جلسة 5 من فبراير سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ سعيد صقر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد فؤاد شرباش نائب رئيس المحكمة، عبد النبي خمخم، محمد عبد البر حسين وحسام الدين الحناوي.
---------------
(74)
الطعن رقم 1406 لسنة 52 القضائية
(1) دعوى "المصلحة في الدعوى" "الدفاع فيها". دفوع.
المصلحة التي يقرها القانون - شرط لقبول الخصومة أمام القضاء أو أي طلب أو دفع فيها. المقصود بالمصلحة. الفائدة العملية التي تعود على المتمسك بالدفع.
(2) إيجار "إيجار الأماكن" "الإخلاء المؤقت بسبب أعمال الترميم والصيانة".
الإخلاء المؤقت بسبب أعمال الترميم والصيانة - حق شاغلي العين في العودة إليها بعد ترميمها دون اشتراط موافقة المالك. اعتبار العين في حيازة المستأجر خلال تلك الفترة ما لم يبد رغبته في إنهاء العقد.
(3) محكمة الموضوع "مسائل الواقع" "تقدير الأدلة".
تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها. من سلطة قاضي الموضوع. حسبه إقامة قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله. عدم التزامه بتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط لما عداها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن - وباقي المطعون ضدهم الدعوى رقم 261 سنة 1980 أمام محكمة المنصورة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامهم بإتمام الأعمال اللازمة للشقة المؤجرة له والمبينة بالصحيفة والتي من شأنها جعل الشقة صالحة للسكنى على ضوء تقرير الخبير المقدم في دعوى إثبات الحالة رقم 45 سنة 1979 مستعجل بندر المنصورة، وبتمكينه في حالة عدم قيامهم بهذه الأعمال من القيام بها على نفقتهم وبالسكنى بالشقة بعد إتمامها، وقال في بيان دعواه أنه استأجر هذه الشقة من مورثة الطاعن وباقي المطعون ضدهم بموجب عقد مؤرخ 1/ 8/ 1963، وقد صدر قرار مجلس مدينة المنصورة بإزالة سقف الطابق الثاني العلوي للعقار وترميمه فنبهت عليه المؤجرة بإخلاء الشقة المؤجرة له والتي تقع في هذا الطابق لتنفيذ ذلك القرار ففعل، إلا أنها لم تقم بإجراء الترميمات المطلوبة وتسليمه الشقة فأقام عليها الدعوى رقم 951 سنة 1977 أمام محكمة المنصورة الابتدائية والتي قضي فيها بإلزامها بمباشرة هذه الترميمات خلال ستة أشهر من تاريخ إعلانها بالحكم وإلا تصرح له بإجرائها على نفقتها، وإذ تراخت - وورثتها من بعدها - في تنفيذ هذا الحكم فقد أقام عليهم الدعوى رقم 45 سنة 1979 مستعجل بندر المنصورة بطلب إثبات حالة العقار، قدم فيها الخبير تقريراً انتهى فيه إلى أن الشقة المؤجرة له لم تعد بعد صالحة للسكنى لافتقادها أعمال النجارة والكهرباء والأدوات الصحية فأقام دعواه الماثلة بالطلبات سالفة البيان. دفعت مورثة المطعون ضدهم العشرة الأخيرين بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وبعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها. حكمت المحكمة برفض الدفعيين وبإلزام الطاعن وباقي المطعون ضدهم بإتمام الأعمال اللازمة للشقة محل النزاع والتي من شأنها أن تجعلها صالحة للسكنى وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ إعلانهم بهذا الحكم وإلا تصرح للمطعون ضده الأول بتنفيذ هذه الأعمال على نفقتهم خصماً من الأجرة التي تستحق مستقبلاً وبتمكينه من السكنى بهذه الشقة بعد إتمام الأعمال المشار إليها. استأنف الطاعن وباقي المطعون ضدهم هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة برقم 443 سنة 33 قضائية وبتاريخ 7/ 3/ 1982 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إلزامهم بالقيام بالأعمال اللازمة لترميم عين النزاع وبعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة لهذا الشق لسبق الفصل فيه في الدعوى رقم 951 سنة 1977 كلي المنصورة، وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بأولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم قضى برفض الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفه استناداً إلى أن المستأنفين (الطاعن والمطعون ضدهم عدا الأول) قد اختصموا باعتبارهم ورثة المؤجرة دون أن ينكروا قيام هذه العلاقة حال أن المورثة لم تكن مالكة للعين المؤجرة، وإنما خولت فقط حق الانتفاع بها طوال حياتها من جانب المالك (الطاعن) الذي يستعيد بوفاتها هذا الحق، فلا ينصرف أثر عقد الإيجار الذي أبرمته إلى الورثة لأن حق الانتفاع لم ينتقل إليهم، هذا إلى أن اختصام الطاعن بصفته وارثاً للمؤجرة لا يغني عن ضرورة اختصامه بصفته مالكاً للعين المؤجرة.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن النص في المادة الثالثة من قانون المرافعات على أنه "لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون" يدل على أن المشرع قرر قاعدة أصولية تقضي بأنه لا دعوى ولا دفع بغير مصلحة، مؤداها أن الفائدة العملية هي شرط لقبول الدعوى أو أي طلب أو دفع فيها، وذلك تنزيها لساحات القضاء عن الانشغال بدعاوى وطلبات لا فائدة عملية منها، وما أنشئت المحاكم لمثلها، لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الدفع بعدم القبول قد أبدي أمام محكمة الموضوع من جانب مورثة المطعون ضدهم العشرة الأخيرين - المدخلين في الطعن - وكان قوامه أن مورثتها المؤجرة ليست مالكة للعين المؤجرة بل صاحبة حق انتفاع عليها خوله لها مالكها الطاعن ومن ثم فهي لا تخلف مورثتها في هذا الحق، وكان هذا الدفع لا يحقق للطاعن أية فائدة عملية ما دام أن عقد الإيجار قد انتقل إليه محملاً بالتزامات المؤجرة فيه فإن مصلحته في التمسك بهذا الدفع - أياً ما كان وجه الرأي فيه - تكون منتفية، ويضحى النعي على الحكم بهذا السبب غير مقبول.
وحيث أن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي فهم الواقع في الدعوى وفي بيان ذلك يقول أن الحكم استند في قضائه بأحقية المطعون ضده الأول في العودة إلي الشقة محل النزاع وفقاً لنص المادة 63 من القانون رقم 49 سنة 1977 إلى أنه قد ثبت في تقرير الخبير المقدم في دعوى إثبات الحالة رقم 45 لسنة 1979 مستعجل المنصورة أن هذه الشقة لم تهلك هلاكاً كلياً، وأنه قد صدر في شأنها قرار بالترميم وليس بالإزالة، بينما الثابت من تقرير الخبير المشار إليه أن هذه الشقة هلكت هلاكاً كلياً بعد إزالة سقفها وبعض حوائطها وهو ما ثبت أيضاً من الكشف الرسمي المستخرج من سجلات الضرائب العقارية الذي أغفل الحكم مناقشته هذا - لأن إزالة سقف المبنى لا تعتبر من أعمال الترميم التي حددها القرار الوزاري رقم 1043 سنة 1969 - المنطبق على واقعة الدعوى - والذي يخول المستأجر حق التمسك باستمرار العلاقة الإيجارية بعد إتمامها، كما أوجب القرار الوزاري رقم 418 سنة 1971 على المستأجر لإحدى وحدات العقار أن يقوم في حالة إزالتها بإخطار المالك برغبته في العودة إليها في موعد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الشروع في إعادة البناء، ولو أن المطعون ضده كان راغباً في العودة إلى شغل الشقة التي كان يسكنها لما قعد عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 951 سنة 1977 كلي المنصورة بالحلول محل المؤجرة في القيام بالأعمال التي اعتبرتها اللجنة المختصة من أعمال الترميم، مما يكون معه عقد الإيجار قد انفسخ بقوة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان المشرع قد خول شاغلي المبنى الذي اقتضت أعمال الترميم أو الصيانة إخلاءه مؤقتاً من شاغليه الحق - بمقتضى المادة 63 من القانون رقم 49 سنة 1977 المنطبق على واقعة الدعوى - في العودة إلى العين بعد ترميمها دون حاجة إلى موافقة المالك، واعتبر العين خلال فترة الإخلاء في حيازة المستأجر قانوناً ما لم يبد رغبته في إنهاء العقد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بقرار الإخلاء المؤقت، وكان لقاضي الموضوع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - سلطة تقدير الأدلة المقدمة في الدعوى - ومنها عمل أهل الخبرة وترجيح ما يطمئن إليه منها، واستخلاص ما يرى أنه واقع الدعوى متى كان استخلاصه سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، وهو غير ملزم بتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم ومستنداتهم والرد استقلالاً على كل منها طالما أن في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط لها، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بأحقية المطعون ضده الأول في العودة إلى الشقة محل النزاع على ما أورده بمدوناته من "أن العين لم تهلك هلاكاً كلياً على نحو ما يدعيه المستأنفون الطاعن والمطعون ضدهم المدخلون" وأنه صدر قرار بالترميم ولم يثبت من واقع الدعوى أنه صدر قرار بإزالتها....... وأنها ما زالت قائمة فإن من حق المستأنف ضده (المطعون ضده الأول) العودة إليها بعد ترميمها دون حاجة لموافقة المؤجر إذ تعتبر في حيازة المستأجر قانوناً دون حاجة إلى إبداء الرغبة في العودة إليها ما دام لم يبد رغبته في إنهاء عقد الإيجار وذلك وفقاً للمادة 63 من القانون رقم 49 سنة 1977، وما سلكه المستأنف ضده من إجراءات للمطالبة بالترميم يدل على أنه ما زال متمسكاً باستمرار العلاقة الإيجارية".
وكان هذا الذي أورده الحكم سائغاً ومقبولاً وله أصله الثابت بالأوراق وفي حدود ما لقاضي الموضوع من سلطة تقدير الدليل وفهم الواقع في الدعوى، ومتسقاً في نتيجته مع صحيح القانون فإن النعي عليه بهذين السببين يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق