الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 يوليو 2019

الطعن 1390 لسنة 38 ق جلسة 9/ 12/ 1968 مكتب فني 19 ج 3 ق 217 ص 1062

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1968
برئاسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونور الدين عويس، ونصر الدين عزام، محمد أبو الفضل حفني.
-------------
(217)
الطعن رقم 1390 لسنة 1968 القضائية
(أ، ب) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". "قرائن". "الإثبات بالكتابة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "دفوع. الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة". نظام عام. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". سرقة.
(أ) حرية القاضي الجنائي في الأخذ من أية بينة أو قرينة دليلاً لحكمه. ما دام لا يقيده نص في القانون.
متى يتقيد القاضي الجنائي بقواعد الإثبات المدنية؟
(ب) أحكام الإثبات في المواد المدنية مقررة لمصلحة الخصوم
عدم تمسك الطاعن بالدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة قبل سماع الشهود. اعتبار الطاعن متنازلاً عن التمسك بالإثبات بالكتابة. لا يجوز له التمسك بالدفع بعد ذلك.
(ج ، د) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". محكمة الموضوع. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(ج) حق محكمة الموضوع في رد الواقعة إلى صورتها الصحيحة.
(د) تقدير أقوال الشهود. موضوعي.
-------------
1 - الأصل في المحاكمات الجنائية هو أن العبرة في الإثبات هي باقتناع القاضي بناء على التحقيقات التي يجريها بنفسه واطمئنانه إلى الأدلة التي عول عليها في قضائه، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وهو لا يتقيد بقواعد الإثبات المقررة في القانون المدني إلا إذا كان قضاؤه في الدعوى الجنائية يتوقف على وجوب الفصل في مسألة مدنية هي عنصر من عناصر الجريمة المطروحة للفصل فيها، أما إذا كانت المحكمة ليست في مقام إثبات اتفاق مدني وإنما هي تواجه واقعة مادية بحت - كما هي الحال في الدعوى المطروحة - وهي مجرد اتصال المتهم بالمسروقات قبل انتقالها من يده إلى يد من ضبطت عنده، فإنه يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن.
2 - أحكام الإثبات في المواد المدنية ليست من النظام العام بل هي مقررة لمصلحة الخصوم فقط، وما دام الطاعن لم يتمسك أمام المحكمة قبل سماع الشهود بعدم جواز الإثبات بالبينة - حسبما يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة بدرجتيها - فإن ذلك يعد منه تنازلاً عن المطالبة في الإثبات بالكتابة يمنعه فيما بعد من التمسك بهذا الدفع أمام محكمة النقض.
3 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن ترد الواقعة إلى صورتها الصحيحة التي ترتسم في وجدانها من جماع الأدلة المطروحة أمامها على بساط البحث وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
4 - من المقرر أن من سلطة محكمة الموضوع وزن أقوال الشهود وتقديرها، وفي اطمئنانها إلى أقوالهم ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من عبد الستار علي عبد النبي وآخرين بأنهم في يوم 3 أبريل سنة 1965 بدائرة مركز بني مزار محافظة المنيا: المتهمون الأول والثاني والثالث سرقوا كمية الأسمنت 400 شيكارة، والمملوكة لشركة إيدس حالة كونهم من المحترفين بحرفة النقل. المتهم الرابع أخفى الأشياء سالفة الذكر وهي مسروقة مع علمه بذلك. وطلبت عقابهم بالمادتين 44 مكرر و317/ 8 من قانون العقوبات. ومحكمة بني مزار الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس كل من المتهمين الأربعة ثلاثة أشهر مع الشغل والنفاذ. فاستأنف المتهمون هذا الحكم ومحكمة المنيا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً. (أولاً) بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للمتهمين الأول والثاني والثالث. (ثانياً): بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم الرابع مما أسند إليه. فطعن المتهم الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة سرقة كمية من الأسمنت المملوكة لشركة إيدس قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه أهدر الدليل الكتابي المستمد من توقيع مساعد أمين المخزن على إيصالات الاستلام وأخذ بالاعتبار قوله إنه لم يتسلم من الأسمنت سوى نصف الكمية التي وقع باستلامها من أنه لا يجوز إثبات عكس ما قام بالكتابة إلا بالكتابة هذا ومن الجائز أن يكون الشاهد المذكور هو الذي بدد تلك الكمية ثم راح يتلمس سبباً يستر به فعله، كما أن الحكم أغفل الرد على دفاع الطاعن من أن الثابت ببلاغ الحادث أن سيارته هي التي أفرغت حمولتها باعتراف مساعد أمين المخزن ومن ثم فلا يسأل الطاعن عن حمولة السيارة الأخرى وهي في حوزة متهم آخر وأنه لا يسوغ مساءلتهما معاً - كما أن الشاهد المذكور اتهم السائق الآخر بأنه هو الذي خدعه واستوقعه على ما يفيد استلامه لضعف كمية الأسمنت التي تسلمها فعلاً. هذا فضلاً عما ثبت من أن سيارة السائق الآخر مرت للجهة البحرية في طريقها إلى القاهرة أو حلوان في الساعة السادسة مساء وأن سيارة الطاعن مرت قبل ذلك بنحو ساعة بينما قرر المتهم الرابع أنه اشترى حمولة السيارة الأولى في الساعة التاسعة مساء، وفي إغفال الحكم الرد على كل أولئك ما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن رئيس شئون الأفراد بالشركة الإيطالية المجني عليها أبلغ نقلاً عن مساعد أمين المخزن أن الطاعن سائق السيارة رقم 490 نقل القاهرة حضر يوم الحادث وسلمه حمولة سيارته ومقدارها 400 شيكارة من الأسمنت وحصل على توقيع منه على صور الاستمارات بما يفيد استلامه حمولة سيارتين ومقدارها 800 شيكارة وبسؤال محمد عبد الغني عبد اللطيف مساعد أمين المخزن قرر أن الطاعن حضر إليه يوم الحادث وطلب منه استلام حمولة سيارته رقم 490 نقل القاهرة ومقدارها 400 شيكارة من الأسمنت وبعد أن أفرغ هذه الحمولة قدم إليه ثماني صور للاستمارات ليوقع عليها مع أن المفروض أن تكون أربع صور فقط فلما استفسر منه عن ذلك أوهمه بأن كل أربع منها عن مائتي شيكارة فوقع على أربع صور واستبقى باقيها لعرضها على المهندس عند حضوره ولما أطلع الأخير عليها تبين أن الصور جميعها خاصة بثمانمائة شيكارة وعلل الشاهد الأمر بأنه يجهل اللغة الإيطالية التي حررت بها تلك الاستمارات ثم استطرد يقول إنه في اليوم التالي أخبره عتال هذه السيارة أن الطاعن أدخل عليه الغش، بينما أكد الأخير أنه سلم 800 شيكارة حمولة سيارته وسيارة زميله المتهم الثالث وذلك على خلاف الواقع وأشهد الشاهد على صحة أقواله حمالي الشركة المجني عليها فجاءت أقوالهم مؤيدة لروايته بينما قرر المتهم الثالث أنه وصل يوم الحادث بالسيارة النقل قيادته رقم 7168 نقل القاهرة لمقر الشركة حيث وجد زميله الطاعن في انتظار أوراق الحمولة التي أفرغها ثم قام هو من جانبه بإفراغ حمولة سيارة وقدم إلى مساعد أمين المخزن أوراق حمولة موقع عليها كما وقع على أوراق حمولة زميله. ولم تخرج أقوال الطاعن وأقوال المتهم الثاني عن هذا المعنى. وتبين من اطلاع المحقق على دفتر سيارة الطاعن أن رقمها لم يوضح بالصحيفة الموقع عليها من مساعد أمين المخزن كما يبين من الاطلاع على دفتر السيارة قيادة المتهم الثالث أنه لم يوقع عليه من مساعد أمين المخزن ولم يثبت به أمر تشغيل من الشركة صاحبة السيارة أو جهة الوصول وتبين من مذكرة كونستابل المرور أن السيارة رقم 490 نقل القاهرة - قيادة الطاعن - مرت يوم الحادث 3 إبريل سنة 1965 الساعة 11 مساء بنقطة مرور الموده من قبلي إلى بحري وبنقطة مرور الشيخ زياد في نفس اليوم الساعة 11.15 مساء وفي الاتجاه ذاته وأن السيارة رقم 7168 نقل القاهرة - قيادة المتهم الثالث - لم تمر بنقطة المرور في ذلك التاريخ وإن كانت قد مرت بنقطة مرور الشيخ زياد في الساعة 2.50 مساء من بحري إلى قبلي وفي الساعة 5.55 من قبلي إلى بحري وأسفرت تحريات المباحث أن كمية الأسمنت المسروقة قد هربت بمعرفة الطاعن وسلمت للمتهم الرابع فأخفاها لدى أشخاص أسفر تفتيشهم عن وجودها لديهم ولما نوقش هذا المتهم أقر بأنه اشترى من الطاعن وفي حضور المتهم الثاني أربعمائة شيكارة من الأسمنت رغم أنه لا يعرفه من قبل ولم يسبق له التعامل معه ودون أن يعلم مصدر هذا الأسمنت وإن كان على بينة بمنع تداوله إلا بتصريح كما قرر أنه باع كمية الأسمنت بسعر يزيد عن المقرر لأشخاص حددهم وتم ضبطها لديهم. واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال محمد عبد الغني عبد اللطيف وإلى أقوال حمالي الشركة التي جاءت مؤيدة لأقوال الشاهد الأول وإلى اعتراف المتهم الرابع في جميع مراحل التحقيق وإلى ضبط الأسمنت المختلس لدى المشترين. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم المطعون فيه لاعتماده في إدانته على أقوال شاهد الإثبات محمد عبد الغني عبد اللطيف مع أنها لا تصلح في صحيح القانون دليلاً يصح الاعتماد عليه لمخالفتها لإقراره المكتوب باستلام الأسمنت فلا يجوز إثبات عكسه إلا بالكتابة، ما يثيره الطاعن من ذلك مردود بأن الأصل في المحاكمات الجنائية هو أن العبرة في الإثبات هي باقتناع القاضي بناء على التحقيقات التي يجريها بنفسه واطمئنانه إلى الأدلة التي عوّل عليها في قضائه، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وهو لا يتقيد بقواعد الإثبات المقررة في القانون المدني إلا إذا كان قضاؤه في الدعوى الجنائية يتوقف على وجوب الفصل في مسألة مدنية هي عنصر من عناصر الجريمة المطروحة للفصل فيها، أما إذا كانت المحكمة ليست في مقام إثبات اتفاق مدني وإنما هي تواجه واقعة مادية بحت - كما هي الحال في الدعوى المطروحة - وهي مجرد اتصال المتهم بالمسروقات قبل انتقالها من يده إلى يده من ضبطت عنده، فإنه يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن. على أنه بفرض أن الواقعة المدنية تكون عنصراً من عناصر الجريمة، فإن ما يثيره الطاعن يعد - رغم ذلك - غير سديد في القانون، ذلك بأن أحكام الإثبات في المواد المدنية ليست من النظام العام بل هي مقررة لمصلحة الخصوم فقط وما دام الطاعن لم يتمسك أمام المحكمة قبل سماع الشهود بعدم جواز الإثبات بالبينة - حسبما يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة بدرجتيها - فإن ذلك يعد منه تنازلاً عن المطالبة بالإثبات بالكتابة يمنعه فيما بعد من التمسك بهذا الدفع أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة السرقة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مردودة إلى أصلها الثابت في الأوراق استمدها من أقوال شهود الإثبات وتحريات رجال المباحث وما ثبت في دفاتر المرور من اعتراف المتهم الرابع في جميع مراحل التحقيق بأنه اشترى من الطاعن الأربعمائة شيكارة المسروقة من الأسمنت المملوك للشركة المجني عليها وباعها إلى آخرين حددهم ثم ضبطها لديهم وهو ما يكفي لحمل قضاء الحكم. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من منازعة في التصوير الذي اعتنقه الحكم لواقعة الدعوى ونعيه عليه إطراحه الصورة التي أوردها الطاعن للحادث من احتمال سرقة مساعد أمين المخزن للمسروقات فمردود بأن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن ترد الواقعة إلى صورتها الصحيحة التي ترتسم في وجدانها من جماع الأدلة المطروحة أمامها على بساط البحث وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. أما ما يثيره الطاعن من منازعة في القوة التدليلية لشهادة مساعد أمين المخزن، فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها بما لا تناقض فيه مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام هذه المحكمة لما هو مقرر من سلطة محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتقديرها، وفي اطمئنان المحكمة إلى أقوال الشهود ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. أما سائر ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه، فإنه ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدي إليه مما تستقل به بغير معقب عليها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق