الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 1 يوليو 2019

الطعن 5708 لسنة 83 ق جلسة 10 / 6 / 2014 مكتب فني 65 ق 62 ص 520

جلسة 10 من يونيو سنة 2014
برئاسة السيد القاضي / أحمد عبد الباري سليمان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أسامة توفيق عبد الهادي ، عبد الحميد دياب ، مجدي عبد الحليم وهاني صبحي نواب رئيس المحكمة .
--------
(62)
الطعن 5708 لسنة 83 ق
(1) حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . قتل عمد . سبق إصرار .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وإيراده على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لا قصور .
مثال لتسبيب سائغ في حكم صادر بالإدانة بجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار .
(2) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد . غير لازم . كفاية إيراد مضمونها . النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقواله . غير مقبول . علة وحد ذلك ؟
مثال .
(3) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
إحالة الحكم في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر . لا يعيبه . ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها .
اختلاف أقوال الشهود في بعض تفاصيلها . غير قادح في سلامة الحكم . حد ذلك ؟
(4) نقض " الصفة في الطعن " " المصلحة في الطعن " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون متصلاً بشخص الطاعن .
عدم اتصال نعي الطاعنين بشخصيهما وانتفاء مصلحتهما فيه . يوجب عدم قبوله .
(5) قتل عمد . قصد جنائي . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
قصد القتل . أمر خفي . إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه . استخلاص توافره . موضوعي .
مثال لتدليل سائغ على توافر قصد القتل .
(6) قصد جنائي . نقض " المصلحة في الطعن " . عقوبة " العقوبة المبررة " .
النعي على الحكم بالقصور أو الفساد في الاستدلال في استظهار نية القتل . لا مصلحة للطاعنين فيه . ما دامت العقوبة المقضي بها عليهما مبررة في القانون حتى مع عدم توافر هذا القصد .
(7) سبق إصرار . ظروف مشددة . قتل عمد . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
سبق الإصرار . ماهيته ؟
العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار. هي بما يقع من تفكير وتدبير في الزمن ما بين التصميم على الجريمة ووقوعها طال أم قصر . انتهاء الجاني بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة . مفاده : توافر هذا الظرف . المنازعة في ذلك أمام محكمة النقض . غير مقبولة .
مثال لتدليل سائغ على تحقق ظرف سبق الإصرار في جريمة قتل عمد .
(8) اتفاق . قتل عمد . إثبات " بوجه عام " . فاعل أصلي . مسئولية جنائية .
تدليل الحكم بما يسوغ ثبوت اتفاق المتهمين على القتل . كفايته لاعتبارهم فاعلين أصليين متضامنين في المسئولية الجنائية عن الجريمة . أساس ذلك ؟
(9) إثبات " اعتراف " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " . إكراه . دفوع " الدفع ببطلان الاعتراف " .
الاعتراف في المسائل الجنائية . من عناصر الاستدلال . تقدير صحته وقيمته في الإثبات . موضوعي .
للمحكمة الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق . متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع . وإن عدل عنه في مراحل أخرى .
بحث صحة ادعاء المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه انتُزِعَ منه بطريق الإكراه . موضوعي . للمحكمة الأخذ باعترافه . متى تحققت من سلامته .
مثال .
(10) استدلالات . إثبات " قرائن " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
للمحكمة التعويل على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية .
النعي على الحكم تعويله على تحريات الشرطة رغم قصورها عن التدليل على مقارفة الطاعنين لما أدينا به . جدل موضوعي.
(11) إثبات " خبرة " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
المنازعة لأول مرة أمام محكمة النقض بشأن ما ورد بتقرير كبير الأطباء الشرعيين الذي لم يعول عليه الحكم . غير مقبولة.
(12) إثبات " بوجه عام " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
        التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
مثال لما لا يعد تناقضاً في الحكم .
(13) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه . علة ذلك ؟
نعي الطاعنين التفات المحكمة عن الرد على أوجه دفاعهما ودفوعهما دون الكشف عنها . غير مقبول .
(14) نقض " عدم جواز مضاراة الطاعن بطعنه " . محكمة الإعادة . وصف التهمة . محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة "‏.
مبدأ عدم جواز إضرار المحكوم عليه بتظلمه . لا يصح إعماله في الطعن بالنقض إلا من حيث مقدار العقوبة . عدم امتداده للنواحي الأخرى كتقدير وقائع الدعوى أو إعطاء الحادث وصفه الصحيح .
اقتصار مخالفة الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه للهيئة الأولى التي نُقض حكمها على الوصف القانوني الذي أعطته للواقعة دون أن تتعدى العقوبة المقضي بها في الحكم السابق نقضه . لا يعد تسويئاً لمركز الطاعنين . النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الشأن . غير مقبول .
مثال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بقوله : " .... أن المتهم .... لما علم أن زوجته عرفياً .... قد ولدت طفله بمستشفى .... يوم .... وأنه يحتاج إلى حضانة لإنقاذ حياته ، فكان لهذا الأمر أثر سيئ على نفسه وكأنما حلت به قارعة أو أصابته به معرة فقال في نفسه إن هذا الرضيع لابد أن يُقتل وتدبر أمر القتل في نفسه وأشرب في قلبه العناد واليقين والتصميم على أن ينال هذا الوليد المبتسر القتل على يده ونادى على صديقيه المتهمين .... ، .... أن يهبا معه كي ينفذا ما فكر فيه من قتل وصمم عليه ألا وهو قتل ذلك الرضيع البائس وتوجه الجميع لسيارة المتهم الأول بعد أن تسلم الرضيع بدعوى إيداعه إحدى الحضانات إلا أنه كان قد أضمر له في نفسه شراً وفي طريق .... الصحراوي الذي كانوا يقطعونه كان الطفل لا يزال حياً وآنذاك أعاد المتهم الأول على مسامع مرافقيه أنه يريد قتل هذا الرضيع وكان له ما أراد حيث وصل الركب إلى منطقة رملية مجاورة للطريق وحمله ودسَّه في التراب ولم تخرج جثته إلى النور إلا ليقوم الطبيب الشرعي بتشريحيه ليقول لنا في تقريره إنه طفل ذكر حديث الولادة ملفوف بشاش طبي وعلى حبله السري مشبك طبي وتظهر به علامات اخضرار وزوال التيبس الرمي وهو ما يتماشى مع تاريخ الواقعة لحين الكشف والتشريح وأثبت اختبار الرئتين ولادته حياً ، ووجود كدمات حيوية بالرأس والشفتين وهي إصابات رضية حدثت قبل الوفاة ونتجت من جسم صلب راض وعنف جنائي على الطفل قبل وفاته ، وكذا وجود تكدم على الشفتين وإفرازات مدممة من فتحتي الأنف وفتحة الفم واحتقان بالأحشاء الداخلية تشير إلى حدوث الوفاة باسفكسيا كتم النفس بواسطة جسم صلب راض أحدث التكدمات على الشفتين وسد المسالك الهوائية الخارجية – الفم والأنف – من الرمال والتراب بعد دفن الطفل حياً في الأرض ، والطفل عمره حوالى سبعة أشهر رحمية وأثبت تحليل D . N . A مطابقة العينة المأخوذة من الطفل مع دماء المتهم الأول والشاهدة الثالثة وأنه ثمرة جماع بينهما ... " وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعنين أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف الطاعنين بتحقيقات النيابة العامة ، ومما جاء بكتابي شركة .... للاتصالات واتحاد الإذاعة والتليفزيون ، ومما ثبت بتقرير الصفة التشريحية وتقرير فحص البصمة الوراثية . لما كان ذلك ، وكان يبين مما سطره الحكم المطعون فيه أنه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون .
2- لما كان لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد ؛ لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها ، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى وسرداً لمؤدى أقوال الشهود يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة وحصل مضمونها بطريقة وافية ولم يجهل بها – كما يدعي الطاعنان في طعنهما – أو يحرفها عن مواضعها على ما يبين من المفردات المضمومة ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله .
3- من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، ولا يقدح في سلامة الحكم – على فرض صحة ما يثيره الطاعنان – عدم اتفاق أقوال الشاهدة الرابعة مع أقوال الشاهدة الثالثة وكذلك أقوال الشاهد السادس مع أقوال الشاهد الخامس في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل تلك الأقوال بما لا تناقض فيه ، ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته .
4- لما كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن ، ولما كان منعى الطاعنين في هذا الخصوص لا يتصل بشخص الطاعنين ولا مصلحة لهما فيه بل يختص بالمحكوم عليه الأول الذي لم يطعن على الحكم ، ومن ثم فلا يقبل منهما ما أثير في هذا المنعى .
5- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لقصد القتل وتوافره في حق الطاعنين بقوله : " .... فهي ثابتة في حـق المتهمين أخذاً من إقرار الثاني والثالث بالتحقيقات مـن إعـلان أولهما برغبته في قتل وليده لعدم رغبته في نسبته إليه من قبل أمه وخشية افتضاح أمر زواجه في محيط عمله وعائلته واتجهت إرادته إلى قتله بدسه في التراب وهو على قيد الحياة ولا حول له ولا قوة ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه هذا البغي والمتهمان الآخران معه على قلب واحد منذ أن علما بنيته في الخلاص من وليده حتى لحظة تمام تنفيذ القتل يشدان من أزره ويقويان من عزيمته فدل كل ذلك بيقين لا يقبل شكاً على توافر قصد القتل في حق المتهمين جميعاً .... " وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر توافر هذا القصد من ظروف الدعوى وملابساتها على نحو سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافره لدى الطاعنين كما هو معرف به في القانون ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير مقبول.
6- لما كان لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بالقصور أو الفساد في الاستدلال في استظهار نية القتل ما دامت العقوبة المقضي بها عليهما – وهي الحبس مع الشغل لمدة سنتين – مبررة في القانون حتى مع عدم توافر هذا القصد.
7- لما كان سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها – طال هذا الزمن أو قصر – بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير ، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا يقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض ، وكان الحكم قد استظهر توافر سبق الإصرار لدى الطاعنين في قوله : " ... أن ظرف سبق الإصرار قد توافر في الدعوى في حق المتهمين جميعاً ، وذلك أخذاً من الظروف والملابسات التي أحاطت بالدعوى إذ إنه بعد أن علم المتهم الأول إنجاب زوجته عرفياً طفل منه اعتبره معرة أصابته ففكر ودبر قتل ذلك الطفل وصمم عليه في روية قبل مقارفته وظل على فكره هذا واستعان في ذلك برفيقيه المتهمين الثاني والثالث الذين لا يقلان عنه قسوة وبغياً ، دل عليه توجههم جميعاً على قلب رجل واحد وقد أشربوا في قلوبهم العناد والعدوان إلى حيث مستشفى .... ، وبعد أن حصلوا على الوليد البائس وانطلقوا يتخافتون إلى الصحراء وغدوا على حرد قادرين والأول يكرر على مسامعهم أنه لقاتل طفله الذي كانت الحياة تنبض في عروقه آنذاك إلى أن وصل الركب مكان الدفن وهناك وبقلب استحوذ عليه الشيطان وسكنه دس الأول فلذة كبده في التراب والمتهمان الآخرين في انتظاره ، وقد قست قلوبهم بل هي أشد قسوة من الحجارة ، وقد تحقق للمتهمين الثلاثة ما أرادوا وكانوا عليه مصممين وهو ما أيدته التحريات وكشفت عنه ظروف الدعوى وملابساتها ولم يكن في مكرهم لارتكاب الجريمة ثمة اضطراب مشاعر أو انفعال نفسي بل كان تفكيرهم هادئاً مستقراً على القتل منذ علم الأول بمولد القتيل واصطحابه للآخرين لاستلام الطفل من أقارب أمه وحتى ساعة دسه في التراب على النحو الذي أوردته المحكمة آنفاً وهو ما تطمئن إليه وتأخذ به دليلاً على توافر ظرف سبق الإصرار ويتعين معه تبعاً لذلك مساءلة المتهمين الثاني والثالث عن جريمة القتل ويرتب التضامن بينهم في المسئولية الجنائية " وكان ما أورده الحكم – فيما سلف – يتحقق به ظرف سبق الإصرار على النحو المعرف قانوناً ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد .
8- لما كان ما انتهى إليه الحكم كافياً بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم ، وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها مما يرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية ، ومن ثم فإن كلاً منهم يكون مسئول عن جريمة القتل العمد التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات .
9- لما كان من المقرر الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخرى ، كما أن لها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم من أي عيب واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب ، وكانت المحكمة قد تحققت من أن اعتراف الطاعنين سليم مما يشوبه واطمأنت إليه بنفسها للأسباب السائغة التي أوردتها ، فلا عليها إن هي أخذت به وعولت عليه حتى لو عدل الطاعنان أمامها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يكون له وجه .
10- لما كان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم من تعويله على تحريات الشرطة رغم قصورها عن التدليل على مقارفتهما لما أدينا به ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض .
11- لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول على تقرير مقدم من كبير الأطباء الشرعيين بل اعتمد أساساً على ما تضمنه تقرير الصفة التشريحية ، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين قد أثاروا ثمة منازعة في هذا الخصوص ، فإن منازعتهما في هذا الأمر وإثارته أمام محكمة النقض تفتقر إلى سند قبولها .
12- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة للواقعة ودلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين ثم ساق الحكم أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته دون تناقض ، فإن ما يثيره الطاعنان من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد .
13- من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي له إيراداً ورداً ، وكان الطاعنان لم يكشفا بأسباب الطعن عن أوجه الدفاع والدفوع التي لم ترد عليها المحكمة بل ساقا قولهما مرسلاً مجهلاً ، فإن منعاهما في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
14- لما كان البين من الأوراق أن النيابة العامة اتهمت الطاعنين وآخر – سبق الحكم عليه – بوصف أنهم قتلوا الطفل حديث الولادة عمداً مع سبق الإصرار ، وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وبعد أن استبعدت المحكمة ظرف سبق الإصرار في حق المتهمين قضت بمعاقبة الطاعنان بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عما أسند إليهما ، فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ، ومحكمة النقض قضت بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة الجنايات للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى ، وإذ أعيدت القضية إلى محكمة الجنايات – محكمة الإعادة – انتهت إلى إدانتهم طبقاً للوصف الوارد بأمر الإحالة – قتل عمد مع سبق الإصرار – ومعاقبة الطاعنين بذات العقوبة المقضي بها من الهيئة الأولى التي نقض حكمها . لما كان ذلك ، وكان المبدأ القاضي بأن المحكوم عليه لا يجوز أن يضار بتظلمه إذا صح الأخذ به في الطعن بطريق النقض فلا يصح إعماله إلا من ناحية مقدار العقوبة الذي يعتبر حداً أقصى لا يجوز للهيئة الثانية أن تتعداه ، ولا يصح أن يتناول النواحي الأخرى ، مثل تقدير وقائع الدعوى أو إعطاء الحادث وصفه الصحيح ، فإذا كانت الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لم تخالف الهيئة الأولى التي نقض حكمها ، إلا في الوصف القانوني الذي أعطته لها – وهو الوصف الأصيل الوارد بأمر الإحالة – وكانت العقوبة التي أوقعها الحكم المطعون فيه لم تتعد العقوبة التي قضى بها الحكم السابق نقضه ، فلا يمكن القول بأن الحكم المطعون فيه قد سوأ مركز الطاعنين ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير مقبول .    
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة كلاً من 1- .... 2- .... ( الطاعن ) 3- .... ( الطاعن ) بأنهم قتلوا المجني عليه الطفل حديث الولادة نجل الأول عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد الأول العزم وبيت النية على قتله خشيته افتضاح أمر زواجه عرفياً من والدة الطفل ونسبته إليه ورغبته في إنهاء تلك العلاقة بأن توجهوا للمستشفى التي أجريت بها عملية الولادة وأخذ المتهم الأول الطفل حيلة من أهلية زوجته بزعم وضعه في إحدى الحضانات بمستشفى .... واصطحبه والمتهمون الثاني والثالث وتوجهوا إلى منطقة نائية تحت جنح الظلام حال قيادة الثاني للسيارة وتوقف في طريق .... الصحراوي وترجل الأول منها للمنطقة الرملية المجاورة للطريق وأعد حفرة ودفن الطفل حياً فيها وهال عليه الرمال قاصداً من ذلك إزهاق روحه مما أدى إلى إصابته بإسفكسيا كتم النفس التي أودت بحياته على النحو المبين بتقرير الصفة التشريحية في حين وقف المتهمين الثاني والثالث يشدان من أزره وتركا المتهم الأول يفر بسيارته إلى .... عقب ارتكاب الجريمة على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون في حق المتهمين الثاني والثالث بمعاقبة المتهم الأول بالسجن المشدد لمدة سبع سنوات وبمعاقبة الثاني والثالث بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عما أسند إليهم ، وذلك بعد أن استبعدت ظرف سبق الإصرار .
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض وقيد بجدولها برقم ....
ومحكمة النقض قضت بجلسة .... بقبول الطعن المقدم من الطاعنين شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات .... للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى بالنسبة للطاعنين الثاني والثالث وللطاعن الأول أيضاً .
ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت غيابياً للأول وحضورياً للباقين عملاً بالمادتين 230 ، 231 من قانون العقوبات والمادة 116 مكرر من القانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن إصدار قانون الطفل المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 ، بمعاقبة المتهم الأول بالسجن المشدد لمدة سبع سنوات وبمعاقبة المتهمين الثاني والثالث بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عما أسند إليهم .
فطعن المحكوم عليهما الثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض " للمرة الثانية " ... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه - بمذكرتي الأسباب - أنه إذ دانهما بجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار ، قد شابه قصور في التسبيب ، وفساد في الاستدلال ، وإخلال بحق الدفاع ، وخطأ في تطبيق القانون ؛ ذلك بأنه لم يبين مضمون أدلة الثبوت التي استند إليها في الإدانة ومؤداها بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة ، وحررت أسبابه في عبارات معماة غامضة ، وأغفل تحصيل وقائع منتجة لبعض أقوال شهود الإثبات بشأن كيفية وقوع الحادث مما أدى إلى مسخ شهادتهم وتحريفها عن معناها ، وأحال الحكم في بيان شهادة الشاهدة الرابعة إلى مضمون ما شهدت به الشاهدة الثالثة رغم اختلاف أقوالهما إذ خلت أقوال الشاهدة الرابعة من إبلاغها المحكوم عليه الأول بواقعة الولادة وطلب حضوره ، كما أحال في بيان شهادة الشاهد السادس إلى مضمون ما شهد به الشاهد الخامس رغم تباينها لخلو أقوال الشاهد السادس من إبلاغ المحكوم عليه الأول بقيامه بدفن ابنه المجني عليه ، هذا وقد استدل الحكم على توافر نيه القتل بعبارات عامة وبما لا يسوغ سنداً لقيامها وخلص إلى توافر الاتفاق وظرف سبق الإصرار في حقهما رغم خلو الأوراق من دليل على الاتفاق وعدم كفاية الفترة الزمنية والعنصر النفسي لتحققهما لكون الطاعنين لم يعلما بالواقعة إلا لحظة حدوثها ، كما تساند الحكم إلى ما عزى من اعتراف الطاعنين رغم بطلانه لصدوره وليد إكراه وغش وعدولهما عنه أثناء المحاكمة ، واطرح دفاعهما في هذا الخصوص بما لا يكفي لاطراحه ، وعول على ما جاء بتحريات الشرطة رغم عدم صلاحيتها لخلو الأوراق من دليل يؤيدها أو يحدد محررها دور للطاعنين في ارتكاب الجريمة ، كما عول على تقرير الطبيب الشرعي رغم تناقضه مع تقرير كبير الأطباء الشرعيين بشأن وصف إصابات المجني عليه وكيفية حدوثها وسبب الوفاة ، واعتنقت المحكمة صورتين متناقضتين للحادث ؛ إذ أن المستفاد من تحصيل الحكم لصورة الواقعة أن الجريمة وقعت وليدة اللحظة ورغم ذلك خلص الحكم إلى توافر ظرف سبق الإصرار في حقهما ، وأغفلت المحكمة باقي أوجه دفاعهما ودفوعهما إيراداً ورداً ، واعتبر الحكم الفعل المسند إلى الطاعنين قتل عمد مع سبق الإصرار في حين أن وقائع الحكم المنقوض بناء على طلبهما قد اعتبر واقعة التداعي قتل عمد مجرد من ظرف سبق الإصرار ولم تطعن النيابة العامة على هذا الحكم مما جعلهما يضرا بطعنهما ، مما يعيبه ويستوجب نقضه .
    ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بقوله : " .... أن المتهم .... لما علم أن زوجته عرفياً .... قد ولدت طفله بمستشفى .... يوم .... وأنه يحتاج إلى حضانة لإنقاذ حياته ، فكان لهذا الأمر أثر سيئ على نفسه وكأنما حلت به قارعة أو أصابته به معرة فقال في نفسه إن هذا الرضيع لابد أن يُقتل وتدبر أمر القتل في نفسه وأشرب في قلبه العناد واليقين والتصميم على أن ينال هذا الوليد المبتسر القتل على يده ونادى على صديقيه المتهمين .... ، .... أن يهبا معه كي ينفذا ما فكر فيه من قتل وصمم عليه ألا وهو قتل ذلك الرضيع البائس وتوجه الجميع لسيارة المتهم الأول بعد أن تسلم الرضيع بدعوى إيداعه إحدى الحضانات إلا أنه كان قد أضمر له في نفسه شراً وفي طريق .... الصحراوي الذي كانوا يقطعونه كان الطفل لا يزال حياً وآنذاك أعاد المتهم الأول على مسامع مرافقيه أنه يريد قتل هذا الرضيع وكان له ما أراد حيث وصل الركب إلى منطقة رملية مجاورة للطريق وحمله ودسَّه في التراب ولم تخرج جثته إلى النور إلا ليقوم الطبيب الشرعي بتشريحيه ليقول لنا في تقريره إنه طفل ذكر حديث الولادة ملفوف بشاش طبي وعلى حبله السري مشبك طبي وتظهر به علامات اخضرار وزوال التيبس الرمي وهو ما يتماشى مع تاريخ الواقعة لحين الكشف والتشريح وأثبت اختبار الرئتين ولادته حياً ، ووجود كدمات حيوية بالرأس والشفتين وهي إصابات رضية حدثت قبل الوفاة ونتجت من جسم صلب راض وعنف جنائي على الطفل قبل وفاته ، وكذا وجود تكدم على الشفتين وإفرازات مدمجة من فتحتي الأنف وفتحة الفم واحتقان بالأحشاء الداخلية تشير إلى حدوث الوفاة باسفكسيا كتم النفس بواسطة جسم صلب راض أحدث التكدمات على الشفتين وسد المسالك الهوائية الخارجية – الفم والأنف – من الرمال والتراب بعد دفن الطفل حياً في الأرض ، والطفل عمره حوالى سبعة أشهر رحمية وأثبت تحليل D . N . A مطابقة العينة المأخوذة من الطفل مع دماء المتهم الأول والشاهدة الثالثة وأنه ثمرة جماع بينهما ... " وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعنين أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف الطاعنين بتحقيقات النيابة العامة ، ومما جاء بكتابي شركة .... للاتصالات واتحاد الإذاعة والتليفزيون ، ومما ثبت بتقرير الصفة التشريحية وتقرير فحص البصمة الوراثية . لما كان ذلك ، وكان يبين مما سطره الحكم المطعون فيه أنه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وكان لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد ؛ لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها ، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى وسرداً لمؤدى أقوال الشهود يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة وحصل مضمونها بطريقة وافية ولم يجهل بها – كما يدعي الطاعنان في طعنهما – أو يحرفها عن مواضعها على ما يبين من المفردات المضمومة ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، ولا يقدح في سلامة الحكم – على فرض صحة ما يثيره الطاعنان – عدم اتفاق أقوال الشاهدة الرابعة مع أقوال الشاهدة الثالثة وكذلك أقوال الشاهد السادس مع أقوال الشاهد الخامس في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل تلك الأقوال بما لا تناقض فيه ، ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته . هذا فضلاً عن أن الأصل أنه لا يقبـل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن ، ولما كان منعى الطاعنين في هذا الخصوص لا يتصل بشخص الطاعنين ولا مصلحة لهما فيه بل يختص بالمحكوم عليه الأول الذي لم يطعن على الحكم ، ومن ثم فلا يقبل منهما ما أثير في هذا المنعى . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لقصد القتل وتوافره في حق الطاعنين بقوله : " .... فهي ثابتة في حق المتهمين أخذاً من إقرار الثاني والثالث بالتحقيقات من إعلان أولهما برغبته في قتل وليده لعدم رغبته في نسبته إليه من قبل أمه وخشية افتضاح أمر زواجه في محيط عمله وعائلته واتجهت إرادته إلى قتله بدسه في التراب وهو على قيد الحياة ولا حول له ولا قوة ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه هذا البغي والمتهمان الآخران معه على قلب واحد منذ أن علما بنيته في الخلاص من وليده حتى لحظة تمام تنفيذ القتل يشدان من أزره ويقويان من عزيمته فدل كل ذلك بيقين لا يقبل شكاً على توافر قصد القتل في حق المتهمين جميعاً .... " وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر توافر هذا القصد من ظروف الدعوى وملابساتها على نحو سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافره لدى الطاعنين كما هو معرف به في القانون ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير مقبول ، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بالقصور أو الفساد في الاستدلال في استظهار نية القتل ما دامت العقوبة المقضي بها عليهما – وهي الحبس مع الشغل لمدة سنتين – مبررة في القانون حتى مع عدم توافر هذا القصد . لما كان ذلك ، وكان سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها – طال هذا الزمن أو قصر – بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير ، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا يقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض ، وكان الحكم قد استظهر توافر سبق الإصرار لدى الطاعنين في قوله : " ... أن ظرف سبق الإصرار قد توافر في الدعوى في حق المتهمين جميعاً ، وذلك أخذاً من الظروف والملابسات التي أحاطت بالدعوى إذ إنه بعد أن علم المتهم الأول إنجاب زوجته عرفياً طفل منه اعتبره معرة أصابته ففكر ودبر قتل ذلك الطفل وصمم عليه في روية قبل مقارفته وظل على فكره هذا واستعان في ذلك برفيقيه المتهمين الثاني والثالث الذين لا يقلان عنه قسوة وبغياً ، دل عليه توجههم جميعاً على قلب رجل واحد وقد أشربوا في قلوبهم العناد والعدوان إلى حيث مستشفى .... ، وبعد أن حصلوا على الوليد البائس وانطلقوا يتخافتون إلى الصحراء وغدوا على حرد قادرين والأول يكرر على مسامعهم أنه لقاتل طفله الذي كانت الحياة تنبض في عروقه آنذاك إلى أن وصل الركب مكان الدفن وهناك وبقلب استحوذ عليه الشيطان وسكنه دس الأول فلذة كبده في التراب والمتهمان الآخرين في انتظاره ، وقد قست قلوبهم بل هي أشد قسوة من الحجارة ، وقد تحقق للمتهمين الثلاثة ما أرادوا وكانوا عليه مصممين وهو ما أيدته التحريات وكشفت عنه ظروف الدعوى وملابساتها ولم يكن في مكرهم لارتكاب الجريمة ثمة اضطراب مشاعر أو انفعال نفسي بل كان تفكيرهم هادئاً مستقراً على القتل منذ علم الأول بمولد القتيل واصطحابه للآخرين لاستلام الطفل من أقارب أمه وحتى ساعة دسه في التراب على النحو الذي أوردته المحكمة آنفاً وهو ما تطمئن إليه وتأخذ به دليلاً على توافر ظرف سبق الإصرار ويتعين معه تبعاً لذلك مساءلة المتهمين الثاني والثالث عن جريمة القتل ويرتب التضامن بينهم في المسئولية الجنائية " وكان ما أورده الحكم – فيما سلف – يتحقق به ظرف سبق الإصرار على النحو المعرف قانوناً ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما انتهى إليه الحكم – فيما تقدم – كافياً بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم ، وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها مما يرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية ، ومن ثم فإن كلاً منهم يكون مسئول عن جريمة القتل العمد التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان من المقرر الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخـرى ، كما أن لها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم من أي عيب واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب ، وكانت المحكمة قد تحققت من أن اعتراف الطاعنين سليم مما يشوبه واطمأنت إليه بنفسها للأسباب السائغة التي أوردتها ، فلا عليها إن هي أخذت به وعولت عليه حتى لو عدل الطاعنان أمامها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يكون له وجه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم من تعويله على تحريات الشرطة رغم قصورها عن التدليل على مقارفتهما لما أدينا به ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول على تقرير مقدم من كبير الأطباء الشرعيين بل اعتمد أساساً على ما تضمنه تقرير الصفة التشريحية ، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين قد أثاروا ثمة منازعة في هذا الخصوص ، فإن منازعتهما في هذا الأمر وإثارته أمام محكمة النقض تفتقر إلى سند قبولها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة للواقعة ودلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين ثم ساق الحكم أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته دون تناقض ، فإن ما يثيره الطاعنان من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي له إيراداً ورداً ، وكان الطاعنان لم يكشفا بأسباب الطعن عن أوجه الدفاع والدفوع التي لم ترد عليها المحكمة بل ساقا قولهما مرسلاً مجهلاً ، فإن منعاهما في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أن النيابة العامة اتهمت الطاعنين وآخر – سبق الحكم عليه – بوصف أنهم قتلوا الطفل حديث الولادة عمداً مع سبق الإصرار ، وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وبعد أن استبعدت المحكمة ظرف سبق الإصرار في حق المتهمين قضت بمعاقبة الطاعنان بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عما أسند إليهما ، فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ، ومحكمة النقض قضت بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة الجنايات للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى ، وإذ أعيدت القضية إلى محكمة الجنايات – محكمة الإعادة – انتهت إلى إدانتهم طبقاً للوصف الوارد بأمر الإحالة – قتل عمد مع سبق الإصرار – ومعاقبة الطاعنين بذات العقوبة المقضي بها من الهيئة الأولى التي نقض حكمها . لما كان ذلك ، وكان المبدأ القاضي بأن المحكوم عليه لا يجوز أن يضار بتظلمه إذا صح الأخذ به في الطعن بطريق النقض فلا يصح إعماله إلا من ناحية مقدار العقوبة الذي يعتبر حداً أقصى لا يجوز للهيئة الثانية أن تتعداه ، ولا يصح أن يتناول النواحي الأخرى ، مثل تقدير وقائع الدعوى أو إعطاء الحادث وصفه الصحيح ، فإذا كانت الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لم تخالف الهيئة الأولى التي نقض حكمها ، إلا في الوصف القانوني الذي أعطته لها – وهو الوصف الأصيل الوارد بأمر الإحالة – وكانت العقوبة التي أوقعها الحكم المطعون فيه لم تتعد العقوبة التي قضى بها الحكم السابق نقضه ، فلا يمكن القول بأن الحكم المطعون فيه قد سوأ مركز الطاعنين ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير مقبول . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .    
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق