مجلة المحاماة - العدد الرابع
السنة الخامسة - يناير سنة 1925
استثمار أموال القصر والمحجور عليهم
وودائع المحاكم الأهلية والشرعية
اقتراح
مقدم لوزارتي الحقانية والمالية
من مبادئ الرقي العصري في السياسة المالية وجوب استثمار الأموال المدخرة وعدم جمودها في الخزائن.
وإذا حسن ذلك في أموال من كان مطلق التصرف فأحرى أن يراعى في أموال عديم الأهلية.
لذلك فإنا نشكر لإدارة المجالس الحسبية سعيها في حمل الأوصياء والقوام على استثمار أموال محجوريهم بشراء سندات مالية للحكومة ذات فائدة مضمونة أو بشراء عقارات ذات إيراد أو بتسليفها بالفائدة القانونية بتأمين عقاري صحيح.
على أنه من المحقق أنه يصعب على بعض الأوصياء والقوام سلوك هذا السبيل بسبب عقبات أو موانع شخصية أو مركزية فيترتب على ذلك جمود المال الكثير بدون ثمرة لأصحابه زمنًا طويلاً.
وقد تحقق لي أن متوسط مجموع المبالغ الجامدة في خزائن المجالس الحسبية يبلغ سنويًا نحو أربعمائة ألف جنيه، ومتوسط ما في أيدي الأوصياء والقوام يبلغ حوالي مائتي ألف جنيه فتكون الجملة ستمائة ألف جنيه ليس من حسن السياسة تركها عديمة الثمرة.
وقد طرأ على فكري اقتراح في معالجة هذه الحالة عرضته منذ شهر مارس الماضي على وزارة الحقانية وآثرت نشره ليبحثه رجال القانون ورجال المالية من الوجهتين الحقوقية والاقتصادية عسى أن يخرج من بحثه ممحصًا ذا فائدة للمصلحة العامة.
أما العلاج الذي أقترحه فهو أن تشتري الحكومة بقيمة متوسط المبالغ المودعة لديها ولدى الأوصياء الذين يلزمون بتسليمها ما لديهم، أعني بقيمة الستمائة ألف جنيه سندات مالية من سندات الدين المصري الموحد أو الدين الممتاز ذات فائدة تبلغ الآن حوالي خمسة ونصف بالماية أو ما يقرب من هذه النسبة، وتحفظ الحكومة هذه السندات لديها على ذمة أصحاب الودائع من عديمي الأهلية بحيث تكون هذه السندات مملوكة في الواقع لأصحاب الودائع التي دفعت في ثمنها، ويعتبر أصحاب الودائع شركاء في شركة محاصة مدنية رأس مالها الستمائة ألف جنيه التي اشتريت بها السندات، ويحق لهم اقتسام أرباحها التي تبلغ بواقع 5.5 بالماية 33000 جنيهًا فإذا توزعت هذه الأرباح على رأس المال أصاب كل مائة غرش من رأس المال خمسة غروش ونصف وهي غلة قل أن تعطيها أفضل الأطيان.
على أني أرى أن لا يعطى صاحب الوديعة ربحًا يزيد عن أربعة في الماية من قيمة ماله وأن تحفظ الحكومة ما يزيد من ريع السندات نظير مصاريف إدارتها لهذا العمل وأن لا يحاسب صاحب الوديعة على نصيبه من الربح إلا منذ بدء الشهر التالي لإيداعه أمواله وحتى نهاية الشهر السابق لتاريخ سحبه الوديعة على مثال ما هو جارٍ في ودائع صندوق التوفير بالبوستة.
وأرى في الأربعة بالمائة فائدة جليلة تفضل ما يُعطَى من الفائدة من السندات إذا اشتراها وكيل صاحب الوديعة مباشرةً لأن المشتري يضيع عليه زمن لحين الشراء ويبذل مصاريف كثيرة في الشراء والبيع ويخاطر في تحمل بعض الخسارة إذا نزلت قيمة السندات وقت البيع أما الحكومة فإنها إذا اشترت السندات فهي تدين ذاتها وهي لا تضطر لبيعها في وقت من الأوقات، هذا فضلاً عن أنه لا يصح أن تتوقع الحكومة هبوط أسعار سنداتها وإلا كانت عديمة الثقة بمكانتها المالية.
وليس في إعطاء الفائدة غبن على الحكومة لأن المادة (493) من القانون الأهلي المدني أوجبت على حافظ الوديعة أن يرد محصولها وفوائدها، فدفع الفائدة لأصحاب الودائع حق شرعي لهم في ذمتها لأنها هي تتقاضى فائدة عن تلك الودائع من البنك الأهلي حيث مودعة جميع أموالها الجامدة.
وقد يصح تطبيق هذا الاقتراح ليس فقط على أموال القصر المحجور عليهم، بل أيضًا على الأموال المودعة في خزائن المحاكم الأهلية حيث تبقى الشهور بل السنين الطويلة بدون أن يستفيد منها أصحابها بينما تأخذ عنها الحكومة رسم إيداع قدره واحد بالماية وتتقاضى الحكومة فائدة تذكر عن إيداعها بالبنك الأهلي [(1)].
ويصح أيضًا تطبيق هذه القاعدة في ودائع المحاكم الشرعية حيث يوجد عشرات بل مئات الآلاف الجنيهات محفوظة لذمة شراء عقارات لأوقاف أهلية فتبقى جامدة عاطلة الزمن الطويل لما يعترض قبول البدل من العقبات الكثيرة.
وأرى أخيرًا أنه إذا لم ترضَ الحكومة القيام بهذه العملية فيصح أن يوكل بها لبنك مصر الذي لا يرفضها لما فيها من الفائدة الأكيدة فضلاً عما فيها من الخدمة الوطنية التي أنشئ من أجلها ذلك المصرف الوطني.
وأرجو أن لا يقوم على الطريقة المقترحة اعتراض شرعي يحول دون إمكان تنفيذ الاقتراح بحجة تحريم الشرع الإسلامي التعامل بالفوائد فإن الأمر محلل شرعًا بشركة المحاصة التي ذكرتها آنفًا فضلاً عن أن هناك فتاوى مشهورة تجعل الأمر ميسورًا شرعًا ولا تعتبر فائدة السندات من الربا المحرم.
وفي سائر الأحوال فإننا اليوم في عصر جديد يقضي بضرورة استثمار الأموال المخزونة فإذا ما جارينا الرقي الغربي في ذلك كان جمودنًا سببًا في ثبوت تغلب الغرب علينا في مضمار التجارة والصناعة الذي يحركهما المال غير الجامد، ولا نجني من نهضتنا السياسية فائدة تذكر إذ نرى أنفسنا مثقلين بالدين المطلوب للغرب فتذهب فيه ثروة بلادنا وثمرة جهودنا.
إذًا يخلق بنا أن نتنبه فنسير إلى الأمام في تلك النهضة المباركة التي تقدمنا فيها رجال بنك مصر بالأعمال المالية والتجارية والصناعية فكانوا لنا قدوة حسنة وأظهروا للغربيين مثلاً صالحًا لما يرجى أن يأتيه الشرقيون من العمل النافع.
إميل بولاد
المحامي
استثمار أموال القصر والمحجور عليهم
وودائع المحاكم الأهلية والشرعية
اقتراح
مقدم لوزارتي الحقانية والمالية
من مبادئ الرقي العصري في السياسة المالية وجوب استثمار الأموال المدخرة وعدم جمودها في الخزائن.
وإذا حسن ذلك في أموال من كان مطلق التصرف فأحرى أن يراعى في أموال عديم الأهلية.
لذلك فإنا نشكر لإدارة المجالس الحسبية سعيها في حمل الأوصياء والقوام على استثمار أموال محجوريهم بشراء سندات مالية للحكومة ذات فائدة مضمونة أو بشراء عقارات ذات إيراد أو بتسليفها بالفائدة القانونية بتأمين عقاري صحيح.
على أنه من المحقق أنه يصعب على بعض الأوصياء والقوام سلوك هذا السبيل بسبب عقبات أو موانع شخصية أو مركزية فيترتب على ذلك جمود المال الكثير بدون ثمرة لأصحابه زمنًا طويلاً.
وقد تحقق لي أن متوسط مجموع المبالغ الجامدة في خزائن المجالس الحسبية يبلغ سنويًا نحو أربعمائة ألف جنيه، ومتوسط ما في أيدي الأوصياء والقوام يبلغ حوالي مائتي ألف جنيه فتكون الجملة ستمائة ألف جنيه ليس من حسن السياسة تركها عديمة الثمرة.
وقد طرأ على فكري اقتراح في معالجة هذه الحالة عرضته منذ شهر مارس الماضي على وزارة الحقانية وآثرت نشره ليبحثه رجال القانون ورجال المالية من الوجهتين الحقوقية والاقتصادية عسى أن يخرج من بحثه ممحصًا ذا فائدة للمصلحة العامة.
أما العلاج الذي أقترحه فهو أن تشتري الحكومة بقيمة متوسط المبالغ المودعة لديها ولدى الأوصياء الذين يلزمون بتسليمها ما لديهم، أعني بقيمة الستمائة ألف جنيه سندات مالية من سندات الدين المصري الموحد أو الدين الممتاز ذات فائدة تبلغ الآن حوالي خمسة ونصف بالماية أو ما يقرب من هذه النسبة، وتحفظ الحكومة هذه السندات لديها على ذمة أصحاب الودائع من عديمي الأهلية بحيث تكون هذه السندات مملوكة في الواقع لأصحاب الودائع التي دفعت في ثمنها، ويعتبر أصحاب الودائع شركاء في شركة محاصة مدنية رأس مالها الستمائة ألف جنيه التي اشتريت بها السندات، ويحق لهم اقتسام أرباحها التي تبلغ بواقع 5.5 بالماية 33000 جنيهًا فإذا توزعت هذه الأرباح على رأس المال أصاب كل مائة غرش من رأس المال خمسة غروش ونصف وهي غلة قل أن تعطيها أفضل الأطيان.
على أني أرى أن لا يعطى صاحب الوديعة ربحًا يزيد عن أربعة في الماية من قيمة ماله وأن تحفظ الحكومة ما يزيد من ريع السندات نظير مصاريف إدارتها لهذا العمل وأن لا يحاسب صاحب الوديعة على نصيبه من الربح إلا منذ بدء الشهر التالي لإيداعه أمواله وحتى نهاية الشهر السابق لتاريخ سحبه الوديعة على مثال ما هو جارٍ في ودائع صندوق التوفير بالبوستة.
وأرى في الأربعة بالمائة فائدة جليلة تفضل ما يُعطَى من الفائدة من السندات إذا اشتراها وكيل صاحب الوديعة مباشرةً لأن المشتري يضيع عليه زمن لحين الشراء ويبذل مصاريف كثيرة في الشراء والبيع ويخاطر في تحمل بعض الخسارة إذا نزلت قيمة السندات وقت البيع أما الحكومة فإنها إذا اشترت السندات فهي تدين ذاتها وهي لا تضطر لبيعها في وقت من الأوقات، هذا فضلاً عن أنه لا يصح أن تتوقع الحكومة هبوط أسعار سنداتها وإلا كانت عديمة الثقة بمكانتها المالية.
وليس في إعطاء الفائدة غبن على الحكومة لأن المادة (493) من القانون الأهلي المدني أوجبت على حافظ الوديعة أن يرد محصولها وفوائدها، فدفع الفائدة لأصحاب الودائع حق شرعي لهم في ذمتها لأنها هي تتقاضى فائدة عن تلك الودائع من البنك الأهلي حيث مودعة جميع أموالها الجامدة.
وقد يصح تطبيق هذا الاقتراح ليس فقط على أموال القصر المحجور عليهم، بل أيضًا على الأموال المودعة في خزائن المحاكم الأهلية حيث تبقى الشهور بل السنين الطويلة بدون أن يستفيد منها أصحابها بينما تأخذ عنها الحكومة رسم إيداع قدره واحد بالماية وتتقاضى الحكومة فائدة تذكر عن إيداعها بالبنك الأهلي [(1)].
ويصح أيضًا تطبيق هذه القاعدة في ودائع المحاكم الشرعية حيث يوجد عشرات بل مئات الآلاف الجنيهات محفوظة لذمة شراء عقارات لأوقاف أهلية فتبقى جامدة عاطلة الزمن الطويل لما يعترض قبول البدل من العقبات الكثيرة.
وأرى أخيرًا أنه إذا لم ترضَ الحكومة القيام بهذه العملية فيصح أن يوكل بها لبنك مصر الذي لا يرفضها لما فيها من الفائدة الأكيدة فضلاً عما فيها من الخدمة الوطنية التي أنشئ من أجلها ذلك المصرف الوطني.
وأرجو أن لا يقوم على الطريقة المقترحة اعتراض شرعي يحول دون إمكان تنفيذ الاقتراح بحجة تحريم الشرع الإسلامي التعامل بالفوائد فإن الأمر محلل شرعًا بشركة المحاصة التي ذكرتها آنفًا فضلاً عن أن هناك فتاوى مشهورة تجعل الأمر ميسورًا شرعًا ولا تعتبر فائدة السندات من الربا المحرم.
وفي سائر الأحوال فإننا اليوم في عصر جديد يقضي بضرورة استثمار الأموال المخزونة فإذا ما جارينا الرقي الغربي في ذلك كان جمودنًا سببًا في ثبوت تغلب الغرب علينا في مضمار التجارة والصناعة الذي يحركهما المال غير الجامد، ولا نجني من نهضتنا السياسية فائدة تذكر إذ نرى أنفسنا مثقلين بالدين المطلوب للغرب فتذهب فيه ثروة بلادنا وثمرة جهودنا.
إذًا يخلق بنا أن نتنبه فنسير إلى الأمام في تلك النهضة المباركة التي تقدمنا فيها رجال بنك مصر بالأعمال المالية والتجارية والصناعية فكانوا لنا قدوة حسنة وأظهروا للغربيين مثلاً صالحًا لما يرجى أن يأتيه الشرقيون من العمل النافع.
إميل بولاد
المحامي
[(1)] إن المحاكم المختلطة تتناول على ودائعها بالبنك الأهلي فائدة سنوية قدرها ثلاثة بالماية تعطي اثنين منها لأرباب الودائع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق