ابن عمة البائع في الدرجة الرابعة. تجوز الشفعة فيها بيع له.
ب - ورقة الضد.
لا يحتج بها إلا فيما بين
المتعاقدين سواء أكانت ثابتة التاريخ أم غير ثابتة ما دامت لم تسجل. عقد صريح في
أنه بيع. التمسك قبل طالب الشفعة بأنه رهن بناءً على إقرار من البائع بأن حقيقة
التصرف رهن لا بيع. لا يصح ولو كان هذا الإقرار قد صار ثابت التاريخ بوفاة بعض
الشهود عليه.
----------------
1 - إن قانون الشفعة حين
قال في المادة الثالثة منه أن لا شفعة "فيما بيع من المالك لأحد أقاربه لغاية
الدرجة الثالثة" لم يبين القاعدة في احتساب درجات القرابة. ثم إن الشريعة
الإسلامية، باعتبارها هي الأصل في نظام الشفعة، لا يجدي الرجوع إليها في هذا
الصدد. وذلك: أولاً - لأن المادة المذكورة لم تنقل عن الشريعة الإسلامية. وثانياً
- لأن الشريعة الإسلامية وإن كانت قد تعرضت لدرجات القرابة وقال فقهاؤها إن الدرجة
هي البطن، فإنها لم تتعرض لكيفية احتساب الدرجات إذ هي لم ترتب أحكاماً على
تعددها. كذلك لم يأت الشارع في النصوص الأخرى التي أشار فيها إلى درجة القرابة
بقاعدة لاحتسابها، فيما عدا نصاً واحداً في قانون المرافعات في المادة 240 التي
أشير فيها إلى هذه القاعدة بصدد رد أهل الخبرة إذ جاء بها بعد ذكر أنه يجوز رد أهل
الخبرة إذا كان قريباً من الحواشي إلى الدرجة الرابعة: "ويكون احتساب الدرجات
على حسب طبقات الأصول طبقة فطبقة إلى الجد الأصلي بدون دخول الغاية وعلى حسب طبقات
الفروع طبقة فطبقة لغاية الدرجة الرابعة المذكورة بدخول الغاية". وهذا النص
وإن كان قد ورد في صدد معين فإن الطريقة التي أوردها في احتساب درجة القرابة هي
الطريقة الواجب اتباعها في سائر الأحوال، لا لأن النص ورد بها فحسب بل لأنها هي
الطريقة التي تتفق والقواعد الحسابية في عد الدرجات. واحتساب الدرجات بمقتضى هذا
النص يكون على أساس أن كل شخص يعتبر طبقة بذاته. وعلى ذلك يكون ابن العم أو العمة
في الدرجة الرابعة، إذ هو طبقة ووالده طبقة والأصل المشترك (الجد) طبقة إلا أنها
لا تحتسب، ثم العم طبقة وابنه طبقة، فهذه طبقات أربع. ويظهر أن هذه الطريقة في
احتساب الدرجات قد نقلت عن المادة 738 من القانون المدني الفرنسي التي جاء في
الفقرة الأولى منها ما ترجمته: "يكون احتساب الدرجات بالنسبة إلى الأقارب من
الحواشي على حسب الطبقات من القريب المراد احتساب درجته إلى الأصل المشترك من غير
أن يدخل هذا في العدد ثم منه إلى القريب الآخر". وجاء في فقرتها الثانية
تطبيقات للقاعدة فقالت: إن أولاد العم الأشقاء هم في الدرجة الرابعة. والواقع أن
درجة القرابة ما هي في حقيقة أمرها إلا المسافة بين الشخص وأصله أو فرعه، فيجب
بالنسبة إلى الحواشي أن تعد المسافات التي تفصل بين الشخص المطلوب معرفة درجة
قرابته والأصل المشترك، ثم تضاف إليها المسافات التي بين هذا الأصل والقريب الآخر،
ومجموع هذه المسافات يكون درجة القرابة. وعلى ذلك فابن العم أو العمة يكون في الدرجة
الرابعة، لأن بينه وبين أبيه مسافة، وبين هذا وأبيه - وهو الأصل المشترك - مسافة،
ومن هذا لابنه مسافة، ومنه لابنه مسافة، فمجموع هذه المسافات أربع. وهذا هو حاصل
القاعدة التي أوردها الشارع في المادة 240 من قانون المرافعات. فالحكم الذي يعتبر
ابن العمة في الدرجة الرابعة وعلى هذا الأساس أجاز الشفعة فيما اشتراه من أبناء
خاله يكون قد أصاب.
2 - إنه من المقرر
قانوناً أن ورقة الضد لا يحتج بها إلا فيما بين العاقدين وأن للغير أن يتمسك
بالعقد الظاهر. وذلك سواء أكانت ورقة الضد ثابتة التاريخ أم غير ثابتة ما دامت هي
لم تسجل. فمتى كان العقد صريحاً في أنه بيع لا رهن فلا يجوز قانوناً التمسك قبل
طالب الشفعة - وهو من طبقة الغير بالنسبة إلى ذلك العقد - بأنه رهن لا بيع بناءً
على إقرار من البائع بذلك مقول إنه صار ثابت التاريخ بوفاة بعض الشهود الموقعين
عليه.
الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن في
أنه بموجب عقد محرر في 26 من نوفمبر سنة 1941 ومسجل في 28 من مارس سنة 1942 اشترى
الطاعن الأول من باقي الطاعنين 17 قيراطاً من 24 قيراطاً على الشيوع في منزلين
ببندر دمنهور، ولما كانت المطعون ضدها تملك بطريق الميراث عن والدها 3 ط و12 س من
24 قيراطاً شائعة في المنزلين المذكورين فقد أقامت الدعوى رقم 542 سنة 1942 أمام
محكمة الإسكندرية الابتدائية على الطاعنين وطلبت في صحيفتها الحكم لها باستحقاقها
للحصة المبيعة بطريق الشفعة وبطريق الاسترداد بناءً على المادة 412 من القانون
المدني وتسليمها تلك الحصة مع إلزام الطاعن الأول بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 14 من يناير سنة 1943
قضت المحكمة باستحقاق المطعون ضدها للحصة المبيعة بطريق الشفعة وبطريق الاسترداد
مقابل دفعها إلى الطاعن الأول 480 ج ومصاريف التسجيل وباقي المصاريف الرسمية التي
يكون قد دفعها فعلاً في إجراءات البيع، وذلك في خلال شهرين من تاريخ صيرورة الحكم
نهائياً مع إلزام الطاعن الأول بالمصاريف إلخ.
فاستأنف الطاعنون هذا
الحكم أمام محكمة استئناف مصر وطلبوا إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى مع إلزام
المطعون ضدها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وفي 9 من نوفمبر سنة 1943
قضت محكمة الاستئناف باستحقاق المطعون ضدها للحصة المبيعة بطريق الشفعة مقابل
دفعها إلى الطاعن الأول الثمن وقدره 480 ج ومصاريف التسجيل وباقي المصاريف الرسمية
التي يكون قد دفعها فعلاً في إجراءات البيع وذلك في خلال شهرين من تاريخ صدور هذا
الحكم، وألزمت الطاعن الأول بالمصاريف إلخ. وقالت المحكمة في حكمها إنها لا ترى
محلاً للبحث في حق الاسترداد لأن المطعون ضدها ليست في حاجة إلى الاستناد إلى ذلك
الحق بعد أن استقر حقها في تملك العقار المبيع بطريق الشفعة.
أعلن هذا الحكم للطاعنين
في 19 من يناير سنة 1944 فقرر وكيلهم الطعن فيه بطريق النقض إلخ إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعنين
ينعون على الحكم المطعون فيه أنه:
أولاً - أخطأ في تطبيق
القانون إذ اعتبر أن درجة القرابة بين المشتري (الطاعن الأول) وبين البائعين
(الطاعنين الثاني والثالث) هي الدرجة الرابعة وبذلك أجاز الشفعة، في حين أنه
باحتساب الدرجات على أساس المادة 240 من قانون المرافعات تكون درجة القرابة
المذكورة هي الدرجة الثالثة لأن المشتري ابن عمة البائعين، وبذلك تمتنع الشفعة.
ثانياً - أخطأ في تفسير
عقد البيع، لأنه وإن وصفه العاقدان بأنه بيع فإنه في الحقيقة عقد رهن، وذلك لأن
أحد البائعين، وهو الطاعن الثاني، كان قد صدر عليه حكم بالحبس في جنحة تبديد
إضراراً بالجمعية الزراعية فاتفق البائعون مع المشتري على أن يدفع ما هو مستحق
للجمعية المذكورة ويحل محلها في حقوقها، وحرروا له في مقابل ذلك عقد البيع موضوع
النزاع واستكتبوه إقراراً في نفس تاريخ البيع اعترف فيه بأن حقيقة العقد هي رهن عن
مبلغ 480 ج دفع بعضه للجمعية، وتعهد برد الحصة المبيعة إليهم في حالة قيامهم بدفع
هذا المبلغ والمصاريف في مدى ثلاث سنوات ابتداءً من سنة 1942، وقد أصبح هذا
الإقرار ثابت التاريخ بوفاة بعض الشهود الموقعين عليه.
ثالثاً - خالف القانون
لعدم إجابة ما طلبه الطاعنون من إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبتوا علم المطعون
ضدها بحصول البيع وأنها لم تظهر رغبتها في الأخذ بالشفعة في مدى 15 يوماً من تاريخ
هذا العلم.
عن الوجه الأول:
ومن حيث إن قانون الشفعة
حين قال في المادة الثالثة منه إنه لا شفعة "فيما بيع من المالك لأحد أقاربه
لغاية الدرجة الثالثة" لم يبين القاعدة في احتساب درجات القرابة.
وحيث إنه لا يجدي الرجوع
في هذا الصدد إلى أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها هي الأصل في نظام الشفعة،
وذلك: أولاً لأن المادة المذكورة لم تنقل عن الشريعة الإسلامية، وثانياً لأن
الشريعة الإسلامية وإن كانت قد تعرضت لدرجات القرابة، والدرجة عند فقهائها هي
البطن، فإنها لم تتعرض لكيفية احتساب الدرجات إذ هي لم ترتب أحكاماً على تعددها.
وحيث إن الشارع لم يأت في
النصوص الأخرى التي أشار فيها إلى درجة القرابة بقاعدة لاحتسابها فيما عدا نصاً
واحداً في قانون المرافعات في المادة 240، فقد أشير في هذه المادة إلى هذه القاعدة
بصدد رد أهل الخبرة، إذ قالت بعد ذكرها أنه يجوز رد أهل الخبرة إذا كان قريباً من
الحواشي إلى الدرجة الرابعة "ويكون احتساب الدرجات على حسب طبقات الأصول طبقة
فطبقة إلى الجد الأصلي بدون دخول الغاية، وعلى حسب طبقات الفروع طبقة فطبقة لغاية
الدرجة الرابعة المذكورة بدخول الغاية". ويقابل هذه العبارة في النسخة
الفرنسية:
"Les degrés seront caculés par géneration en remontant jusqu'á l'auteur
commun, qui ne sera pas compté et en redescendant sur la ligne collatérale".
وهذا النص وإن كان قد ورد
في صدد معين فإن الطريقة التي أوردها في احتساب درجة القرابة هي الطريقة الواجب
اتباعها في سائر الأحوال، لا لأن النص ورد بها فحسب، بل لأنها هي الطريقة التي
تتفق والقواعد الحسابية في عد الدرجات. وبمقتضى هذا النص يكون احتساب الدرجات على
أساس أن كل شخص يعتبر طبقة بذاته، وعلى ذلك يكون ابن العم أو العمة في الدرجة
الرابعة، إذ هو طبقة ووالده طبقة والأصل المشترك (الجد) طبقة إلا أنها لا تحتسب،
ثم العم طبقة وابنه طبقة، فهذه طبقات أربع. وهذه الطريقة في احتساب الدرجات قد
نقلت على ما يظهر - كما يبين من عبارة النص الفرنسية - عن المدة 738 من القانون
المدني الفرنسي التي جاء في الفقرة الأولى منها:
"En ligne collatérale, les degrés se comptent les générations, depuis l'un
des parents jusques et non compris l'auteur commun, et depuis celui - ci
jusqu'a l'autre parent"
وترجمته: يكون احتساب
الدرجات بالنسبة إلى الأقارب من الحواشي على حسب الطبقات من القريب المراد احتساب
درجته إلى الأصل المشترك من غير أن يدخل هذا في عدد الطبقات ثم منه إلى القريب
الآخر. ثم جاء في فقرتها الثانية تطبيقات للقاعدة، فقالت إن أولاد العم الأشقاء هم
في الدرجة الرابعة. على أن درجة القرابة ما هي في حقيقة أمرها إلا المسافة بين
الشخص وأصله أو فرعه. فيجب بالنسبة إلى الحواشي أن تعد المسافات التي تفصل بين
الشخص المطلوب معرفة درجة قرابته والأصل المشترك وتضاف إليها المسافات التي بين هذا
الأصل والقريب الآخر. ومجموع هذه المسافات يكون درجة القرابة. فابن العم أو العمة
يكون في الدرجة الرابعة، لأن بينه وبين أبيه مسافة وبين هذا وأبيه وهو الأصل
المشترك مسافة، ومن هذا لابنه مسافة ومنه لابنه مسافة. فمجموع هذه المسافات أربع.
وهذه هي ذات النتيجة التي تؤدي إليها القاعدة التي أوردها الشارع في المادة 240 من
قانون المرافعات. وإذا كان الأمر كذلك كانت هذه القاعدة هي المناط المتعين الأخذ
به في احتساب الدرجات في سائر الأحوال. ولما كان الحكم المطعون فيه اعتبر ابن
العمة في الدرجة الرابعة، وعلى هذا الأساس أجاز الشفعة، فإنه يكون قد أصاب، ويتعين
رفض هذا الوجه.
عن الوجه الثاني:
ومن حيث إن محكمة
الاستئناف قالت عن هذا الوجه، وقد أثير أمامها، إن الطاعنين لم يدفعوا به إطلاقاً
أمام محكمة أول درجة مع ما له من الأهمية مما يشعر بأن فكرة إثارته لم تنبت إلا في
مرحلة الاستئناف. ثم من جهة أخرى فالعقد صريح في أنه بيع لا رهن، فلا يجوز قانوناً
التمسك قبل المطعون ضدها، وهي من طبقة الغير بالنسبة إلى ذلك العقد، بأنه رهن لا
بيع إلا إذا كانت هناك أوراق ثابتة التاريخ دالة على ذلك الأمر الذي لم يتوافر في
الدعوى، هذا فضلاً عن أن ما جاء في الخطاب المرسل إلى محامي المطعون ضدها رداً على
إنذار الشفعة وما أورده الطاعنون من دفاع في مذكراتهم المقدمة لمحكمة أول درجة
يعتبر اعترافاً ضمنياً من جانبهم بأن التصرف بيع لا رهن، وليس للخطابات المقدمة من
الطاعنين أية قيمة في الاستدلال على أن الطاعن الأول قد حل محل الجمعية الزراعية
في الرهن كما يزعمون، إذ أنه لم يتبين من مراجعتها أنها تشير إلى شيء من هذا
الحلول المزعوم، بل إن ظروف الدعوى ناطقة بأن الطاعن الأول قد اتفق مع باقي
الطاعنين على شراء نصيبهم في المنزلين لا على ارتهانه. هذا ما قالته محكمة
الاستئناف.
وحيث إن الصورية مسألة
موضوعية، والأسباب التي بنت عليها المحكمة قضاءها بأن العقد بيع لا رهن تؤدي إلى
النتيجة التي رتبتها عليها فلا رقابة لمحكمة النقض عليها فيما ارتأته.
وحيث إنه من المقرر
قانوناً أن ورقة الضد لا يحتج بها إلا فيما بين العاقدين، وأن للغير أن يتمسك
بالعقد الظاهر، وهذا سواء أكانت ورقة الضد ثابتة التاريخ أم غير ذلك ما دامت لم
تسجل، فلا يجوز الاحتجاج على المطعون ضدها بورقة الضد التي يتمسك بها الطاعنون.
ومن ثم يكون ما جاء بوجه الطعن لا محل له.
عن الوجه الثالث:
ومن حيث إن الطاعنين لم
يأتوا بما يثبت أنهم تقدموا للمحكمة بطلب الإحالة إلى التحقيق، ولم يرد بالحكم
المطعون فيه ما يشير إلى حصول هذا الطلب، فلا محل للبحث فيما يتمسكون به في هذا
الوجه، ولا يغير من ذلك أن الحكم الابتدائي قد أشير فيه إلى استعداد الطاعنين
للإثبات بالبينة ما دام لا يوجد في الأوراق ما يدل على أنهم أبدوا هذا الطلب أمام
المحكمة الاستئنافية. على أن المحكمة ليست ملزمة بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق
إذا هي وجدت أن الأدلة القائمة في الدعوى كافية للفصل فيها. وقد تناولت المحكمة
واقعة الادعاء بعلم المطعون ضدها بالبيع ونفت هذا العلم بالأدلة الكثيرة التي
أوردتها والتي تؤدي إلى ما خلصت إليه. فلم يكن هناك والحالة هذه محل للإحالة إلى
التحقيق.