الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 أغسطس 2022

الطعن 125 لسنة 26 ق جلسة 28 / 12 / 1961 مكتب فني 12 ج 3 ق 142 ص 839

جلسة 28 من ديسمبر سنة 1961

برياسة السيد محمد متولي عتلم المستشار، وبحضور السادة: محمد زعفران سالم، ومحمود توفيق إسماعيل، وأحمد شمس الدين علي، ومحمد عبد اللطيف مرسي المستشارين.

--------------

(142)
الطعن رقم 125 لسنة 26 القضائية

(أ، ب) وقف. "تملك الوقف بالتقادم". التقادم المكسب. "شروطه".
أ - مناط حظر تملك الحائز للوقف أن يظل وضع يده مؤقتاً. وضع اليد المؤقت مانع من كسب الملكية بالتقادم مهما طال. تعتبر صفة وضع اليد تغييراً يزيل صفة الوقتية عنه بادعاء الحائز الملكية ويعارضه حق المالك بعمل ظاهر. للواقف أو ناظر الوقف في هذه الحالة كسب المال الموقوف بالتقادم المكسب الطويل المدة متى توافرت شروطه ودامت حيازته ثلاث وثلاثين سنة.
ب - تغيير الحائز الوقتي صفة وضع يده. مجرد نية التملك لا تكفي. وجوب اقتران تغيير النية بفعل إيجابي ظاهر يتضمن مجابهة لحق الملاك ولو كان جهة وقف. رهن العين الموقوفة من الحائز رهناً تأمينياً لا يتضمن المجابهة الظاهرة.
(جـ) التقادم المكسب "الالتزام بالضمان". وقف.
متى توافرت شروط التقادم المكسب جاز لواضع اليد أياً كان التملك. لا يحول دون ذلك التزامه بضمان التعرض أو الوفاء للوقف (في حالة العين الموقوفة). التقادم سبب قانوني للتملك ويستطيع غير المالك ولو كان ملتزماً بالضمان أن يتملك بهذا السبب.

---------------
1 - إذا كانت القواعد الشرعية تقضي بوجوب المحافظة على أبدية الأموال الموقوفة لتبقى على حالها من الدوام محبوسة أبداً عن أن يتصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات، وبأن الواقف وذريته وناظر الوقف والمستحقين فيه والمستأجرين والمحتكرين له وورثتهم مهما تسلسل توريثهم، لا يقبل من أيهم أن يجحد الوقف أو يدعي ملكيته لأنهم جميعاً مدينون له بالوفاء لأبديته، إلا أن مناط حظر تملك هؤلاء جميعاً للأعيان الموقوفة - على ما تقضي به قواعد القانون المدني - هو أن يظل وضع يدهم بصفاتهم تلك لأن وضع يدهم يكون عندئذ وضع يد مؤقت مانع من كسب الملكية بالتقادم مهما طال. أما إذا تغيرت صفة الحيازة تغييراً يزيل عنها صفة الوقتية ويكون ذلك إما بفعل الغير وإما بفعل الحائز يعتبر معارضة لحق المالك (م 79 مدني قديم و972 مدني) فإن الحائز في هذه الحالة ولو كان واقفاً أو ناظراً على الوقف يستطيع أن يكسب بالتقادم المال الموقوف، متى توافرت لديه شروط وضع اليد المكسب للملك بالمدة الطويلة ودامت حيازته له مدة ثلاث وثلاثين سنة (1).
2 - لا يكفي في تغيير الحائز صفة وضع يده مجرد تغيير نيته بل يجب أن يقترن تغيير النية بفعل إيجابي ظاهر يجابه به حق المالك بالإنكار الساطع والمعارضة العلنية ويدل دلالة جازمة على أن ذا اليد الوقتية مزمع إنكار الملكية على صاحبها واستئثار بها دونه، فإذا كان الرهن التأميني الذي لا يتجرد فيه الراهن عن الحيازة ولا يقترن بأي مظهر خارجي يتبين منه نية الغصب لا يتم به تغيير صفة الحيازة في التقادم المكسب على النحو الذي يتطلبه القانون، كما أن وضع يد الواقف المستحق في الوقف والناظر عليه حتى وفاته وضع يد وقتي وكذلك يكون وضع يد أولاده من بعده مشوباً بالوقتية ولو كان بنية التملك ومن ثم فإن رهن الواقف أو أحد أولاده عين الوقف رهناً تأمينياً لا يتم به تغيير صفة الحيازة إذ هو لا يتضمن مجابهة حق جهة الوقف بفعل إيجابي ظاهر.
3 - الأساس التشريعي للتملك بالتقادم الطويل - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو قيام قرينة قانونية قاطعة على توافر سبب مشروع للتملك لدى واضع اليد فمتى استوفي وضع اليد الشروط القانونية التي تجعله سبباً مشروعاً للتملك جاز لصاحبه - أياً كان - التملك. ولا يحول دون ذلك التزامه بضامن التعرض أو بالوفاء للوقف (في حالة الوقف) لأن التقادم سبب قانوني للتملك لاعتبارات ترجع إلي وجوب استقرار التعامل ويستطيع غير المالك ولو كان ملتزماً بالضمان أن يتملك بهذا السبب لأنه ليس في القانون ما يحرمه من ذلك. (2).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائعه - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بموجب إشهاد شرعي تاريخه 12 من يناير سنة 1905 أوقف المرحوم أحمد الألفي غنيم قطعة أرض مساحتها خمسة أفدنة شيوعاً في 17 فداناً و22 قيراطاً و8 أسهم كائنة بناحية سمنود بحوض ساقية شعيب وكسيرة نمرة 29 ضمن القطعة رقم 2 وجعل الوقف على نفسه حال حياته ثم من بعده تكون وقفاً خيرياً على مسجد عينه وعلى مدفن العائلة الملحق بهذا المسجد وشرط الواقف أن يكون النظر له ما دام حياً ومن بعده لابن أخيه محمد بدوي غنيم وقد توفي الواقف سنة 1907 وخلفه في النظر أبن أخيه المذكور الذي أستمر ناظراً حتى توفي في سنة 1933 وظل الوقف شاغراً بعد وفاته إلي أن عين محمود محمد بدوي غنيم ناظراً عليه في 8 من أكتوبر سنة 1939 بموجب قرار نظر صادر من محكمة طنطا الابتدائية الشرعية وحدث أنه في 2 من مارس سنة 1912 أجريت قسمة بين المستحقين لتركة الواقف سجل عقدها في 15 من الشهر المذكور وأختص بموجبها السيد أحمد الألفي غنيم أبن المورث بالـ 17 فداناً و22 قيراطاً و8 أسهم المشتاعة فيها الخمسة الأفدنة الموقوفة وفي 7 من أبريل سنة 1923 رهن المذكور ضمن ما رهنه للبنك العقاري المصري رهناً تأمينيناً الـ 17 فداناً و22 قيراطاً و8 أسهم سالفة الذكر وتوفي دون أن يسدد الدين المضمون بهذا الرهن فاتخذ البنك في سنة 1935 إجراءات نزع الملكية ضد ورثته ورسى مزاد هذا القدر وضمنه الجزء الموقوف بتاريخ 19 مايو سنة 1937 على المرحوم راغب الأعصر مورث المطعون عليهم الذي وضع يده عليه ومن بعده ورثته - وكانت وزارة الأشغال قد قامت في سنة 1935 بتنفيذ مشروع تقوية جسر النيل ونزعت ملكية الأطيان التي يمر فيها هذا المشروع ومن بينها جزء من القدر الذي كان الناظر محمود محمد بدوي غنيم يضع يده عليه باعتباره القدر الموقوف وعند بحث مستندات ملكية الأطيان المنزوعة ملكيتها تبين للوزارة أن وضع يد هذا الناظر كان وضعاً خاطئاً وأن الجزء الموضوعة يده عليه لم يكن هو الجزء الموقوف طبقاً لحجة الوقف وإنما هو مملوك لآخرين وأن الجزء الموقوف حقيقة يدخل ضمن القدر الذي كان قد رهنه السيد أحمد الألفي للبنك العقاري ورسى مزاده على مورث المطعون عليهم وعلى أثر اكتشاف ذلك صدر أمر من مصلحة المساحة بتصحيح وضع اليد على أساس ما هو ثابت بحجة الوقف وباستنزال الخمسة أفدنة الموقوفة والتي هي موضوع النزاع من تكليف مورث المطعون عليهم وإضافة القطعة التي كان الناظر يضع يده عليها خطأ إلى تكاليف أصحابها الحقيقيين ولما أستمر مورث المطعون عليهم على الرغم من ذلك واضعاً يده على الخمسة أفدنة الموقوفة أقام محمود محمد بدوي غنيم بصفته ناظراً على وقف المرحوم أحمد الألفي غنيم في 29 من نوفمبر سنة 1943 الدعوى رقم 230 سنة 1944 كلي طنطا ضد مورث المطعون عليهم طالباً الحكم بتثبيت ملكية الوقف المذكور إلي خمسة أفدنة مشاعة في 17 فداناً و22 قيراطاً و8 أسهم المبينة بعريضة تلك الدعوى وكف منازعة مورث المطعون عليهم له فيها وتسليمها إليه وإلزامه أيضاً بأن يدفع له بصفته مبلغ 525 جنيهاً قيمة الريع في السنوات من 1937 إلي 1943 وما يستجد منه بواقع 75 جنيهاً سنوياً لحين التسليم وأثناء نظر الدعوى توفي مورث المطعون عليهم فانقطع سير الخصومة ثم استأنفت سيرها في مواجهة الورثة المطعون عليهم لإعلان تعجيل وجهه إليهم الناظر. وأنكر هؤلاء أن الأطيان الموقوفة تدخل ضمن ما رسى مزاده على مورثهم فأصدرت المحكمة الابتدائية في 22/ 10/ 1945 حكماً بندب خبير هندسي لبحث مستندات الطرفين ومعاينة القطعة موضوع النزاع وتطبيق حجة الوقف لمعرفة إن كانت تنطبق عليها وقدم الخبير تقريره بأن الخمسة أفدنة الموقوفة تدخل ضمن ما رسى مزاده على مورث المطعون عليهم ولما أعترض هؤلاء على هذا التقرير أصدرت المحكمة حكماً ثانياً في 31 ديسمبر سنة 1946 بتعيين خبير آخر للقيام بالمأمورية من جديد وقدم هذا الخبير تقريراً اتفق فيه في الرأي مع الخبير الأول وبتاريخ 23 يونيه سنة 1953 أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها في موضوع الدعوى قاضياً - أولاً - بتثبيت ملكية المدعي بصفته إلي خمسة أفدنة مشاعة في 17 ف و22 ط و8 س المبينة بصحيفة الدعوى وكف منازعة المدعى عليهم (المطعون عليهم) له فيها وتسليمها إليه - ثانياً - بإيقاف الفصل في طلب الريع حتى يصبح الحكم الصادر في الملكية نهائياً - استأنف المطعون عليهم هذا الحكم أمام محكمة استئناف طنطا بالاستئناف رقم 233 سنة 3 ق طنطا وبتاريخ 14 ديسمبر سنة 1954 قضت تلك المحكمة بتعيين خبير لتطبيق مستندات الطرفين على الأطيان موضوع النزاع لبيان ما إذا كانت وقت وقفها في 12 يناير سنة 1905 تدخل في ملك الواقف أو في ملك زوجته ولبيان مالك الأطيان التي كان يضع اليد عليها ناظر الوقف المستأنف ضده باعتبار أنها الموقوفة والتي نزعت ملكيتها للمنافع العامة وهي تدخل في ملك الواقف أصلاً أم لا وقدم الخبير تقريراً أنتهي فيه إلي أن الأطيان موضوع النزاع كانت وقت وقفها تدخل ضمن أطيان الواقف لا ضمن أطيان زوجته وأن الواقف وزوجته كانا قد رهنا في سنة 1906 أطياناً للينك العقاري رهناً تأمينياً ضماناً لدين عليهما من ضمنها 17 ف و22 ط و20 س وهي نفس القطعة التي تقع ضمنها العين موضوع النزاع - وأن مالك الأطيان التي كان المستأنف ضده (الناظر) يضع يده عليها باعتبار أنها الموقوفة والتي نزعت ملكية جزء منها للمنافع العامة هو أحمد الألفي غنيم حتى 3/ 4/ 1942 وأن القدر موضوع النزاع وهو الموقوف يدخل في عقد القسمة المسجل في 15 مارس سنة 1912 وقد أختص به السيد أحمد الألفي غنيم بموجب هذه القسمة - وبتاريخ 24 من يناير سنة 1956 حكمت محكمة استئناف طنطا بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف ضده بصفته - وبتاريخ 8 من مارس سنة 1956 طعنت وزارة الأوقاف بصفتها ناظرة على وقف المرحوم أحمد الألفي غنيم الخيري في هذا الحكم بطريق النقض وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وصممت النيابة على رأيها الذي أبدته في المذكرة التي كانت قد قدمتها وطلبت فيها نقض الحكم وقررت دائرة الفحص بجلسة 29 نوفمبر سنة 1960 إحالة الطعن إلي هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات التالية للإحالة حدد لنظره جلسة 14 ديسمبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب يتحصل أولها في بطلان الحكم لابتنائه على إجراءات باطلة ذلك أنه بصدور القانون رقم 247 لسنة 1953 الذي نظر وزارة الأوقاف على جميع الأوقاف الخيرية أصبحت هي الناظرة على الوقف موضوع النزاع وزالت بذلك صفة الناظر السابق محمود محمد بدوي غنيم الذي رفع الدعوى الابتدائية مما كان يقتضي قانوناً وانقطاع الخصومة حتى تمثل وزارة الأوقاف في الدعوى وتوجه إليها الخصومة ولما كان ذلك لم يتبع وسارت الدعوى أمام المحكمة الاستئنافية ضد الناظر السابق الذي لا يمثل جهة الوقف فإنه يترتب على ذلك بطلان كل إجراء ثم بعد زوال صفة هذا الناظر وبالتالي بطلان الحكم الذي صدر بناء على هذه الإجراءات الباطلة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن القانون 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر - نص في مادته الثانية على أنه "إذا كان الوقف على جهة بركان النظر عليه بحكم هذا القانون لوزارة الأوقاف ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لمعين بالاسم" ونص في الفقرة الثانية من المادة الرابعة على أنه "على من انتهت نظارته أن يسلم أعيان الوقف للوزارة مع جميع الأموال التابعة له والبيانات والمستندات المتعلقة به وذلك في مدى ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون" ونص في الفقرة الثالثة من هذه المادة على أن "يعتبر الناظر حارساً على الوقف حتى يتم تسليمه" وجاء في المذكرة الإيضاحية تعليقاً على هذه الفقرة وقد أتخذ القانون حلاً وقتياً لمشكلة شغور الوقف وتسليم أعيانه للناظر الجديد بالنص على اعتبار يد الناظر في فترة الانتقال يد حارس حتى لا يلحق الوقف ضرر من إهماله في هذه الفترة لأن الحارس مسئول عن الوقف مسئولية الناظر" ولم يغير القانون رقم 547 لسنة 1953 من أحكام القانون رقم 247 لسنة 1953 سوي أنه جعل الاستثناء الوارد في المادة الثانية من هذا القانون قاصراً على الحالة التي يشترط فيها الواقف النظر لنفسه دون المعين بالاسم وأقتصر التعديل الذي أدخله على باقي نصوص القانون 247 لسنة 1953 على ما يجعل هذه النصوص متسقة مع التعديل الذي عدل به نص المادة الثانية المذكورة وبقيت الفقرة الثالثة من المادة الرابعة التي تقضي باعتبار الناظر حارساً على الوقف حتى يتم تسليمه على حالها لم تتغير - لما كان ذلك وكان من مقتضاه أن محمود محمد بدوي غنيم الذي كان ناظراً على الوقف الخيري موضوع النزاع وأقام الدعوى الابتدائية بصفته هذه قد أصبح بحكم القانون حارساً على هذا الوقف من تاريخ العمل بالقانون 247 لسنة 1953 وهو 21 مايو سنة 1953 وقد ظلت له هذه الصفة حتى صدر الحكم الابتدائي في الدعوى وطوال نظر الاستئناف المرفوع عليه إذ لم تقدم الطاعنة ما يفيد أنه قام بتسليم الوقف إليها قبل صدور الحكم الاستئنافي المطعون فهي كما أنها لم تتدخل في الاستئناف مدعية زوال صفة الحارس عنه - وكانت هذه الصفة التي أسبغها عليه القانون تجعل له صفة المخاصمة عن الوقف والدفاع عن مصلحته لدفع ما قد يحيق به من ضرر - فإن إجراءات الدعوى تكون قد وجهت إلي من له صفة في تمثيل الوقف ومن ثم يكون البطلان المدعى به على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى في الوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله فيا قضي به من جواز تملك الواقف وذريته الأعيان الموقوفة بالتقادم إذا ما غيروا صفة وضع يدهم تأسيساً على أن تغيير صفة وضع اليد من جانب الواقف وذريته تصلح مسوغاً لتملكهم الوقف بالتقادم طالما أنهم جابهوا الوقف بوضع يدهم بنية التملك في حين أن القواعد القانونية الصحيحة تقضي بأن الواقف وخلفه العام من ورثته ملزمون نحو الوقف بضامن عدم التعرض له في الأعيان الموقوفة وهذا الالتزام يظل قائماً شاغلاً لذمة الواقف وورثته لا ينقضي بالتقادم أبداً لأن من وجب عليها الضمان امتنع عليه التعرض فليس الأمر أمر تغيير صفة في وضع اليد من صفة عارضة إلي صفة وضع اليد بنية التملك كما قال الحكم خطأ بل إن الأمر هو التزام بضمان عدم التعرض وهو التزام لا يمكن أن ينقضي بفعل من جانب الملتزم أو ورثته.
وحيث إن النعي بهذا الوجه مردود بأنه وإن كانت القواعد الشرعية تقضي بوجوب المحافظة على أبدية الأموال الموقوفة لتبقى على حالها من الدوام محبوسة أبداً عن أن يتصرف فيها بأي نوع من التصرفات وبأن الواقف وذريته وناظر الوقف والمستحقين فيه والمستأجرين والمستحكرين له وورثتهم مهما تسلسل تورثهم لا يقبل من أيهم أن يجحد الوقف أو يدعي ملكيته لأنهم جميعاً مدينون له بالوفاء لأبديته إلا أن مناط حظر تملك هؤلاء جميعاً للأعيان الموقوفة - على ما تقضي به قواعد القانون المدني هو أن يظل وضع يدهم بصفاتهم تلك لأن وضع يدهم يكون عندئذ وضع يد مؤقت مانع من كسب الملكية بالتقادم مهما طال أما إذا حصل تغيير صفة وضع يد أيهم تغييراً يزيل عنه صفة الوقتية - ويكون ذلك إما بفعل الغير وإما بفعل من الحائز يعتبر معارضة لحق المالك كأن يتعرض أن الغير للحائز فيدعي هذا الملكية أو يعارض الحائز حق المالك بعمل ظاهر - فإن الحائز ولو كان واقفاً وناظراً على الوقف يستطيع بعد تغيير صفة وضع يده على هذا النحو كسب المال الموقوف بالتقادم إذا ما توافرت لديه شروط وضع اليد المكسب للملك بالمدة الطويلة ودامت حيازته له مدة ثلاث وثلاثين سنة، وهي المدة المقررة - لكسب الأموال الموقوفة بالتقادم ذلك أن الأساس التشريعي للتملك بالتقادم الطويل - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو قيام قرينة قانونية قاطعة على توافر سبب مشروع للتملك لدى واضع اليد فمتى استوفى وضع اليد الشروط القانونية التي تجعله سبباً مشروعاً للتملك جاز لصاحبه أياً كان التملك ولا يحول دون ذلك التزامه بضمان التعرض أو بالوفاء للوقف لأن التقادم سبب قانوني للتملك لاعتبارات ترجع إلي وجوب استقرار التعامل ويستطيع غير المالك ولو كان ملتزماً بأحد هذين الأمرين أن يتملك بهذا السبب لأنه ليس في القانون ما يحرمه من هذا التملك.
وحيث إن الطاعنة تنعى في الوجهين الثاني والثالث من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه خطأه في القانون ذلك أنه أعتبر قيام الواقف برهن عين الوقف رهناً تأمينياً وقيام أبنه من بعده برهن هذه العين إنكاراً منهما للوقف وبالتالي عملاً ينطوي على تغيير صفة وضع يدهما إلى وضع يد مملك حالة أن قيام الواقف وأبنه من بعده بالرهن لا يفيد أكثر من تقديمها عين الوقف ضماناً للوفاء بديونهما هذه الديون التي قد تكون نيتهما منصرفة إلى سدادها دون مساس بعين الوقف ودون إنكار منهما للوقف أو انصراف إلي تغيير في صفة وضع اليد وليس الرهن التأميني بذاته مما ينقل الملك عن الراهن وبالتالي فلا يتصور أيضاً أن ينقل الملك عن الوقف هذا إلي أن قول الحكم بأن الواقف قد جابه الوقف في شخصه كناظر بتغيير صفة وضع يده الذي تم بإجرائه الرهن - هذا القول خاطئ إذ أن الواقف كان يجمع في شخصه صفة الواقف وصفة المغتصب للمال الموقوف في حين أن المجابهة لا تكون إلا من شخص يملك الدفاع عن الوقف حتى يمكن أن يتصور قيام المجابهة وحتى يمكن أن تتاح لصاحب المال المغتصب وهو الوقف في صورة الدعوى الحالية فرصة المطالبة بحقه والدفاع عنه أما حيث تجتمع الصفتان في شخص واحد فإنه يتعذر على الوقف لهذا السبب المطالبة بحقوقه قبل المغتصب مما يترتب عليها وقف سريان التقادم طوال المدة التي قامت فيها هذه الحالة.
وحيث إن هذا النعي في شقة الأول صحيح ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد في أسبابه القواعد القانونية التي سبق لهذه المحكمة أن قررتها في شأن تملك الأعيان الموقوفة بالتقادم قال "وحيث إنه بتطبيق القواعد المتقدمة على واقعة الدعوى الحالية يبين أن نية الواقف في سنة 1906 قد وضحت وضوحاً ظاهراً صريحاً في مجابه جهة الوقف في شخصه كناظر عليه باعتزامه إنكار ملكية الوقف للعين الموقوفة والاستئثار بها دونه ودليل ذلك قيامه برهن هذا القدر باعتبار ملكاً خاصاً للبنك العقاري المصري بموجب عقد الرهن التأميني المحرر في 4/ 7/ 1906 والمقيدة قائمته في 7/ 7/ 1906 والتي تجدد قيدها في 20/ 5/ 1916 ولا أدل على ذلك أيضاً من وضع يد الناظر الذي أقيم بعد وفاة الواقف على قطعة أرض أخري على اعتبار أنها الموقوفة ثم وضع ورثة أحمد الألفي غنيم يدهم على أرض النزاع من تاريخ وفاة المورث باعتبار أنها آلت إليهم ميراثاً عن والدهم تلقوها عنه كملك لا وقف وأختص بها السيد الألفي غنيم ضمن ما أختص به من أعيان التركة بموجب عقد القسمة المؤرخ 2/ 3/ 1912 ومسجل في 15/ 3/ 1912 ثم قام برهنها إلي البنك العقاري باعتبارها ملكاً له في 7/ 4/ 1923 ثم نزع البنك ملكيتها ورسى مزادها على مورث المستأنفين في 19/ 5/ 1937.
وحيث إنه باحتساب مدد وضع اليد بنية الملك المستوفي شرائطه القانونية وضمها بعضها إلي بعض من يوليه سنة 1906 حتى تاريخ المنازعة في وضع اليد في سنة 1943 يتبين أنه مضت أكثر من ثلاث وثلاثين سنة وهي المدة المقررة لاكتساب ملكية الوقف" - وما قرره الحكم في التدليل على تغيير صفة وضع يد الواقف وورثته من بعده تغييراً يؤدي إلي كسبهم العين الموقوفة بالتقادم غير صحيح في القانون ذلك أن الواقف الذي هو مستحق للوقف وناظر عليه لا يمكن أن يكون وضع يده على العين الموقوفة إلا بصفة وقتية باعتبار أنه منتفع أو مدير لشئون العين بالنيابة عن جهة الوقف فحكم المادة 79 من القانون المدني القديم (972 من القانون الحالي) يسري عليه وعلى ورثته من بعده مهما تسلسل توريثهم وطال وضع يدهم ولا يستطيع أيهم أن يتملك العين بالمدة الطويلة إلا بعد أن يغير صفة وضع يده تغييراً يزيل عنه صفة الوقتية وهذا التغيير لا يكفي فيه مجرد تغيير الحائز نيته بل يجب أن يقترن تغيير النية بفعل إيجابي ظاهر يجابه حق المالك بالإنكار الساطع والمعارضة العلنية ويدل دلالة جازمة على أن ذا اليد الوقتية مزمع إنكار الملكية على صاحبها والاستئثار بها دونه - والرهن التأميني الذي لا يتجرد فيه الراهن عن الحيازة ولا يقترن بأي مظهر خارجي تتبين منه نية الغصب لا يمكن أن يتم به تغيير صفة الحيازة على النحو الذي يتطلبه القانون كما أن مجرد وضع يد أولاد الواقف بعد وفاته على العين الموقوفة بنية الملك عقب قسمة أجروها فيما بينهم ثم مجرد قيام أحدهم برهن العين الموقوفة رهناً تأمينياً للبنك العقاري ووضع يد الناظر الذي أقيم بعد وفاة الواقف على قطعة أرض أخري على اعتبار أنها الموقوفة - أي هذه الأمور لا شيء فيها يمكن قانوناً اعتباره مغيراً لسبب وضع يد أولاد الواقف إذ إنه لما كان الثابت أن الواقف إذ وقف العين الموقوفة محل النزاع قد كان هو المستحق لريعها والناظر عليها طوال حياته فهو إلى أن توفي كان وضع يده وقتياً بسبب الاستحقاق والنظر فأولاده الذين خلفوه في وضع اليد يكون وضع يدهم بذاته مشوباً بالوقتية كحكم المادة 79 من القانون المدني القديم. وحتى لو صح أنهم بعد وفاة مورثهم وضعوا يدهم على العين الموقوفة بنية الملك فإن ذلك لا يكفي لكسبهم الملكية ما دام أن تغيير نيتهم لم يقترن بفعل ظاهر يجابه حق جهة الوقف - والرهن التأميني الذي صدر من أحدهم وهو السيد الألفي غنيم شأنه شأن الرهن الصادر من الواقف لا يتم به تغيير صفة الحيازة كما أن وضع يد الناظر الذي خلف الواقف في النظر على الوقف على عين أخري باعتبار أنها العين الموقوفة غير ذي دلالة على تغيير صفة وضع يد أولاد الواقف على الوقف لأنه فضلاً عن جواز أن يكون وضع اليد هذا قد حصل بطريق الخطأ ليس إلا فإن هذا الأمر على أي حال لا يمكن أن يفيد منه في الادعاء بتغيير صفة الحيازة إلا صاحبه فأولاد الواقف لا شأن لهم به. وهو لا يعتبر معارضة منهم لحق جهة الوقف في العين الموقوفة - وإذن فإنه على الأقل إلي تاريخ قيام البنك العقاري بنزع ملكية العين الموقوفة ورسو مزادها على مورث الطاعنين في 19 من مايو سنة 1937 لا يمكن أن تكون هناك شبهة في أن وضع اليد كان وقتياً ولا يدخل البتة في مدة التقادم ولما كان لم يمض من التاريخ المذكور حتى تاريخ رفع الدعوى وهو 29 نوفمبر سنة 1943 لمدة الثلاث وثلاثين سنة المقررة لكسب الأموال الموقوفة بالتقادم - فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهي إلي أن مورث الطاعنين قد اكتسب ملكية العين الموقوفة بالتقادم وأسس على ذلك قضاءه برفض دعوى جهة الوقف بملكيتها لهذه العين وطلب تسليمها إليها يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث ما أثارته الطاعنة في باقي أوجه الطعن خاصاً بوقف سريان التقادم بسبب شغور الوقف من النظر وبسبب تعذر مطالبة الوقف بحقوقه لاجتماع صفتي الناظر والمغتصب في الواقف.
وحيث إن الموضوع صالح للحكم فيه - ولما سلف بيانه يتعين تأييد الحكم المستأنف.


 (1) تراجع المادة 970 من القانون المدني ونقض مدني 23/ 4/ 1936 في الطعن 61 س 5 ق وفي الطعن 76 س 5 ق.
 (2) راجع نقض مدني 26/ 10/ 1961 في الطعن 122 س 26 ق (قاعدة رقم 95 من هذا العدد) ونقض مدني 10/ 1/ 1952 في الطعن 62 س 20 ق (قاعدة 62 السنة الثالثة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق