جلسة 19 مايو سنة 1941
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات، عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.
----------------
(266)
القضية رقم 1557 سنة 11 القضائية
سب وقذف.
افتراء. حكم المادة 309 من قانون العقوبات. يتناول ما يبديه المتهم أمام النيابة لتفنيد التهمة الموجهة إليه.
(المادة 266 ع = 309)
------------------
إن المادة 309 من قانون العقوبات الحالي التي تنص على إعفاء الخصوم من العقاب على ما يسندونه بعضهم إلى بعض أمام المحاكم يتناول حكمها ما يبديه الخصم أثناء التحقيق في سبيل الدفاع عن نفسه في التهمة التي يحقق معه فيها. وذلك لأن ما جاء في هذه المادة ليس إلا تطبيقاً لقاعدة عامة هي حرية الدفاع في حدوده التي يستلزمها، فيدخل في ذلك ما يدلي به المتهم أمام النيابة من عبارات القذف وهو يفند لها التهمة التي وجهتها إليه.
المحكمة
ومن حيث إن الطعن يتحصل في أن الطاعن طلب من المحكمة الاستئنافية أن تقرّر بضم ملف الدعوى التي رفعتها المدّعية بالحق المدني ضدّه أمام المجلس الملى والتي طلبت فيها الحكم بصحة زواجها منه وإلغاء زواجه الثاني ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب مع أن الثابت من هذا الملف أن الطاعن إزاء ما ادّعته المدّعية من قيام الزوجية ومن أنها ولدت طفلاً كان ثمرة زواجهما أنكر كل ذلك وقال إن الولد جاء نتيجة سفاح. ويضيف الطاعن إلى ذلك أنه بعد أن حكم المجلس الملى للمدّعية بطلباتها أبلغت النيابة أن الطاعن زوّر شهادة خلوه من موانع الزواج كما زوّر عقد زواجه الثاني، فلما استجوبته النيابة ردّد أمامها ما دفع به دعوى المدعية أمام المجلس الملى على أساس أن ذلك هو جوهر دفاعه، وأن موقفه في الدعوى كان يستلزمه، ولذلك طلب من محكمة الجنح الاستئنافية أن تعامله بالمادة 309 عقوبات فرفضت هذا الطلب، وبذلك تكون أخطأت في تطبيق القانون لأن الطاعن لم يذكر في تحقيق النيابة العبارة التي اعتبرتها المحكمة قذفاً إلا ترديداً لدفاعه الذي أبداه أمام محكمة الأحوال الشخصية، ولذلك يكون تحقيق النيابة جاء متمماً لما حصل في تلك الخصومة ويسري عليه من أحكام القانون ما يسري عليها، وما دام القذف الذي حصل أمام محكمة الأحوال الشخصية ينطبق عليه حكم المدة 309 عقوبات فإن هذه المادة تنطبق أيضاً على القذف الذي وقع في تحقيق النيابة، ويكون ما قرّره الحكم المطعون فيه من قصر تطبيق هذه المادة على القذف الذي يقع من أحد الخصمين في حق الآخر أمام المحكمة فقط غير صحيح.
ومن حيث إن وقائع هذه الدعوى تتلخص - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه - في أن المدّعية بالحق المدني تزوّجت من الطاعن في 14 نوفمبر سنة 1926 بمدينة بورسعيد طبقاً للطقوس القبطية الأرثوذكسية وولدت منه طفلاً توفي فيما بعد. وبالرغم من أن الديانة المسيحية لا تبيح الزواج بأكثر من واحدة فإن الطاعن قد استصدر بطريق التزوير من بطركخانة الأقباط بالإسكندرية شهادة رسمية في 27 إبريل سنة 1932 دالة على خلوه من الموانع الزوجية وتزوّج بموجب هذه الشهادة من جليلة مسيحة بغدادي في 8 مايو سنة 1932 عن يد أحد القساوسة الأقباط، فلما علمت المدّعية بهذا الزواج رفعت عليه وعلى زوجته الثانية دعوى أمام مجلس ملى المنصورة طلبت فيها الحكم بصحة زواجها منه وبطلان زواجه الثاني. وفي 30 يناير سنة 1934 حكم المجلس الملى للمدّعية بطلباتها. وفي 9 يناير سنة 1935 قدّمت بلاغاً لنيابة المنصورة بالوقائع المتقدّمة وطلبت إجراء التحقيق مع الطاعن لارتكابه تزويراً في شهادة خلوه من الموانع الزوجية وفي عقدي الخطوبة والإكليل على جليلة مسيحة، فلما تولت النيابة التحقيق وسئل الطاعن قرّر في 28 إبريل سنة 1936 بأنه لم يتزوّج بالمدّعية بالحق المدني وأن الأمر كان قاصراً على تحرير محضر بخطوبتها فقط، ثم فسخت هذه الخطوبة ولم يدخل بمخطوبته لأنها حملت سفاحاً، ولذلك تزوّج من جليلة مسيحة. وبتاريخ 21 مارس سنة 1940 تأيد حكم المجلس الملى استئنافياً. ويخلص من هذه الوقائع أن المدّعية بالحق المدني لما بلّغت النيابة بأن الطاعن وهو زوجها قد زوّر شهادة بخلوه من موانع الزواج وزوّر عقدي الخطوبة والإكليل بجليلة مسيحة كان دفاعه عن هذه التهم لينفي عن نفسه كل ما نسبته إليه المدّعية أنه لم يتزوّج منها قط، وأنه لم يدخل بها، وأن الولد الذي ادعت أنه ثمرة الزوجية إن هو إلا ولد سفاح لأن ما يربطه بها ليس إلا عقد خطوبة يحق له أن يفسخه في أي وقت من تلقاء نفسه. وهذا الدفاع القائم على إنكار الطاعن زواجه من المدعية وإنكاره بنوّة الولد والذي يقول الطاعن إنه قد اضطره إليه موقفه في الدعوى التي رفعتها عليه المدعية أمام المجلس الملى وفي شكواها أمام النيابة هو دفاع لا يمكن أن يسأل عنه جنائياً إذ هو راجع إلى حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه في تهمة التزوير الموجهة إليه، لأن نسبة الولد له كانت من ضمن العناصر التي استشهدت بها المدعية بالحق المدني على قيام الزوجية.
ومن حيث إن المادة 309 من قانون العقوبات التي تعفي الخصوم من العقاب على ما يسندونه بعضهم إلى بعض أمام المحاكم ينطبق حكمها أيضاً على كل ما يبديه الخصم أمام سلطة التحقيق في سبيل الدفاع. وذلك لأن حكم هذه المادة ليس إلا تطبيقاً لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه.
ومن حيث إن الثابت من وقائع الدعوى بالكيفية المتقدّمة أن ما صدر من الطاعن من عبارات القذف إنما وقع منه في أثناء تحقيق النيابة وقد كان في مقام الدفاع عن نفسه في التهم الموجهة إليه، فتكون الواقعة المسندة إليه لا عقاب عليها طبقاً للمادة 309 عقوبات، ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه.
ومن حيث إن الطاعن لم يقدّم أي طعن خاص بالتعويض المقضي به، وما دام الحكم ببراءته على الأساس المتقدّم لا يترتب عليه عدم مساءلته عن الضرر الذي أصاب المجني عليها بما وقع منه والذي بينت عناصره محكمة الموضوع، فإنه يتعين رفض الطعن بالنسبة للدعوى المدنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق