القضية رقم 177 لسنة 22 ق "دستورية" جلسة 7 / 7 / 2002
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم الاحد 7 يوليه سنة 2002 الموافق 26
ربيع الاخر سنة 1423 هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الرحمن نصير وماهر البحيرى ومحمد على
سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح
وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 177 لسنة 22
قضائية "دستورية"
المقامة من
السيد / سيد محمد احمد حسين
ضد
1 - رئيس مجلس الوزراء
2 - ماجدة عبد الوهاب احمد عن نفسها وبصفتها وصية على اولادها القصر
احمد ودعاء وعادل وسماح اولاد المرحوم حسن عابدة صابرة
الإجراءات
بتاريخ 30/11/2000، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ،
طالباً الحكم بعدم دستورية القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون
المدنى على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها والأماكن التى انتهت أو تنتهى عقود
إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أنه
بموجب عقد إيجار مؤرخ 27/9/1996 استأجر المدعى من مورث المدعى عليهم (ثانياً)
محلاً تجارياً بجهة الأربعين بمحافظة السويس، وقد نص العقد على أن تبدأ مدة
الإيجار اعتباراً من 1/11/1996 وأن تكون مشاهرة ، ويبدى المدعى أنه بعد أن أنفق
على إعداد المحل مبالغ كبيرة ، وباشر نشاطه قرابة ثلاث سنوات، قام المدعى عليهم
(ثانياً) بتوجيه إنذار رسمى بالتنبيه عليه بإنهاء العلاقة الإيجارية ، ثم أقاموا
ضده الدعوى رقم 49 لسنة 2000 مدنى أمام محكمة الأربعين الجزئية بطلب الحكم بفسخ
عقد الإيجار وتسليم العين خالية مما يشغلها. وبجلسة 2/4/2000 قضت محكمة الموضوع
بانتهاء عقد الإيجار المؤرخ 27/9/1996 وألزمت المدعى بتسليم العين المبينة به
خالية مما يشغلها وذلك تطبيقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 4 لسنة 1996،
وإذ لم يرتض المدعى هذا القضاء، فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 112 لسنة 2000 أمام
محكمة السويس الابتدائية ، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية ذلك القانون، وبعد تقدير
المحكمة لجدية دفعه، صرحت للمستأنف بإقامة الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى
الماثلة
وحيث إن القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على
الأماكن التى لم يسبق تأجيرها والأماكن التى انتهت أو تنتهى عقود إيجارها دون أن
يكون لأحد حق البقاء فيها، تجرى أحكام مواده الأربع على ما يأتى : مادة أولى :
" لا تسرى أحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم
العلاقة بين المؤجر والمستأجر و136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير
وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والقوانين الخاصة بإيجار
الأماكن الصادرة قبلهما، على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها، ولا على الأماكن التى
انتهت عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون أو تنتهى بعده لأى سبب من الأسباب دون
أن يكون لأحد حق البقاء فيها طبقاً للقانون ". مادة ثانية : " تطبق
أحكام القانون المدنى في شأن تأجير الأماكن المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا
القانون خالية أو مفروشة ، أو في شأن استغلالها والتصرف فيها ". مادة ثالثة :
" يلغى كل نص في أى قانون آخر يتعارض مع أحكام هذا القانون ". مادة
رابعة : " ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ، ويعمل به اعتباراً من اليوم
التالى لتاريخ نشره "
وحيث إن المدعى ينعى على القانون الطعين مخالفته لنص المادتين (32
و40) من الدستور من وجهين، أولهما: أن القانون الطعين صدر بإلغاء كافة التشريعات
الاستثنائية المتعلقة بإيجار الأماكن والسارية منذ الحرب العالمية الثانية والتى
تهدف إلى حماية المستأجرين من عنت ملاّك العقارات، وذلك على الرغم من أن الأسباب
التى دعت المشرع إلى إصدار تلك القوانين ما زالت قائمة ، فأزمة الإسكان ما فتأت
مستحكمة ، والمعروض من الوحدات السكنية دون المطلوب منها، ومن ثم فقد كان أولى
بالمشرع أن يراعى مصالح الفئة الأكثر عدداً وأن ينظم حق الملكية بما لا يتعارض مع
الخير العام للشعب، وثانيهما: مخالفته لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40)
من الدستور، ذلك أن المستأجرين في جمهورية مصر العربية أصبحوا خاضعين لنظامين
قانونين مختلفين في آن واحد، الأول أحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977 و136 لسنة
1981 والتى تقضى بامتداد عقود الإيجار بقوة القانون بعد انتهاء مدتها وبتحديد
القيمة الإيجارية وفقاً للأسس الواردة بهما، والآخر القانون المدنى والذى تقضى
أحكامه بعدم امتداد عقد الإيجار بعد انتهاء مدته وترك تحديد القيمة الإيجارية
لاتفاق طرفى العقد، حال كون الجميع في مركز قانونى واحد، فهم جميعاً مستأجرون،
وإعمال مبدأ المساواة في شأنهم يقتضى معاملتهم معاملة قانونية متكافئة
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أنه إذ صاحب ويلات الحرب العالمية
الثانية ، نشوب أزمة طاحنة في مجال الإسكان، تمثلت في قلة المعروض من الوحدات
المبنية أياً كانت الأغراض المخصصة لها وهى قلة في العرض لازمها تصاعد تضخمى
متتابع في القيمة الإيجارية لهذه الوحدات وبما أخل بالحد الأدنى من التوازن اللازم
توافره حتى تضحى إرادات أطراف العلاقات الإيجارية قادرة على صياغة علاقات تعاقدية
غير مشوبة بعسف أحد أطرافها، لذلك فقد اضطر المشرع إلى التدخل لإفراد بعض العلائق
الإيجارية بتنظيم خاص، كان من أبرزه الأمر العسكرى رقم 598 لسنة 1945 بشأن تأجير
الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين، ثم أتبعه بالقانون رقم 121
لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، فقرار
رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1961 في شأن خفض إيجار الأماكن، وقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 169 لسنة 1961 بتقرير بعض الإعفاءات من الضريبة على
العقارات المبنية وخفض الإيجارات بمقدار الإعفاءات، ثم قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن، فالقانون رقم 7 لسنة 1965 في شأن
تخفيض إيجار الأماكن ثم القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم
العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين إلى أن أُستبدل به القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن
تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فالقانون رقم 136 لسنة
1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر
والمستأجر، وقد خرج المشرع بهذا التنظيم على القواعد العامة في عقد الإيجار خروجاً
تعلق بمحورين جوهريين هما الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة ، واعتبار العقد
ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية
وحيث إنه ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها
اقتضى أن تكون التشريعات الاستثنائية الصادرة دفعاً لها مترامية في زمن تطبيقها،
إلا أنه يتعين النظر إليها دوماً بأنها تشريعات طابعها التأقيت مهما استطال أمدها،
وأنها لا تمثل حلاً دائماً ونهائياً للمشكلات المترتبة على هذه الأزمة ، بل يتعين
دوماً مراجعتها من أجل تحقيق التكافؤ بين مصالح أطراف العلاقة الإيجارية فلا يميل
ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها إلا بقدر الظروف التى أملت وجودها، إذ كان ذلك،
وكانت جملة التطورات التى لحقت بالحياة المصرية سواء في توجهاتها الاقتصادية أو
حركة العمران فيها، أو العلاقات القانونية المتعلقة بتأجير أو تملك الوحدات
المبنية ، قد قادت إلى واقع يغاير في جوانب متعددة منه، ذلك الواقع الذى أملى تلك
التشريعات الاستثنائية فإنه كان من المحتم إعادة النظر في هذه التشريعات على نحو
يتوازن فيه النظر بين ما يقود إلى مزيد من التطور الإيجابى القادر على استشراف
حلول نهائية لمشاكل هذا المجال، وبين ما يتعلق بتحقيق الاستقرار فيما لم يلحقه
تغير كيفى في الواقع الممتد منذ عقود سابقة ، وهو نظر يقود إلى أن تكون الفلسفة
الحاكمة للتغيير التشريعى عامدة إلى تجنب تغيير المسار طفرة واحدة ، بما يؤدى إلى
المساس بالسلام الاجتماعى بين أفراد المجتمع، وهو سلام لا يتحقق إلا بأن تكون جملة
التشريعات المنظمة لشأن واحد قد راعت في أحكامها التفصيلية تباين معدلات التغير في
مكونات هذا الشأن، فيصبح خطابها متناغماً في انضباطه، فلا يعنت على بعض المخاطبين
به، ولا يغلو في حياده فينفلت من ضوابطه آخرون، إذ كان ذلك وكان المشرع في القانون
الطعين قد انتهج سياسة متدرجة في رد العلاقة الإيجارية إلى أصولها في التقنين
المدنى ، فأصدر القانون رقم 4 لسنة 1996، ناصاً على عدم سريان أحكام القانونين رقمى
49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها، وكذلك الأماكن
التى انتهت عقود إيجارها قبل العمل به أو تنتهى بعده لأى سبب دون أن يكون لأحد حق
البقاء فيها. على أن تطبق في شأن تأجير هذه الأماكن أو استغلالها أو التصرف فيها
أحكام القانون المدنى . أما الأماكن التى سبق تأجيرها طبقاً للقانونين رقمى 49
لسنة 1977 و136 لسنة 1981 فتظل خاضعة لأحكام هذين القانونين إلى أن تنتهى عقود
إيجارها لأى سبب دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها طبقاً للقانون، فإن المشرع بذلك
كله يكون قد التزم هذه الفلسفة فيما أو رده من أحكام القانون الطعين، مستهدفاً
تحقيق التوازن المنشود في العلائق الإيجارية ، بما يكفل مصالح أطرافها، مرتكزاً
على مبدأ التضامن الاجتماعى كما أرساه حكم المادة (7) من الدستور والتى مؤداها
وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها، وإمكان التوفيق بينها، كما أعاد إلى
ملاك الوحدات التى تخضع لأحكامه حرية التصرف فيها واستغلالها، بما يغدو معه
الادعاء بمخالفته لنص المادة (32) من الدستور، ادعاء غير مبنى على أساس دستورى
صحيح
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين لدى القانون على ما جرى عليه قضاء هذه
المحكمة لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية
معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها،
ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص
المادة (40) من الدستور؛ بما مؤداه أن التمييز المن هى عنه بموجبها هو الذى يكون
تحكميّاً وبين أصحاب المركز القانونى الواحد، إذ كان ذلك وكان القانون الطعين قد
فرّق بين نوعين من الأماكن، أولهما، تلك التى تكون محلاً لعلاقات إيجارية قائمة
وخاضعة لأحكام القانونين رقمى 49 لسنة 77، 136 لسنة 1981، وثانيهما، الأماكن
التى لم يسبق تأجيرها أو التى انتهت عقود إيجارها قبل العمل بأحكامه أو تنتهى بعده
دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها طبقاً للقانون، فأبقى الأولى خاضعة للنظام
القانونى الذى نشأت في ظله، وأخضع الثانية فيما ينشأ من علاقات بشأنها، لأحكام
القانون المدنى ، فإنه يكون بذلك قد غاير في المعاملة التشريعية بين نوعين من
العلاقات الإيجارية يستقل كل منها بنظامه القانونى الخاص، وتنشأ عن كل منهما مراكز
قانونية تتباين عن المراكز القانونية التى تنشأ عن النظام الآخر، وهو في ذلك كله
لم يقم تمييزاً بين المخاطبين بأحكام كل نظام والمتكافئة مراكزهم القانونية في نطاقه،
ويغدو النعى عليه من بعد ذلك بمخالفته لأحكام المادة (40) من الدستور نعياً غير
صحيح
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى
المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق