جلسة 16 من يونيه سنة 1953
المؤلفة من حضرة رئيس المحكمة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيسا, وحضرات المستشارين: إبراهيم خليل وإسماعيل مجدي ومحمود إبراهيم إسماعيل وأنيس غالي أعضاء.
------------------
(352)
القضية رقم 1314 سنة 22 القضائية
(أ) دعوى مدنية.
صدور الحكم بتعويض مؤقت النعي عليه بأنه لم يحدد خطأ المجني عليه ومبلغ تأثيره على مقدار التعويض لا محل له.
(ب) دعوى مدنية.
مسئول عن الحقوق المدنية. الحكم برفض طلب تدخله أمام المحكمة الاستئنافية خصما منضما إلى المتهم في ظل قانون تحقيق الجنايات القديم. حكم صحيح.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن الأول بأنه: تسبب بغير قصد ولا تعمد في قتل يحيى محمد نصر وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه ورعونته ومخالفته اللوائح, وذلك أنه وهو ممن يمارسون حرفة إصلاح السيارات قد أقدم على قيادة سيارة نقل لا تتوافر فيها شروط المتانة والأمن وسار بها بدون استعمال النفير لتنبيه المارة بسرعة تزيد كثيرا جدا عن المصرح به بمقتضى اللوائح وبرعونة وإهمال دون التحرز والاحتياط فصدم المجني عليه أثناء عبوره الطريق صدمة قوية دفعته إلى مسافة بعيدة فأودت هذه الصدمة بحياته ولم تمنع شدة الاصطدام من حدة السيارة فاندفع بها إلى يسار الطريق وبنفس السرعة فاصطدم بسيارة أخرى كانت قادمة من الاتجاه المضاد, وطلبت عقابه بالمادة 318 من قانون العقوبات. وقد ادعى كل من محمد نصر النجومي "والد المجني عليه" ورياض جمجوم بحق مدني وطلب الحكم له بمبلغ 21 جنيها على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة الوايلي الجزئية قضت حضوريا ببراءة المتهم مما أسند إليه وبرفض الدعويين المدنيتين وألزمت رافعيها بالمصاريف الخاصة بهما. فاستأنفت النيابة هذا الحكم كما استأنفه المدعيان بالحق المدني. ومحكمة مصر الابتدائية "بهيئة استئنافية" بعد أن نظرت هذه الدعوى قضت حضوريا بإلغاء الحكم المستأنف والحكم أولا: بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل, وثانيا: بإلزام المتهم بأن يدفع إلى محمد نصر النجومي المدعي بالحق المدني مبلغ 21 جنيها على سبيل التعويض المؤقت, وثالثا: بإلزام المتهم بأن يدفع إلى رياض عبد القادر جمجوم المدعي بالحق المدني مبلغ 20 جنيها على سبيل التعويض, ورابعا: بإلزام المتهم بالمصاريف المدنية المناسبة عن الدرجتين بالنسبة إلى الدعويين المدنيتين. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.
ومحكمة النقض بعد أن نظرت هذا الطعن قضت بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة مصر الابتدائية لتحكم فيها من جديد دائرة استئنافية أخرى وإلزام المدعيين بالحقوق المدنية بالمصاريف المدنية. أعيدت القضية ثانية وفي أثناء نظرها أمام محكمة مصر الابتدائية طلب الحاضر مع المتهم إدخال شركة الامنيبوس العمومية بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية. والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماعها قضت فيها غيابيا بالنسبة لطلب التدخل المقدم من المسئول عن الحقوق المدنية "شركة الامنيبوس المصرية" برفضه وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وإلزامه بأن يدفع إلى محمد نصر النجومي مبلغ 21 جنيها على سبيل التعويض المؤقت وإلى رياض عبد القادر جمجوم 20 جنيها على سبيل التعويض المؤقت وبالمصاريف المدنية عن الدرجتين للدعويين. فعارض المحكوم عليه غيابيا في هذا الحكم وقضى في معارضته أولا: في الدعوى الجنائية برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه بلا مصاريف, وثانيا: في الدعوى المدنية المرفوعة من محمد نصر النجومي بتأييد الحكم المعارض فيه مع إلزام المتهم بالمصاريف المدنية, وثالثا: في الدعوى المدنية المرفوعة من رياض جمجوم بإلغاء الحكم المعارض فيه وبعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظرها مع إلزام رافعها بالمصاريف عن الدرجتين. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن الأول اتهم بأنه في 4 مارس سنة 1947 تسبب بغير قصد ولا تعمد في قتل يحيى محمد نصر وهي جنحة منطبقة على المادة 238 من قانون العقوبات, ولما كانت الدعوى العمومية تنقضي في مواد الجنح بمضي ثلاث سنين وكانت المادة 17 من قانون الإجراءات الجنائية - قبل تعديلها بالمرسوم بقانون رقم 340 الصادر في 18 ديسمبر سنة 1952 - قد أوجبت في فقرتها الأخيرة ألا تطول مدة التقادم المقررة للدعوى الجنائية بسبب الانقطاع لأكثر من نصفها - لما كان ذلك, وكان قد مضى أكثر من اربع سنوات ونصف منذ وقعت الجريمة في 4 مارس سنة 1947 إلى يوم 15 أكتوبر سنة 1951 الذي استقر قضاء هذه المحكمة على أن يطبق ابتداء منه نصوص قانون الإجراءات الجنائية التي تكون أصلح للمتهم, فإنه يتعين نقض الحكم بالنسبة للدعوى العمومية والقضاء ببراءة الطاعن لانقضاء تلك الدعوى بمضي المدة.
وحيث إنه بالنسبة للدعوى المدنية فإن الطاعن الأول ينعي على الحكم المطعون فيه أنه قضى في الدعوى المدنية دون انتظار الفصل في الطعن المرفوع من المسئول عن الحقوق المدنية عن الحكم الصادر في 7 فبراير سنة 1951 القاضي برفض تدخله لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية مع أنه مسئول مع المتهم بالتضامن, وكان على المحكمة أن تتريث في الفصل في الدعوى المدنية منعا من تضارب الأحكام في حالة قبول الطعن المرفوع من المسئول عن الحقوق المدنية.
... حيث إن قانون الإجراءات قد أوجب على المحكمة في المادة 311 منه أن تفصل في الطلبات التي تقدم لها من الخصوم وتبين الأسباب التي تستند إليها, ونصت المادة 309 من ذلك القانون على أن "كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية أو المتهم, وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه ارجاء الفصل في الدعوى الجنائية..." - لما كان ذلك فإنه كان يتعين على المحكمة أن تفصل في الدعوى المدنية التي رفعها والد المجني عليه تبعا للدعوى الجنائية طالبا تعويضه عن الضرر الذي لحقه من فعل المتهم في ذات الحكم الصادر في الدعوى الجنائية ما دامت رأتها صالحة للحكم.
... وحيث إن الطاعن الأول يأخذ أيضا على المحكمة المطعون في حكمها أنها إذ قضت عليه بالتعويض قد أخطأت في تطبيق القانون وأخلت بدفاعه وجاءت أسباب حكمها متخاذلة, ذلك أن المحكمة أوردت جميع الأدلة ما هو في صالح المتهم منها وما في غير صالحه ولم ترجح بين هذه الأدلة وبين ما أطرحته منها, وفضلا عن ذلك فإن الطاعن دفع أمام محكمة أول درجة بأنه لم يكن في وسعه أن يفادي المجني عليه مهما كانت سرعة السيارة, لأنه ظهر فجأة أمامها وعلى مسافة قريبة جدا, فلم يكن الحادث بذلك يتوقف على مجرد الإسراع, وكان الدفاع عن الطاعن قد طلب من المحكمة الاستئنافية تحقيق ذلك فنيا فلم تجبه إلى ما طلب وقالت إن المتهم لو كان يسير حسب اللوائح ما حصلت الحادثة, مع أن وضوح هذه المسألة وجلاءها بالتحقيق كان يكفي لإثبات أن الحادثة كان لابد من وقوعها بغض النظر عن إسراع المتهم, لأن المجني عليه خرج من طريق جانبي ما كان الطاعن ينتظر خروجه منه, ولم يتأكد من خلو الطريق بل اندفع يعدو فتسبب بخطئه هو في وقوع الحادث, وانقطعت بهذا الخطأ علاقة السبيبة بين فعل الطاعن من انحرافه إلى اليسار لمفاداته وبين إصابة المجني عليه, وقد سلم الحكم بخطأ المجني عليه ولكنه حمل الطاعن مسئولية الحادث كاملة, وكان يجب على المحكمة عند الفصل في المسئولية المدنية أن تحدد مدى خطأ المجني عليه ومبلغ تأثيره في مقدار التعويض.
وحيث إن الحكم قد بين واقعة الدعوى بأن المجني عليه كان يركب سيارة من سيارات الأوتوبيس نزل منها وأخذ في عبور الطريق إلى جانبه الآخر فأدركته سيارة المتهم وصدمته ووجدت آثار فرامل السيارة على مسافة عشرة أمتار من مكان الحادث وأن المتهم كان يقودها بسرعة زائدة قدرها بعض الشهود بستين كيلومترا في الساعة وكانت فراملها ضعيفة وفرملة اليد اليمنى لا تؤدي عملها على الوجه المطلوب, ولم يستعمل جهاز التنبيه, ولو أنه استعمله لسمعه المجني عليه فاحتاط لنفسه, هذا إلى أن المتهم قاد السيارة برعونة غير محترز عند مروره بجوار سيارة أخرى - لما كان ذلك وكان الحكم قد أثبت على الطاعن من أسباب الإهمال وعدم الاحتياط غير مجرد إسراعه, ما يتوافر به ركن الخطأ, كما بين أن خطأه هو الذي أدى إلى وقوع الحادث ووفاة المجني عليه بسببه, وأورد على ذلك وعلى وقوع الجريمة من الطاعن أدلة مقبولة, ثم استطرد من ذلك إلى ذكر الضرر الذي أصاب والد القتيل من فعل الطاعن الذي ترتب عليه وفاة المجني عليه - لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن من قصور أسباب الحكم والخطأ في تطبيق القانون لا يكون له أساس.
وحيث إنه لما كان الأصل أن كل فعل خاطئ نشأ عنه ضرر للغير يوجب مسئولية فاعله عن تعويض الضرر, وكانت المحكمة قد أثبتت وقوع خطأ من المجني عليه وقالت إنه لا يجب الخطأ الواقع من المتهم, فمعنى ذلك أنها رأت أن خطأ الطاعن يربى على خطأ المجني عليه - ولما كانت الدعوى لم ترفع بالمطالبة بكامل التعويض عن الحادث بل بالتعويض الذي طلبه والد المجني عليه بصفة مؤقتة وهو مبلغ 21 جنيها وقد صدر الحكم بذلك, فإنه لا محل لما يثيره الطاعن في شأن المشاركة في الخطأ وتأثير ذلك على مقدار ما يتحمله من التعويض.
وحيث إن الطاعنة الثانية تبني طعنها على أن الحكم الاستئنافي إذ قضى برفض طلب تدخلها باعتبارها مسئولة عن الحقوق المدنية قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن شركة الأمنيبوس العمومية "الطاعنة" مسئوله مع المتهم بالتضامن وأساس تدخلها قائم على المواد 153, 154, 412 من قانون المرافعات, وهذا التدخل ضروري لغياب المتهم وعدم تمكنه من إبداء دفاعه لإظهار الحقيقة ولا يقاس على تدخل المدعي بالحقوق المدنية الذي قضت محكمة النقض بعدم جواز تدخله بعد الإحالة من محكمة النقض ما لم يكن ممثلا في الدعوى من قبل, وهو مبدأ يجب قصره على المدعي بالحقوق المدنية دون المسئول عنها, لأن الأخير مدافع والأول مدع ولا تجوز التسوية بينهما في الحكم.
وحيث إنه بعد نقض الحكم بتاريخ 17 يناير سنة 1949 وإحالة القضية على محكمة مصر الابتدائية لنظر موضوعها, تقدمت شركة الأمنيبوس العمومية بوصف كونها مسئولة عن الحقوق المدنية إلى تلك المحكمة طالبة تدخلها خصما منضما إلى المتهم فقضت بتاريخ 7 فبراير سنة 1951 برفض هذا الطلب, فطعنت الشركة في هذا الحكم بالطعن الحالي.
وحيث إنه لما كان نص الفقرة الثانية من المادة 412 من قانون المرافعات الذي استندت الطاعنة إليه في تبرير طلب تدخلها قد جاء استثناء من الحكم الوارد في الفقرة الأولى من تلك المادة لذى لا يجيز في الاستئناف إدخال من لم يكن خصما في الدعوى الصادر فيها الحكم المستأنف, وكانت المحكمة الجنائية لا ترجع إلى قانون المرافعات المدنية إلا عند إحالة صريحة على حكم من أحكامه وردت في قانون الإجراءات الجنائية, أو عند خلو هذا القانون من نص على قاعدة من القواعد العامة الواردة في قانون المرافعات - لما كان ذلك وكان الحكم برفض تدخل المسئولة عن الحقوق المدنية قد صدر في ظل قانون تحقيق الجنايات القديم, الذي لم يكن به نص مماثل لنص المادة 254 من قانون الإجراءات الجنائية الذي استحدثه الشارع وأجاز به للمسئول عن الحقوق المدنية أن يدخل من تلقاء نفسه في الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها, فإن ما قضت به المحكمة من رفض طلب تدخل المسئول عن الحقوق المدنية لأول مرة بعد نقض الحكم الأول, هو قضاء سليم مطابق للقانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعنة الثانية على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق