باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م،
الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: محمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد
شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين
عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 25
قضائية دستورية
المقامة من
إنعام أبو زيد أبو طالب أحمد
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
3- رئيس مجلس الوزراء
4- وزير العدل
5- ورثة/ أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب أحمد، وشهرته: صفوت أبو زيد، وهم:
1- حسام صفوت أبو زيد أبو طالب
2- مُعتز أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب
3- صفاء صفوت أبو زيد أبو طالب
4- فريال إبراهيم حسن سنارة، وشهرتها: حكمت سنارة
5- هبة أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب
6- زينب أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب، وشهرتها: حنان
-----------------
" الإجراءات "
بتاريخ الأول من يناير سنة 2003، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى، قلم
كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من
المادة (37) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، والبند (1) من
المادة (477) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق في أن المدعية أقامت أمام محكمة المنيا
الابتدائية - مأمورية بني مزار الكلية - الدعوى رقم 748 لسنة 1999 مدني كلي، ضد
المدعى عليهم خامسًا، وآخرين، بطلب الحكم ببطلان العقد المسجل رقم 2196 لسنة 1966
سجل عيني المنيا، المؤرخ 28/5/1966، المحرر بين مورثها/ أبو زيد أبو طالب أحمد
(بائع)، وشقيقها/ أحمد صفوت أبو زيد أبو طالب، ونجله القاصر/ حسام (مشتريان)،
للأطيان الزراعية المُبينة بالعقد، وشطب ومحو قيده بالسجل العيني ورد تلك الأطيان
إلى تركة مورثها، وذلك على سند من أنه بتاريخ 28/3/1966، تحصل شقيقها - مورث
المدعى عليهم خامسًا - على توقيع والده على عقد البيع العُرفي للأطيان المار
ذكرها، في مرض موته، وبادر بتوثيقه تحت رقم 252 بمكتب توثيق بني مزار بتاريخ البيع
ذاته، منكرًا عليها - ومن بعده ورثته - إرثها الشرعي في الأراضي الزراعية موضوع
العقد المشار إليه، فكانت الدعوى. وإبان نظرها دفعت المدعية بعدم دستورية نص
الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946،
فيما تضمنه من أنه تصح الوصية بالثلث للوارث، والبند (1) من المادة (477) من
القانون المدني، فيما تضمنه من أنه إذا باع المريض مرض الموت لوارث، وإذ قدرت
المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية؛ فأقامت دعواها
المعروضة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون الوصية الصادر
بالقانون رقم 71 لسنة 1946، تنص على أنه تصح الوصية بالثُّلث للوارث وغيره، وتنفذ
من غير إجازة الورثة وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها
الورثة بعد وفاة الموصي وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه.
وتنص المادة (477) من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة
1948 على أنه 1- إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة
المبيع وقت الموت فإن البيع يسري في حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة المبيع على
الثمن لا تجاوز ثُلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته.
2- أما إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة فإن البيع فيما يجاوز
الثلث لا يسري في حق الورثة إلا إذا أقروه أو رد المشتري للتركة ما يفي بتكملة
الثلثين.
3- ويسري على بيع المريض مرض الموت أحكام المادة (916).
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية،
مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين
المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية
على الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان جوهر
النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعية الحكم ببطلان عقد البيع
المسجل الصادر من مورثها إلى شقيقها (مورث المدعى عليهم خامسًا)، وشطب ومحو قيده
بالسجل العيني، ورد الأعيان محل ذلك العقد إلى تركة مورثها، لما شابه من الصورية
لإخفائه وصية لوارث، وكان النصان المطعون فيهما مبلورين لقاعدتين تقضي أولاهما
بصحة الوصية بالثلث للوارث، ونفاذها دون حاجة إلى إجازة الورثة، وتقضي الأخرى بسريان
أحكام الوصية على بيع المريض مرض الموت لوارث، وسريان هذا البيع في حق الورثة، إذا
كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثُلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته؛
ومن ثم فإن هاتين القاعدتين تكونان هما المطبقتين على النزاع الموضوعي، وتتحقق
بالفصل في دستوريتهما المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية في الدعوى الدستورية
المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه صدر الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون
الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946 من أنه تصح الوصية بالثلث للوارث وتنفذ
من غير إجازة الورثة، وما تضمنه البند (1) من المادة (477) من القانون المدني
الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948، من أنه إذا باع المريض مرض الموت لوارث بثمن
يقل عن قيمة المبيع وقت الموت فإن البيع يسري في حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة
المبيع على الثمن لا تجاوز ثُلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته، دون باقي أحكام
هذين النصين.
وحيث إن المدعية تنعى على النصين اللذين تحدد فيهما نطاق الدعوى
المعروضة، تناقضهما مع أحكام كل من قانون الوصية والقانون المدني، ومخالفتهما
أحكام المواد (2 و9 و12) من دستور 1971 - المقابلة للمواد (2 و8 و10) من الدستور
القائم - بقالة إنهما يتعارضان مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ويخلان بحقوق الورثة
في تركة مورثهم، وأن في صحة الوصية بالثلث لوارث، ونفاذها من غير إجازة الورثة، ما
يؤدِّي إلى الشِّقاق والنِّزاع وقطيعة الرَّحم، وإثارة البَغْضاء والحسَد بين
الورثة، ومن ثم يشكل تهديدًا للطابع الأصيل للأسرة المصرية - وقوامها الدين
والأخلاق والوطنية - فينال من قيمها وتقاليدها، التي حرص الدستور على التمكين لها
وصونها.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة النصين المطعون فيهما لأحكام كل
من قانون الوصية والقانون المدني المار ذكرهما، فإن هذا النعي مردود بأن من المقرر
في قضاء هذه المحكمة أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح، أن يكون
مبنى الطعن هو مخالفة التشريع لنص دستوري، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين تشريعيين
جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا -
بذاته - على مخالفة دستورية. متى كان ذلك، وكان هذا النعي - أيًّا كان وجه الرأي في
قيام هذا التعارض من عدمه - لا يعدو أن يكون نعيًا بمخالفة قانون لقانون، وهو ما
لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة، ولا يشكل بذلك خروجًا على أحكام الدستور، ومن ثم
فإن المحكمة تلتفت عنه.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن
هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور
القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا
القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام
العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها
أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها المدعية إلى النصين
المطعون فيهما تندرج تحت المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص
تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي؛ ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر
رقابتها على دستورية هذين النصين اللذين ما زالا معمولًا بهما، في ضوء أحكام
الدستور القائم، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة المادة (37/1) من قانون الوصية
السالف الإشارة إليه لمبادئ الشريعة الإسلامية، فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت في
شأن هذا النعي برفضه، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 6/6/1987، في الدعوى رقم 125 لسنة
6 قضائية دستورية، التي اقتصرت مناعيها على طعن وحيد هو مخالفة النص المار بيانه
لمبادئ الشريعة الإسلامية، غير أن قضاء هذه المحكمة في الدعوى السالف ذكرها، لا
يُعتبر - على ما جرى به قضاؤها - مُطهرًا لذلك النص مما قد يكون عالقًا به من
مثالب أخرى، ولا يحول بين كل ذي مصلحة وإعادة طرحه على المحكمة لأوجه مخالفة أخرى
غير ما تقدم.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة نص البند (1) من المادة (477) من
القانون المدني لمبادئ الشريعة الإسلامية، فمردود بأن من المقرر في قضاء هذه
المحكمة أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 من مايو سنة
1980 يدل على أن الدستور - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل - قد أتى بقيد
على السلطة التشريعية مؤداه: إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية بأن تكون غير
مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية بعد أن اعتبرها الدستور أصلًا ترد إليه هذه
النصوص أو تستمد منه لضمان توافقها مع تلك المبادئ، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى
التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها، والنزول عليها في
ممارستها لاختصاصاتها الدستورية، وكان من المقرر كذلك أن كل مصدر ترد إليه النصوص
التشريعية أو تكون نابعة منه يتعين بالضرورة أن يكون سابقًا في وجوده على هذه
النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور معيارًا
للقياس في مجال الشرعية الدستورية تفترض لزومًا أن تكون النصوص التشريعية التي لا
تخل بتلك المبادئ، وتراقبها هذه المحكمة، صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من
الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه: أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد أن
يكون مداه من حيث الزمان منصرفًا إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك
الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية اعتبارًا من
التاريخ السالف البيان - والذي ردده الدستور القائم بمقتضى المادة (2) منه - ومن
ثم فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
متى كان ما تقدم، وكان ما تضمنه نص المادة (477/ بند1) من القانون
المدني - المطعون عليه - قد صدر وعُمل به قبل نشوء القيد الدستوري المار بيانه،
ولم يلحقه أي تعديل بعد نفاذه؛ ومن ثم فإن هذا النص يظل بمنأى عن الخضوع لحكم ذلك
القيد الدستوري - أيًّا كان الرأي في مخالفته لمبادئ الشريعة الإسلامية - ويغدو
الطعن عليه بهذا المنعى في غير محله، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المشرع قد اختار للوصية تعريفًا مرنًا بما يجعله شاملًا لكل
أنواع الوصايا التي جاء بها القانون؛ فنص في المادة الأولى من قانون الوصية على
أنها تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت، أي تمليك مضاف إلى زمن ينقطع فيه حق
الموصي عن جميع أمواله، فيشمل التصرفات المنجزة في مرض الموت، لأنها وإن أخذت حكم
الوصايا - طبقًا لأحكام المادتين (477/بند 1 و916) من القانون المدني - فإنها تنفذ
في حدود ثلث التركة، وما زاد يتوقف على إجازة الورثة، فإن أجازوها نفذت وإلا بطلت.
وبهذه المثابة، يكون المشرع قد ألحق بالوصية تصرفات المريض مرض الموت التي يقصد
بها التبرع، واعتبر - في المادتين (916 و917) من القانون المدني - كل تصرف لا تظهر
آثاره إلا بعد الموت، تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت، وأعطاه حكم الوصية، ما لم
يظهر بالدليل أنه قصد به غير ذلك.
وحيث إن المشرع قد عرض للوصية في القانون المدني الصادر بالقانون رقم
131 لسنة 1948، في المواد أرقام (915 و916 و917) منه، وجهر في المادة (915) بالنص
على أن تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها،
وأدرج الوصية ضمن أسباب كسب الملكية الواردة في القانون على سبيل الحصر، وفقًا
للمواد (870) وما بعدها من القانون ذاته، وأكد بموجب أحكام المادة (477) منه - وهو
بصدد تنظيمه لأحكام البيع في مرض الموت - على سريان البيع الصادر من المريض مرض
الموت لوارث، بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت في حق الورثة، إذا كانت زيادة
قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثلث التركة داخلًا فيها المبيع ذاته، وعدم سريانه في
حقهم، إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة، فإن البيع فيما يجاوز الثلث لا يسري
في حق الورثة إلا إذا أقروه أو رد المشتري للتركة ما يفي بتكملة الثلثين، كما أكد
المشرع على سريان أحكام المادة (916) من القانون المدني على بيع المريض مرض الموت،
تلك الأحكام التي اعتبرت كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصودًا به
التبرع، تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية.
وحيث إن الدساتير المصرية على تعاقبها، وحذوًا بما استقام عليه نهج
الأمم المتحضرة، قد حرصت على صون الملكية الخاصة، وأكدت على حمايتها بوصفها واحدًا
من أهم المقومات الأساسية التي لا ينهض المجتمع سويًّا بغير كفالتها، فقد نصت
المادة (35) من الدستور القائم على أن الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها
مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم
قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقًا
للقانون. وتمتد الحماية الدستورية لتشمل الحق في الملكية في ذاته، بغض النظر عن
وسيلة كسبه، وبمراعاة ما عساه أن يكون له من وظيفة اجتماعية.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القيم الدينية والخلقية لا
تعمل بعيدًا أو انعزالاً عن التقاليد التي تؤمن بها الجماعة، بل تعززها وتزكيها
بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ومن أجل ذلك جعل الدستور الحالي في المادة (10)
منه - المقابلة للمادتين (9 و12) من دستور سنة 1971 - قوام الأسرة الدين والأخلاق
والوطنية، كما جعل الأخلاق والقيم والتقاليد، والحفاظ عليها، والتمكين لها، التزامًا
على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة، والمجتمع ككل، وغدا ذلك قيدًا على السلطة
التشريعية، فلا يجوز لها أن تسن تشريعًا يخل بها، وأن وحدة الأسرة، في الحدود التي
كفلها الدستور، لازمها ضرورة تماسكها، توكيدًا للقيم العليا النابعة من اجتماعها،
وصونًا لأفرادها من مخاطر التبعثر، وليظل رباط هذا التماسك هو الدين والأخلاق، وهو
ما يوجب على المشرع أن يهيئ لأفرادها مناخًا ملائمًا لضمان وحدتها.
وحيث إن الدستور أقام من الدين والأخلاق والوطنية - بمُثُلها وفضائلها
ومكارمها - إطارًا للأسرة، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل - في
تراثها وتقاليدها ومناحي سلوكها - عن دورها الاجتماعي، ولا تتراجع عن القيم العليا
للدين، بل تنهل منها تأسيًا بها، والتزامُها بالخلق القويم لا ينعزل عن وجدانها،
بل يمتد لأعماقها ويحيطها ليهيمن على طرائقها في الحياة، وليس التعبير عن الوطنية
- في محتواها الحق- رنينًا مجردًا من المضمون، بل انتماءٌ مطلق لآمال المواطنين،
وانحياز صارم لطموحاتهم يقدم مصالحهم - في مجموعها - على ما سواها. والأسرة بذلك
لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها، ولكنها
تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتها انفلاتًا بئيسًا، ولا حريتها نهبًا لقهر
أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقًا بلا قيد، ولا واجباتها تشهيًا بهواها، بل يُظلها
حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى
التكافل الاجتماعي بين آحادها.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما
لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة
التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة؛ لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة
الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذى يتناوله
بالتنظيم، وأن الأصل في كل تنظيم تشريعي للحقوق أنه لا يجوز لغير مصلحة واضحة يقوم
الدليل على اعتبارها، مستلهمًا في ذلك أن المصالح المعتبرة، وهي تلك التي تكون
مناسبة لمقاصد الشريعة متلاقية معها، وهي بعد مصالح لا تتناهى جزئياتها، أو تنحصر
تطبيقاتها، ولكنها تتحدد - مضمونًا ونطاقًا - على ضوء أوضاعها المتغيرة.
وحيث إن النصين المطعون فيهما لم يقيدا المالك، حال حياته، من التصرف
في ملكه، ولم يفتئتا على حق الورثة في تركة مورثهم، وإنما وضعا من الضوابط ما يضمن
صحة الوصية لوارث إذا لم تجاوز ثلث التركة، دون حاجة إلى إجازة باقي الورثة،
وسريان بيع المريض مرض الموت لوارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت، في حق
الورثة، إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثُلث التركة داخلًا فيها
المبيع ذاته، ليكون المشرع بذلك، وإن توخى حماية الورثة، والحفاظ على ميراثهم
الشرعي، فإنه لم يهدر في الوقت ذاته إرادة المورث المتصرف، ولا حقوق الورثة
المستفيدين من تصرفه قبل الموت، ويكون قد أجاز التصرف بالقدر الذى لا يتعارض فيه
مع أحكام الميراث والوصية المعتبرة شرعًا، بما ليس فيه مساس بالملكية الخاصة التي
كفل الدستور حق الإرث فيها، وكان للمشرع أن يتدخل لتنظيم حق الملكية ويوجهه وجهة
رشيدة تحقيقًا لمصلحة الجماعة، ووفاء باحتياجاتها، ودفعًا للضرر عنها، وهى مصالح
مشروعة يستهدفها النصان المطعون فيهما، ليغدو نعي المدعية عليهما بإهدارهما
ملكيتها التي كسبتها إرثًا طبقًا لقواعده التي نظمها القانون، مستمدًا إياها من
أحكام الشريعة الغراء، لا سند له، متعينًا رفضه.
وحيث إن المشرع في إطار حرصه على وحدة الأسرة وصونًا لأفرادها من
مخاطر الانشقاق، والمحافظة على تماسكها واستقرارها، وإعمالًا لواجبه في تهيئة
المناخ الملائم لضمان وحدتها، استنَّ الأحكام التي ضمَّنها النصين المطعون فيهما،
وارتأى بسلطته التقديرية صحة الوصية لوارث مطلقًا في حدود ثلث التركة، ونفاذها من
غير إجازة الورثة، والاعتداد بالبيع الصادر من المريض مرض الموت لوارث حال توافر
شروطه، الأمر الذي يفصح - بجلاء - عن أن الأحكام التي انتظمها النصان المطعون
فيهما قد استهدفت تحقيق التوازن بين حقوق ومصالح المورث في التصرف في ماله، وحقوق
الورثة المستمدة من قواعد الإرث التي تعتبر من النظام العام، بما لا يهدر حقًّا أو
مصلحة لحساب الأخرى، فلم يطلق المشرع للمالك الموصي العنان ليعطى من يشاء ويحرم من
يشاء، كما لم يقيد تصرفاته في الأيام الأخيرة من عمره، بل فتح له بالوصية لوارث،
في حدود ثلث التركة، بابًا يتدارك به ما فاته من فعل الخير في حياته، وليعوض من
عاونوه فيها من ورثته، أو من به فاقة أو عوز من صغر أو مرض، إقرارًا من المشرع بحق
المالك في التصرف في ملكه، وفي المقابل كفل المشرع من الضوابط والضمانات ما يكفي
لحماية أنصبة الورثة، على النحو المتقدم بيانه، سدًّا لأبواب التحايل والتلاعب
بحقوقهم في الميراث، ليكون مال الأسرة بين آحادها بما يوثق العلائق بينهم ولا
يوهنها، وعلى النحو الذى تتحقق به مصالح المجتمع وتضامنه، بوصف الأسرة هي اللبنة
والنواة الأولى للمجتمع؛ الأمر الذي يضحى معه التنظيم الذي تضمنه النصان المطعون
فيهما، باعتباره الوسيلة التي اختارها المشرع وقدر مناسبتها لبلوغ الأهداف
والأغراض المتقدمة، وكفالة تحقيقها، قد جاء متسقًا وأحكام المادة (10) من الدستور
الحالي، ويكون ما تنعاه المدعية في هذا الصدد إنما ينحل إلى منازعة المشرع فيما
ارتآه ملبيًا لصالح الجماعة في إطار تنظيمه للوصية لوارث، وسريان أحكامها على
البيع الصادر من المريض مرض الموت لوارث، بما لا مخالفة فيه للحماية الدستورية
المقررة لكيان الأسرة المصرية واستقرارها؛ الأمر الذي يكون معه نعي المدعية سالف
الذكر لا أساس له حريًّا برفضه.
وحيث إن النصين المطعون فيهما لم يخالفا أي نص آخر من نصوص الدستور؛
الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق