جلسة 29 من نوفمبر سنة 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، محمد طه سنجر، إبراهيم فراج ومحمد أحمد حمدي.
----------------
(351)
الطعن رقم 15 لسنة 46 القضائية
(1) إيجار "إيجار الأماكن". محكمة الموضوع.
للمستأجر المصري المقيم بالخارج تأجير المكان المؤجر له من الباطن مفروشا أو غير مفروش. م 26 ق 52 لسنة 1969 شرطه أن تكون إقامته بالخارج مؤقتة. لمحكمة الموضوع استخلاص الوصف الصحيح للإقامة. انسحاب هذا الوصف على الإقامة من بدايتها.
(2) (3) إيجار "إيجار الأماكن". قانون. نقض.
(2) للمستأجر تأجير المكان المؤجر له من الباطن مفروشاً للأجانب أو لأغراض السياحة. م 26/ 3 ق 52 لسنة 1969. سريانه على عقود الإيجار السارية وقت نفاذ قراري وزير الإسكان رقمي 486 و478 لسنة 1970 وتلك المبرمة بعدها.
(3) حق المستأجر في تأجير العين مفروشة للأجانب أو لأغراض السياحة. القراران 486، 487 لسنة 1970. عدم جواز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهم الستة الأول أقاموا الدعوى رقم 1503 لسنة 1971 مدني أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعن والمطعون عليه السابع بطلب الحكم بإخلائهما من الشقة المبينة بصحيفة الدعوى وتسليمها إليهم، وقالوا في بيان دعواهم أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 10/ 1964 استأجر الطاعن شقة بالعقار رقم .....، وإذ خالف شرط منع التأجير من الباطن وآجراها للمطعون عليه الأخير دون إذن كتابي منهم فقد أقاموا الدعوى أجاب الطاعن بأنه يقيم بالخارج بصفة مؤقتة للدراسة وأن من حقه تأجير الشقة مفروشة استعمالاً للحق المخول بالمادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969. وبتاريخ 17/ 5/ 1972 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون عليهم الستة الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 3368 لسنة 79 ق القاهرة طالبين إلغاءه والقضاء بطلباتهم، وبتاريخ 23/ 12/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإخلاء العين المؤجرة وتسليمها خالية إلى المطعون عليهم الستة الأول. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالأول منهما على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم اعتبر إقامة الطاعن خارج البلاد إقامة دائمة وليست مؤقتة استناداً إلى ما استخلصه من إنهاء خدمته بوزارة الصحة بعد انقطاعه عن العمل دون إذن وما تضمنته الشهادة الصادرة من مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية من مغادرته البلاد في 5/ 11/ 1967 وعدم الاستدلال على عودته حتى 12/ 1/ 1971، ثم من انتهاء مدة تمرينه بالمستشفيات التي حددها بمستنداته دون عودة، وأن إقامته بالخارج استمرت أكثر من ثماني سنوات متصلة مما يدل على أن إقامته ليست مؤقتة، ورتب الحكم على ذلك عدم انطباق المادة 26 في القانون 52 لسنة 1969، في حين أن ما استند عليه الحكم لا يؤدى إلى ما استخلصه من نتيجة، ذلك أن فصل الطاعن من عمله بوزارة الصحة أو عدم عودته إلى البلاد لا تصلح دليلاً على اعتبار الإقامة بالخارج إقامة دائمة طالما ظل محتفظاً بجنسيته المصرية وداوم الحصول على إذن من السلطات المحلية بالعمل لدى جهات أجنبية طبقاً لأحكام القانون رقم 173 لسنة 1958 هذا إلى أن المخالفة المنسوبة للطاعن والتي بني عليها الحكم قضاءه بالإخلاء من تأجيره الشقة سنة 1970، لا يمكن إسباغ وصف الدوام على إقامته بالخارج خلالها لأنه كان لا زال في فترة الدراسة، وبالتالي كانت إقامة موقوفة تبعاً لعدم استقرار الحال به عند ذاك وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين على أن "للمالك دون سواه أن يؤجر شقة مفروشة واحدة في كل عقار يملكه. وللمستأجر من مواطني جمهورية مصر العربية في حالة إقامته بالخارج بصفة مؤقتة أن يؤجر المكان المؤجر له مفروشاً أو غير مفروش" يدل على أن الأصل أنه لا يجوز لغير المالك أن يؤجر المكان مفروشاً وبقيود معينة وخوله المشرع للمستأجر المصري المقيم بالخارج دون الأجنبي استثناء وللضرورة شريطة أن تكون إقامته بالخارج بصفة مؤقتة، فإن كانت إقامته بصفة نهائية فلا يحق له الإفادة من هذه المزية الاستثنائية بتأجيره من الباطن مفروشاً أو غير مفروش ولما كان النص قد جاء خلواً من تحديد معنى الصفة المؤقتة لإقامة المستأجر المصري بالخارج أو وضع معيار ثابت يفرق بينها وبين الإقامة الدائمة، وكان يبين من المناقشات البرلمانية التي جرت حول هذه المادة ترك هذا التحديد لقرار يصدره وزير الإسكان والمرافق يبين فيه معنى الإقامة المؤقتة ويوضح شروطها، وكان هذا القرار لم يصدر حتى صار إلغاء القانون رقم 52 لسنة 1969 وإحلال القانون رقم 49 لسنة 1977 محله، فإن من حق محكمة الموضوع السلطة الكاملة في استخلاص هذا الوصف من وقائع الدعوى وملابساتها بما لا معقب عليه من محكمة النقض طالما أقامته على أسباب سائغة تكفي لحمله. لما كان ذلك وكان لا ينفى تحقق شرط الإقامة الدائمة للمواطن المصري الذي يترك أرض الوطن ليقيم بالخارج نهائياً قيامه بزيارات منتظمة للبلاد أو قيامه بما يوجبه القرار بقانون رقم 173 لسنة 1958 بشأن اشتراط الحصول على إذن قبل العمل بالهيئات الأجنبية لأن مناط هذا الإذن هو التمتع بالجنسية المصرية ولا يتعارض بذاته مع إقامة المصري بإقامة دائمة بالخارج. لما كان ما تقدم وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه خلص إلى أن إقامة الطاعن بالخارج لم تكن بصفة مؤقتة تأسيساً على عدة قرائن حاصلها أن الطاعن غادر البلاد بتاريخ 5/ 11/ 1967 مرافقاً زوجته الأجنبية وأنه فصل من عمله كطبيب بوزارة الصحة، ولم يستدل على عودته منذ المغادرة وحتى صدور الحكم، رغم مضى أربع سنوات على انتهاء مدة دراسته، وأن مدة الإقامة بالخارج قد استطالت لأكثر من ثمانية أعوام لم تقطع، وكانت هذه القرائن تكمل بعضها البعض ومن شأنها أن تؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي خلص إليها الحكم فإنه لا يقبل من الطاعن مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها وإذ انتهى الحكم صحيحاً إلى أن إقامة الطاعن بالخارج كانت دائمة، فإن هذا الوصف يلحقها منذ بدايتها فلا يستفيد من مزية التأجير من الباطن المقررة بالفقرة الثانية من المادة 26 من القانون 52 لسنة 1969، ويكون النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقول إن الشقة التي يستأجرها هي من الأماكن التي يجوز للمستأجر تأجيرها مفروشة لأجنبي ولو تضمن العقد شرطاً يحظره عملاً بنص الفقرة الثالثة من المادة 26 من القانون 52 لسنة 1969 وقراري وزير الإسكان رقمي 486، 487 لسنة 1970 واللذين يجيزان للمستأجر أن يؤجر من باطنه وحدة سكنية مفروشة متى كان التأجير لأحد الأجانب المرخص لهم بالعمل في مصر أو بالإقامة فيها، وكذلك للسائحين الأجانب، وإذ كان المطعون عليه الأخير - المستأجر مفروشاً - أحد الخبراء الدوليين الأجانب، والتفت الحكم على ذلك عن أعمال القرارين الوزاريين آنفي الإشارة مع أنهما بمثابة القانون لصدورهما بناء على تفويض من المشرع فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 26/ 3 من القانون 52 لسنة 1969 على أنه "واستثناء من ذلك يجوز لوزير الإسكان والمرافق بقرار يصدره بعد أخذ رأى الوزير المختص وضع القواعد المنظمة لتأجير وحدات سكنية مفروشة لأغراض السياحة وغيرها من الأغراض" يدل على أنه استثناء من حكم الفقرتين الأولى والثانية من نفس المادة أجاز المشرع التأجير مفروشاً لأغراض استهدفها وبين على سبيل الحصر - في القرارين الوزاريين الصادرين نفاذاً لها - الأحوال التي يجوز فيها هذا التأجير لأشخاص معينين كما حدد المناطق التي أباحه فيها بالنظر لاعتبارات متعلقة بكل حالة على حدتها وحق المستأجر في التأجير المفروش وفقاً لهذا الحكم مستمد من القانون مباشرة دون أن يكون متوقفاً على إذن المالك. ولئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يقصد بالقانون معناه الأعم، فيدخل في هذا المجال أي تشريع سواء كان صادراً من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية عملاً بالتفويض المقرر لها طبقاً للمبادئ الدستورية المتواضع عليها، وكان نطاق تطبيق القرارين الوزاريين رقمي 486، 487 سنة 1970 الصادرين نفاذاً للفقرة الثالثة من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 فى 17/ 10/ 1970 كما يسري على عقود الإيجار المبرمة في ظلهما بعد صدورهما، يسرى أيضاً على تلك التي تكون نافذة عند العمل بها طبقا للأثر المباشر للتشريع، إلا أنه لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه ومن الكتاب المؤرخ 26/ 11/ 1969 الموجه من الطاعن إلى ممثل المطعون عليهم الستة الأول أنه يستند في دفاعه إلى حقه في التأجير مفروشاً تبعاً لإقامته الموقوتة بالخارج ولم يتذرع بتوافر شرائط انطباق القرارين الوزاريين المشار إليهما في المستأجر من الباطن "المطعون عليه السابع" فإن تمسك الطاعن بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض لا يكون مقبولا لأنه يختلط فيه القانون بالواقع، ويقتضي تحقيقاً خاصاً بوقوع المكان المؤجر في منطقة يشملها القراران الوزاريان وبتوافر الصفات التي حدداها في شخص المستأجر ويكون ما تضمنه النعي سبباً جديداً لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق