الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 يوليو 2023

الطعن 32884 لسنة 86 ق جلسة 2 / 1 / 2019 مكتب فني 70 ق 1 ص 17

جلسة 2 من يناير سنة 2019

برئاسة السيد القاضي / أحمد عمر محمدين نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / حمدي ياسين، قدري عبد الله ومحمد طنطاوي نواب رئيس المحكمة وعلي لبيب .

------------------

(1)

الطعن رقم 32884 لسنة 86 القضائية

(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .

بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .

مثال .

(2) تجمهر . اتفاق . حكم  " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

جريمة التجمهر المؤثمة بالمادتين الثانية والثالثة من القانون 10 لسنة 1914 . شروط قيامها ؟

قيام اتفاق سابق بين المتجمهرين . غير لازم لتوافر جريمة التجمهر . علة ذلك ؟

استظهار الحكم العناصر الجوهرية لقيام جريمة التجمهر والتدليل على توافر الاتفاق بين الطاعن والمتجمهرين . النعي عليه بخلاف ذلك . غير مقبول .

(3) اتفاق . فاعل أصلي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

تدليل الحكم بما يسوغ ثبوت اتفاق الطاعن وباقي المحكوم عليهم على ارتكاب الجرائم التي دين بها . كفايته لاعتبارهم فاعلين أصليين . تحديد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهم على حدة . غير لازم . أساس ذلك ؟

(4) عقوبة " عقوبة الجريمة الأشد " . نقض " المصلحة في الطعن " .

اعتبار الحكم الجرائم المُسندة للطاعن مُرتبطة وإيقاع العقوبة المُقرَّرة لأشدها عليه . النعي على الحكم بشأن ما عداها من جرائم . غير مجد .

(5) محكمـة الموضـوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .

وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .

أخذ المحكمة بشهادة شاهد . مفاده ؟

إمساك الضابط عن الإدلاء بأسماء أفراد القوة المصاحبة له . لا ينال من سلامة أقواله .

تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض .

(6) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

للمحكمة التعويل على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . عدم إفصاح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو وسيلته في التحري . لا يعيبها .

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض .

(7) قانون " تفسيره " . قرارات وزارية . مأمورو الضبط القضائي " اختصاصاتهم " . دفوع " الدفع ببطلان التحريات " .

المادة 23 إجراءات جنائية . مفادها ؟

قرار وزير الداخلية بإلغاء قطاع مباحث أمن الدولة الصادر نفاذاً للقانون 109 لسنة 1971 في شأن نظام هيئة الشرطة . تنظيمي . لا يمس صفة الضبطية القضائية لأعضاء القطاع في دوائر اختصاصهم . دفع الطاعن ببطلان تحريات جهاز الأمن الوطني لعدم نشر قرار إنشائه بالجريدة الرسمية . غير مقبول . أثر ذلك ؟

(8) دستور . تظاهر . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . قانون " سريانه " .  

المادة 24 من الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 8 يوليو 2013 . مفادها ؟

خلو دستور 2014 من نص بإلغاء القوانين واللوائح الصادرة قبل صدوره . أثره : نفاذ قانون التظاهر 107 لسنة 2013 الصادر من رئيس الجمهورية . نعي الطاعن ببطلان القانون لعدم عرضه علي مجلس الشعب . غير مقبول .

(9) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . إثبات " بوجه عام " . تجمهر . تظاهر .

لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه . ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق .

إثبات الجرائم باختلاف أنواعها بما فيها جرائم الإرهاب والتجمهر والتظاهر . جائز بكافة الطرق القانونية . حد ذلك ؟

(10) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إثبات " بوجه عام " .  محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .  نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

الدفع بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .

بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام النقض .

(11) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إثبات " معاينة " .

النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها . غير مقبول .

طلب المعاينة الذي لا يتجه إلي نفي الفعل أو إثبات استحالة حصوله . دفاع موضوعي . عدم التزام المحكمة بإجابته .

(12) دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .  

التفات الحكم عن دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش الظاهر البطلان . لا يعيبه . متى انتهى إلى قيام حالة التلبس في حقه .

(13) قبض . نقض " المصلحة في الطعن"  .

نعي الطاعن عدم عرضه على النيابة خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليه . غير مجدٍ . حد ذلك ؟    

(14) إثبات " أوراق رسمية " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . 

الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . حد ذلك ؟

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض .

(15) قانون " تفسيره " . نيابة عامة . دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " .

المواد 69 و 199 و 206 و 206 مكرراً إجراءات جنائية . مفادهم ؟

الدفع ببطلان تحقيقات النيابة العامة لعدم إجرائها من رئيس بها . غير مقبول . ما دام مجريها أياً كانت درجته قد باشرها في نطاق سلطات النيابة دون سلطات قاضي التحقيق .

(16) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . استدلالات . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم . موضوعي . أخذ المحكمة بتصوير الشاهدين للواقعة بالنسبة للطاعن دون من قضت ببراءته . صحيح . علة ذلك ؟

لمحكمة الموضوع أن تعوّل على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لِمَا ساقته من أدلة . لها الأخذ بما تطمئن إليه منها واطراح ما عداه . علة ذلك ؟

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بقوله : ( إنه بتاريخ .... اشترك المتهمون في تظاهرة بدون إذن من الجهة المختصة ترتب عليها إخلال بالأمن العام وقطع الطريق أمام المارة وتعطيل مصالح المواطنين وتعطيل حركة المرور مطلقين الأعيرة النارية وإلقاء زجاجات المولوتوف والحجارة في مواجهة قوات الشرطة وسيارات المواطنين الخاصة ، وتم ضبط كل من المتهمين الأول والثاني وبحوزة كل منهما عصا حديدية ولافتة بينما تمكن الباقون من الفرار قبل تمكن قوات الشرطة من القبض عليهم ) ، ثم أورد على ثبوت الواقعة وصحة إسنادها إلى المتهمين على هذه الصورة أدلة استقاها من أقوال النقيب .... والنقيب .... . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، لما كان ما تقدم ، فإن الحكم يكون قد بين واقعة الدعوى – على نحو ما سلف – بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيــــق البحث لتعرف الحقيقة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، بما يكون نعي الطاعن على الحكم بالقصور في هذا الشأن غير سديد .

2- لما كانت المادتان الثانية والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر قد حددتا شروط قيامه قانوناً في أن يكون مؤلفاً من خمسة أشخاص على الأقل وأن يكون الغرض منه ارتكاب جريمة أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو التأثير على السلطات في أعمالهم أو حرمان شخص من حرية العمل باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها ، ولما كان يشترط إذن لقيام جريمة التجمهر المؤثمة بالمادتين آنفتي الذكر اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى مقارفة الجرائم التي وقعت تنفيذاً لهذا الغرض ، وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور ، وأن تكون الجرائم التي ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدي إليها السير الطبيعي للأمور وقد وقعت جميعها حال التجمهر ، ولا يشترط لتوافر جريمة التجمهر وجوب قيام اتفاق سابق بين المتجمهرين إذ أن التجمع قد يبدأ بريئاً ثم يطرأ عليه ما يجعله معاقباً عليه نتيجة نية المشتركين فيه إلى تحقيق الغرض الإجرامي الذي يهدفون إليه مع علمهم بذلك . لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل بوضوح على توافر العناصر الجوهرية السالف بيانها في حق الطاعن وكان ما أورده في مجموعه ينبئ بجلاء على ثبوتها في حقه وكانت دلالة ما استظهره الحكم في مدوناته كافياً لبيان أركان جريمة التجمهر على ما هي معرفة به في القانون ، فإن نعي الطاعن عليه بعدم التدليل على اتفاقه مع باقي المتجمهرين ودوره في الجرائم التي ارتكبت وتوافر جريمة التجمهر والأفعال التي وقعت وأماكنها والجناة وصلتهم بهم يكون غير سديد .

3- لما كان الحكم قد حدد في بيان كاف – على ما تقدم – الأفعال التي قارفها الطاعن بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دين بها ، إذ أثبت وجوده والمحكوم عليهم الآخرين على مسرح الجريمة وقت مقارفتها واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وصدور الجريمة عن باعث واحد وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين ، وكان ليس بلازم والحال كذلك أن يحدد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهم على حدة ، فإن النعي المثار في هذا الصدد يكون غير سديد .

4- لما كان الحكم قد اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، واعتبرها كلها جريمة واحدة وأوقع عليهم العقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم وهي جريمة الترويج بالقول والصياح والهتاف في جمهورية مصر العربية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية ولقلب نظم الدولة الأساسية والاجتماعية والاقتصادية بعد أن بين أركانها وأثبت توافرها في حق الطاعن وسلم مما نعاه بشأنها ، ومن ثم فلا جدوى مما ينعاه على ما عداها من الجرائم التي دين بها ، ويضحى النعي في هذا الشأن غير مقبول .

5- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن إمساك الضابط عن ذكر أسماء القوة المرافقة له عند الضبط لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، وكان من المقرر أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، كما هو الشأن في الدعوى الماثلة ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن أقوال الضابط وصحة تصويره للواقعة لا يعدو أن يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى مما لا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض .

6- لما كان لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها بالإدانة على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، ولا يعيبها عدم الكشف عن مصدرها أو وسيلة التحري ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط التحريات على النحو الذي شهد به ورد بما يسوغ على الدفع بعدم جديتها ، فإن منازعة الطاعن في ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها في شأنه لدى محكمة النقض ، بما يكون معه النعي في هذا الصدد غير سديد .

7- لما كان ما يثيره الطاعن ببطلان التحريات التي أجراها الشاهد الثاني ضابط الأمن الوطني لعدم الإعلان عن القرار بإنشاء جهاز الأمن الوطني بالجريدة الرسمية ، فضلاً عن إنه لم يثره بمحاضر جلسات المحاكمة ، فهو قول غير سديد تأسيساً على ما جاء بصريح نص المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية : ( يكون من مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم 1-.... 2- ضباط الشرطة وأمناؤها ) ، وقد نص قرار وزير الداخلية رقم 445 لسنة 2011 على : ( مادة ( 1 )  يلغي قطاع مباحث أمن الدولة .... ينشأ قطاع جديد بمسمي قطاع الأمن ... يختص بالحفاظ على الأمن الوطني والتعاون مع أجهزة الدولة المعنية لحماية وسلامة الجبهة الداخلية وجمع المعلومات ومكافحة الإرهاب وذلك وفقاً لأحكام الدستور والقانون ) ، الأمر الذي يستفاد منه أنه محض قرار نظامي لا يشتمل على ما يمس أحكام قانون الإجراءات وليس فيه ما يخول وزير الداخلية حق إصدار قرارات بمنح صفة الضبط القضائي أو سلب أو تقيد هذه الصفة عن ضابط معين بالنسبة إلى نوع أو أنواع معينة من الجرائم ، كما أن المادة الثالثة من مواد الإصدار في القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن نظام هيئة الشرطة لم تخول لوزير الداخلية سوى سلطة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذ أحكامه وهي جميعها أحكام نظامية لا شأن لها بأحكام الضبط القضائي التي تكفل قانون الإجراءات الجنائية بتنظيمها ، وكانت نصوص القوانين كذلك قد خلت من ثمة جزاء على عدم نشرها ، ومن ثم فأعضاء القطاع ضباط شرطة يتمتعون بصفة الضبطية القضائية في دوائر اختصاصهم وفق نص الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون السالف وتضحى التحريات التي يقومون بها في دوائر المحافظة التي يعملون بها صحيحة .

8- لما كان ما يثيره الطاعن ببطلان قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013 لعدم عرضه على مجلس الشعب إعمالاً لنص المادة 156 من دستور 2014 فضلاً عن إنه لم يثره بمحاضر جلسات المحاكمة ، فهو قول غير سديد تأسيساً على ما تضمنه الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 8 يوليو لسنة 2013 من تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد كرئيس لجمهورية مصر العربية مؤقتاً وله في سبيل ذلك طبقاً لنص المادة الرابعة والعشرين من الإعلان الدستوري آنف البيان مباشرة السلطات والاختصاصات الاتية 1- التشريع بعد أخذ رأي مجلس الوزراء وتنتقل سلطة التشريع لمجلس النواب فور انتخابه – والذي قام بدوره بإصداره كما وخلا الدستور الصادر في 18/1/2014 والمعمول بأحكامه إلى هذا الوقت – من نص بإلغاء كافة القوانين واللوائح الصادرة قبل صدور هذا الدستور صحيحة ونافذة ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد .

9- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان الأصل أن الجرائم على اختلاف أنواعها – إلا ما استثني بنص خاص – جائز إثباتها بكافة الطرق القانونية ومنها البينة وقرائن الأحوال ، وأن جرائم الاشتراك في تجمهر الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص وتخريب الممتلكات العامة والخاصة باستعمال القوة والعنف والترويج بالقول والهتافات في جمهورية مصر العربية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية والجهر والصياح مرددين هتافات عدائية ضد مؤسسات الدولة والاشتراك في تظاهرة دون إخطار مسبق التي دين الطاعن بها لا يشملها استثناء فإنه يجري عليها ما يجري على سائر المسائل الجنائية من طرق الإثبات ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ استدل على نسبة هذه الجرائم إلى الطاعن من أقوال الشاهدين فإن استدلاله يكون سائغاً ومن شأنه أن يؤدي إليه .

10- لما كان ما ينعاه الطاعن بالتفات الحكم عن دفاعه بشأن خلو الأوراق من معاينة للشرطة أو النيابة العامة أو تقارير فنية تفيد وجود آثار مقذوفات أو حرائق أو تلفيات أو بلاغات بقطع الطريق مما ينبئ عن تلفيق الاتهام وانقطاع صلته بالواقعة والأحراز المزعوم ضبطها مردوداً بما هو مقرر من أن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .

11- لما كان المدافع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة سائر طلبات التحقيق التي أشار إليها بأسباب طعنه ، فليس له من بعد أن ينعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلب منها ، ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً ، فضلاً عن إنه من المقرر أن طلب المعاينة إذا كان لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة ، فإن مثل هذا الطلب يعد دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته .

12- لما كان البين من مدونات الحكم أنه انتهى – على ما سلف بيانه – إلى قيام حالة التلبس بالجريمة في حق الطاعن ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ومن ثم فإنه لا يعيبه التفاته عن الرد على دفاعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه وما ترتب عليهما لانتفاء حالة التلبس طالما أنه – في صورة الدعوى – دفع قانوني ظاهر البطلان .

13- لما كان لا جدوى مما يثيره الطاعن من عدم عرضه على النيابة العامة في خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليه – بفرض صحته – طالما أنه لا يدعي أن هذا الإجراء قد أسفر عن دليل منتج من أدلة الدعوى ، ومن ثم فإن هذا الوجه من النعي لا يكون مقبولاً.

14- من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ولمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعن من إعراض الحكم عن المستندات التي قدمها – البرقية التلغرافية – تدليلاً على صحة دفعه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة وفي استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض .

15- من المقرر أن النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل بالتحقيق الابتدائي في جميع الجرائم - م 199 من قانون الإجراءات الجنائية - واستثناء يجوز ندب قاضي للتحقيق في جريمة معينة أو جرائم من نوع خاص ومتى أحيلت الدعوى إليه كان مختصاً دون غيره بتحقيقها - م 69 إجراءات - وحدد القانون إجراءات التحقيق التي يختص بها قاضي التحقيق والتي يحظر على أعضاء النيابة العامة اتخاذ أي إجراء فيها قبل الحصول مقدماً على إذن مسبب من القاضي الجزئي وليس التحقيق من بين هذه الإجراءات ، ومن ثم يظل عضو النيابة العامة أياً كان درجته هو صاحب الاختصاص الأصيل في مباشرة التحقيق في جميع الجرائم ومن بينها جرائم أمن الدولة من جهة الخارج ومن جهة الداخل عدا الجرائم التي يختص قاضي التحقيق بتحقيقها م 206 مكرراً ولأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل إضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة سلطات قاضي التحقيق في تحقيق جرائم أمن الدولة المشار إليها آنفاً م 206 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، وإذ كان يبين من مدونات الحكم أن إجراءات التحقيق التي باشرها وكيل النيابة في القضية ليس فيها مما يدخل في اختصاصات قاضي التحقيق إنما باشرها وكيل النيابة في نطاق سلطات النيابة العامة دون سلطات قاضي التحقيق فإن دعوى بطلان التحقيقات لهذا السبب لا يكون له وجه .

16- من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر ، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهدين وأخذت بتصويرهما للواقعة بالنسبة للطاعن وحده دون المتهمين الآخرين، الذي قضت ببراءتهما ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ، كما أن لها أن تعول في عقديتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ، فإن ما يثار في هذا الشأن لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائـع

اتهمت النيابة العامة كلاً من 1- .... " طاعن " ، 2- .... ، 3- .... ، 4- .... ، 5- .... ، 6- .... ، 7- .... ، 8- .... ، 9- .... ، 10- .... ، 11- .... ، 12- .... ، 13- .... ، 14- .... ، 15- .... ، 16- ..... ، 17- .... ، 18- .... ، 19- .... ، 20- .... ، 21- .... ، 22- .... ، 23- .... ، 24- .... ، 25- .... ، 26- .... ، 27- .... ، 28- .... ، 29- .... ، 30- .... بأنهم : (1) انضموا إلى جماعة تأسست على خلاف أحكام القانون ( جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ) الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور ( الإعلان الدستوري الصادر في .... والمعمول به اعتباراً من .... ) والقوانين ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة أعمالها وشاركوا في الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين وغيرها من الحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون وأضروا بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي مع علمهم بأغراضها وكان الإرهاب هو الوسيلة التي استخدموها في تحقيق تلك الأغراض على النحو المبين بالتحقيقات .
(2) اشتركوا وآخرون مجهولون في تجمهر الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص وتخريب الممتلكات العامة والخاصة وكان ذلك باستعمال القوة والعنف وقد وقعت منهم تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر مع علمهم به الجرائم الآتية : - )أ) روجوا بالقول والكتابة لأغراض جماعة تأسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وكان الإرهاب وسيلتها في تحقيق تلك الأغراض على النحو المبين بالتحقيقات . )ب) حازوا وأحرزوا بالذات وبالواسطة محررات ومطبوعات تتضمن ترويجاً لما تقدم ذكره بالوصف السابق من أغراض وكانت معدة للتوزيع واطلاع الغير عليها على النحو المبين بالتحقيقات .

(ج) روجوا وآخرون مجهولون بالقول والهتاف لتغيير مبادئ الدستور الأساسية ولقلب نظم الدولة الأساسية والاجتماعية والاقتصادية باستعمالهم القوة والإرهاب على النحو المبين بالتحقيقات . (د) حازوا وأحرزوا بالذات وبالواسطة محررات ومطبوعات تتضمن ترويجاً لما ذكر بالوصف السابق وكانت معدة للتوزيع واطلاع الغير عليها على النحو المبين بالتحقيقات . (ه) جهروا بالصياح لإثارة الفتن بين طوائف الشعب على النحو المبين بالتحقيقات . (و) أذاعوا وآخرون مجهولون عمداً أخباراً وبيانات وإشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة . (ز) حازوا بالذات وبالواسطة محررات ومطبوعات تتضمن ما نص عليه الوصف السابق حال كونها معدة للتوزيع ولاطلاع الغير عليها على النحو المبين بالتحقيقات . (ح) حازوا وأحرزوا أدوات ( عصي ) مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة الشخصية أو الحرفية .

(3) اشتركوا وآخرون مجهولون في تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة بها وكان ذلك بهدف الإخلال بالأمن والنظام العام وتعطيل مصالح المواطنين وقطع الطرق والمواصلات العامة وتعطيل حركة المرور على النحو المبين بالتحقيقات .

وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول والثاني والتاسع عشر وغيابياً للباقين عملاً بالمواد 39 ، 40 ، 41 ، 98 ب/1 ، 102 من قانون العقوبات ، والمواد 1 ، 2/1 ، 3/1 ، 2 ، 3 مكرراً/1 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر المعدل والمواد 1 ، 4 ، 7 ، 8 ، 16 ، 17 ، 19 ، 21 من القانون رقم 107 لسنة 2013 ، والمواد 2/1 ، 95 ، 111 ، 122/2 من القانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن الطفل المعدل - وبعد تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات ، أولاً : ببراءة كلٍ من/ .... و .... مما نسب إليهما ، ثانياً : بمعاقبة باقي المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وغرامة مائتي جنيهاً وألزمتهم المصاريف الجنائية عدا المتهم الخامس عشر الطفل ، بعد أن عدلت وصف الاتهام بجعله أن المحكوم عليهم في الزمان والمكان ذاتهما سالفي الذكر: (1) اشتركوا وآخرون مجهولون في تجمهر الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص وتخريب الممتلكات العامة والخاصة وكان ذلك باستعمال القوة والعنف وقد وقعت منهم تنفيذاً للغرض المقصود بالتجمهر مع علمهم به الجرائم الآتية :
(أ) روجوا وآخرون مجهولون بالقول والهتاف في جمهورية مصر العربية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية ولقلب نظم الدولة الأساسية والاجتماعية والاقتصادية ملحوظاً في ذلك استعمالهم القوة والإرهاب على النحو المبين بالتحقيقات . (ب) جهروا وآخرون مجهولون بالصياح مرددين هتافات عدائية ضد مؤسسات الدولة وذلك لإثارة الفتن بين طوائف الشعب . (2) اشتركوا وآخرون مجهولون في تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة بها وكان ذلك بهدف الإخلال بالأمن والنظام العام وتعطيل مصالح المواطنين وقطع الطرق والمواصلات وتعطيل حركة المرور على النحو المبين بالتحقيقات .

فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه إذ دانه بجرائم الاشتراك في تجمهر الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص وتخريب الممتلكات العامة والخاصة باستعمال القوة والعنف والترويج بالقول والهتافات في جمهورية مصر العربية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية والجهر بالصياح مرددين هتافات عدائية ضد مؤسسات الدولة ، والاشتراك في تظاهرة غير مصرح بها ، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وران عليه البطلان ؛ ذلك أنه حرر في عبارات عامة معماة وبصورة مبتسرة ، ولم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها بياناً تتحقق به كافة أركان الجرائم التي دانه بها ، ولم يدلل على توافر أركان جريمة التجمهر في حقه وماهية الأفعال التي قارفها ودوره فيها ، ولم يدلل على توافر الاتفاق فيما بينه وبين المتهمين الآخرين على ارتكابها ، وعول على أقوال ضابطي الواقعة رغم تناقضها واستحالة تصوير الشاهد الأول لها وانفراده بالشهادة وحجبه أفراد القوة المرافقة له عنها وعدم جدية تحريات الثاني كونها مجهولة المصدر وبطلانها لعدم الإعلان عن إنشاء جهاز الأمن الوطني بالجريدة الرسمية مطرحاً بما لا يسوغ دفعه بعدم جديتها ، وبطلان قانون التظاهر لعدم عرضه على مجلس النواب خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس ، وخلت الأوراق من أي دليل يقيني قبله سيما وأنها قد خلت من معاينة للشرطة أو النيابة العامة أو تقارير فنية تفيد وجود آثار مقذوفات أو حرائق أو تلفيات أو بلاغات بقطع الطريق مما ينبئ عن تلفيق الاتهام وانقطاع صلته بالواقعة والأحراز المزعوم ضبطها ملتفتاً عن دفعه المثار في هذا الشأن ، ولم تجر المحكمة تحقيقاً بشأن ذلك كله ، واطرح الحكم بما لا يسوغ دفعه ببطلان القبض عليه لعدم حصوله في حالة تلبس لشواهد عددها ولعدم عرضه على النيابة العامة في الميعاد القانوني بدلالة التلغرافات المرسلة من أهليته والتي التفتت عنها المحكمة ، وبطلان تحقيقات النيابة العامة لعدم إجرائها من رئيس نيابة بالمخالفة لنص المادة 206 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، هذا إلى أن المحكمة أسست قناعتها على رأي لسواها وليس على عقيدة استقلت هي بتحصيلها بنفسها بأن اتخذت من أقوال ضابطي الواقعة دليلاً أساسياً في الإدانة ثم عادت وأهدرتها بشأن المتهمين اللذين قضت ببراءتهما مما يصم تدليلها بالتناقض واختلال الواقعة في ذهن المحكمة . كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بقوله : ( إنه بتاريخ .... اشترك المتهمون في تظاهرة بدون إذن من الجهة المختصة ترتب عليها إخلال بالأمن العام وقطع الطريق أمام المارة وتعطيل مصالح المواطنين وتعطيل حركة المرور مطلقين الأعيرة النارية وإلقاء زجاجات المولوتوف والحجارة في مواجهة قوات الشرطة وسيارات المواطنين الخاصة ، وتم ضبط كل من المتهمين الأول والثاني وبحوزة كل منهما عصا حديدية ولافتة بينما تمكن الباقون من الفرار قبل تمكن قوات الشرطة من القبض عليهم ) ، ثم أورد على ثبوت الواقعة وصحة إسنادها إلى المتهمين على هذه الصورة أدلة استقاها من أقوال النقيب .... والنقيب .... . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، لما كان ما تقدم ، فإن الحكم يكون قد بين واقعة الدعوى – على نحو ما سلف – بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، بما يكون نعي الطاعن على الحكم بالقصور في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت المادتان الثانية والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر قد حددتا شروط قيامه قانوناً في أن يكون مؤلفاً من خمسة أشخاص على الأقل وأن يكون الغرض منه ارتكاب جريمة أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو التأثير على السلطات في أعمالهم أو حرمان شخص من حرية العمل باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها ، ولما كان يشترط إذن لقيام جريمة التجمهر المؤثمة بالمادتين آنفتي الذكر اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى مقارفة الجرائم التي وقعت تنفيذاً لهذا الغرض ، وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور ، وأن تكون الجرائم التي ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدي إليها السير الطبيعي للأمور وقد وقعت جميعها حال التجمهر ، ولا يشترط لتوافر جريمة التجمهر وجوب قيام اتفاق سابق بين المتجمهرين إذ أن التجمع قد يبدأ بريئاً ثم يطرأ عليه ما يجعله معاقباً عليه نتيجة نية المشتركين فيه إلى تحقيق الغرض الإجرامي الذي يهدفون إليه مع علمهم بذلك . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بوضوح على توافر العناصر الجوهرية السالف بيانها في حق الطاعن وكان ما أورده في مجموعه ينبئ بجلاء على ثبوتها في حقه وكانت دلالة ما استظهره الحكم في مدوناته كافية لبيان أركان جريمة التجمهر على ما هي معرفة به في القانون ، فإن نعي الطاعن عليه بعدم التدليل على اتفاقه مع باقي المتجمهرين ودوره في الجرائم التي ارتكبت وتوافر جريمة التجمهر والأفعال التي وقعت وأماكنها والجناة وصلتهم بهم يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد حدد في بيان كاف – على ما تقدم – الأفعال التي قارفها الطاعن بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دين بها ، إذ أثبت وجوده والمحكوم عليهم الآخرين على مسرح الجريمة وقت مقارفتها واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وصدور الجريمة عن باعث واحد وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين ، وكان ليس بلازم والحال كذلك أن يحدد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهم على حدة ، فإن النعي المثار في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، واعتبرها كلها جريمة واحدة وأوقع عليهم العقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم وهي جريمة الترويج بالقول والصياح والهتاف في جمهورية مصر العربية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية ولقلب نظم الدولة الأساسية والاجتماعية والاقتصادية بعد أن بين أركانها وأثبت توافرها في حق الطاعن وسلم مما نعاه بشأنها ، ومن ثم فلا جدوى مما ينعاه على ما عداها من الجرائم التي دين بها ، ويضحى النعي في هذا الشأن غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن إمساك الضابط عن ذكر أسماء القوة المرافقة له عند الضبط لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، وكان من المقرر أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، كما هو الشأن في الدعوى الماثلة ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن أقوال الضابط وصحة تصويره للواقعة لا يعدو أن يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى مما لا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها بالإدانة على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، ولا يعيبها عدم الكشف عن مصدرها أو وسيلة التحري ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط التحريات على النحو الذي شهد به ورد بما يسوغ على الدفع بعدم جديتها ، فإن منازعة الطاعن في ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها في شأنه لدى محكمة النقض ، بما يكون معه النعي في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن ببطلان التحريات التي أجراها الشاهد الثاني ضابط الأمن الوطني لعدم الإعلان عن القرار بإنشاء جهاز الأمن الوطني بالجريدة الرسمية ، فضلاً عن إنه لم يثره بمحاضر جلسات المحاكمة ، فهو قول غير سديد تأسيساً على ما جاء بصريح نص المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية : ( يكون من مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم 1- .... 2- ضباط الشرطة وأمناؤها ) ، وقد نص قرار وزير الداخلية رقم 445 لسنة 2011 على : ( مادة ( 1 )  يلغي قطاع مباحث أمن الدولة .... ينشأ قطاع جديد بمسمي قطاع الأمن ... يختص بالحفاظ على الأمن الوطني والتعاون مع أجهزة الدولة المعنية لحماية وسلامة الجبهة الداخلية وجمع المعلومات ومكافحة الإرهاب وذلك وفقاً لأحكام الدستور والقانون ) ، الأمر الذي يستفاد منه أنه محض قرار نظامي لا يشتمل على ما يمس أحكام قانون الإجراءات وليس فيه ما يخول وزير الداخلية حق إصدار قرارات بمنح صفة الضبط القضائي أو سلب أو تقيد هذه الصفة عن ضابط معين بالنسبة إلى نوع أو أنواع معينة من الجرائم ، كما أن المادة الثالثة من مواد الإصدار في القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن نظام هيئة الشرطة لم تخول لوزير الداخلية سوى سلطة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذ أحكامه وهي جميعها أحكام نظامية لا شأن لها بأحكام الضبط القضائي التي تكفل قانون الإجراءات الجنائية بتنظيمها ، وكانت نصوص القوانين كذلك قد خلت من ثمة جزاء على عدم نشرها ، ومن ثم فأعضاء القطاع ضباط شرطة يتمتعون بصفة الضبطية القضائية في دوائر اختصاصهم وفق نص الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون السالف وتضحى التحريات التي يقومون بها في دوائر المحافظة التي يعملون بها صحيحة . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن ببطلان قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013 لعدم عرضه على مجلس الشعب إعمالاً لنص المادة 156 من دستور 2014 فضلاً عن إنه لم يثره بمحاضر جلسات المحاكمة ، فهو قول غير سديد تأسيساً على ما تضمنه الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 8 يوليو لسنة 2013 من تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد كرئيس لجمهورية مصر العربية مؤقتاً وله في سبيل ذلك طبقاً لنص المادة الرابعة والعشرين من الإعلان الدستوري آنف البيان مباشرة السلطات والاختصاصات الاتية 1- التشريع بعد أخذ رأي مجلس الوزراء وتنتقل سلطة التشريع لمجلس النواب فور انتخابه - والذي قام بدوره بإصداره كما وخلا الدستور الصادر في 18/1/2014 والمعمول بأحكامه إلى هذا الوقت – من نص بإلغاء كافة القوانين واللوائح الصادرة قبل صدور هذا الدستور صحيحة ونافذة ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان الأصل أن الجرائم على اختلاف أنواعها – إلا ما استثني بنص خاص – جائز إثباتها بكافة الطرق القانونية ومنها البينة وقرائن الأحوال ، وأن جرائم الاشتراك في تجمهر الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص وتخريب الممتلكات العامة والخاصة باستعمال القوة والعنف والترويج بالقول والهتافات في جمهورية مصر العربية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية والجهر والصياح مرددين هتافات عدائية ضد مؤسسات الدولة والاشتراك في تظاهرة دون إخطار مسبق التي دين الطاعن بها لا يشملها استثناء فإنه يجري عليها ما يجري على سائر المسائل الجنائية من طرق الإثبات ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ استدل على نسبة هذه الجرائم إلى الطاعن من أقوال الشاهدين فإن استدلاله يكون سائغاً ومن شأنه أن يؤدي إليه . لما كان ذلك ، وكان ما ينعاه الطاعن بالتفات الحكم عن دفاعه بشأن خلو الأوراق من معاينة للشرطة أو النيابة العامة أو تقارير فنية تفيد وجود آثار مقذوفات أو حرائق أو تلفيات أو بلاغات بقطع الطريق مما ينبئ عن تلفيق الاتهام وانقطاع صلته بالواقعة والأحراز المزعوم ضبطها مردوداً بما هو مقرر من أن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أن المدافع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة سائر طلبات التحقيق التي أشار إليها بأسباب طعنه ، فليس له من بعد أن ينعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلب منها ، ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً ، فضلاً عن إنه من المقرر أن طلب المعاينة إذا كان لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة ، فإن مثل هذا الطلب يعد دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم أنه انتهى – على ما سلف بيانه – إلى قيام حالة التلبس بالجريمة في حق الطاعن ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ومن ثم فإنه لا يعيبه التفاته عن الرد على دفاعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه وما ترتب عليهما لانتفاء حالة التلبس طالما أنه – في صورة الدعوى – دفع قانوني ظاهر البطلان . لما كان ذلك ، وكان لا جدوى مما يثيره الطاعن من عدم عرضه على النيابة العامة في خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليه – بفرض صحته – طالما أنه لا يدعي أن هذا الإجراء قد أسفر عن دليل منتج من أدلة الدعوى ، ومن ثم فإن هذا الوجه من النعي لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ولمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعن من إعراض الحكم عن المستندات التي قدمها – البرقية التلغرافية – تدليلاً على صحة دفعه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة وفي استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل بالتحقيق الابتدائي في جميع الجرائم - م 199 من قانون الإجراءات الجنائية - واستثناء يجوز ندب قاضي للتحقيق في جريمة معينة أو جرائم من نوع خاص ومتى أحيلت الدعوى إليه كان مختصاً دون غيره بتحقيقها - م 69 إجراءات - وحدد القانون إجراءات التحقيق التي يختص بها قاضي التحقيق والتي يحظر على أعضاء النيابة العامة اتخاذ أي إجراء فيها قبل الحصول مقدماً على إذن مسبب من القاضي الجزئي وليس التحقيق من بين هذه الإجراءات ، ومن ثم يظل عضو النيابة العامة أياً كان درجته هو صاحب الاختصاص الأصيل في مباشرة التحقيق في جميع الجرائم ومن بينها جرائم أمن الدولة من جهة الخارج ومن جهة الداخل عدا الجرائم التي يختص قاضي التحقيق بتحقيقها م 206 ولأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل إضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة سلطات قاضي التحقيق في تحقيق جرائم أمن الدولة المشار إليها آنفاً م 206 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، وإذ كان يبين من مدونات الحكم أن إجراءات التحقيق التي باشرها وكيل النيابة في القضية ليس فيها مما يدخل في اختصاصات قاضي التحقيق إنما باشرها وكيل النيابة في نطاق سلطات النيابة العامة دون سلطات قاضي التحقيق فإن دعوى بطلان التحقيقات لهذا السبب لا يكون له وجه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر ، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهدين وأخذت بتصويرهما للواقعة بالنسبة للطاعن وحده دون المتهمين الآخرين ، الذي قضت ببراءتهما ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ، كما أن لها أن تعول في عقديتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ، فإن ما يثار في هذا الشأن لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 1149 لسنة 5 ق جلسة 4 / 2 / 1961 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 2 ق 89 ص 675

جلسة 11 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومحمود محمد إبراهيم والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

-------------------

(89)

القضية رقم 454 لسنة 5 القضائية

جريمة تأديبية 

- اختلاف الذنب التأديبي عن الجريمة الجنائية - عدم خضوعه لقاعدة إلا جريمة بغير نص - أساس ذلك.

----------------
تنص المادة 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أن "كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، يعاقب تأديبياً" فالموظف الذي يخالف الواجبات الوظيفية مما تنص عليه القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال الوظيفة التي يجب أن يقوم بها بنفسه، إذا كان ذلك منوطاً به، وأن يؤديها بدقة وعناية وأمانه، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه جزاء على (خطأ وظيفي Faute fonctionnelle) فتتجه إرادة السلطة الإدارية إلى توقيع (عقوبة وظيفيةfonctionnelle Peine) وفقاً للأشكال والأوضاع التي تقررها اللوائح والقوانين وذلك في حدود النصاب المقرر. وغني عن البيان أن الذنب التأديبي يختلف عن الجريمة الجنائية في أنه لا يخضع لقاعدة "ألا جريمة بغير نص" وإنما يجوز لمن يملك قانوناً سلطة التأديب أن يرى في أي عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف عند ممارسته أعمال وظيفته ذنباً تأديبياً إذا كان لا يتفق وواجبات الوظيفة؛ ومن ثم فلا يمكن حصر الذنوب التأديبية مقدماً على خلاف ما يجرى في مجال الجرائم الجنائية وقانون العقوبات.


إجراءات الطعن

في 7 من مارس سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 454 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بجلسة 6 من يناير سنة 1959 في الدعوى رقم 142 لسنة 5 القضائية المقامة من تودري مقاريوس ضد الهيئة العامة للسكة الحديد، والذي يقضي "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بإنذار المدعي رسمياً في 19 من نوفمبر سنة 1956 بموجب القسيمة رقم (15311) وألزمت المدعى عليها المصروفات وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش أتعاب المحاماة" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 23 من يونيه سنة 1959 وإلى الخصم في أول يوليه سنة 1959 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 22 من مايو سنة 1960 وفيها قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 12 من نوفمبر سنة 1960 للمرافعة ثم جرى تداول الطعن لجلسات متعاقبة وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 142 لسنة 5 القضائية ضد الهيئة العامة للسكة الحديد أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 19 من يناير سنة 1958 بعد أن حصل على قرار بمعافاته من رسومها في 23 من نوفمبر سنة 1957 طالباً الحكم بإلغاء قرار الجزاء الموقع عليه في 19 من نوفمبر سنة 1956 بموجب القسيمة رقم (15311) وباعتباره كأن لم يكن من إلزام الهيئة العامة للسكة الحديد بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقال شرحاً لدعواه أنه في 4 من نوفمبر سنة 1956 صدر قرار من السيد مدير عام المخازن والمشتريات بمصلحة السكك الحديدية بانتداب المدعي بقلم التفتيش بالإدارة ولم يمض يومان على هذا النقل حتى فوجئ بإجراء تحقيق معه بناء على شكوى مقدمة من مفتش منطقة العنابر يقول فيها أن المدعي رفض إخراج أخشاب مطلوبة للملاحة الداخلية خارج المخزن بحجة أن العمال مرهقين بالعمل. وكان هذا الادعاء بعيداً عن الحقيقة لأن مندوب الجهة حضر إلى المدعي في أول نوفمبر سنة 1956 وعاين الخشب المطلوب، وبعد أن وقع اختياره على القطع اللازمة قال أنه سيجرى استلامها في 3 من نوفمبر سنة 1956 وهذا يوافق يوم السبت.
وعلى أثر ذلك طلب مدير ورش العربات من المدعي فتح المخازن يوم الجمعة بإفادة رسمية. فاتصل المدعي بدوره بالإدارة وحصل منها على الموافقة بتشغيل قوة المخازن في ذلك اليوم. وقام العمال بإخراج الخشب المطلوب خارج المخزن انتظاراً لحضور المندوب يوم 3 من نوفمبر سنة 1956 لاستلامه، ولكنه لم يحضر في الميعاد السابق تحديده بل حضر في 5 من نوفمبر سنة 1956 وتسلم الأخشاب المطلوبة بإخراج رقم (92824). وعلى الرغم من إدلاء المدعي بهذه الأقوال في التحقيق الذي أجري بشأن شكوى مفتش منطقة العنابر فقد فوجئ المدعي بإنذار رسمي تضمنته قسيمة الجزاء رقم (15311) الصادرة في 19 من نوفمبر سنة 1956 لتصرفه المعيب في العمل يوم أول نوفمبر سنة 1956 على أن يكلف من الآن بأعمال كتابية فقط. وقد أبلغ المدعي بذلك الإنذار في 22 من نوفمبر سنة 1956 فتظلم منه في 17 من يناير سنة 1957، ملتمساً رفع الجزاء لما ينطوي عليه من امتهان لكرامته فضلاً عن مجافاته للحقيقة والواقع، ولكن تظلمه كان دون جدوى فرفع الدعوى بطلب إلغاء الجزاء التأديبي. وقد ردت الهيئة المدعى عليها بأن المدعي بالدرجة الخامسة الفنية الشخصية صرفاً على الدرجة الثامنة بمرتب شهري قدره 25 جنيهاً ولقد قرر السيد مدير عام المخازن والمشتريات إنذاره رسمياً لتصرفه المعيب في العمل يوم أول نوفمبر سنة 1956 في وقت العدوان الغاشم على عاصمة الديار، وأن قرار الجزاء المطعون فيه والصادر في 19 من نوفمبر سنة 1956 قد صدر بعد أخذ أقوال المدعي وإجراء تحقيق إداري شامل في موضوع الشكوى من تصرف المدعي وهو عدم تنفيذ ما كلفه به مفتش المنطقة بشأن صرف قطع خشب لازمة لإشغال الجيش في أول نوفمبر سنة 1956 وقالت المصلحة أن القرار سليم من الناحية القانونية وقد صدر كذلك ممن يملك إصداره في حدود السلطة المخولة له قانوناً. وقامت هيئة مفوضي الدولة أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بتحضير الدعوى وقدمت تقريراً بالرأي الذي اتجه إلى قبول دعوى المدعي شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار الجزاء الموقع بالإنذار على المدعي مع إلزام السكة الحديد بالمصروفات ومقابل الأتعاب.
وبجلسة 6 من يناير سنة 1959 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بإنذار المدعي رسمياً في 19 من نوفمبر سنة 1956 بموجب القسيمة رقم (15311) وألزمت المدعى عليها بالمصروفات وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها على أن الجزاء لم يبن على سببه بناء صحيحاً. فالقرار بالإنذار قد بني على أن المدعي قد تصرف تصرفاً معيباً في العمل يوم أول نوفمبر سنة 1956 بينما لم يسفر التحقيق عن أي تصرف معيب من جانب المدعي في ذلك التاريخ بل أن اقتراح مجازاة المدعي بإنذاره إنما كان لعدم تحري المدعي الصدق في أقواله وما دام أن الهيئة المدعى عليها لم يقم في اعتبارها عند إصدار القرار المطعون فيه عدم تحري الصدق في أقواله، وإنما كان الاعتبار الأول والأخير في نظرها هو تصرف المدعي تصرفاً معيباً وهو ما لم تفصح عنه أوراق التحقيق أو يثبت في تلك الأوراق. ورقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع - على فرض وجودها مادياً - لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الطعن المقدم من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة، يقوم على أن العبرة ليست بما ورد في قسيمة الجزاء وحدها لأن هذه القسيمة لا تعدو أن تكون ملخصاً يحرر فيما بعد للتأشير في الملف بحدوث الجزاء، وإنما العبرة بذات القرار الذي صدر بالجزاء والذي استخلص منه البيان الوارد بالقسيمة رقم (15311) - وهذا الأمر ثابت على المذكرة التي رفعها المحقق إلى مساعد المدير العام بالوقائع سالفة الذكر، فأشر عليها في 13 من نوفمبر سنة 1956 بالموافقة على توقيع الجزاء المقترح، واعتمد هذا الجزاء في 19 من نوفمبر سنة 1956. ومن ثم يكون القرار قد قام على سببه وأن التلخيص الوارد في القسيمة لم يكن شاملاً وبذلك تكون المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات قد جانبت الصواب إذ أقامت قضاءها عليه. وانتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أن مفتش مخازن منطقة العنابر كتب في 3 من نوفمبر سنة 1956 إلى المفتش الأول بإدارة المخازن بمصلحة السكة الحديد يفيد أن المدير المساعد طلب منه في سرعة صرف وتسليم ثمان قطع قاويش خشب ضخمة لأشغال الجيش، وقد حضر مندوب السلطة العسكرية وقام بمعاينة المطلوب وتحررت قسيمة الصرف كالتعليمات ولكن المندوب وعد بالاستلام صبيحة السبت التالي حتى يتسنى له استحضار لوري خاص من الجيش لنقل الكتل الخشبية، فطلب مفتش المخازن (حسن أبو العلا) من أمين مخازن رقم (2) وهو السيد تودري مقاريوس (المدعي) الانتفاع بقوة عمال المخازن لمناسبة استمرار العمل يوم الخميس أول نوفمبر سنة 1956 لتقوم هذه القوة بنقل الكتل الخشبية الثمانية على دفعتين إلى باب العنابر بواسطة لوري الورش، توطئة لأن تكون جاهزة صباح يوم السبت 3 من نوفمبر سنة 1956 ولكن السيد/ تودري تقاعس عن تنفيذ الأمر.
ولما كانت الحالة الحاضرة تتطلب سرعة الإنجاز والتضحية وكلتاهما غير متيسرة في السيد تودري لذلك طلب مفتش المخازن اعتماد نقله من ذلك العمل وإحلال غيره محله. وقال المفتش أنه إذا لم يتيسر ذلك النقل فوراً فإنه يقترح الموافقة على إسناد عملية أمين المخازن إلى السيد/ إسماعيل عبد السلام وتسليم عهدة هذا الأخير إلى السيد/ فؤاد الصادق القائم بعملية المراقبة بالمخازن، وعلى هذا المستند (رقم 845 ملف الخدمة) أشر المفتش الأول بالآتي "... رجاء الموافقة على ندب تودري مقاريوس للعمل بالإدارة مؤقتاً مع تنفيذ رأي مفتش المنطقة، علماً بأن للسيد/ تودري سوابق تعلمونها في عدم إنجاز الأعمال التي تطلب منه، وتعقيد الأمور بدلاً من تسهيلها". وفي 4 من نوفمبر سنة 1956 صدر القرار الآتي: بناء على تعليمات السيد المدير العام بالنيابة (1) يندب تودري أمين مخازن بولاق رقم 2 إلى الإدارة قلم التفتيش (2) يحقق معه فوراً طبقاً للتعليمات التي وردت أخيراً باعتباره مقصراً في الوقت الحاضر (3) يرتب العمل بالمخازن المذكورة وفقاً لاقتراحات مفتش المنطقة بكتابه المرفق. وهذا القرار صادر من السيد مدير عام المخازن والمشتريات (مستند رقم 847 ملف). وفي 6 من نوفمبر سنة 1956 قام السيد/ سعيد عبد الرحيم مفتش التحقيقات بمصلحة السكة الحديد بفتح محضر تحقيق فسأل السيد مفتش مخازن منطقة العنابر (حسن أبو العلا) ثم استجوب تودري مقاريوس أمين مخازن بولاق في المخالفات الإدارية المنسوبة إليه. وجاء في أقوال المفتش (حسن أبو العلا) أنه "لما تأكد من مندوب الجيش في الساعة الواحدة بعد الظهر من يوم الخميس أول نوفمبر سنة 1956 بأنه قد تعذر عليه استحضار الجرار لسحب الكتل الخشبية المطلوبة ووعد بالحضور صباح السبت لاستلامها، ولما صدرت لنا التعليمات بأن العمل بصفة مستمرة بكامل قوته حتى الصباح رأيت أن هذا هو أنسب الأوقات لنقل الثماني كتل خشبية على لوري الورشة الذي استحضرته بمعرفتي بواسطة ملاحظ حوش الورش، وقلت لأمين مخازن بولاق (تودري) عليك باستحضار رئيس العتالين وقوة الأنفار التي لا تقل عن مائة وعشرين عاملاً ليقوموا بالترتيب اللازم في وضع هذه الكتل على العربة اللوري وترحيلها إلى باب العنابر الخارجي لتكون جاهزة لتسليمها صباح السبت إلى مندوب الجيش لأن المسافة بين المخزن رقم (2) والباب الخارجي للعنابر تبلغ حوالي كيلو ونصف وأن القاويش الواحد (الكتلة) يقوم بترحيله على العربة عدد لا يقل عن عشرين رجلاً. كما يعلم السيد/ تودري أن هذه الأقوشة الخشبية مطلوبة للاستعاضة عنها في تركيب كوبري في إمبابة، وهو الكوبري الذي أنذر الأعداء بنسفه فقال لي السيد/ تودري أن العمال تعبانه ونترك هذا الأمر ليوم السبت. فقلت له الموجود الآن لا يقل عن مائة وعشرين نفراً والعمل مستمر حسب التعليمات بمعنى إنجاز الأعمال وليس مجرد وجود العمال بالمخازن بدون عمل. وفعلاً استدعيت رئيس العتالين وأمرته بتجميع العمال وسرعة نقل الثماني كتل (أقاويش) وبعد أخذ ورد قام العمال بوضع أربعة كتل فقط على العربة وكان ذلك حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر. ثم تذمرت العمال وقالوا يكفي هذا لصباح الجمعة حيث يعتمد تشغيلهم لتكملة المأمورية وتفريغ العربات. وفي صباح الجمعة قام العمال بترحيل العربة التي عليها الأربع كتل الأولى إلى باب العنابر وأجروا تفريغها وشحن الأربع قطع الباقية عليها. وقال المفتش حسن أبو العلا رداً على سؤال المحقق أنه يعتقد أن سبب امتناع العمال كان نتيجة لسماع بعضهم رد أمين المخازن (تودري) بأن العمال في حالة تعب ولفظ تعب العمال صدر من أمين المخازن وقت تكليفي له بأن يقوم العمال بنقل قطع الخشب إلى باب الورشة الخارجي" وقال المدعي (تودري مقاريوس) عند استجوابه في محضر التحقيق الإداري أن المفتش حسن أبو العلا لم يكلفه بهذا العمل وإنما التكليف كان لأمين مخزن عهدة الأخشاب وهو السيد/ إسماعيل عبد السلام. ولكن المدعي عاد في اليوم التالي للتحقيق معه فكتب في 8 من نوفمبر سنة 1956 إلى مدير عام المخازن والمشتريات قائلاً: فاتني في التحقيق إبداء بعض ملاحظات إظهاراً للحقيقة فأوضحها لسيادتكم فيما يلي: أنه بعد أن نبه مفتش منطقة العنابر (حسن أبو العلا) على السيد/ إسماعيل عبد السلام أمين عهدة الأخشاب بصرف عدد ثماني كتل خشب للملاحة الداخلية تنفيذاً لتعليمات مساعد المدير العام فإني قد علمت من إسماعيل بهذا التنبيه وتذكرت الآن بوصول إفادة لي من مفتش المنطقة بهذا الخصوص ولكنها كانت بعد التنبيه الشفوي فأمرت باتخاذ اللازم من جانبي في الوقت الذي كنت مشغولاً فيه بعمل الترتيبات اللازمة لفتح المخازن بصفة مستمرة كالتعليمات".
ومن حيث إنه على أثر التحقيقات الإدارية التي تمت في هذا الشأن بادر السيد مفتش التحقيقات إلى رفع مذكرة في 10 من نوفمبر سنة 1956 إلى السيد المدير العام بالأمانة جاء في ختامها "وحيث إن أمين المخازن، تودري، قد تخبطت أقواله في التحقيق إذ أنكر معرفته بأي شيء عن تطورات هذا الموضوع إلا ما وصل إلى علمه عن طريق أمين مخزن قسم الأخشاب السيد/ إسماعيل عبد السلام في حين إن واقع الحال يكذبه لأن مفتش المنطقة قدم صورة إفادة مرسلة منه إلى أمين المخازن، تودري، تتضمن تكليفه بصرف هذه الكتل الخشبية (الأقاويش) موضوع التحقيق، وهذه الصورة تحمل توقيع أمين المخازن تودري وفي هذا وحده دلالة واضحة على عدم صدقه. وحيث إنه كإجراء تحفظي فقد صدر أمر بنقله من المخازن للعمل بالإدارة ابتداء من يوم 3 من نوفمبر سنة 1956 وبذلك قطعنا دابر مظنة سوء النية والقصد. وحيث إن أمر النقل قد نفذ ابتداء من 3 من نوفمبر سنة 1956 لذلك نرى إنذار السيد/ تودري مقاريوس إنذاراً رسمياً أو مجازاته بخصوم يوم لعدم تحريه الصدق في أقواله". وقد أشر السيد المدير العام بالنيابة على المذكرة بالعبارة الآتية: "أوافق على إنذار السيد/ تودري مقاريوس رسمياً. وهذا الموظف لا يصلح بعد ذلك لأن يقوم بعمل في المخازن يتصل بالعهدة لسوء تصرفه المعيب، ويكلف من الآن بأعمال كتابية فقط كما لا يرجى منه أن يقوم بعمل رئيسي". ووقع المدير بالنيابة هذه التأشيرة في 13 من نوفمبر سنة 1956 ثم اعتمد السيد مدير عام المخازن في 19 من نوفمبر سنة 1956 هذا القرار واقتصر على ذكر عبارة (موافق) في أسفل ذلك القرار وصدرت في ذات اليوم القسيمة رقم (15311) متضمنة عبارة "إنذار رسمي لتصرفه المعيب في العمل يوم أول نوفمبر سنة 1956 وكلف من الآن بأعمال كتابية فقط" وهذه القسيمة ذات طابع خاص أعدت لترسل إلى قلم المستخدمين مع باقي أوراق التحقيق والمذكرات المرفقة بالموضوع.
ومن حيث إنه ما من شك، على ضوء ما تقدم، في أن حالة واقعية أو قانونية، قد قامت وسوغت تدخل الإدارة وأدت إلى توقيع جزاء الإنذار الرسمي على المدعي بالقرار الصادر من المدير العام في 19 من نوفمبر سنة 1956. فالسيد مفتش مخازن منطقة العنابر قد نسب إلى المدعي تقاعساً في تنفيذ أمر عاجل له خطره في ظروف تستلزم من الموظف المختص المزيد من العناية واليقظة وسرعة البت وسلامة التدبير. والسيد المفتش الأول بإدارة المخازن قد سجل على المدعي بأن له سوابق تعلمها الإدارة في عدم إنجاز الأعمال التي تطلب منه، وتعقيد الأمور بدلاً من تسهيلها. وفي التحقيق الإداري الذي أجري معه قال المدعي أن مفتش مخازن المنطقة لم يكلفه بالعمل المنسوب إليه التقصير بشأنه وأنه لا علم له به ولكنه ما لبث أن أقر بعلمه بهذا التكليف في حينه وأن إفادة تلقاها من مفتش مخازن منطقة العنابر بهذا الخصوص وكانت الإفادة بعد التنبيه الشفوي. وجاء في مذكرة السيد المحقق الإداري أن المدعي تخبط في أقواله بالتحقيق فبادر بالإنكار ثم سارع إلى الإقرار بالعلم بموضوع المخالفة الإدارية وعلى سلطات الإدارة أن توقع على المدعي جزاء الإنذار الرسمي أو خصم يوم من مرتبه لعدم تحريه الصدق في القول. وتأسيساً على كل ما تقدم تدخلت الإدارة، ووقعت، بما لها من حرية تقدير أهمية تلك الحالة الواقعية، والخطورة الناجمة عنها، وتقدير الجزاء الذي رأته وأنه مناسباً في حدود النصاب القانوني المقرر، إنذار المدعي رسمياً فهو لا يصلح للقيام بعمل في المخازن يتصل بالعهدة لسوء تصرفه المعيب، ولا جدال في أن النتيجة السليمة قد استخلصت استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً. فقد نصت المادة (83) من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أن "كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، يعاقب تأديبياً .." فالموظف الذي يخالف الواجبات الوظيفية مما تنص عليه القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال الوظيفة التي يجب أن يقوم بها بنفسه، إذا كان ذلك منوطاً به، وأن يؤديها بدقة وعناية وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه جزاء على (خطأ وظيفي Faute fonctionnelle) فتتجه إرادة السلطة الإدارية إلى توقيع (عقوبة وظيفيةfonctionnelle Peine ) وفقاً للأشكال والأوضاع التي تقررها اللوائح والقوانين وذلك في حدود النصاب المقرر. وغني عن البيان أن الذنب التأديبي يختلف عن الجريمة الجنائية في أنه لا يخضع لقاعدة (أن لا جريمة بغير نص) وإنما يجوز لمن يملك قانوناً سلطة التأديب أن يرى في أي عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف عند ممارسته أعمال وظيفته، ذنباً تأديبياً إذا كان لا يتفق وواجبات الوظيفة ومن ثم فلا يمكن حصر الذنوب التأديبية مقدماً على خلاف ما يجرى في مجال الجرائم الجنائية وقانون العقوبات... وقد نصت المادة (84) من القانون رقم 210 على أن "الجزاءات التي يجوز توقيعها على هؤلاء الموظفين عن المخالفات المالية والإدارية هي (1) الإنذار (2) الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين (3) تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تقل عن ستة أشهر (4) الحرمان من العلاوات (5) الوقف عن العمل.. إلخ".
ومن حيث إن القرار التأديبي محل هذا الطعن قد صدر في ظل قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (366) الصادر في 14 من أكتوبر سنة 1956 بإنشاء هيئة عامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر، وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة منه على أنه "ويقوم المدير تحت إشراف وزير المواصلات بإدارة السكك الحديدية وتصريف شئونها، وله على الأخص فيما يتعلق بالموظفين والعمال سلطة التعيين والنقل والترقية والتأديب وما إلى ذلك من شئونهم وله أن ينيب غيره في بعضها، وذلك كله في حدود القوانين واللوائح. وتحدد اختصاصات المدير بقرار من وزير المواصلات" وجاء في البند الثامن من المادة الرابعة من هذا القانون. "اقتراح وضع لوائح خاصة بموظفي الهيئة ومستخدميها وعمالها تنظم قواعد تعيينهم وترتيب أقدميتهم والتقارير الخاصة بهم وترقيتهم وتحدد وظائفهم أو درجاتهم كما تحدد رواتبهم وعلاواتهم، وتنظم قواعد نقلهم وندبهم وإعارتهم وبعثاتهم وإجازاتهم الدراسية ومصروفات الانتقال وكذلك قواعد إجازاتهم وتأديبهم وإنهاء خدمتهم وذلك مع مراعاة أحكام قانون عقد العمل الفردي رقم (317) لسنة 1952 بالنسبة للعمال، وباقي أحكام قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 بالنسبة لمن عداهم. وتصدر اللائحة بقرار من رئيس الجمهورية". ونصت المادة (85) من قانون موظفي الدولة على أنه "لوكيل الوزارة أو للوكيل المساعد أو لرئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه توقيع عقوبتي الإنذار والخصم من المرتب عن مدد لا تجاوز (45) يوماً في السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة عن (15) يوماً وذلك بعد سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه، ويكون قراره في ذلك مسبباً.." ولمدير عموم المخازن بالسكك الحديدية سلطة توقيع الجزاء في هذه الحالة بمقتضى قرار صادر من السيد وزير المواصلات قضى بأن يعهد إليه بالسلطة المخولة لرئيس المصلحة في المادة (85) من قانون موظفي الدولة بالنسبة للموظفين إلى الدرجة الرابعة. والمدعي في الدرجة الخامسة الفنية الشخصية حسبما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القرار التأديبي بإنذار المدعي قد صدر سليماً قائماً على سببه وصدر ممن يملك إصداره وفي حدود اللوائح والقوانين، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغائه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله مما يتعين معه القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 92 لسنة 25 ق جلسة 14 / 5 / 1959 مكتب فني 10 ج 2 ق 65 ص 426

جلسة 14 من مايو سنة 1959

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة، محمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعبد السلام بلبع المستشارين.

------------------

(65)
الطعن رقم 92 لسنة 25 القضائية

(أ) شفعة "إجراءات الشفعة" "إظهار الرغبة".
نص المادة 940 مدني لم يقصد به أن يجعل من الإنذار الرسمي الذي يوجهه البائع أو المشتري إلى الشفيع عرضاً ينعقد بموجبه عقد بين المشتري والشفيع. مراد الشارع القضاء على كافة ضروب المنازعات التي كانت تثور في شأن علم الشفيع بالبيع المثبت للشفعة واتخاذ هذا التاريخ بدءاً لتحديد المدة المقررة لسقوط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة أو لافتتاح إجراءاتها. التراضي المنتج لأثره هو الذي يتم بقبول المشتري بعد إبداء الشفيع رغبته في الشفعة.
(ب، جـ) شفعة "آثار الشفعة".
(ب) عدم صيرورة العين المشفوع فيها إلى ملك الشفيع إلا بعد الحكم النهائي. م 944 مدني جديد لم تستحدث جديداً. مطابقتها للمادة 18 من قانون الشفعة. ما ورد بالمادة 942/ 2 مدني جديد لم يقصد به تغيير الوضع. لا ينم عن رغبة المشرع في العدول إلى الرأي القائل بارتداد ملكية الشفيع إلى وقت إتمام إجراءات المطالبة بالشفعة. لا محل للقول باستحقاق الريع من تاريخ إيداع الثمن ما دام أن حق الشفيع في العين لا يستقر إلا بصدور الحكم له بالشفعة.
(ج) تماثل نص م 945 مدني جديد ونص م 13 من ق الشفعة. النص لا يفيد اعتبار الشفيع الذي حكم له بطلباته حالاً محل المشتري في الريع منذ قيام الطلب.

-------------------
1- إذ نص المشرع في المادة 940 من القانون المدني الجديد على أن "يعلن الشفيع رغبته في الشفعة إلى كل من البائع والمشتري في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الإنذار الرسمي الذي يوجهه إليه البائع أو المشتري وإلا سقط حقه" لم يقصد أن يجعل من هذا الإنذار عرضاً ينعقد بموجبه عقد بين المشتري والشفيع يلتزم به الأول بنقل ملكية العين إلى الثاني إذا رد عليه بالقبول وإنما أراد الشفيع أن يقضي على كافة ضروب المنازعات التي كانت تثور في شأن علم الشفيع بالبيع المثبت للشفعة وأن يتخذ من هذا التاريخ بدءاً لتحديد المدة المقررة لسقوط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة في حالة عدم إبداء رغبته خلال تلك المدة أو بدءاً لافتتاح إجراءات الشفعة في حالة إبداء الرغبة خلالها - أما التراضي الذي ينتج أثره في إتمام الشفعة فهو ذلك الذي يتم بقبول المشتري بعد إبداء الشفيع رغبته في الشفعة.
2 - عندما نظم المشرع أحكام الشفعة في التقنين المدني الجديد انتهى إلى ترك الأمر في تحديد تاريخ بدء ملكية الشفيع إلى ما كان عليه الحكم قبل صدور هذا التشريع فجاء نص المادة 944 منه مطابقاً في هذا الصدد لنص المادة 18 من قانون الشفعة القديم - التي كانت تنص على أن "الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع" - ومؤدى هذا ألا يصير المشفوع إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم. أما ما أورده القانون في المادة 942/ 2 من إلزام الشفيع بإيداع الثمن خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة - فلم يقصد به تغيير الوضع وهو لا ينم عن رغبة المشرع في العدول إلى رأي القائلين بارتداد ملكية الشفيع إلى وقت إتمام إجراءات المطالبة بالشفعة - وإنما كان ذلك تمشياً مع اتجاهه في التضييق من حق الشفعة وضماناً لجدية طلبها - وطالما أن حق الشفيع في العين المشفوع فيها لا يستقر إلا بصدور الحكم له بالشفعة فلا محل للقول باستحقاق الريع ابتداء من تاريخ إيداع الثمن.
3 - النص في المادة 945 من القانون المدني الجديد على حلول الشفيع محل المشتري في حقوقه والتزاماته بالنسبة إلى البائع هو نص لم يستحدث حكماً جديداً بل هو مماثل لنص المادة 13 من قانون الشفعة القديم - وهو لا يفيد اعتبار الشفيع الذي حكم له بطلبه حالاً محل المشتري في الريع منذ قيام الطلب - إذ اعتباره كذلك - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - لا يجوز إلا على تقدير أثر رجعي لحلوله محل المشتري الأمر الذي يتنافى مع ما هو مقرر من أن حكم الشفعة منشئ لا مقرر لحق الشفيع مما يمتنع معه القول بحلوله محل المشتري قبل الحكم نهائياً بالشفعة - وإذ كان من آثار عقد البيع نقل منفعة المبيع إلى المشتري - المشفوع منه - فإن ثمرته تكون له من تاريخ إبرام البيع ما لم يوجد اتفاق مخالف - ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى تقرير حق المشترين في ريع العين المشفوعة من تاريخ تنازل البائعين لهم عن عقد إيجارها حتى صدور حكم نهائي بالشفعة لصالح الشفيع فإنه لا يكون قد أخطأ تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن ومحمود السيد حسنين لهيطة وفهيم بشاره حرفوش كانوا يمتلكون مثالثة فيما بينهم كامل أرض وبناء سينما مصر الواقعة بشارع سعد زغلول بمدينة بور سعيد وبموجب عقد بيع ابتدائي محرر في 11 من نوفمبر سنة 1950 باع شريكا الطاعن حصتهما في السينما أي 16 قيراطاً من 24 قيراطاً إلى المطعون عليهم الثلاثة الأولين بثمن مقداره 8666 جنيهاً و666 مليماً دفع منه 2000 جنيه واشترط دفع الباقي عند التوقيع على العقد النهائي الذي حرر ثم سجل في 16/ 12/ 1950. وفي 7 من ديسمبر سنة 1950 أعلن المشترون الطاعن رسمياً بالشراء وبشروطه ودعواه إلى إبداء رغبته في أخذ العقار بالشفعة إن كان له حق فيها مع دفع الثمن وكافة المصروفات، فرد عليهم رسمياً في 20 من ديسمبر سنة 1950 بأنه شريك بحق الثلث في العقار وأنه يرغب الأخذ بالشفعة مقابل دفع المبلغ المعجل إلى المشترين والمؤجل إلى البائعين مضافاً إليه الملحقات القانونية بعد إثباتها قانوناً.
وفي 16 من يناير سنة 1951 أودع الطاعن "خزانة محكمة بور سعيد مبلغ 9366 جنيهاً و666 مليماً من ذلك 8666 جنيهاً و666 مليماً قيمة الثمن و700 جنيه لحساب المصاريف. وفي 17 من يناير سنة 1951 أعلن دعواه بالشفعة إلى البائعين والمشترين وقيدت برقم 18 سنة 1951 كلي بور سعيد فدفعها المشترون بسقوط حق الشفيع "الطاعن" في الأخذ بالشفعة لسببين الأول - أنه تنازل عن الشفعة ضمناً بعد أن أبدى رغبته. - الثاني - أن الإيداع جاء ناقصاً إذ لم يودع كامل الثمن والمصاريف. وفي 21 من نوفمبر سنة 1951 حكمت محكمة بور سعيد الابتدائية - أولاً - برفض الدفعين وقبول الدعوى - ثانياً - بأحقية المدعي "الطاعن" في التملك بطريق الشفعة للثلثين على الشيوع أي 16 قيراطاً من 24 قيراطاً في العقار المبينة حدوده بالعريضة في نظير الثمن وقدره 8666 جنيهاً و666 مليماً والملحقات ومقدارها 1099 جنيهاً مع إلزام المشترين بالمصروفات و10 جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، وبتاريخ 18 من يونيه سنة 1951 استصدر المطعون عليهم الثلاثة الأولون أمراً بالحجز على المطعون عليهما الأخيرين وأقاموا عليهما الدعوى رقم 269 سنة 1951 كلي بور سعيد بطلب إلزامهما متضامنين بأن يدفعا لهم مبلغ 770 جنيهاً قيمة نصيبهم بحق الثلثين في الإيجار المتأخر عن السينما من أول ديسمبر سنة 1950 إلى أخر يونيه سنة 1951 مع ما يستجد من الإيجار من أول يوليه سنة 1951 لغاية السداد بواقع الإيجار الشهري 110 جنيهاً عن حصتهم وتثبيت الحجز التحفظي تأسيساً على أن المطعون عليهما الأخيرين استأجرا السينما بإيجار سنوي مقداره 1980 جنيهاً أي بواقع 165 جنيهاً شهرياً وذلك بعقد إيجار مؤرخ 27/ 8/ 1948 وأن البائعين محمود لهيطه وفهيم حرفوش" تنازلا للمدعين "المشترين" عن عقد الإيجار فيما يختص بحصتها المبيعة لهم أي الثلثين وأصبح من حقهم اقتضاء الإيجار المناسب لها. ثم عدل المدعون طلباتهم إلى مبلغ 1760 جنيهاً على أساس استحقاقه الأجرة لهم ابتداء من أول ديسمبر سنة 1950 تاريخ التنازل عن عقد الإيجار إلى أخر مارس سنة 1952 وبتاريخ 24 من مارس سنة 1952 أدخل المستأجران "المطعون عليهما الأخيران" الشفيع "الطاعن" خصماً في الدعوى فطلب الحكم أولاً - بقبوله متدخلاً في الدعوى منضماً للمدعى عليهما في طلباتهما. ثانياً - رفض دعوى المدعين. ثالثاً - إلزام المدعى عليهما بأن يدفعا له مبلغ 1200 جنيهاً وما يستجد لغاية التنفيذ - مستنداً في طلباته إلى القول بأن الريع من حقه دون المشترين لأن حكم الشفعة مقرر للملكية وليس منشئاً لها. وبتاريخ 14 من مارس سنة 1953 قضت محكمة أول درجة أولاً - في الدعوى الأصلية بإلزام المدعى عليهما مصطفى محمد البنا وأحمد محمد النجاري "المطعون عليهما الأخيرين" بأن يدفعا متضامنين للمدعين "المطعون عليهم الثلاثة الأولين" مبلغ 1760 جنيهاً والمصروفات المناسبة و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة.... ثانياً - في الدعوى الفرعية المرفوعة من عبد الرحيم يزدي "الطاعن" برفضها مع إلزام رافعها بمصروفاتها ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعين. وبصحيفة معلنة في 5/ 5/ 1953 استأنف عبد الرحيم يزدي هذا الحكم بالاستئناف رقم 125 سنة 5 ق المنصورة وطلب قبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء له بطلباته التي أبداها أمام محكمة أول درجة. وبتاريخ 14 من ديسمبر سنة 1954 قضت محكمة استئناف المنصورة حضورياً في الاستئناف المذكور بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنف "الطاعن" بالمصروفات و500 قرش ومقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليهم الثلاثة الأولين، فطعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 3 من مارس سنة 1959 وأصر الحاضر عن الطاعن على طلباته وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها التي انتهت فيها إلى طلب رفض الطعن، فقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة محددة لنظره جلسة 23 من إبريل سنة 1959 وفيها أصر الطاعن على طلباته وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها، ولم يحضر أحد عن المطعون عليهم ولم يبد دفاعاً في الطعن.
ومن حيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه شابه بطلان يستوجب نقضه إذ أغفل إجراء جوهرياً من إجراءات الدعوى هو تلاوة تقرير التلخيص الاستئنافي بالجلسة قبل بدء المرافعة. وقد خلت محاضر الجلسات والحكم المطعون فيه من أية إشارة إلى وضع تقرير التلخيص أو إلى تلاوته بالجلسة.
ومن حيث إن هذا النعي مردود - بأن المشرع وإن كان قد أوجب في المادتين 116 و416 من قانون المرافعات وضع تقرير تلخيص استئنافي وأن يتلى هذا التقرير في الجلسة قبل بدء المرافعة إلا أنه يتعين أن يقوم الدليل من واقع ملف الدعوى ومحاضر الجلسات التي أعدت لإثبات ما يجرى فيها على أن المحكمة لم تتبع أحكام القانون في خصوص هذين الإجراءين. ولما كان خلو الحكم من إثبات حصولهما لا يدل بذاته على أن المحكمة قد أغفلتهما وكان الطاعن لم يقدم شهادة رسمية من واقع ملف الدعوى دالة على خلوه من إيداع تقرير التلخيص الاستئنافي أو صوراً رسمية من محاضر الجلسات التي نظرت فيها الدعوى للتحقق من عدم تلاوة التقرير قبل بدء المرافعة في حالة وضعه وإيداعه تأييداً لهذا السبب من الطعن فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يكون عارياً عن الدليل.
ومن حيث إن الطاعن ينعى في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفته لأحكام المواد 89، 90، 91، 102 من القانون المدني ولمقتضى تمام الشفعة بالتراضي، وفي بيان ذلك يقول إن الشفعة كما تتقرر قضاء فإنها تتقرر رضاء وفي هذه الحالة لا يعتبر الحكم هو سند الشفيع وإنما يعتبر سندها العقد ولو تراجع المشفوع منه فيما ارتضاه واضطر الشفيع إلى رفع دعوى الشفعة بإلزامه بما قبله، وبذلك يكون ريع العين المشفوع فيها من حق الشفيع من وقت إيداع الثمن إلى وقت صدور الحكم النهائي بالشفعة وليس من حق المشفوع منه. وفي الدعوى الحالية أعلن المطعون عليهم الثلاثة الأولون "المشترون" الطاعن "الشفيع" بالشراء وعرضوا عليه أن يشفع في ظرف خمسة عشر يوماً فأعلنهم في الميعاد بقبول الشفعة فتمت الشفعة رضاء إلا أنهم نكلوا بعد ذلك عن التنفيذ مما اضطر معه إلى رفع الدعوى ضدهم والحكم المطعون فيه مع تسليمه من حيث الواقع بأن عرض المشفوع منهم صادفه قبول من الشفيع إلا أنه قضى لهم بالريع بمقولة أن الإيجاب والقبول لم يكونا صادرين ذاتياً، وبذلك أخرج الحكم عقد الشفعة عن حكم سائر العقود فخالف أحكام المواد 89، 90، 91، 102 من القانون المدني التي تقضي بأن العقد ينعقد بمجرد أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتين متطابقتين وأن الحكم الذي يصدر بعد نكول من وعد بإبرام العقد يقوم مقام العقد متى حاز الحكم قوة الشيء المقضي به. كما أن الحكم الذي يصدر في الدعوى التي يرفعها الشفيع لا يعتبر سنداً لملكيته إلا في الحالة التي لا تتم فيها الشفعة رضاء. ولم يلزم القانون المشتري بأن يعلن الشفيع للأخذ بالشفعة مما لا يمكن معه القول بأن عرض المشتري لم يكن ذاتياً أو لم يكن صادراً عن إرادة حرة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أورد بأسبابه في هذا الخصوص ما يأتي: "وحيث إنه فيما يختص بما أثاره المستأنف من أن إنذار المستأنف عليهم بالشفعة وقبول هذا الأخير يولد إيجاباً صادفه قبول انعقد به عقد بالتراضي على الشفعة يجعل الحكم الصادر فيها في مقام العقد - هذا القول محله أن يكون الإيجاب والقبول صادرين ذاتياً أما هنا فالأمر يختلف لأن إنذار المستأنف عليهم الثلاثة الأول للمستأنف لم يكن منبعثاً عن رغبة حرة من المستأنف عليهم المذكورين في عرض الصفقة على المستأنف.. على أن المادة 940 من قانون الشفعة الخاصة بإنذار الشفيع بحصول البيع ورد الشفيع لم ترد في القانون ليكون لها أثر الإيجاب والقبول بل كان ورودها لحسم الإشكالات التي تنشأ عن إثبات العلم..." وهذا الذي قرره الحكم في شطره الأخير لا مخالفة فيه للقانون ذلك أن المشرع إذ نص في المادة 940 من القانون المدني الجديد على أن "يعلن الشفيع رغبته في الشفعة إلى كل من البائع والمشتري في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الإنذار الرسمي الذي يوجهه إليه البائع والمشتري وإلا سقط حقه" لم يقصد أن يجعل من هذا الإنذار عرضاً ينعقد بموجبه عقد بين المشتري والشفيع يلتزم به الأول بنقل ملكية العين إلى الثاني إذا رد عليه بالقبول وإنما أراد المشرع أن يقضي على كافة ضروب المنازعات التي كانت تثور في شأن علم الشفيع بالبيع المثبت للشفعة وأن يتخذ من هذا التاريخ بدءاً لتحديد المدة المقررة لسقوط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة في حالة عدم إبداء رغبته خلال تلك المدة، أو بدءاً لافتتاح إجراءات الشفعة في حالة إبداء الرغبة خلالها - أما التراضي الذي ينتج أثره في إتمام الشفعة فهو ذلك الذي يتم بقبول المشتري بعد إبداء الشفيع رغبته في الشفعة - ولما كان هذا الذي انتهى إليه الحكم في هذا الخصوص كافياً لحمل قضائه فلا يعيب الحكم ما يكون قد شابه من خطأ فيما قرره من أن عرض الصفقة من جانب المشتري لم يكن عرضاً تلقائياً منبعثاً عن إرادة حرة وإنما كان تكليفاً أوجبه القانون.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض هذا السبب.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في مخالفة الحكم المطعون فيه لأحكام المواد 458، 459، 945 من القانون المدني - وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المادة 945 من القانون المدني تنص على أن الشفيع يصبح في مركز المشتري له حقوقه وعليه التزاماته، وأن المادة 458/ 2 جعلت ثمرة المبيع للمشتري من وقت تمام البيع ولا يرد على هذا الحق أي قيد سوى قيام المشتري بالوفاء بالثمن المستحق الأداء وفقاً لنص المادة 459 مدني. فلم يربط القانون بهذه المواد بين استحقاق الثمرة وبين انتقال الملكية والتسجيل. وفي ظل قانون الشفعة القديم لم يكن الثمن حال الأداء مستحق الدفع إلا بعد صدور الحكم بالشفعة ولهذا السبب لم يكن الشفيع يستحق الثمار قبل الحكم الذي يصدر نهائياً بالشفعة ولو قام بعرض الثمن وإيداعه أما وقد جعل القانون المدني الجديد الثمن واجب الأداء وألزم الشفيع بإيداعه فإن مؤدى ذلك أن يتغير الوضع تبعاً لتغير التنظيم التشريعي ويصبح الانتفاع بالثمرات من حق الشفيع من وقت إيداعه الثمن بغض النظر عما قاله الحكم من أن ذلك يؤدي إلى اضطراب في المعاملات بسبب ما قد يطرأ على الدعوى من تطاول الزمن. لأن هذا التطاول إنما يرجع في حقيقته إلى المشتري ورغبته في المماطلة وكسب الوقت ولا يصح أن يستفيد من هذه المماطلة ولا أن يضيع حقاً ثابتاً للشفيع بنص القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أورد بأسبابه في هذا الخصوص ما يأتي: "وحيث إنه فيما يختص بتملك الشفيع للثمار ومنها أجرة العقار المبيع تبعاً لتملكه العقار نفسه كانت محل خلاف في القانون القديم انحسم بحكم محكمة النقض الصادر بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1946 الذي انتهى إلى القول بأن العين المشفوعة لا تصير إلى ملك الشفيع في غير حالة التراضي إلا بالحكم النهائي القاضي بالشفعة فإن دعوى الشفيع بريع هذه العين عن المدة السابقة على هذا الحكم تكون دعوى لا سند لها من القانون.... وحيث إنه لا يغير من صحة هذا النظر ما أضافه القانون المدني الجديد من لزوم إيداع الثمن في حين أن هذا لم يكن مشروطاً في القانون القديم لأن إيداع الثمن ليس لازماً في القانون الجديد ليكون أثره ترتيب حقوق لم يرتبها القانون القديم - على أن القانون الجديد استلزم إيداع الثمن كمظهر فقط من مظاهر تقييد حق الشفعة.... ومن ثم فلا يمكن أن يستخلص من إلزام الشفيع بدفع الثمن أن القانون الجديد قد اكسبه الحق في الثمار الذي لم يكن له تحت سلطان القانون القديم" وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للقانون ذلك أن المشرع عندما نظم أحكام الشفعة في التقنين المدني الجديد انتهى إلى ترك الأمر في تحديد تاريخ بدء ملكية الشفيع إلى ما كان عليه الحكم قبل صدور هذا التشريع فجاء نص المادة 944 منه مطابقاً في هذا الصدد لنص المادة 18 من قانون الشفعة القديم التي كانت تنص على أن "الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع" ومؤدى هذا ألا يصير المشفوع إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم أما ما أورده القانون في المادة 942/ 2 من إلزام الشفيع بإيداع الثمن خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة فلم يقصد به تغيير الوضع وهو لا ينم عن رغبة المشرع في العدول إلى رأي القائلين بارتداد ملكية الشفيع إلى وقت إتمام إجراءات المطالبة بالشفعة وإنما كان ذلك تمشياً مع اتجاهه في التضييق من حق الشفعة وضماناً لجدية طلبها وطالما أن حق الشفيع في العين المشفوع فيها لا يستقر إلا بصدور الحكم له في الشفعة فلا محل للقول باستحقاقه للريع ابتداء من تاريخ إيداع الثمن - أما النص في المادة 945 من القانون المدني الجديد على حلول الشفيع محل المشتري في حقوقه والتزاماته بالنسبة إلى البائع فهو نص لم يستحدث حكماً جديداً بل هو مماثل لنص المادة 13 من قانون الشفعة القديم وهو لا يفيد اعتبار الشفيع الذي حكم له بطلبه حالاً محل المشتري في الريع منذ قيام الطلب - إذ اعتباره كذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يجوز إلا على تقدير أثر رجعي لحلوله محل المشتري الأمر الذي يتنافى مع ما هو مقرر من أن حكم الشفعة منشئ لا مقرر لحق الشفيع مما يمتنع معه القول بحلوله محل المشتري قبل الحكم نهائياً بالشفعة وإذ كان من آثار عقد البيع نقل منفعة المبيع إلى المشتري - المشفوع منه - فإن ثمرته تكون له من تاريخ إبرام البيع ما لم يوجد اتفاق مخالف - ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى تقرير حق المشتري في ريع العين المشفوعة من تاريخ تنازل البائعين لهم من عقد إيجارها حتى صدور حكم نهائي بالشفعة لصالح الشفيع فإنه لا يكون قد أخطأ تطبيق القانون مما يتعين معه رفض هذا السبب.
ومن حيث إنه يبين من جميع ما تقدم أن الطعن على غير أساس متعين الرفض.

الطعن 801 لسنة 5 ق جلسة 4 / 2 / 1961 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 2 ق 88 ص 669

جلسة 4 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومحمد مختار العزبي المستشارين.

----------------

(88)

القضية رقم 1149 لسنة 5 القضائية

كادر العمال - تطبيقه 

- عدم سريانه على العمال المعينين بصفة مؤقتة - استطالة مدة خدمتهم لا تغير من هذا الحكم - أساس ذلك.

-----------------
إن العامل متى عين بصفة مؤقتة، وتخصصت طبيعة الرابطة القانونية التي تحدد مركزه القانوني في علاقته عند تعيينه على هذا النحو بالقرار الصادر بهذا التعيين على وفق أوضاع الميزانية فإنه يخرج بذلك عن نطاق تطبيق أحكام كادر العمال كما أكد ذلك كتاب وزارة المالية رقم 78 - 31/ 29 الصادر في 29 من أبريل سنة 1947 والأصل في مثل هذا العامل أنه يعتبر مفصولاً بانتهاء المدة المحددة لخدمته المؤقتة، فإذا أعيد بعد ذلك لمدة أخرى محددة لذلك كان هذا تعييناً جديداً له صفة التوقيت. ولا صحة في القول بأن استطالة الخدمة في هذه الحالة تقلب الصفة المؤقتة إلى دائمة لأن هذا يتعارض مع أوضاع الميزانية من جهة إذ يخضعها لظروف العامل ويفضي إلى تعديلها تبعاً لذلك. كما يخالف أحكام كادر العمال من جهة أخرى، إذ يخرج على ما تقضي به هذه الأحكام.


إجراءات الطعن

في 20 من يوليه سنة 1959 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عن السيدين وزير المواصلات التنفيذي ومدير عام هيئة السكك الحديدية بصفتيهما للإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1149 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بتاريخ 21 من مايو سنة 1959 في الدعوى رقم 536 لسنة 4 القضائية المقامة من السيد/ محمد أبو زيد أحمد ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية والقاضي باستحقاق المدعي تسوية حالته في درجة مساعد صانع اعتباراً من نوفمبر سنة 1942 وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق المالية المستحقة وألزمت الحكومة المصروفات. وطلبت الحكومة للأسباب المبينة في صحيفة طعنها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده وإلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين" وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 24 من سبتمبر سنة 1959. وقد أبلغ الخصوم بجلسة 13 من نوفمبر سنة 1960 المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره أمامها جلسة 31 من ديسمبر سنة 1960، وفي هذه الجلسة الأخيرة سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى هذه الجلسة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يستفاد من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده السيد/ محمد أبو زيد أحمد أقام الدعوى رقم 536 لسنة 4 القضائية ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة المذكورة في 25 من يوليه سنة 1957، طلب فيها الحكم باعتباره في درجة مساعد صانع من تاريخ دخوله في الخدمة في 21 من نوفمبر سنة 1942 مع منحه درجة صانع دقيق اعتباراً من أغسطس سنة 1951 وما يترتب على ذلك من آثار مع صرف الفروق المالية اعتباراً من أول مايو سنة 1945 وإلزام المدعى عليها بالمصروفات. وقال بياناً لدعواه أنه عين في خدمة مصلحة السكك الحديدية (هندسة سكة حديد القباري) في 21 من نوفمبر سنة 1942 في درجة صانع دقيق (نجار) بعد تأدية امتحان ثابت بملف خدمته، وحين صدر كادر عمال اليومية في سنة 1945، لم تطبق أحكامه في حقه باعتبار كونه معيناً (ظهورات) وفي أغسطس سنة 1951 أعيد امتحانه لدرجة صانع دقيق نجار التي يشغلها وقال أنه يحق له من ثم المطالبة باعتباره في درجة مساعد صانع من تاريخ دخوله الخدمة مع مراعاة ترقيته إلى درجة صانع دقيق من أغسطس سنة 1951، ثم أوضح أن ما تدفع به الجهة الإدارية من أنه كان عاملاً مؤقتاً يرد عليه بأن كادر العمال لم يرد فيه نص يحرم طائفة العمال المؤقتين من تطبيق أحكامه، أو يقصر الانتفاع بهذه الأحكام على العمال الدائمين، وفضلاً عما تقدم فإنه يعتبر عاملاً له صفة الدوام من حيث الواقع، لأنه اكتسب هذه الصفة باستمراره في الخدمة استمراراً لا يتخلله فترات انقطاع طويلة على ما قضت به أحكام مستقرة صادرة من القضاء الإداري. وقد ردت الجهة الإدارية بأن المدعي لا يتحقق فيه شرط تطبيق أحكام كادر العمال، لأن هذا التطبيق منوط بأن يكون للعامل صفة الدوام والاستقرار في عمله، ولذلك كان الأصل فيه أن يطبق على العمال الدائمين أما العمال الظهورات أمثال المدعي فلا يفيدون من أحكامه، ثم بينت بعد ذلك أن مدد خدمته متقطعة كما هو ظاهر من الكشف المبين لمدد خدمته، وفضلاً عما تقدم فإنه دخل الخدمة بدون امتحان ولم يكن حاصلاً على الشهادة الابتدائية. وبجلسة 21 من مايو سنة 1959 حكمت المحكمة الإدارية بالإسكندرية "باستحقاق المدعي تسوية حالته في درجة مساعد صانع اعتباراً من 21 من نوفمبر سنة 1942 وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق المالية المستحقة وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أنه "متى كانت القاعدة أن يفيد العمال المؤقتون المعينون في الخدمة قبل أول مايو سنة 1945 من أحكام كادر العمال إذا اكتسبوا صفة الاستقرار والدوام باستمرارهم في الخدمة استمراراً لا تتخلله فترات انقطاع طويلة تزيد على الإجازات المسموح بها ومتى كانت هذه المحكمة استظهرت استقرار المدعي واستقراره في الفترة السابقة على أول مايو سنة 1945 فإنه يفيد من أحكام كادر العمال بحيث تسري أحكامه في حقه بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ تعيينه واستظهرت المحكمة بعد ذلك إلى أنه لا يستحق درجة صانع دقيق بعد خمس سنوات من تاريخ تعيينه لاكتمال هذه المدة بعد تاريخ نفاذ كادر العمال، ومن ثم لا يستحق هذه الترقية افتراضاً، بل يتعين لترقيته إلى هذه الدرجة اتباع الأحكام المنصوص عليها في كادر العمال ومراعاة وجود درجة خالية وسائر شروط الترقية إلى درجة صانع دقيق".
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن العامل متى عين بصفة مؤقتة وتخصصت طبيعة الرابطة القانونية التي تحدد مركزه القانوني في علاقته بالحكومة عند تعيينه على هذا النحو بالقرار الصادر بهذا التعيين على وفق أوضاع الميزانية فإنه يخرج بذلك عن نطاق تطبيق كادر العمال كما أكد ذلك كتاب وزارة المالية رقم 782/ 31/ 29 الصادر في أبريل سنة 1947 كما بني على أنه لا صحة في القول بأن استطالة الخدمة في هذه الحالة تقلب الصفة المؤقتة إلى دائمة لأن هذا يتعارض مع أوضاع الميزانية من جهة إذ يخضعها لظروف العامل ويفضي إلى تعديلها تبعاً لذلك كما يخالف أحكام كادر العمال من جهة أخرى إذ يخرج على ما تقضي به هذه الأحكام.
ومن حيث إنه يبين من استظهار حالة المدعي - من واقع ملف خدمته وباقي الأوراق - أنه التحق بخدمة مصلحة السكك الحديدية في 21 من نوفمبر سنة 1942 في وظيفة نجار بأجر يومي قدره 120 مليماً بصفة غير دائمة (ظهورات) وأنه استمر على هذا الوضع حتى بعد نفاذ أحكام كادر عمال اليومية وتطبيقه على عمال مصلحة السكك الحديدية، وعلى أثر تعديه أثناء العمال على أحد سائقي السيارات وقف عن العمل ثم رفع قرار الوقف بقرار أصدره مدير عام المصلحة في 20 من ديسمبر سنة 1952 ذكر فيه أنه عامل مؤقت (ظهورات) وفي مايو سنة 1952 منح أجراً جزافياً مقداره مائتا مليم يومياً ولم يثبت في الأوراق أنه أدى امتحاناً أو أنه منح علاوة بعد ذلك، وأنه عين في درجة صانع دقيق كما يقول، كما تبين من الأوراق أن مدة خدمته متقطعة، ولذلك لم يطبق عليه كادر العمال عند نفاذه في سنة 1945.
ومن حيث إنه ظاهر مما تقدم أن المدعي التحق بخدمة مصلحة السكك الحديدية في 21 من نوفمبر سنة 1942 في وظيفة نجار بصفة مؤقتة، وأنه لم يطبق عليه كادر عمال اليومية الدائمين عند تنفيذه، بسبب هذه الصفة المؤقتة التي لم تنفك عنه حتى الآن، وكان تعيينه ينتهي بانتهاء المدة المحددة له ثم يعاد تعيينه من جديد بالصفة المؤقتة التي كان عليها من قبل، كما أن المذكور ليس من طائفة العمال الدائمين الذين تحققت فيهم شروطه، وقت تنفيذ كادر العمال، حتى تنطبق عليهم أحكامه بأثر رجعي، وفضلاً عما تقدم فقد ظل على وضعه المؤقت بعد تنفيذ كادر العمال كما سلف الإيضاح.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن العامل متى عين بصفة مؤقتة، وتخصصت طبيعة الرابطة القانونية التي تحدد مركزه القانوني في علاقته عند تعيينه على هذا النحو بالقرار الصادر بهذا التعيين على وفق أوضاع الميزانية، فإنه يخرج بذلك عن نطاق تطبيق أحكام كادر العمال كما أكد ذلك كتاب وزارة المالية رقم 782 - 31/ 29 الصادر في 29 من أبريل سنة 1947 والأصل في مثل هذا العامل أنه يعتبر مفصولاً بانتهاء المدة المحددة لخدمته المؤقتة، فإذا أعيد بعد ذلك لمدة أخرى محددة لذلك كان هذا تعييناً جديداً له صفة التوقيت وهي الصفة التي لم تزايله حتى بعد تنفيذ كادر العمال كما سلف البيان. ولا صحة في القول بأن استطالة الخدمة في هذه الحالة تقلب الصفة المؤقتة إلى دائمة لأن هذا يتعارض مع أوضاع الميزانية من جهة إذ يخضعها لظروف العامل ويفضي إلى تعديلها تبعاً لذلك. كما يخالف أحكام كادر العمال من جهة أخرى، إذ يخرج على ما تقضي به هذه الأحكام وبخاصة وأنه لم يستظهر من ملف خدمته ومن باقي الأوراق أنه عين على درجة دائمة من درجات كادر العمال.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه فيما قضى به من استحقاق المدعي تسوية حالته بدرجة مساعد صانع من تاريخ دخوله الخدمة في 21 من نوفمبر سنة 1942 وما يترتب على ذلك من آثار، ويتعين من ثم القضاء بإلغائه وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 102 لسنة 6 ق جلسة 18 / 2 / 1961 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 2 ق 87 ص 665

جلسة 4 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني ومصطفى كامل إسماعيل وحسني جورجي ومحمد مختار العزبي المستشارين.

---------------

(87)

القضية رقم 801 لسنة 5 القضائية

موظف - ترقية - شرطة - مجلس البوليس الأعلى 

- نظام الترقية قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 - حق مجلس البوليس الأعلى في ترقية أحد المعاونين مع تأخير أقدميته في الدرجة المرقى إليها بدلاً من تركه في الترقية - القول بأن تأخير الأقدمية عقوبة غير سليم - أساس ذلك.

---------------
قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة كانت الترقيات بالجدارة ومن ثم فإنه مما لا شك فيه أن مجلس البوليس الأعلى كان يملك تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة وقد كانت صحيفة خدمته تبرر هذا التخطي وفي هذه الحالة كان سيترتب على تخطيه في الترقية أن يبقى في الدرجة السادسة وأن يسبقه جميع من يلونه في الأقدمية في الدرجة السادسة الذين يتقرر ترقيتهم إلى الدرجة الخامسة، فإذا كان مجلس البوليس الأعلى رأى أن لا يحرم المدعي من الترقية مكتفياً بتأخيره في الأقدمية ثلاثين معاوناً فإن مثل هذا القرار مما يدخل في اختصاصه ولا يحتج على ذلك بأن قرار التأخير في الأقدمية لا يعدو أن يكون عقوبة، وإذ كان المدعي قد سبق معاقبته بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه، فإنه يكون قد عوقب مرتين من أجل جرم واحد، لا يجوز الاحتجاج بهذا القول لأن الترقية لم تكن حتمية بل هي جوازية للمجلس حسبما يتبين من صحيفة خدمة الموظف المعروض أمر ترقيته، فإذا وجد أن صحيفة لا ترشحه للترقية جاز له تخطيه ويكون سبب التخطي في هذه الحالة سوء صحيفة الموظف بما ارتكبه من مخالفات ووقع عليه من أجلها من جزاءات، فالتخطي في الترقية في هذه الحالة ليس عقوبة ثانية من أجل جرم واحد وإنما هو نتيجة لسوء صحيفة خدمة الموظف مما يجعله غير جدير بالترقي، ومن ثم فإن قرار مجلس البوليس الأعلى بتأخير أقدمية المدعي ثلاثين معاوناً لم يكن عقوبة ثانية وإنما كانت نتيجة لسوء صحيفة المدعي وقد رأى المجلس عدم حرمانه من الترقية والاكتفاء بهذا التخطي.


إجراءات الطعن

في 27 من أبريل سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 801 سنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 26 من فبراير سنة 1959 في الدعوى رقم 12215 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ الحسيني أحمد الحديدي ضد وزارة الداخلية والقاضي "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 525 بتاريخ 16 من يوليه سنة 1948 فيما تضمنه من تأخير أقدمية المدعي ثلاثين معاوناً مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى. وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 28 من يونيه سنة 1959 وإلى المطعون ضده (المدعي) في 2 من يوليه سنة 1959 وعرض على دائرة فحص الطعون بجلسة 26 من يونيه سنة 1960 فقررت إحالة المدعي إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 19 من نوفمبر سنة 1960 وبعد المداولة في الجلسات قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 21 من يناير سنة 1961 ثم قررت مد أجل إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي بعريضة مؤرخة 26 من يوليه سنة 1954 أقام الدعوى رقم 12215 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزارة الداخلية طلب فيها الحكم "بإلغاء قرار مجلس البوليس الأعلى الصادر في 5 من يوليه سنة 1948 والخاص بتأخير أقدمية المدعي ثلاثين معاوناً وبتعديل أقدميته للدرجة الخامسة إلى أول يناير سنة 1948 وجعل اسمه في كشف الأقدمية بعد السيد/ إبراهيم أحمد منصور مع إلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وحفظ كافة حقوق المدعي التي تترتب على هذا التعديل" وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه تخرج في كلية الحقوق في سنة 1937 وعين بوظيفة معاون إدارة في 11 من يوليه سنة 1939 في الدرجة السادسة وكان اسمه في كشف الأقدمية تالياً لاسم السيد/ إبراهيم أحمد منصور وفي سنة 1945 أسندت إليه أعمال التموين بمركز كفر صقر في وقت كانت تعليمات التموين فيه متضاربة، وفي ديسمبر سنة 1945 لاحظ أحد مراجعي حسابات التموين أن هناك إذنين بمقدار 952 أقة سكر صرفاً من تاجري جملة زيادة وقد أجرت النيابة العمومية تحقيقاً في الموضوع تبين لها فيه أن المسئول عن هذين الإذنين هو كاتب التموين الذي يمسك الدفاتر ويحرر التصريحات ويوقعها - أما المدعي فمسئوليته لا تعدو أن تكون تقصيراً منه في مراجعة الدفاتر وهذا التقصير يسأل عنه إدارياً إذا شاءت الوزارة ولم تطلب النيابة مجازاته إدارياً ومع ذلك فقد عاقبته الوزارة بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه وحرمانه من علاوة كان يستحقها في ذلك الوقت فتظلم المدعي من هذا القرار، وفي شهر يوليه سنة 1948 رقي المدعي إلى الدرجة الخامسة وفي شهر يناير سنة 1954 رقي إلى الدرجة الرابعة وصدرت حركة ترقيات إلى وظائف مأموري مراكز ولما لم يجد المدعي اسمه في هذه الحركة بحث عن السبب فتبين له أن مجلس البوليس الأعلى عندما أصدر قراره في 5 من يوليه سنة 1948 بترقيته إلى الدرجة الخامسة نص في ذات القرار على تأخير أقدميته ثلاثين معاوناً وقد ظل هذا الشق من القرار خافياً عن المدعي حتى علم به في أواخر يونيه سنة 1954، وقال المدعي أن هذا القرار صدر باطلاً لمخالفته للمادة 11 من قانون هيئات البوليس التي توجب سماع أقوال الضابط عند تخطيه وإذا كان هذا القرار هو نتيجة للجزاء الإداري السابق للوزارة توقيعه على المدعي فإنه يكون عقوبة ثانية ولا يجوز توقيع عقوبتين على جرم واحد في أوقات متفرقة كما أن مجلس البوليس الأعلى لا يملك تأخير أقدمية موظفي هيئات البوليس إذ أن سلطته في التخطي مقصورة على ضباط البوليس وحدهم - وقد ردت الوزارة على الدعوى بأنه بناء على ما ثبت في الجنحة رقم 283 لسنة 1947 كفر صقر من تهاون واستهتار المدعي في تصاريح التموين منذ كان منتدباً لمراقبة تموين الشرقية تقرر مجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من ماهيته في 12 من يونيه سنة 1947 ثم قرر مجلس البوليس الأعلى في 5 من يوليه سنة 1948 ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة من 11 من يوليه سنة 1948 مع تأخير أقدميته ثلاثين معاوناً وسجل ذلك بملف خدمته وفي 22 من يناير سنة 1953 تقرر ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة ومضت الوزارة تقول أن القرار رقم 525 الصادر في 11 من يوليه سنة 1948 بترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة مع تأخير أقدميته ثلاثين معاوناً قد استقر بفوات موعد الطعن فيه وإنه إن صح للمدعي أن يحتج بعدم إعلانه بقرار تأخير أقدميته ليستعمل حقه في الطعن فيه فإنه ليس له أن يحتج بذلك بعد صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 الذي خول للموظف حق الوقوف على وضعه في الأقدمية وغير ذلك من بيانات من ملف خدمته وهذا بالإضافة إلى أن الوزارة على صلة مستمرة بموظفيها عن طريق الأوامر العمومية التي تصدر أسبوعياً شاملة التنقلات والترقيات والجزاءات وخلافها ويتحتم على كل ضابط الاطلاع على هذه الأوامر وقت صدورها ليكون على علم بما يجرى في الوزارة ومن ثم فيكون المدعي بتراخيه قد فوت على نفسه موعد الطعن في القرار المشار إليه - وبجلسة 26 من فبراير سنة 1959 أصدرت محكمة القضاء الإداري الحكم المطعون فيه وهو يقضي بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 525 الصادر في 16 من يوليه سنة 1948 فيما تضمنه من تأخير أقدمية المدعي ثلاثين معاوناً مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي قد تحددت أقدميته في الدرجة السادسة ولم يكن جائزاً عند ترقيته إلى الدرجة الخامسة في دوره أن يتقدمه في هذه الدرجة من كان تالياً له في الأقدمية وعلى فرض أن التأخير عقوبة فما كان يجوز أن يصدر بها قرار من وزير الداخلية وإنما كان يتعين أن يصدر بهذا التأخير قرار من مجلس التأديب وهذا فضلاً عن أنه سبق مجازاة المدعي عن الإهمال الذي نسب إليه. وقد طعن السيد رئيس هيئة المفوضين في هذا الحكم طالباً إلغاءه والقضاء برفض الدعوى واستند في طعنه إلى أنه قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة كانت الترقيات تجرى على أساس الجدارة وقد كان مجلس البوليس الأعلى يملك تخطي المدعي في الترقية بسبب ما نسب إليه من تقصير ومن ثم فقد كان للمجلس من باب أولى أن يؤخر أقدمية المدعي ثلاثين معاوناً.
ومن حيث إن الثابت أن المدعي حصل على ليسانس الحقوق في سنة 1937 والتحق بخدمة وزارة الداخلية في وظيفة معاون إدارة في 16 من يوليه سنة 1939 واعتبر في الدرجة السادسة من تاريخ التحاقه بالخدمة وفي شهر مايو سنة 1944 وقعت عليه عقوبة الإنذار لأنه صرف كميات من الكيروسين لبعض الأفراد أقل من المقرر لهم وصرف الفرق لآخرين - وفي شهر مارس سنة 1945 عوقب بخصم عشرة أيام من مرتبه لإهماله في مسألة تحديد إيجار وقف خيري الكونت سليم شديد المشمول بنظارة مديرية الشرقية وفي أول مايو سنة 1945 ندب للعمل بمراقبة تموين مديرية الشرقية وفي أثناء وجود المدعي هناك تبين وجود تلاعب في الكميات المنصرفة من تموين السكر بمركز كفر صقر إذ صرفت كمية قدرها 610 أقة سكر لأحد تجار التجزئة عن شهر أغسطس سنة 1945 كما صرف لتاجر آخر كمية قدرها 352 أقة عن شهر سبتمبر سنة 1945 وقد تولت النيابة العامة التحقيق وأوقف المدعي عن عمله بسبب ذلك في 10 من فبراير سنة 1946 وأعيد لعمله في 13 من مارس سنة 1946 وقد كشف تحقيق النيابة عن أن بعض أعمال التموين الهامة كمراجعة دفاتر التجار على التصريحات كان يؤديها أحياناً شخص ليس من موظفي التموين بل هو شقيق أحد تجار التجزئة كما تبين أن المدعي كان يترك ختمه أحياناً لكاتب التموين للتوقيع به كما ثبت أن التصريحين اللذان بموجبهما صرفت الكميتان من السكر المشار إليهما آنفاً قد أعدما بعد مراجعتهما مما تعذر معه إثبات تزويرهما من عدمه وقد نسبت النيابة إلى المدعي الإهمال في مراجعة الدفاتر وانتهت إلى قيد القضية جنحة ضد مجهول وأمرت بحفظها لعدم معرفة الفاعل ورأت النظر في أمر المعاون إدارياً، وقد رأت الوزارة أن المدعي قد أهمل في مراجعة دفاتر التجار بنفسه واعتمد في ذلك على كتاب التموين وعلى شخص آخر لا صلة له بمكتب التموين كما أن المدعي استمر في اتباع نظام التصاريح رغم توجيه نظره إلى ضرورة إيقاف هذا النظام ولجأ إلى إعدام التصاريح عند المراجعة الشهرية مما ينبئ عن سوء إدارته، ولذلك قررت الوزارة في 12 من يونيه سنة 1945 مجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه مع نقله من مديرية الشرقية فنقل إلى مديرية أسوان وفي سنة 1948 حل دوره للترقية إلى الدرجة الخامسة فاستعرض مجلس البوليس الأعلى حالته وقرر في 5 من يوليه سنة 1948 ترقيته إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 11 من يوليه سنة 1948 مع تأخير أقدميته ثلاثين معاوناً وبناء على ذلك أصدرت الوزارة القرار المطعون فيه برقم 525 بتاريخ 11 من يوليه سنة 1948 بترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة مع تأخير أقدميته ثلاثين معاوناً.
ومن حيث إنه قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة كانت الترقيات بالجدارة ومن ثم فإنه مما لا شك فيه أن مجلس البوليس الأعلى كان يملك تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة وقد كانت صحيفة خدمته تبرر هذا التخطي وفي هذه الحالة كان سيترتب على تخطيه في الترقية أن يبقى في الدرجة السادسة وأن يسبقه جميع من يلونه في الأقدمية في الدرجة السادسة الذين يتقرر ترقيتهم إلى الدرجة الخامسة فإذا كان مجلس البوليس الأعلى رأى أن لا يحرم المدعي من الترقية مكتفياً بتأخيره في الأقدمية ثلاثين معاوناً فإن مثل هذا القرار مما يدخل في اختصاصه ولا يحتج على ذلك بأن قرار التأخير في الأقدمية لا يعدو أن يكون عقوبة، وإذ كان المدعي قد سبق معاقبته بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه، فإنه يكون قد عوقب مرتين من أجل جرم واحد، لا يجوز الاحتجاج بهذا القول لأن الترقية لم تكن حتمية بل هي جوازية للمجلس حسبما يتبين من صحيفة خدمة الموظف المعروض أمر ترقيته فإذا وجد أن صحيفته لا ترشحه للترقي جاز له تخطيه ويكون سبب التخطي في هذه الحالة سوء صحيفة الموظف بما ارتكبه من مخالفات ووقع عليه من أجلها من جزاءات فالتخطي في الترقية في هذه الحالة ليس عقوبة ثانية من أجل جرم واحد وإنما هو نتيجة لسوء صحيفة خدمة الموظف مما يجعله غير جدير بالترقي، ومن ثم فإن قرار مجلس البوليس الأعلى بتأخير أقدميته ثلاثين معاوناً لم يكن عقوبة ثانية وإنما كان نتيجة لسوء صحيفة المدعي وقد رأى المجلس عدم حرمانه من الترقية والاكتفاء بهذا التخطي.
ومن حيث إنه لذلك يكون قرار الوزارة المطعون فيه قد صدر صحيحاً ويكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب هذا المذهب قد خالف القانون مما يتعين معه الحكم بإلغائه وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصاريف.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.