قضية رقم 161 لسنة 31 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، الأول من أبريل سنة 2012م ، الموافق التاسع من جماد الأول سنة 1433 ه.
برئاسة السيد المستشار /عدلي محمود منصور نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين:- على عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفي على جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 161 لسنة 31 قضائية " دستورية ".
المقامة من
السيدة / عطف الله حسن حسين شحاته
ضد
1. السيد رئيس الجمهورية
2. السيد رئيس مجلس الوزراء
3. السيد وزير العدل
4. السيد رئيس مجلس الشعب
5. السيد وزير المالية
الإجراءات
بتاريخ السادس والعشرين من يوليو سنة 2007 ، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (82/1) من قانون المرافعات المدنية والتجارية معدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 فيما انتهى إليه من عبارة " أو لم يحضر الطرفان بعد السير فيها اعتبرت كأن لم تكن " .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 1940 لسنة 2005 ضرائب ،أمام محكمة الجيزة الابتدائية ، ضد المدعى عليه الأخير ، بطلب الحكم بإلغاء قرار لجنة الطعن الضريبى رقم 167 لسنة 2004 ، وندب خبير لتحقيق اعتراضاتها على هذا القرار . ولعدم حضور المدعية للجلسة المحددة لنظر الدعوى بتاريخ 27/11/2006 قررت المحكمة شطب الدعوى ، فقامت المدعية بتجديد السير فيها ، وبالجلسة المحددة لنظرها بتاريخ 22/5/2008 تخلفت عن الحضور ، فقضت المحكمة بجلسة 26/6/2008 باعتبار الدعوى كأن لم تكن . استأنفت المدعية هذا الحكم بالاستئناف رقم 2976 لسنة 125 قضائية ، أمام محكمة استئناف القاهرة ، وأثناء نظر الاستئناف دفعت بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (82) من قانون المرافعات المدنية والتجارية فيما نصت عليه من " أو لم يحضر الطرفان بعد السير فيها اعتبرت كأن لم تكن " ، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (82) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 ، المستبدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 ، تنص على أنه " إذا لم يحضر المدعى ولا المدعى عليه ، حكمت المحكمة فى الدعوى إذا كانت صالحة للحكم فيها ، وإلا قررت شطبها ، فإذا انقضى ستون يومًا ، ولم يطلب أحد من الخصوم السير فيها ، أو لم يحضر الطرفان بعد السير فيها اعتبرت كأن لم تكن ".
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه ، مخالفته لنصوص المواد 40 و64 و68 من دستور سنة 1971 ، على سند من أن النص فى المادة (70) من قانون المرافعات ، أجاز الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن إذا لم تعلن صحيفة افتتاح الدعوى خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إيداعها ، وكان ذلك راجعًا لفعل المدعى ، كما أجاز الحكم فى موضوع الدعوى إذا كانت صالحة للحكم فيها ، فى حين أن النص الطعين قلص المدة فى الحالة الراهنة إلى ستين يومًا فقط ، وألزم القاضى بإيقاع الجزاء ولو كان التخلف عن الحضور لأسباب قهرية ، ودون أن يعطيه حق الفصل فى موضوع الدعوى إذا كانت صالحة للحكم فيها ، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة وتقييدًا لحق التقاضى ، وإهدارًا لمبدأ سيادة القانون .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . لما كان ذلك ، وكانت المدعية تبغى من دعواها الحكم بعدم دستورية النص الطعين فيما تضمنه الشطر الأخير من عجز الفقرة الأولى من المادة (82) من قانون المرافعات من عبارة " أو لم يحضر الطرفان بعد السير فيها اعتبرت كأن لم تكن " ، ومن ثم فإن مصلحتها الشخصية المباشرة تكون متحققة فى الطعن على النص فى هذا النطاق فقط ، بحسبان أن الفصل فى دستوريته سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين ، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور ، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره ، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه ، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم ، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال أحكام الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس سنة 2011 باعتباره الوثيقة الدستورية التى تحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية وإلى أن يتم الانتهاء من إعداد الدستور الدائم وإقراره.
وحيث إن مبنى الطعن مخالفة النص المطعون عليه لأحكام المواد ( 40 و64 و68 ) من دستور سنة 1971 ، وكان نص المادتين ( 40 و68 ) يتطابق تمامًا مع نص المادتين (7 و21) من الإعلان الدستورى المشار إليه ، وأن نص المادة (64) من دستور سنة 1971 ، والتى تقضى بأن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة ، تتوافق مع ما جاء بنص المادة (25) من الإعلان الدستورى التى تنص على أن " رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية ، ويسهر على تأكيد سيادة الشعب وعلى احترام الدستور وسيادة القانون".
وحيث إن البين من نص الفقرة الأولى من المادة (82) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليه ، المستبدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 ، أن المشرع ردد فيه ما ورد بقوانين المرافعات السابقة فيما يتعلق بنظام شطب الدعوى ، وأضاف إليه ما ورد بالشطر الأخير من عجز تلك الفقرة متعلقًا بمسار الدعوى بعد الحكم لأول مرة بشطبها من أنه إذا انقضى ستون يومًا من تاريخ الشطب ولم يطلب أحد الخصوم السير فيها ، أو لم يحضر الطرفان بعد السير فيها اعتبرت الدعوى كأن لم تكن ، وذلك لمواجهة ما قد يعمد إليه بعض المتقاضين من إطالة أمد النزاع بالتغيب عن الحضور بعد تجديد الدعوى من الشطب.
وحيث إنه من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن مبدأ المساواة ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية ، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها ، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء . وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير ، لتنظيم موضوع محدد ، وأن تغاير _ من خلال هذا التنظيم ، ووفقًا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها ، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها ، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة ، ولا ينقض محتواه ، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها ، بالأغراض المشروعة التى يتوخاها ، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها ، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا ، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًا ، وأن مبدأ خضوع الدولة للقانون ، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر صونها مفترضًا أوليًا لقيام الدولة القانونية.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيمه لحق التقاضى – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة _ أنها سلطة تقديرية ، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه ، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها ، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا ، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض فى شأن مباشرتها ضوابط محدده تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها ، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها ، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها ، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها ، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها ، وبما لا يصل إلى إهداره ليظل هذا التنظيم مرنًا ، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها ، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها ، بل بين هذين الأمرين قوامًا ، التزامًا بمقاصدها ، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالاً . ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل فى القضايا ، غايتها أن يتم الفصل فى الخصومة القضائية – بعد عرضها على قضاتها – خلال فترة زمنية ، لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول ، ولا يكون قصرها متناهيًا . إذ كان ذلك ، وكان المشرع قد عمد إلى تعديل المادة (82) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بموجب القانون رقم 23 لسنة 1992 ، لتقصير المدة التى تبقى فيها الدعوى قائمة بعد شطبها ، من ستة أشهر إلى ستين يومًا ، تحفيزًا للخصوم على تعجيل السير فيها ، ومنعًا من تراكم الدعاوى أمام القضاء ، حسبما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون من اعتباره ميعادًا معقولاً يتناسب والجدية المطلوبة فى إجراءات التقاضى وطرق باب العدالة . كما أن الجزاء الذى رتبه القانون باعتبار الدعوى كأن لم تكن – بعد تجديدها من الشطب – يحول بين بعض الخصوم واتخاذهم من الشطب وتكراره وسيلة لتأجيل الفصل فى الدعوى ، وتعليق مصيرها بما يرهق المتقاضى ويخل بوظيفة القضاء . وهو جزاء يتناسب والنظر إلى الدعوى كوسيلة للحماية القضائية ، ينقضى الحق فيها بانقضاء ستين يومًا دون أن يطلب أحد الخصوم السير فيها ، أو دون حضور أى من طرفيها بعد السير فيها . وكان النص فى المادة (70) من قانون المرافعات المدنية والتجارية يعالج حالة أخرى تتعلق بعدم إعلان صحيفة افتتاح الدعوى ذاتها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إيداعها ، وجعل الجزاء باعتبارها كأن لم تكن جوازيًا وبناء على طلب المدعى عليه ، إذا كان ذلك راجعًا إلى فعل المدعى ، فإن المغايرة ، التى اتخذها المشرع فى تقرير الجزاء على هاتين الحالتين ، يكون قائمًا على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التى توخاها ، ومن ثم تنتفى قالة الإخلال بحق التقاضى أو مبدأى المساواة و سيادة القانون.
وحيث إنه متى كان ما تقدم ، فإن النص المطعون فيه لا يعد مخالفًا لأحكام المواد ( 7 و21 و25 ) من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 من مارس سنة 2011 ، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق