جلسة 6 من أبريل سنة 1961
برياسة السيد محمود عياد
نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف، وفرج
يوسف، وأحمد زكي محمد المستشارين.
--------------
(46)
الطعن رقم 58 لسنة 26
القضائية
(أ) أموال عامة.
"صفة المال العام وحصانته".
مجرد تخصيص المال
المملوكة للأفراد للمنفعة العامة بالفعل لا يكفي. وجوب اقترانه بانتقال الملكية
للحكومة. وضع اليد المدة الطويلة. كفايته.
(ب) حكم. تسبيب الأحكام.
قصور "ما لا يعد ذلك".
مثال.
-------------
1 - يعد من الأموال
العامة بمجرد التخصيص بالفعل للمنفعة العامة الأموال المملوكة للحكومة أو الهيئات
العامة عملاً بالمادتين 9 من القانون المدني الملغى و87 من القانون المدني الجديد.
أما الأموال المملوكة للأفراد فلا تكتسب صفة الأموال العامة بمجرد تخصيصها بالفعل
للمنفعة العامة إلا إذا انتقلت ملكيتها إلى الحكومة بإحدى طرق كسب الملكية المنصوص
عليها في القانون ومنها وضع اليد المدة الطويلة. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد
قرر أن ملكية الشارع محل النزاع قد انتقلت إلى الحكومة بتخصيصه ابتداءً للمنفعة
العامة المدة الطويلة المكسبة للملكية ومن ثم فتسري في شأنه، أحكام الأموال العامة
ولا تزول عنه صفة المال العام إلا بقانون أو مرسوم أو بانتهاء الغرض الذي من أجله
خصص للمنفعة العامة على ما تقضي به المادة 88 من القانون المدني.
2 - متى كان الحكم
المطعون فيه بعد أن بين دفاع الطاعنين وأشار إلى المستندات التي يعتمدان عليها في
إثبات ملكيتهما للشارع موضوع النزاع قرر أن ما يدعيانه في هذا الخصوص مردود بأن
طبيعة الشارع باعتباره من المنافع العامة ثابتة من مرور الترام به منذ عام 1912
إلى الآن نتيجة لاتفاق شركة الترام مع المالكين أصلاً للعقار الذي يقع ضمن الشارع
على تسيير خط الترام به وما زال كذلك حتى اليوم وما استتبع ذلك من استطراقه بمعرفة
الأهالي ومرور السيارات والعربات به بدون قيد ولا شرط تلك الفترة الطويلة، فإنه لا
يكون قد شابه قصور أو انطوى على إغفال وتشويه للمستندات.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعنين أقاما الدعوى رقم
4338 سنة 1949 كلي مصر على المطعون عليهم طالباً فيها الحكم بإلزام المطعون عليهما
الأولين بصفة مستعجلة بإزالة الأشياء التي وضعاها بالشارع المملوك لهما والمبين
بالعريضة خلال أسبوع من تاريخ الحكم وإلا كان من حقهما إزالتها بمصاريف يرجعان بها
على المطعون عليهما المذكورين متضامنين مع مصلحة التنظيم. وإلزام المطعون عليهما
متضامنين بأن يدفعوا لهما مبلغ خمسمائة جنية كتعويض مقابل الأضرار التي أصابتهما
من جراء شغل الشارع ومقابل انتفاع المطعون عليهما الأولين به وأسس الطاعنان الدعوى
على أنهما يملكان قطعة أرض بجزيرة الزمالك جعلاها شارعاً خصوصياً لأملاكهما وأن
المطعون عليهما الأولين وضعا مواد بناء على قطعة من أرض الشارع المذكور استناداً
إلى تصريح مصلحة التنظيم لهما بذلك بعد أن دفعا رسوم رخصة إشغال الطريق - دفع
المطعون عليهما الأولان بعدم وقوع خطأ من جانبهما لأن إشغالهما الطريق بأدوات
البناء تم استناداً إلى ترخيص مصلحة التنظيم ودفعت المصلحة المذكورة بأن الشارع محل
النزاع أصبح مخصصاً بالفعل للمنفعة العامة وبات بالتالي من أملاك الدولة العامة
بمضي المدة القانونية. وفي 31 من ديسمبر سنة 1951 قضت المحكمة برفض الدعوى فاستأنف
الطاعنان الحكم بالاستئناف رقم 270 سنة 29 ق القاهرة وفي 26 نوفمبر سنة 1955 قضت
المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف - وفي أول فبراير سنة 1956 طعن
الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة
11 من مايو سنة 1960 إحالته إلى هذه الدائرة وقدمت النيابة مذكرة صممت فيها على ما
جاء بمذكرتها قبل الإحالة من طلب نقض الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن يقوم
على تعييب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في البيان وإغفال
وتشويه المستندات من وجوه أربعة: أولها أن الحكم اعتمد في قضائه برفض الدعوى على
أن الشارع أصبح من المنافع العامة لمرور الترام به منذ سنة 1912 وما استتبع ذلك من
استطراقه بمعرفة الأهالي ومرور السيارات والعربات فيه بدون قيد أو شرط تلك الفترة
الطويلة ووجه الخطأ في ذلك على ما يقول الطاعنان إن أرض الشارع من أملاكهما الخاصة
ولم تتبع الحكومة في شأنهما الإجراءات الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة ومن ثم
تبقى ملكهما وأنه يشترط لاعتبار أرض ما من الملاك العامة بمجرد تخصيصها للمنفعة
العامة أن تكون من أملاك الدولة على ما هو ظاهر من نص المادة التاسعة من القانون
المدني الملغى والمادة 87 من القانون المدني الجديد. أما أملاك الأفراد فلا يلحقها
وصف الأملاك العامة إلا إذا اتخذت في شانها إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة.
وثانيها أن ما أورده الحكم المطعون فيه من أن طبيعة الطريق موضوع النزاع باعتباره
من المنافع العامة ثابتة من مرور الترام به من سنة 1912 إلى الآن نتيجة اتفاق شركة
الترام مع المالكين له أصلاً بالعقد المؤرخ 15/ 6/ 1912. وما أورده من أن الطاعنين
ومورثهما قد فقدوا كل مظهر من مظاهر الملكية لمدة تربو على الأربعين عاماً الأمر
الذي يلخص منه تنازلهم عن الملكية واكتسابه صفة المنفعة العامة. كل ذلك ينطوي على
خطأ في القانون لأن عقد 15/ 6/ 1912 يؤيد ملكية الطاعنين للشارع لأنه لم يتضمن سوى
التصريح لشركة الترام بمرور الترام به مقابل التزامها برصفه وإضاءته. وثالثها - إن
الحكم أغفل وشوه المستندات التي استند إليها الطاعنان بما قرره من أنه لا جدوى
لتلك المستندات في حين أنها تتضمن اعترافات متكررة من مصلحة التنظيم بملكيتهما
للشارع وساير الحكم المطعون فيه في ذلك حكم محكمة أول درجة الذي ذكر أن تاريخ تلك
الخطابات يرجع إلى أكثر من خمس عشرة سنة في حين أن أحدها مؤرخ في 24 أكتوبر
سنة1944 - فضلاً عن أن الحكم عاره قصور فيما قرره من أن الشارع أصبح من الأملاك
العامة وأن لا سبيل إلى تغيير صفته إلى أملاك خاصة إلا بقانون أو أمر إذ لم يبين
الحكم كيف أن الشارع وهو ملك خاص للطاعنين قد اكتسب صفة الأملاك العامة - ورابعها
أن ما قرره الحكم من أن الطاعنين ومورثهما قد تنازلاً عن ملكية الطريق وأنه اكتسب
صفة الأملاك العامة إذ فقد الطاعنان ومورثهما مظاهر الملكية لمن تزيد على أربعين
سنة. إن ما قرره الحكم في هذا الخصوص ينطوي على تشويه للمستندات المقدمة من
الطاعنين الدالة على تمسكهما بملكية الشارع وعلى اعتراف المطعون عليها الأخيرة
لهما بهذه الملكية وعلى أن تساهلهما ومورثهما من قبل في السماح للأفراد بالمرور من
الشارع. إنما كان من قبيل التسامح الذي لا يكسب حقاً مهما تقادم عليه العهد.
ومن حيث إن النعي بهذه
الوجه مردود. ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين دفاع الطاعنين وأشار إلى
المستندات التي يعتمدان عليها في إثبات ملكيتهما للشارع موضوع النزاع قرر أن ما
يدعيانه في هذا الخصوص "مردود بأن طبيعة الشارع باعتباره من المنافع العامة
ثابتة من مرور الترام به منذ عام 1912 إلى الآن نتيجة لاتفاق شركة الترام مع
المالكين أصلاً للعقار الذي يقع ضمنه الشارع تسيير خط للترام به وذلك بالعقد
المؤرخ 15/ 6/ 1912 ولا زال هذا الخط قائماً حتى اليوم وما استتبع ذلك من استطراقه
بمعرفة الأهالي ومرور السيارات والعربات به بدون قيد ولا شرط تلك الفترة
الطويلة" وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه لا مخالفة فيه للقانون ولا
يشوبه قصور كما أنه لا ينطوي على إغفال وتشويه للمستندات التي اعتمد عليها
الطاعنان في إثبات ملكيتهما للشارع موضوع النزاع - لأنه وإن كانت الأموال التي
تصبح من الأموال العامة بمجرد تخصيصها بالفعل للمنفعة العامة هي الأموال المملوكة
للحكومة أو الهيئات العامة عملاً بالمادتين 9 من القانون المدني الملغي، 87 من
القانون المدني الجديد - ومن ثم لا تكتسب الأموال المملوكة للأفراد صفة الأموال
العامة بمجرد تخصيصها بالفعل للمنفعة العامة إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من انتقال
الأموال إلى الحكومة بإحدى طرق كسب الملكية المنصوص عليها في القانون المدني ولما
كان للحكومة أن تتملك بوضع اليد المدة الطويلة شأنها في ذلك شأن الأفراد وكان وضع
اليد المدة الطويلة من وسائل كسب الملكية التي نص عليها القانون المدني الملغي
والقانون المدني الجديد وكانت المطعون عليها الأخيرة قد تمسكت أمام محكمة الموضوع
بأنها تملكت أرض الشارع بمضي المدة الطويلة وكان الحكم المطعون فيه قد أضفى على
الشارع المتنازع على ملكيته في الدعوى صفة الأموال العامة استناداً إلى مرور
الترام به من سنة 1912 واستطراقه بمعرفة الأهالي ومرور السيارات والعربات فيه بغير
قيد أو شرط فإن مؤدى ذلك أن الحكم قرر أن ملكية الشارع قد انتقلت إلى الحكومة
بتخصيصه ابتداءً للمنفعة العامة المدة الطويلة المكسبة للملكية. ومن ثم تسري في
شأنه أحكام الأموال العامة فلا تزول عنه صفة المال العام إلا بقانون أو مرسوم أو
بانتهاء الغرض الذي من أجله خصص للمنفعة العامة على ما تقضي به المادة 88 من
القانون المدني - ولما كان لم يصدر قانون أو مرسوم بزوال صفة المال العام عن ذلك
الشارع كما أن الغرض الذي من أجله خصص للمنفعة العامة لم ينته فإنه يظل معتبراً من
الأموال العامة - ولا يغير من ذلك ما جاء بخطاب المطعون عليها الأخيرة إلى سكرتير
نادي سبورتنج بالجزيرة المؤرخ 24 أكتوبر سنة 1944 من أن الشارع لا يدخل في ملكية
الحكومة وأنه من أملاك الطاعنين. لأن هذا الخطاب لا يقوم مقام القانون أو المرسوم
كما أن لا ينبئ عن انتهاء تخصيص الشارع للمنفعة العامة إذا كانت ملكية الشارع قد
انتقلت إلى الحكومة للمنفعة العامة. قبل صدور هذا الخطاب - لما كان ذلك فإن الطعن
يكون متعين الرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق