جلسة 31 من أكتوبر سنة 1992
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد عزت السيد إبراهيم ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وعلي فكري صالح - نواب رئيس مجلس الدولة.
-------------
(4)
الطعن رقم 2520 لسنة 36 القضائية
عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - المسئولية التأديبية - مناط الاختصاص بالقيام بالعمل.
المسئولية التأديبية في مجال الوظيفة العامة تقوم على إخلال الموظف بواجبات وظيفته - من عناصر تلك المسئولية التأكد من أن العمل المكون للمخالفة المنسوبة للموظف يدخل في اختصاصه الوظيفي - الاختصاص الوظيفي تنظمه قرارات إدارية ثابتة بمستندات صادرة من الجهة الإدارية أو الجهات المختصة قانوناً - مؤدى ذلك: أنه يتعين الرجوع في مسألة تحديد الاختصاص الموجب للمسئولية إلى المستندات وليس إلى شهادة الشهود - نتيجة ذلك – لا يسأل الموظف عن عمل لا شأن له به أو كان غير ملزم بالقيام به أو لا يدخل في اختصاصه الوظيفي - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 10/ 6/ 1990 أودع الأستاذ/ محمد عبد المجيد الشاذلي المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2520 لسنة 36 ق عليا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنصورة بجلسة 22/ 4/ 1990 في الدعوى التأديبية رقم 831 لسنة 17 ق فيما قضى به من مجازاة الطاعن الأول بخصم شهرين من راتبه والثاني بخصم عشرة أيام من راتبه والثالث بخصم شهرين من راتبه، وطلب للأسباب الواردة في تقرير الطعن إلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة كل منهم وما يترتب على ذلك من آثار.
وبعد أن أعلن تقرير الطعن للمطعون ضده قانوناً، قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً - بالرأي القانوني، ارتأت فيه - الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وبجلسة 27/ 5/ 1992 قررت دائرة فحص الطعون بالدائرة الرابعة، إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة رابعة" لنظره بجلسة 20/ 6/ 1992 وبهذه الجلسة والجلسات التالية نظرت المحكمة الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 3/ 10/ 1992 إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية ومن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن مدير الشئون القانونية بالجهاز التنفيذي لمشروعات تعمير مدن القناة وسيناء أبلغ نيابة العريش - قسم أول - بكتابه رقم 3975 المؤرخ 10/ 9/ 1988
أنه بمراجعة أعمال.....، أمين مخزن منطقة تعمير سيناء بالعريش تبين عدم توريده قيمة مبيعات بعض إنتاج مزارع المنطقة إلى الخزينة، وقدرت اللجنة التي شكلت لفحص أعماله جملة تلك المبالغ بـ 12190.471، وأن المذكور قام بسداد المبلغ. وأجرت النيابة العامة تحقيقاً في الواقعة التي قيدت برقم 80 لسنة 1989 إداري ثان العريش - انتهت فيه إلى إرسال الأوراق إلى الجهة الإدارية التابع لها المتهم....... لمجازاته إدارياً، كما تم أيضاً إبلاغ النيابة الإدارية بالواقعة بكتاب الجهاز رقم 542 ق في 28/ 8/ 1988 - وبناءً عليه - أجرت النيابة الإدارية تحقيقاتها التي أسفرت عن إحالة الطاعنين وآخرين إلى المحكمة التأديبية بالمنصورة في الدعوى رقم 831 لسنة 17 ق لما نسب إليهم من أنهم في الفترة من 15/ 8/ 1984 حتى 28/ 8/ 1988 بدائرة منطقة تعمير شمال سيناء بالجهاز التنفيذي لمشروعات تعمير مدن القناة وسيناء لم يؤدوا الأعمال المنوطة بهم بدقة وأمانة وسلكوا في تصرفاتهم مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب طبقاً للعرف ولم يحافظوا على أموال الوحدة التي يعملون بها وخالفوا القواعد والأحكام المالية والتعليمات والقوانين وأتو ما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة خارجين بذلك على مقتضى الواجب الوظيفي بأن: -
المخالف الأول/ ...... أمين مخزن المنتجات الزراعية بمنطقة تعمير شمال سيناء بالجهاز التنفيذي لتعمير مدن القناة وسيناء:
1 - اختلس لنفسه قيمة المنتجات الزراعية التي قام ببيعها ولم يقم بتوريدها إلى خزينة المنطقة في حينه والتي بلغت قيمتها 9912.160 جنيه.
2 - لم يقم بتقديم بعض أذون الصرف لرئيس قسم المخازن أو لمدير المخازن لاعتمادها كما وقع على بعضها الآخر تحت عبارة مدير المخازن لإخفاء ما ارتكبه من مخالفات.
3 - لم يقم بتسجيل بعض أذون الصرف بالمخالفة للتعليمات بغرض اختلاس قيمتها لنفسه.
المخالف الثاني/ ......... (الطاعن الأول) رئيس قسم المخازن بالمنطقة.
المخالف الثالث/ ........ (الطاعن الثاني) مدير الإمداد والتموين بالمنطقة سابقاً وحالياً مدير للمخازن:
1 - أهملا في الإشراف والمتابعة على أعمال المخالف الأول وذلك باعتمادهما لبعض أذون الصرف المرفقة دون التأكد من توريد قيمتها لخزينة المنطقة.
2 - لم يقوما بالتفتيش على أعمال المخالف الأول وطلبا أذون الصرف منه لاعتمادها مما جعله يوقع على بعضها تحت عبارة مدير المخازن الأمر الذي سهل له اختلاس قيمتها.، 3 - أهملا في متابعة أعمال كل من المخالف الأول وكاتب الشطب بشأن إجراء المراجعة الشهرية لهما.
المخالف الرابع/ ....... (الطاعن الثالث) كاتب المخازن بالمنطقة، قام بتخصيم أذون الصرف المقدمة إليه من المخالف الأول من العهدة، بالدفاتر دون التأكد من توريد قيمتها لخزينة المنطقة ودون أن يكون مرفقاً بها قسائم التوريد ومحاضر جمع المحصول ودون مراعاة تسلسلها.
المخالف الخامس والسادس/ ........".
وبجلسة 22/ 4/ 1990 وقضت المحكمة بمجازاة أمين المخزن بخفض وظيفته إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض الأجر إلى القدر الذي كان عليه قبل الترقية، وبمجازاة....... (الطاعن الأول) بخصم شهرين من راتبه،....... (الطاعن الثالث) بخصم شهر من راتبه،....... (الطاعن الثاني) بخصم عشرة أيام من راتبه.... وأسست المحكمة قضاءها على أساس ثبوت المخالفات الثلاثة المنسوبة إليهما حسبما أسفرت عنه تحقيقات النيابة الإدارية، وشهادة الشهود وباعتبار الطاعن الأول رئيساً للمخازن وقائماً بعمل مدير المخازن حتى 15/ 5/ 1987، تاريخ تعيين الطاعن الثاني - مديراً للمخازن وحتى 28/ 8/ 1988.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تأويله وعدم استخلاص النتيجة التي انتهى إليها من أصول ثابتة من الأوراق، وأخذ الدليل عليها بشهادة الشهود وذلك على النحو التالي: -
1 - لم يأخذ في الاعتبار طبيعة التصرف في إنتاج المزارع ومدى اعتبار هذا الإنتاج رصيداً بالمخزن وكيفية التصرف فيه، كما لم يكن هناك نظام محدد يحكم التصرف في الإنتاج بدءاً من جمعه من مناطق الإنتاج وحتى التصرف فيه بالبيع - حيث خلت مناطق الإنتاج من دفاتر الشطب وحسابات المخازن، كما خلت المزارع ذاتها من إمساك سجلات يبين بها كمية المحصول الذي تم جنيه وما تم صرفه وبيعه ولذلك أوصت اللجنة التي شكلت لفحص أعمال الزراعة في المنطقة بحظر عدم صرف أي منتج من المشاتل أو المزارع إلا بعد إذن صرف يعتمد مرفقاً به خطاباً من الشئون المالية بالمنطقة يفيد سداد القيمة أو صورة من قسيمة التوريد - وهي ما يعني غياب التنظيم الذي يتفق وطبيعة التصرف في إنتاج المزارع والمشاتل.
2 - وجود أمين المخزن بالمزارع ورئيس المخازن بالعريش وسط غياب التنظيم يستحيل معه أن يكون له الإشراف على عملية لا يحكمها تنظيم منضبط وغياب السجلات والدفاتر، وهو ما ينفي مسئولية الطاعن الأول والثاني عن مخالفة الإشراف والمتابعة على أعمال المخالف الأول، ويحول دون اعتبار أحكام لائحة المخازن والمشتريات هي الواجبة التطبيق للطبيعة الخاصة للتصرف في إنتاج المزارع.
3 - إن مجرد اعتماد أذونات الصرف لا تشكل في حد ذاتها مخالفة تأديبية كما أن التحقق من توريد قيمة الأذونات إلى خزينة المنطقة ليس مسئولية أي منهما طالما أن المخالف الأول يعمل مندوباً للشئون المالية الإدارية ويشارك في لجان تقدير محصول المزارع... وأن الجهة المختصة هي الشئون الزراعية التي تختص بدءاً من جمع المحصول وانتهاءً ببيعه لرصد ناتج البيع بسجلاتها وإيرادها.
4 - اعتراف المخالف الأول باصطناع توقيع الطاعن الأول على أذونات الصرف يقيم عليه مسئوليته وحده وليس الطاعن الأول أو الثاني بمقولة أنهما لم يطلبا منه هذه الأذونات لتوقيعها.
5 - إنه لا يجوز الاستناد إلى شهادة العاملين بالشئون المالية دليلاً على ثبوت الاتهام المسند للطاعنين، لأنها الجهة المختصة التي كان يتعين عليها وضع نظام متكامل للحفاظ على العهدة المالية وناتج بيع المحصولات الزراعية.
وقدمت هيئة النيابة الإدارية مذكرة في الطعن التمست فيها الحكم برفض الطعن.
ومن حيث إن المسئولية التأديبية في مجال الوظيفة العامة تقوم في جوهرها على إخلال الموظف بواجبات وظيفته، التي تحدد - بحسب الأصل - وفقاً للوائح والقرارات التي تصدر في هذا الشأن من الجهات المختصة، ومن ثم فإن من عناصر تلك المسئولية التأكد من أن العمل المكون للمخالفة المنسوبة للموظف، تدخل في اختصاصه الوظيفي وإذا كان وجود هذا العنصر، لازماً لتقرير المسئولية التأديبية فإنه يكون أشد لزوماً إذا نازع الموظف في اختصاصه بالعمل موضوع المخالفة، ولأنه يتعلق بأمر جوهري يتوقف عليه الحكم بمسئولية الموظف من عدمه، فلا يسأل الموظف عن عمل لا شأن له به أو غير ملزم بالقيام به أو لا يدخل في اختصاصه الوظيفي، ومن جهة أخرى فإنه من المقرر في مبادئ العقاب، جنائياً وتأديبياً، أن الأصل في الإنسان البراءة، وأن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته وأن البينة على من ادعى، ويتفرع عن ذلك أن المتهم غير ملزم بإثبات براءته وإنما على سلطة الاتهام أو العقاب بيان الدليل على إدانته ومسئوليته لذلك فإن عبء إثبات عناصر المسئولية الموجبة للعقاب يقع على سلطة الاتهام المدعية في الدعوى التأديبية، وعليها يقع عبء تقديم الدليل ومن ثم كان على سلطة الاتهام إثبات أن الطاعن هو المختص وظيفياً بالعمل المكون للمخالفة، وخاصة أنه دفع بأن هذا العمل لا يدخل في اختصاصه، وبعد ذلك لا تقوم مسئوليته، ومن جهة أخرى لا يصح في القانون الاستناد - في مجال إثبات الاختصاص الوظيفي - إلى شهادة الشهود - لأن هذا الاختصاص تنظمه قرارات إدارية ثابتة بمستندات صادرة من الجهة الإدارية والجهات الأخرى المختصة قانوناً بذلك، مما كان يتعين معه الرجوع، في مسألة تحديد الاختصاص الموجب للمسئولية إلى تلك المستندات وليس إلى شهادة الشهود.
ومن حيث إنه لما كان ذلك وكان الثابت أن سلطة الاتهام، قدمت الطاعنين الثلاثة، للمحاكمة التأديبية لمجازاتهم تأديبياً عن المخالفات السابق بيانها، وأدانتهم المحكمة - على أساس اختصاصهم بالأعمال المكونة للمخالفات المنسوبة إليهم وثبوت ارتكابهم لها دون أن تفصل في مسألة اختصاصهم الوظيفي بتلك الأعمال، من خلال المستندات والقرارات المنظمة لذلك في الجهة الإدارية، وإثبات اختصاصهم بذلك، على عكس ادعاءاتهم ودفاعهم، فإن الإدانة تكون قد أقيمت على أساس اختصاص مفترض لا دليل عليه وقام على الافتراض وليس على الدليل القاطع، في حين أن ذلك يجب أن يكون يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً.
ومن حيث إن الثابت أن الطاعنين جميعاً، قرروا في التحقيق عند سؤالهم ومواجهتهم بما نسب إليهم - بعدم اختصاص كل منهم بالعمل المكون للمخالفة المنسوبة إليه، كما أن الطعن يقوم في جوهره على عدم مسئوليتهم عن هذا العمل، وأن الحكم المطعون فيه لم يحسم هذا الاختصاص الوظيفي من واقع القرارات والمستندات المنظمة والمحددة لواجبات وظيفة كل منهم ومسئولياتها - واكتفوا في هذا المجال - بما قرره بعض الشهود من أعضاء لجنة فحص أعمال المتهم الأول فإن إدانة الطاعنين ومجازاتهم تبعاً لذلك - على أساس إهمالهم في أداء عمل معين بغير التحقق من أن هذا العمل يدخل في اختصاصهم وواجبهم الوظيفي - يكون على غير أساس سليم في الواقع والقانون، ويكون الطعن عليه في محله متعيناً قبوله وإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعنين بعد أن خلت الأوراق مما يثبت اختصاص كل من الطاعنين بالعمل المكون للمخالفة المنسوبة إلى كل منهم.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعنين مما نسب إليهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق