وحيث
أن النيابة العامة أسندت إلى المتهم أنه بتاريخ 16 / 11 / 1981 بدائرة قسم
بولاق ضبط بحالة سكر بين بالطريق العام ، وطلبت عقابه بالمواد 1 ، 2 ، 3 ،
7 من القانون رقم / 1976 بحظر شرب الخمر.
· وحيث
أن الاتهام ثابت من قبل المتهم ـ المحبوس احتياطيا ـ وذلك من محضر ضبط
الواقعة المحرر 17 / 11 / 1981 الساعة الواحدة صباحا بمعرفة أحد أمناء
الشرط والذى أورد بصدر محضره أن الجانى ضبط يسير بالطريق العام يتسكع يمنة
ويسرة ، وبالاقتراب منه تبين أن فمه تفوح منه رائحة الخمر ، فقام باصطحابه
لديوان القسم ، ثم بسؤاله ، اعترف بتناول الخمر دون إكراه من أحد ، وطلب
السماح بنهاية أقواله.
· وحيث
أن الاتهام ثابت أيضا من الكشف الطبى رقم 5136 الموقع على الجانى بتاريخ
16 / 11 / 1981 والذى أورى أنه " وجد فى حالة سكر بين وليس فى إدراكه
الكامل "
· وحيث
أنه لدى سؤال المتهم أمام النيابة العامة بتاريخ 17 / 11 / 1981 ، أنكر
نسبة الاتهام إليه ، معللا سبب إسناد الاتهام إليه أنه تشاجر مع أمين
الشرطة.
· وحيث أن المتهم لم يدفع الاتهام بأى دفاع مقبول ومن ثم يتعين عقابه طبقا لمواد الاتهام عملا بنص المادة 304 / 2 أ . جـ
الجانب الإلهى :
· وحيث
أن الشريعة الإسلامية حرمت الخمر تحريما قاطعا ، فهى " أم الخبائث "
وتراها مضيعة للنفس والعقل والصحة والمال والدين فحرمتها منذ أربعة عشر
قرنا ، ووضعت التحريم موضع التنفيذ منذ نزلت آيات التحريم ، إلا أن مصر
تطبق القوانين الوضعية ، وتعطل أحكام الشريعة الإسلامية ، فأصبحت الخمر
مباحة لشاربها ـ ولا عقاب على شربها أو السكر منها ، الهم إلا إذا وجد
شاربها فى حالة سكر بين بالطريق العام ، فإن كان السكر بينا ولكن فى محل
خاص فلا عقاب عليه ، أى أن العقوبة التى يقررها القانون المصري ليست على
شرب الخمر ولا على السكر وإنما على وجود السكران فى طريق عام ، كما هو
الحال فى تلكم الدعوى ، وذاك الاثم.
· وحيث أن الله جلت قدرته قال : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ
وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [ المائدة : 90 ] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام " . وقوله صلى الله عليه وسلم : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وقوله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها ، وحاملها والمحمولة إليه". وقوله صلى الله عليه وسلم : " من شرب الخمر فاجلدوه " . والخمر محرمة سواء على المسلم أو غيره : فالقاعدة : أن السكر تحرمه الأديان جميعا
وقد رأى فقهاء الإسلام ـ لكل ما سبق ـ حد " غير المسلم " على السكر ، وليس
فى قواعد الشريعة ما يمنع من تطبيق حد الشرب على "غير المسلمين " إذ تبين
أن السماح لهم بشرب الخمر يؤدى إلى الفساد الاجتماعى ، ولا شك أنه يؤدى إلى
ذلك ، لأن السماح لهم بالشرب يقتضى وجود الخمر فى البلاد مما يشجع المسلم
على شربها وهذا ـ بالتالى ـ يؤدى إلى هدم قواعد التحريم وإذا كانت الدول
المسيحية واليهودية ـ بعضها ـ يحرم الخمر على رعاياها مسيحيين وبوذيين
ومسلمين فأولى بالدول الإسلامية أن تحرم الخمر على رعاياها أيا كانت
ديانتهم ومذاهبهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جنحة رقم 3000 لسنة 1981 جنح بلدية القاهرة قسم بولاق أبو العلا.
· وحيث
أن ركنى الجريمة فى الإسلام هما الشرب والقصد الجنائي قد توافرا لدى
الجانى ، فهو قد شرب " كأسين " حسبما قرر ، وحسبما أورى تقرير الطبيب وكفى
لاعتباره شاربا أن يصل المشروب إلى حلقه ، بله يعتبر كذلك إذا شرب المسكر
لدفع العطش ، أما من شرب مضطرا لدفع " غصته " فلا حد عليه لقوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) [البقرة:
173] كذا من شرب مكرها ـ ماديا أو أدبيا ـ فلا حد عليه لقول رسول الله : "
عفى الله لأمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " والرأى الراجح حد
الجانى المتداوى بالخمر إذا شربها المريض لقول رسول الله : " من تداوى بالخمر فلا شفاه الله ، إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها "
. ويشترط أن يؤدى الشرب إلى السكر ، وهذا ما توافر للجانى الماثل بما
تبينته المحكمة من الأوراق وبالنسبة للقصد الجنائى فإنه توفر بعلم الجانى
أنه شرب خمرا ، ولا يقبل الجهل ممن نشأ فى بلاد المسلمين لأن نشأته بينهم
تجعل العلم بالتحريم مفترضا فيه ، وعلى أى الأوضاع لا يقبل الادعاء بجهل
القانون.
· وحيث
أنه انطلاقا مما نصت عليه المادة الثانية من الدستور من أن " الإسلام دين
الدولة ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع " ومما نصت عليه
المادة السابعة من قانون العقوبات من أنه : " لا تُخِلُّ أحكام هذا
القانون فى أى حال من الأحوال بالحقوق المقررة بالشريعة الغراء " . تقول
المحكمة أنه انطلاقا من هذا وذاك فإن الله قال : ( فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [
النساء : 59 ] وتأسيسا على ما تقدم وكان النص القرآنى ـ بصدد الخمر ـ قاطع
الدلالة على تحريمها ، ومن ثم فإن القرآن : بتعاليمه وأصوله وقواعده أنزله
الله على النبى الكريم محمد ؛ وكلفه بتبليغه للناس كافة ، وبالتالى فإن
الشريعة الإسلامية الغراء فى عمومها ، وشمولها وأصالة قواعدها صالحة لكل
زمان ومكان ، قادرة على حكم الناس جميعهم ـ دينا ودنيا ـ ووضع الحدود
الفاصلة بين الحق والباطل ، والحلال والحرام دستورا ينتظم الجميع فى محبة
وسلام.
· وحيث
أن كل تشريع أو قانون أو حكم يخالف ما جاء به الإسلام : باطل ويجب رده
والاحتكام إلى شريعة الديان هجرا وصدا ونكرانا لشريعة الإنسان ، كما يجب
الأمر بتطبيق الشريعة الإسلامية لزاما ، وليس لأحد أن يبدى رأيا فى وجوب
ذلك ، ولا تقبل مشورة بالتمهل أو التدرج أو التأجيل ، لا بل إن التسويف فى
إقرار القوانين الإسلامية معصية لله ورسوله ، واتباع لطريق الغى والهوى دون
الرشاد والهدى ، وليس أبلغ من الحاجة إلى الرجوع تماما إلى الإسلام الحنيف
، وأن على علماء الأزهر بث الدعوة الإسلامية ونشرها علما وعملا فى كل دروب
الحياة ومسالكها.
· وحيث
أنه وقد استقام ما تقدم فإن مشروع قانون الذى قدم إلى مجلس الشعب بتاريخ
20 / 12 / 1975 ـ وغيره ـ بشأن تعديل قانون العقوبات أو القانون رقم 63 /
1976 ـ تعديلا يصبح بمقتضاه قانونا إسلاميا كاملا قد نص فى المادة 324 منه
على أنه : " يعاقب بالجلد ثمانين جلدة كل مسلم شرب الخمر أو سكر من غيرها "
. ومصدر هذا النص العقابى ما أثر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه
استشار عليا بن أبى طالب كرم الله وجهه فى عقوبة شارب الخمر فقال : " نرى
أن يجلد ثمانين لأنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وحد
المفترى ثمانون جلدة ".
والأصل فى الحدود أنها لا تقبل عفوا ولا إسقاطا إذ هى من حقوق الله
الخالصة ، وليسس للأفراد أو الجماعة إسقاطها أو العفو عنها ، والعقوبة ـ
هنا ـ لا تنفذ على السكران حتى يفيق لأن العقوبة جعلت للتأديب والزجر ،
والسكران لا يشعر تماما بما يحدث له ، وعند التنفيذ يضرب ـ الجانى ـ بسوط
غير يابس ضربا متوسطا ـ ثمانين جلدة ـ لئلا يجرح أو يبرح ، وأن لا يكون
بالسوط عقد فى طرفه حتى لا يصاب الجسم ، ويضرب الجانى قائما ، والمرأة
جالسة ، ويكون الضرب على سائر الأعضاء إلا الوجه والفرج والرأس.
· وحيث أن هذه المحكمة
كانت تهفو إلى أن تطبق حدا من حدود الله على مثل هذا الآثم السكير الذى لم
يدع إلا ولا ذمة إلا وداسها عندما شرب ثم وجد بحالة سكر بين بالطري االعام
، ولئن كانت هذه المحكمة قد غلت يمناها فى مرارة وكمد وهى تفتش عن نص
إسلامى زاجر تطبقه فخرا لها واعتزازا به فلا تجد ، إلا أنه بقى لها أمر ـ
ولا معقب عليها من أحد !
أن تناشد كلا من السيد رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية التوأم ، دون
تردد ولا هوادة ولا لين ، وغبراء لذمتهما أمام الله والناس : إقرار مشروعات
القوانين المقدمة إلى الأخيرة خاصة بحدود الله ، وإخراجها من حيز الطمس
إلى حيز اللمس ، ومن حيز الخنوع إلى نطاق الخضوع لله ، ومن حيز الأدراج إلى
نطاق الإفراج ، ومن حيز التنميق
إلى نطاق التنفيذ ، ومن حيز التنميق إلى حيز التطبيق ، وكل هذا قياسا على
قوانين حماية القيم من العيب رقم 95 / 1980 ، وتعديل قانون الأحوال الشخصية
، وحماية الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى ونص المادة 179 من قانون العقوبات الوضعى ، وغيرها كثير ، وذلك نزولا على قوله تعالى : ( وَأَنِ
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَن يَّفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك ) [ المائدة : 49]
كما تناشد السلطة التنفيذية القابضة على مقاليد الحكم فى البلاد ، ومن
بينها جهاز الشرطة أن تضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه ـ تحت أى
وصف ، ومن خلال أى عذر ـ أن يشرب الخمر وان تضع نصب أعينها أنه لا استثناء
فى قانون الله ، أنه : " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها "
. ومن ثم فأولى بها أن تحارب الشرب شرا فى مكامنه وجذوره فى كل مكان ،
خلقا للانضباط الحق ومنعا للتسيب المهين حتى تكون كلمة الله هى العليا ،
وكلمة الذين كفروا هى السفلى والله عزيز حكيم. وأن عليها أن تحارب السكر
حيث يكون وتضربه وأصحابه فى مكامنه وجذوره ، بما لها من سلطات واستخبارات
سرية لا حد لها شريطة الحصول على إذن مسبق من النيابة العامة فثمة جناة
الخمر لحمتهم والسكر سداهم.
· وحيث
أن النظام القانونى المصرى فى هيكله العام نظاما قانونينا إسلاميا وفقا
للدستور فإنه لا محل فيه إذن لقداسة التشريع الوضعى فى خصوصية حدود الله.
· وحيث أنه متى استقام ما تقدم ومصداقا لقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : 38 ]
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة حضوريا بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل والنفاذ
محكمة جنح قسم بولاق أبو العلا (البلدية)
الدائــرة
محمود عبد الحميد غراب رئيس المحكمة
رمضان عبد الحليم بدر وكيل النائب العام
محمد عبد الحميد نصر أمين السر
جلسة 12 / 12 / 1981
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق