جلسة 24 من مايو سنة 1966
برياسة السيد المستشار/
توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ،
ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ومحمود عباس العمراوي.
---------------
(128)
الطعن رقم 374 لسنة 36
القضائية
(أ) إيجار أماكن. امتناع
عن تخفيض أجرة.
دلالة مفهوم المخالفة لنص
المادة 5 مكرراً و24 من القانون 121 لسنة 1947 المضافة إليه بالقانون 55 لسنة 1958
أن مقصود الشارع منها أن يدخل في نطاق تطبيقها المباني التي بدئ في إنشائها قبل 12
يونيه سنة 1958 سواء أعدت للسكنى قبل أو بعد هذا التاريخ.
(ب) إيجار أماكن. حكم.
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
للمحكمة الركون في تكوين
عقيدتها عن حقيقة تاريخ إتمام إنشاء المكان المؤجر وإعداده للسكنى إلى ما تستظهره
من جماع العناصر المطروحة عليها بطريق الاستنتاج والاستقرار وكافة الممكنات
العقلية.
(ج) صورية. إثبات. محكمة
الموضوع.
تقدير أدلة الصورية.
موضوعي.
----------------
1
- المادة الخامسة مكرراً
(4) من القانون رقم 121 لسنة 1947 المضافة إليه بالقانون رقم 55 لسنة 1958 والتي
يسرى مفعولها اعتباراً من 12 يونيه سنة 1958 - إذ نصت على أنه "...... ولا
يسرى التخفيض المشار إليه فيما تقدم بالنسبة إلى ما يأتي: (أولاً) المباني التي
يبدأ في إنشائها بعد العمل بأحكام هذا القانون..." فقد دلت وبمفهوم المخالفة
على أن مقصود الشارع منها أن يدخل في نطاق تطبيقها المباني التي بدئ في إنشائها قبل
12 يونيه سنة 1958 وسواء أعدت للسكنى قبل هذا التاريخ أو بعده. ولما كان من المسلم
به بين الطرفين أن العقار قد أنشئ قبل التاريخ المذكور، فإنه حتى بفرض صحة ما
يثيره الطاعن من أنه لم يعد للسكنى إلا بعد هذا التاريخ فإن القانون رقم 55 لسنة
1958 يكون هو الذي يحكم الواقعة، وما دام قد أجرى التخفيض على مقتضاه فلا محل
لإعمال التخفيض المنصوص عليه بالقانون 168 لسنة 1951 إذ لا تختلف نسبة التخفيض ولا
أجر الأساس في كلا القانونين طالما أن الأجرة لم تتغير.
2 - لا يلزم لصحة الحكم
أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما
تستخلصه منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن حقيقة تاريخ إتمام إنشاء المكان
المؤجر وإعداده للسكنى إلى ما تستظهره من جماع العناصر المطروحة عليها بطريق
الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، وهو أمر تستقل باستخلاصه ولا تصادر
في تقريره ما دام استخلاصها سليماً ولا يخرج عن مقتضى العقل والمنطق.
3 - من المقرر أن كفاية
أدلة الصورية مما يستقل به قاضي الموضوع.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
"......". بأنه في يوم أول مارس سنة 1962 بدائرة قسم الدقي: امتنع عن
تخفيض الإيجار من عقد الإيجار المبين بالمحضر رغم تنبيهه إلى ذلك. وطلبت عقابه
بالمادة 5 مكرر من القانون رقم 121 لسنة 1947 المعدل بالقانون رقم 168 لسنة 1961
والمادة 2 من القانون الأخير. وادعى "......." بحق مدني، وطلب القضاء له
قبل المتهم باعتباره مسئولاً عن الحقوق المدنية بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض
المؤقت. ومحكمة الدقي الجزئية قضت حضورياً في 15 يونيه سنة 1963 ببراءة المتهم مما
أسند إليه ورفض الدعوى المدنية مع إلزام رافعها المصاريف ومبلغ خمسمائة قرش مقابل
أتعاب المحاماة. فاستأنف المدعي بالحق المدني هذا الحكم. ومحكمة القاهرة
الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 27 يناير سنة 1965 بقبول الاستئناف
شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المدعي بالحق المدني في هذا
الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو
القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد في الإسناد والاستدلال ومخالفة
القانون، ذلك أن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي الصادر ببراءة المطعون ضده
من تهمة الامتناع عن تخفيض الأجرة وبرفض الدعوى المدنية لأسبابه دون أن يعنى بالرد
على دفاع الطاعن الجوهري ومستنداته الهامة التي قدمها إلى المحكمة الاستئنافية
والتي تثبت أن العقار موضوع النزاع لم يتم بناؤه وإعداده للسكنى إلا بعد 12/ 6/
1958 تاريخ العمل بالقانون 55 لسنة 1958. ومن ثم يسرى عليه التخفيض المنصوص عليه
في القانون رقم 168 لسنة 1961، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه
أغفل الشهادة المقدمة منه والتي تثبت توصيل التيار الكهربي إلى شقته في 14/ 10/
1958، وأن عقد إيجاره محرر في 6/ 8/ 1958، وأن تواريخ نفاذ عقود الإيجار الأخرى
لاحق على 12/ 6/ 1958 كما أن أول ساكن بالعمارة لم يشغل سكنه إلا في 1/ 7/ 1958
ولم يسر التيار الكهربي في المصعد إلا في 7/ 7/ 1958، كذلك فإن إخطار مصلحة
الأموال المقررة عن المبنى في 29/ 3/ 1958 لا يعنى أن البناء قد تم في ذلك التاريخ
بل على العكس فإن المستفاد من الكشوف المقدمة أن البناء لم يتم إلا قبل 1/ 11/
1958 وأن الفاتورة المؤرخة 14/ 1/ 1958 بسداد تكاليف التيار الكهربائي للعمارة لا
تعدو أن تكون مقايسة للتكاليف التي تحصل مقدماً أما توصيل التيار بالفعل فلم يحدث
إلا في 2/ 7/ 1958، وأخيراً فقد استند الحكم إلى ما ورد بعقود الإيجار من إجراء
التخفيض بواقع 20% طبقاً للقانون رقم 55 لسنة 1958 بالمخالفة لنص المادة السادسة
من قانون إيجار الأماكن الذي يقضى ببطلان كل اتفاق من شأنه رفع الأجرة عن الحد
القانوني وهو بطلان من النظام العام.
وحيث إن الحكم الابتدائي
المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن وكيل الطاعن
أبلغ أن موكله استأجر من المتهم الشقة رقم 151 بعمارة كائنة بالدقي بموجب عقد
إيجار مؤرخ 6/ 8/ 1958 على أن يسرى الإيجار اعتباراً من 1/ 10/ 1958 لأن العمارة
لم تكن قد أعدت للسكنى فعلاً وقت تحرير العقد، ولما صدر القانون رقم 168 لسنة 1961
رفض المتهم إجراء التخفيض بزعم أن العمارة سرى عليها التخفيض المقرر بالقانون رقم
55 لسنة 1958 حالة أن العمارة لم يكن قد تم إنشاؤها إلا بعد صدور هذا القانون. وأن
المتهم أنكر ما أسند إليه وقرر أن جميع شقق العمارة سرى عليها تخفيض القانون رقم
55 لسنة 1958، ثم خلص الحكم إلى القضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية تأسيساًً على
أن العقار محل النزاع قد انتهى بناؤه وأعد للسكنى فعلاً وشغله بعض المستأجرين قبل
12/ 6/ 1958 تاريخ العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1958 وأن المطعون ضده طبق التخفيض
المنصوص عليه في هذا القانون وأنه لا وجه لتطبيق التخفيض المقرر بالقانون رقم 168
لسنة 1961 مستنداً في ذلك إلى قوله: "إن المحكمة ترجح دفاع المتهم لما استبان
لها من الاطلاع على الكشف الرسمي المستخرج من سجلات مصلحة الأموال المقررة بأن
العقار محل الدعوى قد أخطر عنه في 29/ 2/ 1958 وأن مبناه قد تم عدا عدد 2 فيلا
خصصتا لسكن المالكين فضلاً عن الفاتورة الرسمية الصادرة من إدارة الكهرباء في 14/
1/ 1958 بسداد ثمن تكاليف إيصال التيار الكهربائي للعمارة، هذا إلى ما ورد في
شهادتي إدارة الكهرباء والغاز من أن السيدة فاطمة توفيق والسيد مصطفى كمال
المستأجرين بالعمارة قد تم تركيب عداد كهربي واتصل التيار بسكن كل منهما في 8/ 5/
1958 و10/ 6/ 1958 وهذه التواريخ جميعها سابقة على 12/ 6/ 1958 تاريخ العمل
بالقانون رقم 55 لسنة 1958 الأمر الذي تستدل منه المحكمة على أن العقار محل النزاع
قد انتهى البناء فيه وأعد فعلاً للسكنى وشغله بعض المستأجرين قبل 12/ 6/ 1958 ولا
مراء في أن إدخال التيار الكهربي إلى العمارة وإلى شققها أقطع في الدلالة على
سكنها من التاريخ الموضوع على عقود الإيجار كبداية لتنفيذها سيما وأن التاريخ
المرصود على جل هذه العقود سابق على 12/ 6/ 1958 هذا إلى أن الثابت أن العمارة
تحوي أكثر من مصعد بدليل ما ورد في مستندات الشاكين أنفسهم من أن هناك تياراً آخر
سرى في المصعد ابتداء من 7/ 7/ 1958 غير التيار الذي سرى ابتداء من 16/ 9/ 1958.
ومن حيث إن ما أثاره الشاكون عن أنهم أذعنوا للقيد الذي ألحقه المتهم بعقد كل منهم
والذي يتضمن النص على قيمة الأجرة المتفق عليها وقيمة التخفيض طبقاً للقانون رقم
55 لسنة 1958 ثم صافى الأجرة بعد التخفيض، هذا الذي أثاره الشاكون لا تأخذ المحكمة
به ذلك أن تلك البنود وردت بعقود الإيجار في بيان مفصل وذيلها المستأجرين بتوقيعهم
ولا يستساغ تصور إجبار الشاكين على التوقيع بما لهم من مكانة سيما وأن المحكمة
تبينت من الاطلاع على عقد إيجار السيد محمد عبد السلام حسن أنه وقع على البند
الملحق يوم 24/ 6/ 1958 وهو تاريخ تحرير العقد بالرغم من أن الإيجار يسرى ابتداء
من أول أكتوبر سنة 1958 الأمر الذي يفت في الادعاء بالصورية ويقوى الاعتقاد بجدية
تلك البنود، وثمة أمر آخر استخلصته المحكمة من مراجعة عقود الإيجار هو أنه مرفق
ببعضها إيصالات بأن المتهم أعاد إلى المستأجر ما يعادل 20% من قيمة التأمين مما
يعد قرينة على أنه جرت محاسبة بين المالك وبين المستأجر أثر صدور القانون رقم 55
لسنة 1958 حول مبلغ التأمين المدفوع من الأول إلى الثاني بما يعادل 20% منه. ومن
حيث إنه مما تقدم يستقيم في وجدان المحكمة أن العقار موضوع الدعوى أنشئ قبل العمل
بالقانون رقم 55 لسنة 1958. ولما كان القانون رقم 168 لسنة 1961 قد حدد في المادة
(5) نطاق تطبيقه فنص على أنه يسرى على الأماكن التي أنشئت بعد العمل بالقانون رقم
55 لسنة 1958. لما كان ذلك، فإن التهمة المنسوبة إلى المتهم لا تقوم في حقه لتخلف
عناصرها". لما كان ذلك، وكانت هذه النتيجة التي انتهت إليها محكمة الموضوع
مستساغة من مقدماتها، وكان الأصل أن أساس الأحكام الجنائية إنما هو حرية قاضي
الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى فما دام بين في حكمه أنه لم يقض
بالبراءة إلا بعد أن ألم بتلك الأدلة ووزنها فلم يقتنع وجدانه بصحتها فلا تجوز
مصادرته في اعتقاده ولا المجادلة في حكمه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، فإن ما
يثيره الطاعن لا يكون له محل إذ هو لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في واقعة
الدعوى وتقدير الأدلة فيها ومبلغ اطمئنان محكمة الموضوع إلى ما ارتاحت إليه في
شأنها وليست ملزمة من بعد بتعقب الطاعن في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على استقلال
على كل جزئية يبديها أو شبهة يثيرها، إذ اطمئنانها إلى الأدلة التي عول عليها
الحكم الابتدائي الذي أيدته لأسبابه يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي سيقت
لحملها على عدم الأخذ بها، كما أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند
إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه بل لها أن تركن في
تكوين عقيدتها عن حقيقة تاريخ إتمام إنشاء المكان المؤجر وإعداده للسكنى إلى ما
تستظهره من جماع العناصر المطروحة عليها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة
الممكنات العقلية وهو أمر تستقل باستخلاصه ولا تصادر في تقريره ما دام استخلاصها
سليماً ولا يخرج عن مقتضى العقل والمنطق - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - كما
أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في
كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها
بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فيكفى أن تكون في مجموعها كوحدة مؤدية إلى
ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة، ومتى كانت المحكمة قد اطمأنت
إلى حقيقة تاريخ انتهاء البناء وإعداده للسكنى وأن الطاعن قد حصل على التخفيض
المنصوص عليه بالقانون رقم 55 لسنة 1958 وأطرحت ما دفع به من صورية التخفيض الذي
أجرى بأدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان من المقرر أن كفاية أدلة
الصورية مما يستقل به قاضي الموضوع. متى كان ذلك، فإنه لا يقبل من الطاعن مجادلة
في تقدير هذه الأدلة أو مصادرة محكمة الموضوع. هذا بالإضافة إلى أن المادة الخامسة
مكرراً (4) من القانون رقم 121 لسنة 1947 المضافة إليه بالقانون رقم 55 لسنة 1958
والتي يسرى مفعولها اعتباراً من 12/ 9/ 1958 إذ نصت على أنه "...... ولا يسرى
التخفيض المشار إليه فيما تقدم بالنسبة إلى ما يأتي: (أولاً) المباني التي يبدأ في
إنشائها بعد العمل بأحكام هذا القانون..." فقد دلت وبمفهوم المخالفة على أن
مقصود الشارع منها أن يدخل في نطاق تطبيقها المباني التي بدئ في إنشائها قبل 12/
6/ 1958 وسواء أعدت للسكنى قبل أو بعد هذا التاريخ. لما كان ما تقدم، وكان من
المسلم به بين الطرفين أن العقار قد أنشئ قبل 12/ 6/ 1958 - فإنه حتى بفرض صحة ما
يثيره الطاعن من أنه لم يعد للسكنى إلا بعد هذا التاريخ فإن القانون سالف الذكر
رقم 55 لسنة 1958 يكون هو الذي يحكم واقعة الدعوى، وما دام قد أجرى التخفيض على
مقتضاه فلا محل لإعمال التخفيض المنصوص عليه بالقانون 168 لسنة 1961 إذ لا تختلف
نسبة التخفيض ولا أجر الأساس في كلا القانونين طالما أن الأجرة لم تتغير.
لما كان ذلك، فإنه لا
جدوى للطاعن من كافة ما يثيره بأوجه الطعن من أن العين المؤجرة إليه لم يتم
إعدادها للسكنى إلا بعد 12 يونيه سنة 1958.
وحيث إنه لما تقدم يكون
الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة مع إلزام الطاعن
المصروفات المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق