جلسة 2 من يناير سنة 1965
برئاسة السيد الأستاذ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.
----------------
(33)
القضية رقم 1371 لسنة 7 القضائية
(أ) موظف - إجازة - إذاعة
- سريان أحكام قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 في شأن الإجازات على موظفي هيئة الإذاعة - أساس ذلك أنه لا يتوفر في شأنهم تنظيم خاص مخالف.
(ب) موظف - إجازة عارضة
- حق الموظف في الإجازة العارضة - ليس حقاً مطلقاً بل قيد بحدوده وضوابطه المنصوص عليها قانوناً.
(جـ) موظف - إجازة عارضة - تأديب
- السبب الطارئ المبرر للإجازة العارضة - هو السبب الذي لم يكن للموظف أن يتنبأ بوقوعه سلفاً على وجه يتعذر معه الحصول على إذن سابق بالغياب - قيام فسحة من الوقت تمكن من الحصول على إذن سابق بالتغيب - اعتبار الغياب في هذه الحالة انقطاعاً عن العمل دون إذن يسوغ المساءلة التأديبية.
إجراءات الطعن
في يوم 25 من يونيه سنة 1961 أودع السيد محامي إدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيد وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد مدير الإذاعة سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن قيد بجدولها تحت رقم 1371 لسنة 7 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بجلسة 26 من إبريل سنة 1961 في القضية رقم 805 لسنة 14 قضائية المقامة من السيد/ محمد نور الدين مصطفى المذيع بهيئة الإذاعة ضد السيد وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد مدير هيئة الإذاعة بالجمهورية العربية المتحدة والقاضي بإلغاء القرار الصادر من مدير هيئة الإذاعة في 28 من يونيه سنة 1959 المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة المدعي بالإنذار مع إلزام الهيئة المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي. وقد طلب الطاعن - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - إحالة طعنه إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وقد أعلن هذا الطعن للمطعون ضده في 12 من يوليه سنة 1961، وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن المذكور انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة المصروفات طبقاً لما تقضي به المادة 357 من قانون المرافعات. وبعد أن انقضت المواعيد المقررة دون أن يقدم المطعون ضده مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 18 من إبريل سنة 1964 وأخطر الطرفان بهذه الجلسة في 22 من مارس سنة 1964 وفيها قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره وقد عين لنظره جلسة 24 من أكتوبر سنة 1964 وأخطر بها ذوو الشأن في 10 من سبتمبر سنة 1964 إلا أن إخطار المطعون ضده قد ارتد لعدم وجوده بالعنوان الموضح بالإخطار فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 21 من نوفمبر سنة 1964 لإعادة إعلانه فتم ذلك بتاريخ 4 من الشهر المذكور وفي هذه الجلسة الأخيرة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن وأرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم وصرحت بتقديم مذكرات ومستندات إلى ما قبل الجلسة بأسبوعين فقدم المطعون ضده حافظة مستندات ومذكرة طلب فيها الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده السيد/ محمد نور الدين مصطفى المذيع بهيئة الإذاعة أقام الدعوى رقم 805 لسنة 14 قضائية ضد السيد وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد نائب وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد مدير الإذاعة بالجمهورية العربية المتحدة بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 28 من فبراير سنة 1960 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من السيد مدير هيئة الإذاعة في 28 من يونيه سنة 1959 فيما تضمنه من مجازاته بعقوبة الإنذار مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... وقال في بيان دعواه إن السيد كبير المذيعين كلفه بإذاعة قداس يوم وقفة عيد القيامة في 28 من مارس سنة 1959... وكان مقرراً أن تنتهي إذاعة القداس في الساعة الواحدة من صباح اليوم التالي ولكنه استمر حتى الساعة الثانية والنصف.. وقبيل مغادرته دار الإذاعة انتابه ألم مفاجئ مصحوباً بإعياء شديد فرأى من المناسب - خشية عدم تمكنه من الحضور في الساعة العاشرة والنصف لتسلم عمله الذي يبدأ الساعة الحادية عشرة من صباح نفس اليوم (29 من مارس سنة 1959) - إخطار المسئولين للاعتذار عن الحضور في اليوم المذكور ولذلك حاول الاتصال تليفونياً بالسيد كبير المذيعين في منزله مراراً دون جدوى وما كان يمكنه إرسال أي اعتذار لسكرتيرية المذيعين لأن تعليمات سيادته تمنعهم من تلقي أي اعتذار وإذ لم يجد سبيلاً للاتصال بالمسئولين ذهب إلى منزله آملاً أن تتحسن حالته في الصباح بيد أنها ازدادت سوءاً فأرسل في صباح اليوم المذكور برقية إلى كل من السيد كبير المذيعين ومراقب البرامج الموجهة للاعتذار عن العمل في هذا اليوم في الجهتين المذكورتين فقبل اعتذاره عند مراقبة البرامج الموجهة ولكن السيد كبير المذيعين أبى قبول البرقية وأحال الموضوع بعد موافقة السيد المدير - إلى التحقيق الذي انتهى بأن أصدر السيد مدير هيئة الإذاعة قراراً بمجازاته بعقوبة الإنذار بدعوى تخلفه عن الحضور في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 29 من مارس سنة 1959 وترتب على ذلك أن قرأت المذيعة تحت التمرين موجز الأنباء.. وقد تظلم من هذا القرار ولما رفض تظلمه رفع هذه الدعوى.. وينعى على القرار المذكور مخالفته للقانون وانعدام سببه واستند في ذلك إلى نص المادتين 58, 59 من قانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 الخاصتين بالإجازات وأنواعها. ثم قال المدعي أنه يستفاد من نص المادة 59 المنوه عنها أن الإجازة العارضة ليست منحة من جهة الإدارة بل هي حق للموظف أو على الأقل رخصة يستعملها في الحدود التي رسمتها المادة المذكورة.. وليس لجهة الإدارة أن تتحرى عن صحة أسباب الإجازة العارضة وإلا كانت الإدارة جهة بوليسية يوكل إليها عمل التحريات المثبتة لصحة إدعاء الموظف.. على أنه لو صح في الجدل أن من حق الإدارة مراقبة صحة أسباب الإجازة العارضة لوجب عليها أن تقوم بعمل إيجابي للتحقق من صحة هذه الأسباب أو فسادها ثم أبدى المدعي أن القرار التأديبي يجب أن يقوم على سبب يبرره وقد استقر الرأي على أن الجريمة التأديبية هي إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيان عمل من الأعمال المحرمة عليه وأنه بإعمال هذه المبادئ على خصوصية حالته يبين أنه طلب احتساب يوم 29 من مارس سنة 1959 إجازة عارضة تطبيقاً لنص المادة 59 من قانون نظام الموظفين سالفة الذكر ومن ثم فإن ما صدر منه لا يكون جريمة تأديبية لأن استعمال الحقوق في الحدود التي فرضها القانون لا تعتبر إخلالاً بواجبات الوظيفة أو عملاً مخالفاً للقانون وبالتالي يكون القرار المطعون فيه قد قام على غير سبب.. وقد أجابت هيئة الإذاعة على الدعوى بمذكرة يتحصل ما جاء بها في أن المدعي كلف من رئيسه بافتتاح المحطة وإنهائها يوم 28 من مارس سنة 1959 لإذاعة قداس يوم وقفة عيد القيامة التي تنتهي في الساعة الواحدة صباح اليوم التالي وعلى أن يقوم بنوبة العمل التي تبدأ الساعة الحادية عشرة صباح ذلك اليوم.. وقد ذكر المدعي في تقريره عن هذه الليلة أن إذاعة القداس استمر حتى الساعة الثانية صباحاً ولا يدري كيف يوفق بين ذلك وبين حضوره نوبة العمل في الصباح ولم يحضر فعلاً ولم يخطر مقدماً وفي الوقت المناسب عن عزمه على التغيب.. الأمر الذي أدى إلى أن قامت المذيعة تحت التمرين بقراءة موجز الأنباء مما كان يحتمل معه أن يحدث منها أخطاء لا يمكن تلافيها لولا أن تدارك السيد كبير المذيعين الموقف وأمر مذيعة الفترة السابقة بمواصلة العمل حتى نهاية فترة المدعي.. وأنه اتضح من أقواله في التحقيق أن سبب تغيبه لم يكن طارئاً بحيث يتعذر عليه واجب الإبلاغ، إذ أقر بأن شعوره بحاجته إلى التغيب كان وقت إذاعة القداس.. ومن ثم فقد كان أمامه فسحة من الوقت تسمح له بإبلاغ المسئولين في الوقت المناسب عن عزمه على التغيب حتى يمكن تدبير الأمر. بيد أنه تراخى عن القيام بهذا الواجب معتمداً على أن من حقه أن يتغيب دون إخطار متجاهلاً في الوقت ذاته طبيعة عمله كمذيع وما لهذا العمل من أهمية بالغة تقتضي من المذيع اتباع جميع التعليمات التي تصدر إليه وأن ينفذها بكل دقة وإلا ترتب على الإهمال أخطار جسيمة قد لا يمكن تلافيها.. وبالتالي لا يمكن اعتبار يوم 29 من مارس سنة 1959 الذي تغيبه دون أن يخطر بذلك بالرغم من عزمه على ذلك مقدماً ومعرفته أسبابه - لا يمكن اعتباره إجازة عارضة بالمعنى الذي قصده الشارع في الحكم الذي أورده في المادة 59 سالفة الذكر.. ولما كان المدعي لم يحصل على إجازة اعتيادية أو مرضية فيكون التغيب والحال كذلك انقطاعاً عن العمل بغير إذن وهو ما يعتبر إخلالاً بواجبات الموظف الإدارية يخول جهة الإدارة الحق في مؤاخذته تأديبياً ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد قام على سببه وتكون دعوى المدعي غير قائمة على أساس سليم من الواقع والقانون.. وطلبت هيئة الإذاعة لذلك الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانون مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.. واستندت في ذلك إلى أنه يبين من مطالعة التحقيق الذي أجري مع المدعي أن تغيبه يوم 29 من مارس سنة 1959 لم يكن لسبب طارئ ذلك أنه كتب في تقريره عن إذاعة القداس أنها امتدت بعد الموعد المحدد لانتهائها ساعة وعشر دقائق وأنه لا يدري كيف يمكن التوفيق بين بقائه في الإذاعة حتى الثانية صباحاً ثم عودته إليها في الساعة العاشرة والنصف صباحاً.. وهو ما يكشف عن أن المدعي كان قد عقد العزم وبيت النية فور انتهاء إذاعة القداس - على عدم حضور نوبة الإذاعة التي تبدأ في الحادية عشرة من ذات اليوم لاعتقاده عدم ملاءمة توزيع العمل في الإذاعة.. وأنه إذا كانت هيئة الإذاعة قد استخلصت مما تقدم أن ما تذرع به المدعي لا يصح سبباً لانقطاعه ومن ثم اعتبرت تغيبه انقطاعاً عن العمل بدون إذن وأوقعت عليه الجزاء فإنها إنما تكون قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً ويكون قرار الجزاء قد قام على سبب يبرره.. وبجلسة 26 من إبريل سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بإلغاء القرار المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة المدعي بالإنذار مع إلزام الهيئة المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي.. وأقامت قضاءها على أن الإجازة العارضة - بحسب تعريف القانون لها - تكون لسبب طارئ ولا تستلزم تقديم طلب سابق للترخيص بها.. وأن السبب الطارئ نسبي قد يختلف في حالة عنه في الأخرى وبالنسبة لظروف موظف عنه بالنسبة لظروف موظف آخر، على أن المرض المفاجئ يصلح بصفة عامة ولسائر الموظفين لأن يكون من الأسباب الطارئة في تطبيق حكم المادة 59 من قانون الموظفين.. وأنه يخلص من أقوال المدعي في التحقيق أنه شعر بألم مفاجئ وإعياء شديد فحاول الاعتذار عن الحضور في النوبة التالية فلم يتمكن وظن أن حالته قد تتحسن ولكنها ذادت سوءاً فأخطر تلغرافياً بالانقطاع.. وأنه لا يوجد في الأوراق ما ينفي صحة ما ذهب إليه المدعي من مرضه المفاجئ ولا يغير من هذا النظر العبارة التي كتبها المدعي في تقريره والتي قال فيها إنه لا يدري كيف يمكن التوفيق بين بقائه في الإذاعة حتى الساعة الثانية صباحاً ثم عودته إليها في الساعة العاشرة والنصف صباح نفس اليوم.. لأن هذه العبارة - وإن كانت قد تفيد عدم الرضاء - إلا أنها لا تكفي في الاستناد عليها لإثبات أن المدعي لم ينقطع بسبب مرض مفاجئ كما يقول، وأنه يبين من ذلك أن المدعي لم يرتكب مخالفة إدارية بانقطاعه عن العمل يوم 29 من مارس سنة 1959 بسبب مرض ألم به ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر فاقد السبب وغير مستخلص استخلاصاً سائغاً من الأوراق متعيناً إلغاؤه.. وفي يوم 25 من يونيه سنة 1961 أودع السيد محامي إدارة قضايا الحكومة بصفته نائباً عن السيد وزير الدولة لشئون رياسة الجمهورية والسيد مدير هيئة الإذاعة بصفتهما سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن طلب فيها إحالة طعنه إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.. وقد بنى الطاعنان طعنهما على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير المادة 59 من القانون رقم 210 لسنة 1951.. ذلك لأن السبب الطارئ المنصوص عليه بهذه المادة إنما هو العائق الذي ينشأ فجأة وبلا مقدمات تنبئ عن حدوثه بحيث يمنع الموظف عن إمكان إبلاغ رؤسائه للترخيص له بالغياب.. فإذا كان السبب ليس طارئاً ولم ينشأ فجأة وكان أمام الموظف فسحة من الوقت للإخطار فإنه لا يكون سبباً طارئاً مفاجئاً في تعريف المادة 59 المنوه عنها، والغياب دون توافر هذه الأسباب هو غياب دون إذن وأنه لا شبهة في أن جهة الإدارة - وهي المسئولة عن حسن سير الدولاب الحكومي وصاحبة الولاية في إدارته - تملك مراقبة استعمال الموظف لحقه في الإجازة العارضة بحيث إذا ما تراءى لها أنه أساء استعماله على نحو يضر بالصالح العام، كأن تتبين عدم قيام السبب الطارئ مثلاً، فلها أن تعتبر انقطاع الموظف عن العمل إخلالاً منه بواجبات وظيفته مما يخول لها حق مؤاخذته تأديبياً والقول بغير ذلك معناه إطلاق العنان للموظفين العموميين - وهم عمال المرافق العامة المنوط بهم تسييرها - لإدعاء ما يتراءى لهم من أسباب طارئة دون أن يكون لجهة الإدارة مراقبة هذه الإدعاءات.. والثابت أن المطعون ضده - بعد أن أثبت في تقريره تلك العبارة - انقطع عن العمل دون عذر وأرسل برقية وصلت بعد ميعاد بدء الإذاعة بكثير.. وكان الاتصال التليفوني أنفع وأجدى وأسرع وأضاف الطاعنان أنه كان يجب على المطعون ضده مراعاة طبيعة المرفق الذي يعمل به وحساسيته وتقدير رسالته.. كما كان واجباً عليه أن يضع في حسبانه ضرورة الإخطار بعزمه على الغياب في وقت يسمح للمشرفين على البرنامج إعداد من يقوم بالعمل بدلاً منه وإلا كانت النتيجة الحتمية توقف البرنامج بسبب عدم حضور المذيع المنوط به أداء الفترة بدون عذر أو اعتذار سابق وكذلك كان من الواجب أن يستوثق المطعون ضده من وصول الإخطار قبل موعد الإذاعة المكلف بها في وقت يسمح بتدبير الأمر وختم الطاعنان صحيفة طعنهما بأنه قد ثبت أن المطعون ضده قد خرج عن السلوك الإداري إخلالاً بواجبات وظيفته وكذلك على مقتضى الواجب المفروض عليه في هذه الوظيفة ذات الطابع الخاص ولذلك فإنه يكون قد ارتكب ذنباً إدارياً ويكون للقرار المطعون فيه الصادر بالجزاء سببه الصحيح - وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة المصروفات واستندت في ذلك إلى أن المادة 59 من قانون الموظفين - وإن عرفت الإجازة العارضة بأنها هي التي تكون لسبب طارئ لا يستطيع معه الموظف إبلاغ رؤسائه مقدماً للترخيص له في الغياب إلا أن حق الموظف في الإجازة العارضة، مع ذلك ليس حقاً مطلقاً يستعمله الموظف كلما وكيفما شاء ولكنه حق مقيد بحدوده وضوابطه.. ولذلك فإن الجهة الإدارية تملك مراقبة استعمال الموظف له بحيث إذا ما تراءى لها أنه أساء استعماله كان لها أن تعتبره منقطعاً عن عمله في تصوير المادة 58 من القانون المذكور وتقرر بالتالي حرمانه من مرتبه عن مدة الانقطاع.. وعلى ذلك فإنه إن ساغ للجهة الإدارية أن تعتبر المطعون ضده منقطعاً عن عمله يوم 29 من مارس سنة 1959 فتقرر بالتالي حرمانه من مرتبه عنه، إلا أنه لا يسوغ لها أن تجاوز ذلك المدى فتعتبر مجرد ذلك الانقطاع ذنباً إدارياً لأن الموظف يعتبر أنه ارتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه عنه إذا هو أخل بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً أو أتى عملاً من الأعمال المحرمة عليه أو خالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون.. ثم استطردت هيئة المفوضين قائلة إن المادة 62 من القانون المذكور - وإن ألمحت إلى حق جهة الإدارة في محاكمة الموظف تأديبياً إذا لم يعد إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء مدة إجازته مباشرة - إلا أن المطعون ضده لا يخضع لسلطان تلك المادة لأن انقطاعه عن العمل في اليوم المشار إليه لم يكن أثر إجازة حسب الضوابط التي أرستها تلك المادة.. وخلصت هيئة المفوضين مما تقدم إلى أن القرار التأديبي الصادر بإنذار المطعون ضده قد قام على غير سبب صحيح من القانون.. وقد أودع المطعون ضده حافظة مستندات ومذكرة طلب فيها الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه مستنداً في ذلك إلى أسباب الحكم المذكور وإلى ما جاء بتقرير السيد مفوض الدولة في شأن الطعن. ثم قال إنه لا صحة لما ادعته الحكومة من وجود دستور للعمل الإذاعي ينظم الإجازات بل يجب الرجوع في ذلك لقانون التوظف 210 لسنة 1951 وبعد أن أورد المطعون ضده نص المادة 59 من القانون المذكور الخاص بالإجازات العارضة ذكر أن المفهوم من هذا النص أن ينقطع عن عمله دون إذن سابق متى كان مرد هذا الانقطاع إلى سبب طارئ واستند في ذلك إلى قضاء سابق لمحكمة القضاء الإداري وإلى ما جاء في هذا الشأن في المحاضرة التي ألقاها السيد مراقب عام المستخدمين بهيئة الإذاعة وقدم صورة منها بحافظته المنوه عنها ثم أضاف أن الهيئة المذكورة قد تلافت خطأها حالياً وصار جدول المذيعين ينص على وجود مذيع احتياطي وأرفق صورة من هذا الجدول عن الأسبوع الذي انتهى في 14 من فبراير سنة 1964.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن سبب القرار المطعون فيه - والذي قضت محكمة القضاء الإداري بإلغائه بحكمها المطعون فيه - هو تخلف المطعون ضده عن الحضور لعمله في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 29 من مارس سنة 1959 دون إذن سابق أو عذر مقبول.. بينما يقرر المطعون ضده أنه أرسل برقية طالباً اعتبار اليوم المذكور إجازة عارضة. ومن ثم فإن مقطع النزاع ينحصر فيما إذا كان تغيب المطعون ضده يمكن اعتباره إجازة عارضة أم تخلفاً بدون إذن.
ومن حيث إنه لا نزاع في أن قانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 هو الواجب التطبيق لأنه لا يوجد بقانون تنظيم هيئة الإذاعة ولا بلوائحها ما يفيد تنظيم الإجازات على وجه يخالف ما جاء بقانون نظام الموظفين المشار إليه... ولم تقدم الهيئة ما أسمته بالأوراق بدستور العمل بالإذاعة.
ومن حيث إن القانون رقم 210 لسنة 1951 قد نظم الإجازات فنص في المادة 57 منه على أنه "لا يجوز لأي موظف أن ينقطع من عمله إلا لمدة معينة في الحدود المسموح بها لمنح الإجازات" ثم قسم في المادة 58 الإجازات إلى ثلاثة أنواع إجازات عارضة واعتيادية ومرضية ثم عرف الإجازة العارضة في المادة 59 على أنها ".. هي التي تكون لسبب طارئ لا يستطيع الموظف معه إبلاغ رؤسائه مقدماً للترخيص في الغياب" ثم قضت هذه المادة على أنه "لا يصح أن يجاوز مجموع الإجازات العارضة سبعة أيام طوال السنة، ولا تكون الإجازة العارضة لأكثر من يومين في المرة الواحدة.." ويستفاد من هذه النصوص بادئ ذي بدء أن حق الموظف في الإجازة العارضة ليس حقاً مطلقاً يستعمله الموظف كلما رغب وكيفما شاء بل هو حق مقيد بحدوده وضوابطه المنصوص عليها في المادة 59 سالفة الذكر فللموظف - طبقاً لصريح نص هذه المادة - أن ينقطع عن عمله دون إذن سابق لمدة لا تجاوز يومين متى كان مرد هذا الانقطاع إلى سبب طارئ.
ومن حيث إن السبب الطارئ - على ما جاء بحق بالمحاضرة التي قدم المطعون ضده صورة منها بحافظته الأخيرة - هو السبب الذي لم يكن للموظف أن يتنبأ بوقوعه سلفاً يضطر معه إلى الانقطاع عن عمله ويكون من شأن طروء هذا السبب أن يتعذر على الموظف الحصول على إذن سابق بالغياب.. فإذا كان الموظف قد قام به سبب رأى أنه سوف يلجئه إلى التغيب وكان لديه فسحة من الوقت يستطيع معها الحصول على إذن سابق بالغياب فإنه لا يمكن اعتبار غيابه دون إذن في هذه الحالة إجازة عارضة بل إن لجهة الإدارة أن تعتبر هذا الغياب انقطاعاً عن العمل بدون إذن مما يعد - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إخلالاً منه بواجبات وظيفته مبرراً لمساءلته تأديبياً (يراجع حكم هذه المحكمة الصادر بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1963 في القضية رقم 587 لسنة 7 القضائية).
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن تغيب المطعون ضده عن نوبة عمله في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 29 من مارس سنة 1959 - وهو سبب القرار المطعون فيه - لم يكن لسبب طارئ ما كان له أن يتنبأ بوقوعه سلفاً.. ذلك أنه كتب في تقريره عن إذاعة القداس عقب انتهائها العبارة التالية:
"امتدت هذه الإذاعة بعد الموعد المحدد لانتهائها بساعة وعشر دقائق ولا أدري كيف يمكن التوفيق بين بقائي في الإذاعة حتى الثانية صباحاً ثم عودتي إليها في الساعة العاشرة والنصف صباح نفس اليوم لتنفيذ نوبة عملي عن يوم 29/ 3/ 1959" ومفهوم ذلك - بما لا يدع مجالاً لأي شك - أن المطعون ضده قد عقد العزم وبيت النية فور انتهاء إذاعة القداس على عدم حضور نوبة عمله بالإذاعة التي تبدأ في الساعة الحادية عشرة من ذات اليوم لاعتقاده عدم ملاءمة ذلك، ومن ثم فإن تغيبه لا يستند - والحالة هذه - إلى سبب طارئ لم يكن ليتنبأ بوقوعه سلفاً يتعذر معه الحصول على إذن سابق من رؤسائه وهو مناط الإجازة العارضة بل إن سبب التغيب في واقع الأمر وكما تكشفت عنه عبارة الموظف المنوه عنها هو اعتقاده عدم ملاءمة ذلك، الأمر الذي لا يجوز قبوله كسبب للتخلف عن العمل بدون إذن ومن ثم كان عليه أن يحصل على إذن بالتغيب من رؤسائه فإن رخصوا له في ذلك كان له أن يتغيب وإلا كان عليه الحضور لمباشرة عمله إذ أن السبب الذي يستند إليه ليس طارئاً بل سبب تمليه طبيعة عمل المذيع لأن العمل بهذا المرفق الهام له طابع خاص وذو حساسية خاصة ولذلك فإن لموظفيه مزايا خاصة بهم ليست لزملائهم في المصالح الحكومية الأخرى، ومن هذه المزايا منحهم جميعاً أجراً إضافياً لا يزيد على 25% من مرتباتهم بصفة مكافأة نظير ما يقومون به من عمل يمتد إلى غير ساعات العمل الرسمية، على ما هو ثابت من الأوراق المقدمة بحافظة المطعون ضده الأخيرة.. وإذ كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده لم يتصل برؤسائه تليفونياً وكل ما فعله أن أرسل برقية طلب فيها احتساب اليوم المذكور إجازة عارضة للضرورة - ولم يبين هذه الضرورة.. وقد وصلت هذه البرقية متأخرة الأمر الذي ترتب عليه عدم تدبير مذيع آخر ليقوم بنوبة عمله في الوقت المناسب مما أدى إلى أن قامت المذيعة تحت التمرين بقراءة موجز الأنباء ثم تكليف مذيعة الفترة السابقة بمواصلة العمل حتى نهاية فترة المطعون ضده وكل هذا يشيع الاضطراب في ذلك المرفق الحساس.. متى كان الأمر كذلك فإن تغيب المطعون ضده عن نوبة عمله في اليوم المذكور لا يمكن اعتباره إجازة عارضة وطالما أنه لم يحصل على إذن سابق بهذا التغيب فإنه يعتبر انقطاعاً عن العمل بغير إذن سابق وهو ما يعتبر إخلالاً بواجبات وظيفته مبرراً لمساءلته تأديبياً على ما سبق بيانه.
ومن حيث إنه عن إدعاء المطعون ضده، بالتحقيق الذي أجري معه بعد تخلفه عن الحضور - بأن سبب تخلفه يرجع إلى ما شعر به من مرض مفاجئ، فإنه لم يقدم دليلاً على صحة هذا السبب وفضلاً عن ذلك فقد ذكر أنه شعر بهذا المرض قبيل نهاية القداس ولو كان ذلك صحيحاً لأثبت هذا السبب في التقرير الذي كتبه على إذاعة القداس.. كما أنه لو فرض جدلاً أن هذه الواقعة صحيحة فقد كان لديه فسحة من الوقت تسمح له بإبلاغ رؤسائه بنيته في التخلف للسبب المذكور في الوقت المناسب وقبل نوبة عمله في الساعة الحادية عشرة صباحاً بوقت كاف حتى يدبروا للأمر عدته وحتى يسير العمل في ذلك المرفق الهام بنظام تام لكي يؤدي رسالته بإسماع العالم صوت الجمهورية العربية المتحدة، على الوجه الأكمل.. وكل هذا يدل دلالة قاطعة على أن المطعون ضده قد أخل بواجبات وظيفته وانقطع عن عمله بدون إذن سابق وبعذر غير مقبول وأن واقعة المرض هذه اختلقها ليستر بها السبب الحقيقي للتخلف وهو اعتراضه على توزيع العمل بالإذاعة، وهذا أمر لا يجوز قبوله كسبب للتخلف بدون إذن عن العمل في الوقت المحدد في ذلك المرفق ذي الطبيعة الخاصة على ما سبق بيانه.. خاصة وأن السيد كبير المذيعين وهو الرئيس المباشر للمطعون ضده - قد قرر في مذكرته التي طلب فيها إحالته إلى التحقيق، والمرفقة بأوراق ذلك التحقيق، أنه قد تكررت هذه الحادثة من السيد المذكور وأنه سبق أن "أعطي فرصة وأخرى وعشر فرص" وأنه لذلك لا يمكنه التعاون معه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون القرار الصادر من السيد مدير الهيئة العامة للإذاعة بتوقيع جزاء الإنذار على المطعون ضده قد قام على سبب يبرره ومستخلصاً استخلاصاً سائغاً من عيون الأوراق كما أنه صدر من مختص بعد تحقيق سليم أجري مع المطعون ضده وسمعت فيه أقواله.. ومن ثم يكون قراراً صحيحاً مطابقاً للقانون ولا محل للطعن عليه وبالتالي تكون الدعوى المرفوعة بطلب إلغائه جديرة بالرفض.. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب الصواب ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق