الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 أبريل 2018

عدم دستورية اشتراط توقيع 50 عضواً على الأقل للطعن في قرارات الجمعية العمومية للنقابات


القضية رقم 22 لسنة 17 ق "دستورية " جلسة 3 / 2 / 1996
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 3 فبراير سنة 1996 الموافق 14 رمضان سنة 1416 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير و عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور اعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي على جبالي  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدي أنور صابر  أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 22 لسنة 17 قضائية "دستورية ". بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (دائرة الأفراد والهيئات)  -الدائرة الأولى - ملف الدعوى رقم 2152 لسنة 47 قضائية •
المقامة من
السيد / .....
ضد
1- السيد / النقيب العام لنقابة التطبيقيين بالقاهرة
2- السيد / النقيب الفرعي لنقابة التطبيقيين بالبحيرة
3- السيد / محافظ البحيرة
" الإجراءات "
بتاريخ 4 إبريل 1995 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 2512 لسنة 47 قضائية ، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (دائرة الأفراد والهيئات) -بجلستها المعقودة في 15/12/1994- بوقف الدعوى وإحالة الاوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (49) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية ، فيما تضمنه من اشتراط نصاب معين للطعن على قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية ، والتصديق على توقيعات الطاعنين من الجهة المختصة .
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة ، والنقابة المدعى عليها، مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم، أصلياً: بعدم قبول الدعوى واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من حكم الاحالة وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى -وهو عضو بالجمعية العمومية لنقابة المهن الفنية التطبيقية الفرعية بالبحيرة - كان قد أقام الدعوى رقم 2512 لسنة 47 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (دائرة طلبات الأفراد والهيئات) - ضد النقيب العام لنقابة التطبيقيين بالقاهرة وآخرين طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر بتاريخ 21/2/1993 بإعلان نتيجة انتخابات نقابة التطبيقيين الفرعية بالبحيرة ، وتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار، من بينها حل مجلس النقابة الحالي . وقال المدعى شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 20/2/1993 أجريت انتخابات التجديد النص في لنقابة المهن الفنية التطبيقية بالبحيرة ، وأعلنت نتيجتها في 21/2/1993 وكانت نسبة عدد الحاضرين من أعضاء الجمعية العمومية لهذه النقابة لا تتجاوز 16%، وتمت الانتخابات -وفى غيبة الإشراف القضائي عليها- في بندر دمنهور وزاوية غزال والمحمودية فقط مع حرمان باقي المراكز من الإسهام فيها وذلك كله بالمخالفة لأحكام القانون رقم 100 لسنة 1993بشأن ضمانات ديموقراطية التنظيمات النقابية المهنية . وإذ دفع الحاضر عن النقابة المدعى عليها بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم التوقيع على صحيفتها من خمسين عضواً من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة الفرعية عملاً بالمادة (49) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية ، فضلاً عن تخلف باقي شروطها ؛ وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية حكم هذه المادة ، لانطوائها على تقييد لحق التقاضي المنصوص عليه في المادة (68) من الدستور، فقد قضت بتاريخ 15/12/1994 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية ما نصت عليه من اشتراط نصاب معين للطعن على قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية والتصديق على توقيعات الطاعنين من الجهة المختصة .
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الدستورية ، تأسيساً على أن الدعوى الموضوعية أقيمت بعد الميعاد المحدد قانوناً لرفعها، وبالتالي لن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية ، مؤثراً على الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، ولا منتجاً في مجال الفصل فيها.
وحيث إن هذا الدفع مردود أولاً: بأن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها، ذلك أنهما لا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في موضوعها، وكذلك في مضمون الشروط التي يتطلبها القانون لجواز رفعها. وليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها. وإنما تنحصر ولايتها فيما يعرض عليها من المسائل الدستورية لتقرير صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها. ومردود ثانياً: بأن المسائل الدستورية التي تعرض على المحكمة الدستورية العليا تدخل -بقوة القانون- في حوزتها، لتهيمن عليها وحدها، باعتبار أن الحكم الصادر فيها يؤثر بالضرورة على الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، ويكون محدداً تحديداً أمراً للقاعدة القانونية التي يتعين على محكمة الموضوع تطبيقها في النزاع الموضوعي وإعمال كامل آثارها، ذلك أن المسائل الدستورية هي جوهر رقابتها، وهي التي تجيل بصرها فيها بعد إحاطتها بأبعادها، ومناطها مقابلة النصوص المطعون عليها بالقيود التي فرضها الدستور في شأنها لضمان النزول عليها. ومن ثم يكون إهدار هذه النصوص بقدر تعارضها مع الدستور، إطاراً وحيداً للخصومة الدستورية ، وهى كذلك موضوعها وغايتها. وليس لها بالتالي أن تفصل في غير المسائل التي تثيرها الخصومة الدستورية ، وبقدر اتصالها بالنزاع الموضوعي . ومردود ثالثاً: بأن إبطال المحكمة الدستورية العليا لنص المادة (49) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية ، يعنى زوال القيود التي أحاط بها المشرع الطعن في قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية ، وانفتاح طريق الطعن فيها دون قيد، لتفصل محكمة الموضوع في المناعي الموجهة إليها على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، والتزاماً بأبعاده، باعتبارها جهة الاختصاص بإعمال أثره في النزاع الموضوعي المعروض عليها.
وحيث إن المادة (49) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية تنص على ما يأتي : "يكون الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة الفرعية ، وفى قراراتها، من حق خمسين عضواً ممن حضروا الجمعية العمومية للنقابة الفرعية ، وبمراعاة باقي الشروط والأوضاع المحددة في المادة (20). كما يجوز لوزير الصناعة الطعن في صحة انعقاد هذه الجمعية العمومية وقراراتها طبقاً لما هو موضح في المادة (20). وتسرى أحكام الفقرة الأولى من المادة (12) على هذه الطعون، كما تسرى أحكام الفقرة الثانية في حالة الحكم ببطلان انتخاب رئيس النقابة الفرعية أو خمسة من أعضاء مجلسها".
وتنص الفقرة الأولى من المادة (20) المشار إليها، على أن لوزير الصناعة الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية أو في قراراتها، أو في انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة ..... وعملاً بفقرتها الثانية يجوز لمائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن في قراراتها أو في صحة انعقادها أو في انتخاب أعضاء مجلس النقابة أو نقيبها بتقرير موقع عليه منهم، ومصدقاً على توقيعاتهم فيه من الجهة المختصة . على أن يقدم الطعن إلى قلم كتاب محكمة القضاء الإداري ، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد الجمعية .
وحيث إن البين من النص المطعون فيه -مرتبطاً بالفقرتين اللتين تضمنتهما المادة (20) من قانون نقابة المهن الفنية التطبيقية المحال إليهما- أن الجمعية العمومية للنقابة -فرعية كانت أو مركزية - لا يجوز الطعن في صحة انعقادها أو في قراراتها، إلا إذا كان الطعن مستوفياً نصاباً عددياً، وكان من رفعوه مصادقاً على توقيعاتهم جميعاً من الجهة الإدارية ذات الاختصاص.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية ، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق عضو النقابة الفرعية في الطعن في قراراتها دون التقيد بالشروط التي تضمنها النص المطعون فيه -محدداً نطاقاً على النحو المتقدم- وكان الفصل في دستورية الشروط التي فرضها هذا النص، هو مدار دعواه الدستورية التي ابتغى بها إبطال هذه الشروط وتجريدها من كل آثارها، فإن دعواه هذه ترتبط بالنزاع الموضوعي برابطة وثقى ، باعتبار أن الحكم في المسائل الدستورية التي تدور حولها الخصومة الدستورية ، يؤثر بالضرورة في الطلبات الموضوعية المتصلة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلاً بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها، كي لا تقتحم إحداها المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية ، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة . ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها -من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة - مطلباً أساسياً توكيداً لقيمتها الاجتماعية ، وتقديراً لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، ولردع كل محاولة للعدوان عليها.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا مضطرد على أن حق العمال في تكوين تنظيمهم النقابي ، فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفاً إراديا حراً لا تتداخل فيه الجهة الإدارية ، بل يستقل عنها، ليظل بعيداً عن سيطرتها، ومن ثم تنحل الحرية النقابية ، إلى قاعدة أولية في التنظيم النقابي ، تمنحها بعض الدول -ومن بينها جمهورية مصر العربية - قيمة دستورية في ذاتها، لتكفل لكل عامل حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها، وفى انتقاء واحدة أو أكثر من بينها -عند تعددها- ليكون عضواً فيها، وفى أن ينعزل عنها جميعاً، فلا يلج أياً من أبوابها، وكذلك في أن يعدل عن البقاء فيها منهياً عضويته بها.
وهذه الحقوق التي تتفرع عن الحرية النقابية ، تعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها، وبوجه خاص لرد خطرين عنها لا يتعادلان في آثارهما، ويتأتيان من مصدرين مختلفين. ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها قد تباشر ضغوطها في مواجهة العمال غير المنضمين إليها، لجذبهم لدائرة نشاطها، توصلاً لإحكام قبضتها على تجمعاتهم. وقد يتدخل رجال الصناعة والتجارة في أوضاع الاستخدام في منشآتهم، أو بالتهديد بفصل عما لهم، أو بمساءلتهم تأديبياً، أو بإرجاء ترقياتهم، لضمان انصرافهم عن التنظيم النقابي ، أو لحملهم عن التخلي عن عضويتهم فيه.
وينبغي بالتالي أن يعامل مبدأ الحرية النقابية باعتباره لازماً لاستقرار العمال وتطوير أوضاعهم، على تقدير أن حق العمال –وأياً كان قطاع عملهم، ودون تمييز فيما بينهم- في تكوين منظماتهم التي يختارونها، غير مرتبط بآرائهم السياسية أو معتقداتهم أو انتماءاتهم، ودون إخلال بحق النقابة ذاتها في أن تقرر بنفسها أهدافها، ووسائل تحقيقها، وطرق تمويلها، وإعداد القواعد التي تنظم شئونها. ولا يجوز بوجه خاص، إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق، أو تعلق تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها، ولا أن يكون تأسيسها رهناً بإذن من الجهة الإدارية ، ولا أن تتدخل هذه الجهة في عملها بما يعوق إدارتها لشئونها، ولا أن تُحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه اكفل لتأمين مصالح أعضائها، ولا أن تقرر إنهاء وجودها عقاباً لها.
وحيث إن الحرية النقابية -محدداً إطارها على النحو المتقدم- لا تعارض ديموقراطية العمل النقابي ، بل هي المدخل إليه، ذلك أن الديموقراطية النقابية ، هي التي تطرح -بوسائلها وتوجهاتها- نطاقاً للحماية يكفل للقوة العاملة مصالحها الرئيسية ، ويبلور إرادتها، وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود، وهى كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحي نشاطها، ولازمها أمران، أولهما: أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصبها المختلفة -على تباين مستوياتها وأياً كان موقعها- رهناً بالإرادة الحرة لأعضائها ويتعين أن تتهيأ لكل منهم -الفرص ذاتها- التي يؤثر من خلالها -متكافئاً في ذلك مع غيره ممن انضموا إليها- في إدارة شئونها واتخاذ قرارتها ومراقبة نشاطها بطريق مباشر أو غير مباشر، يقترعون وينتخبون وفق أسس موضوعية تتم الحملة الانتخابية على ضوئها بما يكفل إنصافها وفعاليتها -بما في ذلك حيدتها- لتكون مدخلهم إلى مباشرة مسئولياتهم قبل نقابتهم. ثانيهما: أن للحرية النقابية أهدافاً لا تريم عنها، ولا يعتبر طلبها حقاً لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة ، ولا هي من امتيازاتها، وليس لها أن تتخذها موطئاً لفرض وصايتها على أحد. ذلك أن العمل النقابي لا يتمحض عن انتقاء حلول بذاتها تستقل الأقلية بتقديرها وتفرضها عنوة على المخالفين لها بحكم موقعها أو سيطرتها، بل يتعين أن يكون إسهاماً جماعياً Collective Decision - Making فاعلاً، يعتمد على تعدد الآراء وتزاحمها واتساع آفاقها، ليكون أعضاء النقابة -على ضوئها- شركاء في تقرير أهدافها، وصوغ نظمها وبرامجها، وتحديد طرائق تنفيذها، بما في ذلك وسائل تمويلها، فلا تكون السيادة إلا لجموعهم، ولا تفرض قوة من بينهم، أو غريبة عنهم، هيمنتها على شئونهم. بل يكون القرار بأيديهم، نابعاً من قناعتهم، ملبياً مصالحهم، يؤيد ذلك أن مفهوم الحرية ليس سلبياً، ولا عملاً واقعاً وراء جدران مغلقة ، منعزلاً عن مفاهيم الحق والعدل محددة من منظور اجتماعي ، بل قوامها ارتباطاً بتربتها، ومناطها إرادة الاختيار تعقلاً لا انفلاتاً، ليفاضل من يمارسونها بين البدائل تبصراً، ليظل نبتها مترامياً، ومتطوراً كافلاً للحقوق التي تتولد عنها أو تتصل بها، ضماناتها، سواء في جوهر بنيانها أو من خلال دعم وسائل الدفاع عنها.
وحيث إن البين مما تقدم، أن لكل تنظيم نقابي خصائص لا يقوم إلا بها، من بينها:
1- أن مباشرة أعضاء هذا التنظيم لحقوقهم التي كفلها الدستور، يعتبر قيداً على كل قرار يصدر عن أغلبيتهم. كذلك لا يجوز أن يعطل هذا التنظيم، مباشرة الآخرين لحقوقهم في الحدود التي نص عليها الدستور.
2- أن التنظيم النقابي يعد تجمعاً منظماً تتولد عنه كل الحقوق التي ترتد في أساسها إلى حرية الاجتماع، ومبناه بالضرورة الحوار والإقناع باعتبار أن تنوع الآراء في شأن المسائل التي يثور حولها الجدل، وكذلك تعددهاDiversity and Plurality of Opinions يفترض التعبير عنها والاستماع إليها، ليكون اختلافها فيما بينها، ومقابلتها ببعض، لازماً لتقرير الحلول التي توفق بينها قدر الإمكان أو تبدلها بغيرها، فلا يكون العمل النقابي إملاءً أو التواءً، بل تراضياً والتزاماً، وإلا كان مجاوزاً لحدوده Ultra Vires Actions.
3- أن مجتمعاً مدنياً هو الإطار الوحيد لكل تنظيم نقابي . وهو يكون كذلك إذا كان مفتوحاً لكل الآراء، قائماً على ضمان فرص حقيقية لتداولها وتفاعلها، مقيداً بما يكون منها محققاً لمصلحة مبتغاه، موازناً بين حقوق المن تمين إليه وواجباتهم، نائياً عما يعد بالمعايير الموضوعية انحرافاً بالسلطة ، كافلاً ديموقراطية بنيانها على تعدد مستوياتها، مقرراً مباشرة مسئولياتها من خلال الوسائل القانونية التي ينبغي أن تكون ضابطاً لها وفقاً للدستور أو القانون، فلا يتنصل منها القائمون على تطبيقها، بل تتم محاسبتهم وفقاً لمعاييرها. وتنظيما نقابياً محدداً نطاقاً على ضوء هذه المفاهيم، لا يستقيم بتنحيتها، بل يكون التقيد بها -إنفاذاً لمحتواها- ضرورة يلتزمها.
4- يتعين أن تفرض النقابة على كيفية ممارستها لنشاطها، أشكالاً من الرقابة الذاتية في حدود أهدافها، ليكون تقييمها لنواحي القصور فيه، موضوعياً وواقعياً، معتمداً على وسائل تحليلية Factual and Analatycal Material موثوق بها.
5- أن تقرير ما إذا كان التنظيم النقابي صحيحاً أم باطلاً، لا يجوز أن يكون معلقاً على تدخل مسبق، لا من الجهة الإدارية ، ولا من قبل السلطة القضائية ، ولو بدا هذا التنظيم مشوباً بالبطلان، أو كان قد تقرر لغرض غير مشروع، وفى ذلك يقول المجلس الدستوري الفرنسي في شأن الجمعيات- والتنظيم النقابي من صورها-ما يأتي :
La constitution d"associations , alors meme qu,elles paraitraient entachées de nullité ou auraient un objet illicite , ne peut etre soumise pour sa validité a l"intervention préalable de l"autorité administrative ou meme de l"autorité judiciare .
 (17 - 44 DC , 61 juillet 1791 , cons . 2 , Rec .P.29).
وحيث إن المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي ، هى التى قننها الدستور - في مجمل أحكامها- بنص المادة (56)، التي تحتم إنشاءه وفق أسس ديموقراطية يكون القانون كافلاً لها، راعياً لدوره في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية التي استهدفها، مرتقياً بكفايتها، ضامناً تقيد من يسهمون فيها بسلوكهم الاشتراكي ، فلا يتنصلون من واجباتهم أو يعملون على نقيضها، أو ينحرفون عنها، ودون إخلال بحقوقهم المقررة قانوناً، وهو ما يعنى أن إفراد النقابات بنص المادة (56) المشار إليها، لا يعدو أن يكون اعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التي تمثلها، وعمق اتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها، وما ينبغي أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها في مجموعها، وتوكيداً لضرورة أن يظل العمل النقابي تقدمياً، فلا ينحاز لمصالح جانبية أو ضيقة محدودة أهميتها -قطاعاً أو أثراً-Sectional or Influential Interests ، بل يكون متبنياً نهجاً سياسياً مقبولاً من جموعهم، وقابلاً للتغيير على ضوء إراداتهم.
وحيث إن البين من النص المطعون فيه، أن شرطين يتعين توافرهما معاً لجواز الطعن فيما يصدر عن الجمعية العمومية للنقابة الفرعية من قراراتها أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدماً من خمسين عضواً على الأقل ممن حضروا جمعيتها هذه، ليكون انضمامهم إلى بعض نصاباً للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفياً شكليه بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصادقاً عليها جميعاً من الجهة المختصة .
وحيث إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي ، ويعصفان بجوهره، وعلى الأخص من زاويتين أولاهما: أن الدستور كفل للناس جميعاً -وبنص المادة (68)- حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي ، لا يتمايزون في ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض في مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التي يحاط بها ليكون عبئاً عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التي يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون في استنهاض الأسس الموضوعية التي نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم -سواء أكان شخصاً طبيعياً أم معنوياً- الحق في الدعوى ، ليكون تعبيراً عن سيادة القانون ونمطاً من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصماً من جموحها وانفلاتها من كوابحها، وضماناً لردها على أعقابها إن هي جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التي كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفاً أو إسرافاً، بل لازماً لاقتضائها وفق القواعد القانونية التي تنظمها. ثانيتهما: أن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التي يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأميناً لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة ، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون في الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التي أضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقاً بمجاوزة نقابتهم للقيود التي فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التي تحميها نقابتهم بوصفها شخصاً معنوياً يستقل بالدفاع عنها في إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التي تحتضنها. وهو ما يعنى أن تأمينها لمصالح أعضائها -منظوراً إليها في مجموعها- لا يعتبر قيداً على حق كل منهم في أن يستقل عنها بدعواه التي يكفل بها حقوقاً ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة ، ليتعلق بها مركزه القانوني الخاص في مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده -ولو بنص تشريعي - قيد تقرر دون مسوغ.
وحيث إن الطعن على قرار معين -وكلما توافر أصل الحق فيه- لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التي يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد مضيقاً من مداه أو عاصفاً بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم، وكان حق النقابة ذاتها في تكوينها على أسس ديموقراطية ، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها في الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التي يدعون إليها في إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضماناً لصون الأسس التي حددها الدستور بنص المادة (56)، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابي ومتطلباته، إلا أن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محدداً لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيداً أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطاً للأعمال جميعها، محيطاً بكل صورها، ما كان منها تصرفاً قانونياً أو متمحضاً عملاً مادياً، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعاً، ليكون تقويمها حقاً مقرراً لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة .
بيد أن النص المطعون فيه نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن في قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية ، نصاباً عددياً، فلا يقبل إلا إذا كان مقدماً من خمسين عضواً على الأقل ممن حضروا اجتماعها، ليحول هذا القيد -وبالنظر إلى مداه- بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها، يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التي أخل بها القرار المطعون فيه، والتي لا يقوم العمل النقابي سوياً بدونها.
وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقاً. وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية -الذين جعل من عددهم نصاباً محتوماً للطعن في قراراتها- متحدون فيما بينهم في موقفهم منها، وأنهم جميعاً قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وان عقد عزمهم على اختصامها تجريداً لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلما يتحقق عملاً، ولا يتوخى واقعاً غير مجرد تعويق الحق في الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون "أفدح عبئاً، وأقل احتمالاً".
وحيث إن البين كذلك من النص المطعون فيه، أن الطعن في قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية -ولو كان مكتملاً نصاباً- يظل غير مقبول إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص، وكان ما توخاه النص المطعون فيه بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتاً لصفاتهم؛ فلا يكون تقرير الطعن مقدماً من أشخاص لا يعتبرون أعضاء في النقابة الفرعية ، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية ؛ وكان التصديق وإن تم في هذا النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطوياً على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضي ، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسراً من الناحيتين الإجرائية والمالية ؛ وكان هذا القيد مؤداه: كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن في مجال تثبتها من الشروط التي لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها -وتندرج صفاتهم تحتها- باعتبار أن تحقيقها وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل في اختصاصها. ولا يجوز بالتالي أن تتولاه الجهة الإدارية وإلا كان ذلك منها عدواناً على الوظيفة القضائية التي اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.
وحيث إنه لما تقدم، يكون النص المطعون فيه مخالفاً للمواد (40، 65، 68) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (49) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية ، فيما نصت عليه من أن يكون الطعن في قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية موقعاً عليه من خمسين عضواً على الأقل ممن حضروا اجتماعها، ومصدقاً كذلك من الجهة الإدارية ذات الاختصاص على توقيعاتهم التي مهروا بها تقرير الطعن.
ــــــــــــــــــــــــ
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدرة , اما السيد المستشار محمد عبد القادر عبد الله الذي سمع المرافعة و حضر المداولة ووقع علي مسودة الحكم , فقد جلس بدلة عند تلاوته السيد المستشار الدكتور محمد إبراهيم ابو العنينين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق