جلسة الأول من أبريل سنة 2018
برئاسة السيد القاضي / سمير مصطفى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أسامة درويش، عبد القوي حفظي ومحمد حسن كامل نواب رئيس المحكمة وأحمد مدحت نبيه .
-----------------
(49)
الطعن رقم 12974 لسنة 86 القضائية
(1) سب وقذف . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
استظهار القصد الجنائي في جريمة السب والقذف علناً . موضوعي . حد ذلك ؟
مثال لتسبيب سائغ لاستظهار ركن العلانية والقصد الجنائي في جريمة سب وقذف علناً .
(2) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
نعي الطاعن على الحكم بشأن جريمة إهانة موظف عام . غير مقبول . ما دام لم يدنه بها .
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . سب وقذف .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
التناقض الذي يعيب الحكم . ماهيته ؟
القضاء بتبرئة الطاعن عن جريمتي تعمد مضايقة الغير وإزعاجه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات وإدانته عن جريمتي القذف والسب . لا تناقض .
(4) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً علي الأدلة المطروحة عليه . له تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه . ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق .
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
استناد الحكم لأدلة تؤدي مجتمعة لما رتبه عليها من استدلال . النعي بعدم كفايتها . غير مقبول .
(5) إثبات " شهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد رغم إيراده أقوال الشهود بما له أصل بالأوراق . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض.
(6) قضاة " صلاحيتهم " .
الرغبة في الإدانة . مسائل داخلية تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره . تقدير الإدانة . متروك له .
(7) أمر الإحالة . دفوع " الدفع ببطلان أمر الإحالة " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
أمر الإحالة من مراحل التحقيق . أثر ذلك ؟
المحكمة هي جهة التحقيق النهائي . للمتهم أن يطلب منها استكمال ما فات النيابة العامة من إجراءات وإبداء دفاعه بشأنها .
عدم سؤال المتهم بالتحقيقات . لا يرتب بطلان الإجراءات . علة ذلك؟
مثال لرد سائغ على الدفع ببطلان أمر الإحالة .
(8) موظفون عموميون . سب وقذف . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " المصلحة في الطعن " " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
عدم العقاب على القذف الموجه إلى موظف عام . شرطه : إثبات القاذف صحة وقائع القذف . إقدامه عليه دون دليل اعتماداً على إظهار التحقيق له . غير جائز .
الفصل في صحة وقائع القذف . موضوعي . نعي الطاعن بإثباته صحتها . جدل موضوعي في تقدير الدليل ووزن عناصر الدعوى . غير جائز أمام محكمة النقض .
لا مصلحة للطاعن في النعي بشأن جريمة القذف علناً في حق موظف عام . ما دامت المحكمة دانته عن جريمة السب علناً بوصفها الأشد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد تحدث عن ركن العلانية واستظهر الدليل على أن الطاعن قصد إذاعة ما نسبه إلى المجني عليه بما استخلصه الحكم من أن الطاعن دون عباراته محل الاتهام على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي وقد ذُيلت بعدد تسعة وأربعين تعليقاً لعدد تسعة وأربعين متصفح ، كما أجاز نشرها على موقع شبكة .... الإعلامية على مسئوليته وقد ذُيلت بعدد خمسة عشر تعليقاً من متصفحي ذلك الموقع الإعلامي متضمنة عبارات القذف والسب ، ومن ثم فإن صفحة الطاعن والموقع سالفي البيان كانا وقت ارتكاب الواقعة مطروقين للجمهور ، وكان من المقرر أن استظهار القصد الجنائي في جريمتي القذف والسب علناً من اختصاص محكمة الموضوع تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها دون معقب عليها ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، فإن الحكم إذ استخلص على النحو المتقدم قصد التشهير علناً بالمجني عليه يكون قد دل على سوء نية الطاعن وتوافر ركني العلانية بما يسوغ الاستدلال عليه ، وتنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب .
2- لما كان الحكم لم يدن الطاعن بجريمة إهانة موظف عام وإنما دانه بجريمتي القذف والسب علناً وأوقع عليه عقوبتهما ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون وارداً على غير محل .
3- من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان مفاد ما أورده الحكم من قضائه ببراءة الطاعن من جريمتي تعمد مضايقة الغير وإزعاجه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات – موضوع التهمتين الرابعة والخامسة – استناداً إلى عدم استعمال المتهم إحدى وسائل الاتصال المتعارف عليها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لا يتعارض مع قضائه بإدانة الطاعن عن جريمتي قذف وسب المجني عليه بتدوين عبارات وألفاظ لو صحت لأوجبت عقابه واحتقاره لدى أهل وطنه وتخدش الشرف والاعتبار وذلك على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي ، ومن ثم فإن قالة التناقض والتخاذل تنحسر عن الحكم المطعون فيه .
4- من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته وله أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح في الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزيئة من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، ولا يُنظر إلى كل دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه . لما كان ما تقدم ، وكان جميع ما تساند إليه الحكم من الأدلة التي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها في شأنها مجتمعة أن تحقق ما رتبه عليها من استدلال على صحة ما نُسب إلى الطاعن من قذف وسب المجني عليه ، فإن ما يثيره بشأن الأدلة التي عول الحكم عليها في الإدانة لا يكون سديداً .
5- لما كان البين من الاطلاع على المفردات – المنضمة – أن ما أورده الحكم المطعون فيه سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو تحصيله لأقوال شهود الإثبات وكذا أقوال مجري التحريات له صداه وأصله الثابت في الأوراق ، ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه ، ومن ثم فقد انحسرت عنه بذلك قالة الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله ، ولا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة لأدلة الإدانة القائمة في الدعوى ومصادرة عقيدتها ، وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض .
6- من المقرر أن حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره ، وترك المشرع أمر تقدير الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن .
7- لما كان الحكم قد عرض للدفع ببطلان أمر الإحالة لعدم توجيه اتهام للمتهم بتحقيقات النيابة العامة وأطرحه بقوله " ... المشرع لم يوجب على النيابة العامة إجراء تحقيق في وقائع القذف بطريق النشر فلها أن تحيل المتهم إلى المحاكمة دون إجراء تحقيقات فإذا ما كان عدم إجراء التحقيق وعدم استجواب المتهم بحسب الأصل لا يرتب البطلان فإن سؤال المتهم بتحقيقات النيابة على سبيل الاستدلال ليس من شأنه كذلك المساس بصحة الإجراءات وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الأثر الوحيد لعدم استجواب المتهم بالتحقيقات وتوجيه الاتهام إليه وإحالته مباشرة إلى المحاكمة يقتصر على تحديد ميعاد تقديم بيان الأدلة وطريقة تقديمها وهو الأمر الذى يكون معه الدفع المثار في هذا الخصوص عاطلاً عن سنده متعيناً الالتفات عنه " وما أورده الحكم صحيح في القانون ، ذلك بأن أحكام محكمة النقض استقرت على اعتبار الإحالة من مراحل التحقيق وأن المحكمة هي جهة التحقيق النهائي ويجوز للمتهم أن يطلب منها استكمال ما فات النيابة العامة من إجراءات التحقيق وإبداء دفاعه بشأنها أمامها ، ومن ثم فلا محل للقول بوجود ضرر يستدعي بطلان هذا الإجراء وإلا ترتب على البطلان إعادة الدعوى إلى جهة التحقيق من بعد اتصالها بالمحكمة وهو غير جائز ، هذا فضلاً عما هو مقرر من أن عدم سؤال المتهم في التحقيق لا يترتب عليه بطلان الإجراءات إذ لا مانع في القانون يمنع من رفع الدعوى الجنائية بدون استجواب المتهم ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير مقبول .
8- من المقرر أن القانون يشترط لعدم العقاب على القذف الموجه إلى الموظف العمومي أو من في حكمه إثبات القاذف صحة وقائع القذف كلها ، وأنه إذا كان القاذف قد أقدم على القذف ويده خالية من الدليل معتمداً على أن يُظهر له التحقيق دليلاً فهذا ما لا يجيزه القانون . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن من أنه أثبت صحة ما قذف به المجني عليه بما قدمه من مستندات بتحقيقات النيابة العامة وبجلسات المحاكمة ، مردوداً بأن الفصل في ذلك من الأمور الموضوعية البحتة التي تستقل بها محكمة الموضوع دون معقب عليها فيه ، ولا ينال من ذلك إغفال الحكم ما شهد به .... بالتحقيقات من أنه تقابل مع المدعي بالحقوق المدنية وأخبره بإعداده وتجهيزه قضية فساد كبرى ، إذ أن ذلك وحده ليس من شأنه بطريق الضرورة واللزوم نفي ارتكابه الجريمة ، ويضحي بذلك كافة ما يثيره الطاعن في هذا الشأن من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . هذا إلى أنه لا مصلحة للطاعن فيما ينعاه على الحكم بالنسبة لجريمة القذف علناً في حق موظف عام ما دام البين من مدوناته أنه طبق نص المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة واحدة عن الجرائم تدخل في حدود العقوبة المقررة لجريمة السب علناً التي أثبتها الحكم في حقه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :-
أولاً : قذف علناً في حق المجني عليه / .... - رئيس مباحث .... بواسطة الكتابة بإحدى طرق النشر - صفحته الشخصية - على صفحات التواصل الاجتماعي " فيس بوك " أموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقابه بالعقوبات المقررة قانوناً وأوجبت احتقاره عند أهل وطنه .
ثانياً : قذف علناً في حق المجني عليه / .... رئيس مباحث .... بأن طعن في أعماله حال كونه موظفاً عاماً رئيس مباحث .... وكان ذلك بسوء نية متعدياً على أعمال الوظيفة العامة وعجز عن إثبات كل فعل أسنده إليه على النحو المبين بالتحقيقات .
ثالثاً : سب وأهان المجني عليه / ..... - رئيس مباحث ..... - بأن وجه إليه بواسطة الكتابة بإحدى طرق النشر - صفحته الشخصية - على صفحات التواصل الاجتماعي " فيس بوك " الألفاظ الشائنة المبينة بالتحقيقات والتي تخدش الشرف والاعتبار .
رابعاً : تعمد إزعاج الغير / ..... رئيس مباحث ..... بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات على النحو المبين بالتحقيقات .
خامساً : تعمد مضايقة الغير / ..... رئيس مباحث ..... بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... الاقتصادية لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردین بأمر الإحالة .
وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة ألف وواحد جنية على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 171 /4، 5 ، 302 /1 ، 303 /2،1 ، 306 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادة 32 /2 من القانون ذاته . أولاً : بتغريمه مبلغ عشرة آلاف جنيه عما أسند إليه في الوصف أولاً وثانياً وثالثاً ، وبإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ .... على سبيل التعويض المدني المؤقت ، ثانياً : ببراءته .... مما أسند إليه في الوصف رابعاً وخامساً .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي السب والقذف علناً في حق موظف عام ، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ؛ ذلك بأن دانه رغم دفعه بانتفاء أركان جريمتي السب والقذف في حقه وكذا القصد الجنائي لجريمة الإهانة ، واعتنقت المحكمة صورة للواقعة مغايرة لحقيقتها ، وتناقضت بشأن تجريم وسيلة الاتصال مما يُنبئ باضطراب صورة الواقعة بعقيدتها وتخاذل أسباب الحكم ، واستند في الإدانة لاستدلالات لا ترقي لمرتبة الدليل في الدعوى ، وأوردت المحكمة شهادة شهود الإثبات وأقوال مجري التحريات بما يخالف الثابت بالأوراق ويؤدي لإدانة الطاعن ، وأطرح دفاع الطاعن ببطلان تحقيقات النيابة العامة وأمر الإحالة لعدم توجيه اتهام إليه واستجوابه على سبيل الاستدلال ، وأخيراً أغفل الحكم ما قدمه الطاعن من مستندات بتحقيقات النيابة العامة وبمجلس القضاء إثباتاً لصحة ما دونه بصفحته على موقع التواصل الاجتماعي محل الواقعة والمؤيدة بأقوال .... بعلمه من المدعي بالحق المدني بتجهيزه قضية فساد كبرى ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال الشهود وإقرار الطاعن بتحقيقات النيابة العامة بكتابة تلك العبارات ومن مطالعة العبارات محل الاتهام . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد تحدث عن ركن العلانية واستظهر الدليل على أن الطاعن قصد إذاعة ما نسبه إلى المجني عليه بما استخلصه الحكم من أن الطاعن دون عباراته محل الاتهام على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي وقد ذُيلت بعدد تسعة وأربعين تعليقاً لعدد تسعة وأربعين متصفح ، كما أجاز نشرها على موقع شبكة .... الإعلامية على مسئوليته وقد ذُيلت بعدد خمسة عشر تعليقاً من متصفحي ذلك الموقع الإعلامي متضمنة عبارات القذف والسب ، ومن ثم فإن صفحة الطاعن والموقع سالفي البيان كانا وقت ارتكاب الواقعة مطروقين للجمهور ، وكان من المقرر أن استظهار القصد الجنائي في جريمتي القذف والسب علناً من اختصاص محكمة الموضوع تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها دون معقب عليها ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، فإن الحكم إذ استخلص على النحو المتقدم قصد التشهير علناً بالمجني عليه يكون قد دل على سوء نية الطاعن وتوافر ركني العلانية بما يسوغ الاستدلال عليه ، وتنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب . لما كان ذلك ، وكان الحكم لم يدن الطاعن بجريمة إهانة موظف عام وإنما دانه بجريمتي القذف والسب علناً وأوقع عليه عقوبتهما ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون وارداً على غير محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان مفاد ما أورده الحكم من قضائه ببراءة الطاعن من جريمتي تعمد مضايقة الغير وإزعاجه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات – موضوع التهمتين الرابعة والخامسة – استناداً إلى عدم استعمال المتهم إحدى وسائل الاتصال المتعارف عليها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لا يتعارض مع قضائه بإدانة الطاعن عن جريمتي قذف وسب المجني عليه بتدوين عبارات وألفاظ لو صحت لأوجبت عقابه واحتقاره لدى أهل وطنه وتخدش الشرف والاعتبار وذلك على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي ، ومن ثم فإن قالة التناقض والتخاذل تنحسر عن الحكم المطعون فيه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته وله أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح في الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزيئة من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، ولا يُنظر إلى كل دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه . لما كان ما تقدم ، وكان جميع ما تساند إليه الحكم من الأدلة التي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها في شأنها مجتمعة أن تحقق ما رتبه عليها من استدلال على صحة ما نُسب إلى الطاعن من قذف وسب المجني عليه ، فإن ما يثيره بشأن الأدلة التي عول الحكم عليها في الإدانة لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان البين من الاطلاع على المفردات – المنضمة – أن ما أورده الحكم المطعون فيه سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو تحصيله لأقوال شهود الإثبات وكذا أقوال مجري التحريات له صداه وأصله الثابت في الأوراق ، ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه ، ومن ثم فقد انحسرت عنه بذلك قالة الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله ، ولا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة لأدلة الإدانة القائمة في الدعوى ومصادرة عقيدتها ، وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره ، وترك المشرع أمر تقدير الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان أمر الإحالة لعدم توجيه اتهام للمتهم بتحقيقات النيابة العامة وأطرحه بقوله " ... المشرع لم يوجب على النيابة العامة إجراء تحقيق في وقائع القذف بطريق النشر فلها أن تحيل المتهم إلى المحاكمة دون إجراء تحقيقات فإذا ما كان عدم إجراء التحقيق وعدم استجواب المتهم بحسب الأصل لا يرتب البطلان فإن سؤال المتهم بتحقيقات النيابة على سبيل الاستدلال ليس من شأنه كذلك المساس بصحة الإجراءات وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الأثر الوحيد لعدم استجواب المتهم بالتحقيقات وتوجيه الاتهام إليه وإحالته مباشرة إلى المحاكمة يقتصر على تحديد ميعاد تقديم بيان الأدلة وطريقة تقديمها وهو الأمر الذى يكون معه الدفع المثار في هذا الخصوص عاطلاً عن سنده متعيناً الالتفات عنه " وما أورده الحكم صحيح في القانون ، ذلك بأن أحكام محكمة النقض استقرت على اعتبار الإحالة من مراحل التحقيق وأن المحكمة هي جهة التحقيق النهائي ويجوز للمتهم أن يطلب منها استكمال ما فات النيابة العامة من إجراءات التحقيق وإبداء دفاعه بشأنها أمامها ، ومن ثم فلا محل للقول بوجود ضرر يستدعي بطلان هذا الإجراء وإلا ترتب على البطلان إعادة الدعوى إلى جهة التحقيق من بعد اتصالها بالمحكمة وهو غير جائز ، هذا فضلاً عما هو مقرر من أن عدم سؤال المتهم في التحقيق لا يترتب عليه بطلان الإجراءات إذ لا مانع في القانون يمنع من رفع الدعوى الجنائية بدون استجواب المتهم ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون يشترط لعدم العقاب على القذف الموجه إلى الموظف العمومي أو من في حكمه إثبات القاذف صحة وقائع القذف كلها ، وأنه إذا كان القاذف قد أقدم على القذف ويده خالية من الدليل معتمداً على أن يُظهر له التحقيق دليلاً فهذا ما لا يجيزه القانون . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن من أنه أثبت صحة ما قذف به المجني عليه بما قدمه من مستندات بتحقيقات النيابة العامة وبجلسات المحاكمة ، مردوداً بأن الفصل في ذلك من الأمور الموضوعية البحتة التي تستقل بها محكمة الموضوع دون معقب عليها فيه ، ولا ينال من ذلك إغفال الحكم ما شهد به .... بالتحقيقات من أنه تقابل مع المدعي بالحقوق المدنية وأخبره بإعداده وتجهيزه قضية فساد كبرى ، إذ أن ذلك وحده ليس من شأنه بطريق الضرورة واللزوم نفي ارتكابه الجريمة ، ويضحي بذلك كافة ما يثيره الطاعن في هذا الشأن من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . هذا إلى أنه لا مصلحة للطاعن فيما ينعاه على الحكم بالنسبة لجريمة القذف علناً في حق موظف عام ما دام البين من مدوناته أنه طبق نص المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة واحدة عن الجرائم تدخل في حدود العقوبة المقررة لجريمة السب علناً التي أثبتها الحكم في حقه . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق