باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الحادي والثلاثين من يوليو سنة
2011م ، الموافق الثلاثين من شعبان سنة 1432 هـ .
برئاسة :- السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس
المحكمة
وعضوية :- السادة المستشارين/ عبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز
الشناوي ومحمد خيري طه والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور
حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور:- السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة
المفوضين
وحضور:- السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 101 لسنة 32
قضائية " دستورية " ، المحالة من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة ، بموجب
قرارها الصادر بجلسة 6/4/2010 ، في الدعوى رقم 40884 لسنة 60 قضائية .
المقامة من
السيد / .......
ضد
السيد وزير المالية " بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك
بالقاهرة "
الإجراءات
بتاريخ
12/5/2010 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 40884 لسنة
60 قضائية ، نفاذًا للقرار الصادر من محكمة القضاء الإداري الدائرة رقم (11)
تسويات بجلستها المنعقدة بتاريخ 6/4/2010 " بإحالة الأوراق إلى المحكمة
الدستورية العليا للنظر في مدى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (44) من القانون
رقم 127 لسنة 1980 بشأن الخدمة العسكرية والوطنية ، المستبدلة بالقانون رقم 152
لسنة 2009 ، فيما نصت عليه من أن " يعمل بأحكام هذه المادة اعتبارًا من
1/12/1968 بالنسبة إلى المجندين المؤهلين ... " ، لما يمثله هذا النص من
إهدار للمراكز القانونية التي استقرت ، سواء بالنسبة للمجندين المؤهلين أو زملائهم
، فضلاً عن اعتداء النص الجديد على سلطان النص من حيث الزمان قبل تعديله خلال
الفترة من 1/12/1968 وحتى تاريخ استبدال المادة في آخر عام 2009 " .
وقدمت هيئة
قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم ، أصليًا : بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيًا :
برفضها .
وبعد تحضير
الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع
على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن
الوقائع حسبما يتبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعى كان قد
أقام الدعوى رقم 1150 لسنة 50 قضائية ، أمام المحكمة الإدارية لوزارة المالية
وملحقاتها بمجلس الدولة ، طالبًا الحكم بأحقيته في ضم مدة خدمته العسكرية التي
أمضاها خلال الفترة من 1/10/1987 وحتى 31/3/1990 ، فضلاً عن احتساب مدة خبرته
العملية بمهنة المحاسبة التي مارسها منذ عام 1992 وحتى 1/6/1995 إلى مدة خدمته
الحالية . وذلك على سند من القول بأنه عين بمصلحة الجمارك في وظيفة باحث ثالث
بالقرار الوزاري رقم 584 لسنة 1995 ، بعد حصوله على بكالوريوس التجارة عام 1987 ،
وأدائه الخدمة العسكرية كمجند وضابط احتياط خلال الفترة من 1/10/1987 ، وحتى
31/3/1990 ، وأنه كان قد تقدم بطلب لضم هذه المدة إلى مدة خدمته المدنية ؛ إلا أن
المصلحة امتنعت عن ذلك ، مما حدا به إلى إقامة دعواه الموضوعية بغية القضاء له
بطلباته المتقدمة . وبجلسة 28/5/2006 قضت هذه المحكمة " بعدم اختصاصها نوعيًا
بنظر الدعوى ، وأمرت بإحالتها بحالتها لمحكمة القضاء الإداري بالقاهرة "
دائرة التسويات " للاختصاص ، وأبقت الفصل في المصروفات " ، ونفاذًا لذلك
أحيلت الدعوى ، حيث قيدت بجدول محكمة القضاء الإداري برقم 40884 لسنة 60 قضائية ،
وتدوول نظرها أمام " دائرة التسويات " إلى أن قررت بجلسة 6/4/2010
إحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في مدى دستورية الفقرة الأخيرة من
المادة (44) من القانون رقم 127 لسنة 1980 بشأن الخدمة العسكرية والوطنية
المستبدلة بالقانون رقم 152 لسنة 2009 فيما نصت عليه من أن " يعمل بأحكام هذه
المادة اعتبارًا من 1/12/1968 بالنسبة للمجندين المؤهلين ... " ، لما يمثله
هذا النص من إهدار المراكز القانونية التي استقرت ، فضلاً عن اعتداء النص الجديد
على سلطان النص من حيث الزمان قبل تعديله خلال الفترة من 1/12/1968 حتى تاريخ
استبدال المادة في عام 2009 .
وحيث إن
البين من تعقب التطور التشريعي للنص الطعين ، أن قانون الخدمة العسكرية والوطنية
الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 كان ينص في المادة (44) منه على أن "
تعتبر مدة الخدمة العسكرية والوطنية الفعلية الحسنة ، بما فيها مدة الاستبقاء بعد
إتمام مدة الخدمة الإلزامية العاملة للمجندين الذين يتم تعيينهم أثناء مدة تجنيدهم
أو بعد انقضائها بالجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة
ووحدات القطاع العام ، كأنها قضيت بالخدمة المدنية وتحسب هذه المدة في الأقدمية
واستحقاق العلاوات المقررة .
كما تحسب
كمدة خبرة وأقدمية بالنسبة إلى العاملين بالقطاع العام والجهات التي تتطلب الخبرة
أو تشترطها عند التعيين أو الترقية ، ويستحقون عنها العلاوات المقررة . وتحدد تلك
المدة بشهادة من الجهة المختصة بوزارة الدفاع .
وفى جميع
الأحوال لا يجوز أن يترتب على حساب هذه المدة على النحو المتقدم أن تزيد أقدمية
المجندين أو مدد خبرتهم على أقدمية أو مدد خبرة زملائهم في التخرج الذين عينوا في ذات
الجهة . ويعمل بأحكام هذه المادة اعتبارًا من 1/12/1968 .
ومع عدم
المساس بالحقوق المقررة بهذه المادة لا يجوز الاستناد إلى الأقدمية المقررة بها
للطعن على قرارات التعيين والترقية التي تمت في الفترة من 1/12/1968 حتى 1/12/1980
تاريخ العمل بالقانون " .
وبصدور
القانون رقم 152 لسنة 2009 بتعديل بعض أحكام قانون الخدمة العسكرية والوطنية
الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 ، نص في مادته الأولى على أن " يستبدل
بنصوص المواد ..... و44 و .... من قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون
رقم 127 لسنة 1980 النصوص الآتية :
مادة (44) " تعتبر مدة الخدمة العسكرية والوطنية الفعلية الحسنة
، بما فيها مدة الاستبقاء بعد إتمام مدة الخدمة الإلزامية العاملة لجميع المجندين
مؤهلين كانوا أو غير مؤهلين الذين يتم تعيينهم أثناء مدة تجنيدهم أو بعد انقضائها
بالجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة وشركات القطاع
العام وقطاع الأعمال العام ، كأنها قضيت بالخدمة المدنية ، وتحسب هذه المدة في الأقدمية
واستحقاق العلاوات المقررة ".
وتحدد تلك
المدة بشهادة من الجهة المختصة بوزارة الدفاع ، ويعمل بأحكام هذه المادة اعتبارًا
من 1/12/1968 بالنسبة إلى المجندين المؤهلين ، ولا يجوز الاستناد إلى الأقدمية
المترتبة على تطبيق هذه المدة بالنسبة إلى المجندين غير المؤهلين للطعن على قرارات
التعيين والترقية التي تمت قبل أول يناير سنة 2010 " .
وحيث إن
المستقر عليه أن مناط المصلحة في الدعوى الدستورية وهى شرط لقبولها أن يكون ثمة
ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة
الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع .
متى كان ذلك ، وكان الثابت أن النزاع الموضوعي يدور حول طلب المدعى ضم مدة خدمته
العسكرية إلى أقدميته في الوظيفة التي يشغلها ، وذلك إعمالاً لحكم المادة (44) من
قانون الخدمة العسكرية والوطنية ، واستحقاقه العلاوات المقررة إعمالاً للضم . وقد
تراءى لمحكمة الموضوع توافر شبهة عوار دستوري يكتنف النص المشار إليه ، ومن ثم فإن
حسم المسألة الدستورية المثارة يبدو والحال كذلك أمرًا لازمًا للفصل في الطلب الموضوعي
المرتبط بها ، مما يتوافر معه شرط المصلحة في الدعوى ، ويتحدد معه نطاقها بما
تضمنه نص الفقرة الأخيرة من المادة (44) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر
بالقانون رقم 127 لسنة 1980 بعد استبدالها بالقانون رقم 152 لسنة 2009 فيما نصت
عليه من أن " يعمل بأحكام هذه المادة اعتبارًا من 1/12/1968 بالنسبة للمجندين
المؤهلين .... " .
وحيث إن
الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة وعلى ما اطرد عليه قضاؤها غايتها أن ترد إلى قواعد
الدستور كافة النصوص التشريعية المطعون فيها ، وسبيلها إلى ذلك أن تفصل بأحكامها
النهائية في الطعون الموجهة إليها شكلية كانت أم موضوعية ، وأن يكون استيثاقها من
استيفاء هذه النصوص لأوضاعها الشكلية أمرًا سابقًا بالضرورة على خوضها في عيوبها
الموضوعية ، ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية هي من مقوماتها بوصفها قواعد
قانونية لا يكتمل كيانها أصلاً في غيبتها ، ويتعين تبعًا لذلك على هذه المحكمة أن
تتحراها بلوغًا لغاية الأمر فيها ، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها ينحصر في المطاعن
الموضوعية دون سواها .
وحيث إن من
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية المتصلة
باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها ، إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام
الدستور المعمول به حين صدورها .
وحيث إن
المادة (107) من الدستور الصادر عام 1971 تنص على أن : " لا يكون انعقاد
المجلس – مجلس الشعب – صحيحًا إلا بحضور أغلبية أعضائه . ويتخذ المجلس قراراته
بالأغلبية المطلقة للحاضرين ، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة
....." ، كما تنص المادة (187) منه على أن " لا تسرى أحكام القوانين إلا
على ما يقع من تاريخ العمل بها ، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، ومع ذلك
يجوز في غير المواد الجنائية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء
مجلس الشعب " ؛ ومن ثم فإن الأصل في القانون هو أن يسرى بأثر مباشر على ما
يقع بعد نفاذه ، فإذا سرى القانون على وقائع تم تكوينها أو على مراكز قانونية
اكتملت عناصرها قبل العمل بأحكامه ، فإن هذا القانون يكون متضمنًا أثرًا رجعيًا لا
يجوز تقريره إلا في المواد غير الجنائية وبعد استيفاء الأغلبية الخاصة التي
اشترطتها المادة (187) من الدستور ، كضمانة أساسية للحد من الرجعية وتوكيدًا
لخطورتها في الأعم الأغلب من الأحوال إزاء ما تهدره من حقوق وتخل به من استقرار .
ويتعين تبعًا لذلك أن تصدر القوانين رجعية الأثر عن السلطة التشريعية بأغلبية
أعضائها في مجموعهم ، وليس بالأغلبية المعتادة المنصوص عليها في المادة (107) من
الدستور ، وهى الأغلبية المطلقة للحاضرين منهم ، وبما يتعين معه تبعًا لذلك وعلى
ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة أن يكون الدليل على استيفاء هذا الإجراء جليًا لا
يحتمل التأويل ، ثابتًا على وجه قطعي .
لما كان ذلك
، وكان نص المادة (44) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية بعد استبدال حكمها
بالقانون رقم 152 لسنة 2009 بإرجاعه أقدمية المجندين المؤهلين بعد رفع قيد الزميل
إلى 1/12/1968 تكون قد تناولت مراكز قانونية اكتملت عناصرها قبل العمل بحكم المادة
المذكورة ، بما مؤداه إنفاذها جبرًا على أطرافها بأثر ينعطف على الماضي ، ويرتد إلى
تاريخ إجرائها ، بما يكون معه النص الطعين قد انطوى على أثر رجعى ، الأمر الذى كان
يتعين معه والحال كذلك استيفاء الإجراءات الدستورية المقررة وفقًا لنص المادة
(187) المشار إليها ، إلا أن الثابت من مراجعة مضبطة الجلسة التاسعة عشر من مضابط
مجلس الشعب في 20/9/2009 ، أنه قد تمت الموافقة على نص المادة (44) من قانون
الخدمة العسكرية والوطنية المطعون عليها بصيغتها النهائية بالأغلبية العادية
لأعضاء المجلس ، دون أخذ التصويت على المادة المذكورة بالأغلبية المنصوص عليها في المادة
(187) من الدستور ، ومن ثم فإن الإجراء الخاص الذى استلزمته هذه المادة لإقرار
الأثر الرجعى للنص الطعين لا يكون قد تم على الوجه المقرر في الدستور ، الأمر الذى
يتعين معه الحكم بعدم دستوريتها ، دون الخوض فيما عسى أن يكون قد لحق النص من عوار
دستوري موضوعي .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (44) من قانون
الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 المستبدلة بالقانون
رقم 152 لسنة 2009 فيما نصت عليه من أن " يعمل بأحكام هذه المادة اعتبارًا من
1/12/1968 بالنسبة إلى المجندين المؤهلين " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق